حديث: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ثم ننصرف
قال: وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: « كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، ثم ننصرف، وليس للحيطان ظل يستظل به »(1) متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ لمسلم: « كنا نجمع منه إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء »(2) وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: « ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة »(3) متفق عليه.
وقيل في مسألة المنبر بعض أهل العلم يرى أن لا يكون المنبر ضخما أو كبيرا، وقد عده جمع من أهل العلم فخامة المنبر وكبره، بل عده جمع من أهل العلم من الأمور غير المشروعة، أو من الأمور المبتدعة حينما يزاد به عن حده، بل يكون مقاربا لما صنع في عهده -عليه الصلاة والسلام- وفي عهد الخلفاء الراشدين.
وسلمة هذا هو سلمة بن عامر الأكوع الأسلمي -رضي الله عنه- وهو من فرسان الصحابة ومن شجعانهم، ومن أفاضل الصحابة -رضي الله عنه- توفي في سنة أربع وسبعين.
قال: « كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به »(1) وفي اللفظ الآخر: فيه، أورد المصنف -رحمه الله- هذا الخبر، وما في معناه من حديث سهل بن سعد للدلالة لما ذهب إليه جمهور أهل العلم أن صلاة الجمعة تكون بعد الزوال؛ لأنه قال: أخبر أن للحيطان ظلا، أنه للحيطان ظل، وفي اللفظ الآخر قال: « كنا نجمع منه إذا زالت الشمس »(2)
وهذا فيه دلالة على أن الجمعة تكون بعد زوال الشمس، وفي لفظ آخر قال: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة، وهذا إخبار عن عادتهم، وأنه كانوا يتغدون في الأصل قبل الظهر، لكن يوم الجمعة كانوا يأخرون بعد الزوال؛ لأن الجمعة لا تؤدى إلا بعد الزوال، هذا هو ما ذكره المصنف -رحمه الله- وهو قول الجمهور.
والقول الثاني، وهو في إحدى الروايتين لأحمد -رحمه الله- أنه يجوز أداء الجمعة قبل الزوال، وقالوا: إن هذه الأخبار لا دلالة فيها قوله: كنا نجمع.
من جهات: الأول أنه قال في نص هذا الخبر قال: ثم ننصرف، وليس للحيطان ظل يستظل به، فهذا يدل على أنها تقام قبل الزوال خاصة مع ما عهد عنه -عليه الصلاة والسلام- من ترسله وتأنيه في الكلام وطول صلاته -عليه الصلاة والسلام-.
وأخبر كما في حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: « إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة »(4) . كما في صحيح مسلم، وكذلك في قوله: « كنا نجمع إذا زالت الشمس »(5) هذا فيه إخبار عن فعلهم.
والقاعدة أنه إذا أخبر: كنا نفعل كذا أو نفعل كذا، فإنه لا يدل على التحقيق على الوجوب لا يدل على الوجوب إلا إذا نقل نقلا متواصلا منه، وداوم على هذا الفعل -عليه الصلاة والسلام- إذا كان يداوم على هذا الفعل في الصلاة، ولم يعلم أنه فعل خلافه، وكانت هذه سنته -عليه الصلاة والسلام- دائما مع قوله: « صلوا كما رأيتموني أصلي »(6) . هذا يدل.
أما إذا نقل أنه كان يفعل ذلك مع الاحتمال، فإن هذا لا يدل على الوجوب؛ ولهذا أثبت في الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- قالت عائشة: « كان يصلي العصر والشمس في حجرتي »(7)
وجاء في أخبار عدة الإخبار عن صلاة الظهر في وقت، وهذا لا يدل على وجوبها في هذا الوقت؛ فإن وقتها موسع، هذا نقول: إن هذه الأخبار لا تدل على الوجوب، لا تدل على أنها لا تجب إلا بعد الزوال، خاصة أنه جاء ما يدل على خلاف هذا الخبر، فثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: « كنا نصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم نرجع إلى نواضحنا فنريحها، وقد زالت الشمس أو فنرجع إلى نواضحنا فنريحها إذا زالت الشمس »(8) . إذا ويدل على أنهم كانوا إذا رجعوا إلى نواضحهم ليروحوها، والنواضح هي التي يستقى عليها الماء من الإبل وغيرها، على أنه كان يصليها قبل الزوال.
وهذا هو الأظهر أنه يجوز أن تصلى قبل الزوال، لكن ليس كما قال بعضهم: إن وقتها وقت العيد، وأنها تصلى في الساعة الأولى بعد ارتفاع الشمس، فهذا لم يعهد من هديه -عليه الصلاة والسلام- بل أن تكون إقامتها قريبا من زوال الشمس أن يصليها قريبا من الزوال؛ ولهذا نقل في الأخبار أنه إذا فرغ منها -عليه الصلاة والسلام- فإذا الشمس قد زالت وصلاتها بعد الزوال أحوط، من جهة أن الاحتياط في الأمور الخلافية الأمور الاجتهادية التي يختلف فيها العلماء، وتكون الأدلة فيها قوية أمر مشروع.
فالاحتياط على الصحيح ليس بواجب ولا حرام، ليس بواجب ولا محرما، بل قد يكون مشروعا، وقد يكون ممنوعا، فليس كل احتياط مشروع، فالاحتياط الذي يكون فيه أخذ بالدليلين بدون مخالفة الأحاديث هو المشروع.
أما إذا كان الاحتياط يترتب عليه مخالفة لدليل، أو كان الاحتياط لقول يسنده قول مستند لحديث ضعيف أو حديث باطل، فإن الحديث ليس بمشروع، الاحتياط يكون مشروعا حينما يكون الخلاف قويا، ويكون لكل من القولين دليل في المسألة.
وقوله: واللفظ لمسلم عن سهل بن سعد قال: « ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة »(3) . متفق عليه، واللفظ لمسلم، وقد راجعت هذا اللفظ في البخاري فاللفظ لهما جميعا، اللفظ لهما جميعا، وهذا أيضا مما يدل كما سبق أنه -رحمه الله- يملي من حفظه، فهذا اللفظ لهما جميعا للبخاري ومسلم.
وفي رواية: في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذه الرواية عند مسلم أخرجها مسلم، وذكره المصنف -رحمه الله- بإشارة إلى أن هذا الخبر كان من فعلهم، وأنه مرفوع؛ لأنه ما فعل في عهده -صلى الله عليه وسلم- فإنه يكون حكمه حكم المرفوع .
(1) البخاري : المغازي (4168) , ومسلم : الجمعة (860) , والنسائي : الجمعة (1391) , وأبو داود : الصلاة (1085) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1100) , وأحمد (4/46) , والدارمي : الصلاة (1546). (2) مسلم : الجمعة (860). (3) البخاري : الجمعة (939) , ومسلم : الجمعة (859) , والترمذي : الجمعة (525) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1099). (4) مسلم : الجمعة (869) , وأحمد (4/263) , والدارمي : الصلاة (1556). (5) مسلم : الجمعة (860). (6) البخاري : الأذان (631) , والدارمي : الصلاة (1253). (7) البخاري : مواقيت الصلاة (546) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (611) , والترمذي : الصلاة (159) , والنسائي : المواقيت (505) , وأحمد (6/37). (8) مسلم : الجمعة (858) , والنسائي : الجمعة (1390) , وأحمد (3/331). |