باب صلاة الخوف
مشروعية صلاة الخوف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فيقول الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: باب صلاة الخوف .
صلاة الخوف، ضد صلاة الأمن، وتكون بسببها، وهي تشرع عند تحقق الخوف أو ظنه، عند تحقق الخوف، أو ظن الخوف، عند ذلك تشرع صلاة الخوف.
ولا يشترط لصلاة الخوف أن تكون حال القتال والمسايفة، بل كما بوّب أهل العلم وذكروا أنها تكون عند وجود الخوف، أو عند غلبة وجوده، كما صلى -عليه الصلاة والسلام-.
وصلاة الخوف نقل فيها صفات عديدة، بلغ بها جمع من أهل العلم أنواعا كثيرة، لكن المختار، والذي عليه كثير من أهل الاجتهاد والنظر أن أصولها نحو ست صفات أو سبع، وهو الذي نقل عن الإمام أحمد -رحمه الله-، وهو الذي أيضا اعتمده العلامة ابن القيم، والحافظ ابن حجر، أن أصولها تقارب الست أو السبع، وربما حصل في بعض الصفات خلاف يسير، لكنه ليس نوعا مستقلا.
وهذه الصفات جميعها لا بأس أن تصلى صلاة الخوف، على أي صفة جاءت ونقلت عنه-عليه الصلاة والسلام-، لكن يراعى في كل صفة ما يكون فيه الحذر، وما يكون فيه الاحتياط لأمر الصلاة، فلا بد من الحذر من العدو، ولا بد من الاحتياط لأمر الصلاة، فإذا كان الحذر من العدو، والاحتياط لأمر الصلاة في صفة من الصفات، صليت على الصفة التي نقلت عنه -عليه الصلاة والسلام-.
ولهذا صلاها على صفات عديدة، يصلي في كل حالة ما يناسب هذا المقام، قد يكون العدو قريبا، وقد يكون بعيدا، فيصلي الصلاة التي تناسبه، وقد يكون العدو كثيرا، وقد يكون العدو قليلا، فيصلي الصلاة التي تناسبه.
وقد يكون العدو مثلا في جهة قبلة المصلين، أو في جهة القبلة، أو لا يكون في جهة القبلة، فيصلي الصلاة التي تناسبه؛ ولهذا إذا اشتد الخوف جدا فإن لها صلاة خاصة؛ ولهذا الذي تبين من صلاة الخوف بالنظر إلى الأدلة أنها على ثلاثة أنواع من حيث الجملة.
النوع الأول: أن تصلى جماعة بإمام على الصفة المنقولة، يكبرون، يكبر بهم، ويركعون ويسجدون حتى ينهوا الصلاة على الصفات المنقولة بأنواعها.
النوع الثاني أو الحالة الثانية من حالاتها الإجمالية: ألا يتمكن من أدائها على هذه الصفة، بركوعها وسجودها، فيصلون إيماء، كما قال سبحانه: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾(1) يعني: على ظهور الخيل والإبل، أو راجلين، "رجالا" جمع راجل.
ومعنى راجلين: على أقدامهم، إن تيسر جماعة، وإن لم يتيسر صلوا فرادى بحسب ما يتمكنون به من أداء الصلاة، فإن تيسر أن يؤدوا ركوعها وسجودها، كان هو الواجب، وإلا صلوا إيماء بحسب ذلك.
الحالة الثالثة أو الحال الثالث: أنهم لا يتمكنون من صلاتها جماعة، ركوعا وسجودا، ولا صلاتها إيماء، فإنهم لا بأس أن يؤخروها، وإن خرج وقتها، وعلى هذا تتنزل صلاته -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الأحزاب، حيث صلى العصر بعدما غربت الشمس، وجاء في الرواية الثانية أنه: « صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء جميعا، وأنه أخر هذه الصلوات جميعها »(2) .
فقول المصنف -رحمه الله-: صلاة الخوف، يعني الصلاة التي سببها الخوف، والخوف -كما سبق- تصلى الصلاة عند وجود الخوف، ومن شرطه أن يكون القتال مباحا، فلا يشترط أن يكون العدو كافرا.
ففي قتال البغاة يجوز صلاة الخوف، أو مثلا محاربين، أو إنسان بغي عليه في ماله مثلا، فما تمكن أن يصلي إلا صلاة الخوف، فلا بأس أن يصلي صلاة الخوف، أو خشى من سبع، أو من عدو، ولم يتمكن من الصلاة إلا خائفا، جماعة أم فرادى، صلى صلاة الخوف.
والقتال -كما سبق- القتال المباح المأمور به؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: « من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد »(3) . كما في حديث عبد الله بن عمرو.
فهو القتال دون هذه الأشياء قتال مأمور به، وهو مشروع، فإذا أريد مثلا في ماله، أو في عرضه، أو جماعة أريدوا به ذلك ولم يتمكنوا إلا أن يصلوا صلاة الخوف، صلوا صلاة الخوف، فهي للخائف بشرط أن يكون قتاله ودفعه عن نفسه مباحا، لا أن يكون محرما، وأعظم ذلك، والأصل الذي جاءت فيه صلاة الخوف هو قتال الكفار والمشركين، كما ذكره المصنف وغيره، رحمة الله على الجميع.
(1) سورة البقرة: 239 (2) النسائي : المواقيت (587) , وأبو داود : الصلاة (1206) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1070) , وأحمد (5/237) , ومالك : النداء للصلاة (330) , والدارمي : الصلاة (1515). (3) البخاري : المظالم والغصب (2480) , ومسلم : الإيمان (141) , والترمذي : الديات (1419) , والنسائي : تحريم الدم (4084) , وأبو داود : السنة (4771) , وأحمد (2/206). |