حديث: عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع
قال -رحمه الله-: عن صالح بن خوات هذا هو تابعى جليل من رجال الكتب الستة عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم جاء في الرواية التي ذكرها أنه عن أبيه، وفي الرواية الثانية في الصحيحين أنه عن صالح بن خوات بن جبير، عن سهل بن أبي حثمة، كما في الصحيحين.
« عمن صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم "ذات الرقاع" صلاة الخوف، أن طائفة من أصحابه -صلى الله عليه وسلم- صلت معه، وطائفة وجاه العدو ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم »(1) . متفق عليه عند البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم. ووقع في المعرفة لابن منده، عن صالح بن خوات، عن أبيه.
هذه الغزوة سميت ذات الرقاع، كما جاء في رواية أنه: « نقبت أقدامهم، واشتدت عليهم الجروح في أقدامهم فلما..، فعند ذلك عصبوها، وربطوها بالرقاع، وسميت "ذات الرقاع" »(2) .
وقيل: إنها في مكان كان فيه حجارة بحمرا وسوادا؛ فلهذا سميت "ذات الرقاع" لكن المذكور في الخبر أنهم نقبت أقدامهم، فعصبوها، وربطوها بالرقاع والخرق.
فصلى « يوم "ذات الرقاع" صلاة الخوف، أن طائفة من أصحابه -صلى الله عليه وسلم- صلت معه، وطائفة وجاه العدو »(3) .
هذه صفة من صفات صلاة الخوف، أن يجعل الإمام في القتال أن يجعلهم صفين، أو يجعلهم جماعتين، سواء كانت إحدى الجماعتين كثيرة، أو قليلة، يجعلهم جماعتين، يصلي، تكون جماعة معه تصلي خلفه، وجماعة تكون تجاه العدو، تكون جماعة معه، وجماعة تجاه العدو.
فيصلي بالذين معه ركعة يكبر بهم ويصلي، فصلى بالذين معه ركعة، بمعنى أنه ركع بهم، كبر وهو قائم، ثم ركع بهم، ثم سجد سجدتين، ثم رفع وهو قائم، يصلي بهم ركعة.
هذا إذا كانت الصلاة ثنائية، أو كان في حالة السفر، وكانت الصلاة رباعية، وإذا كانت الصلاة مثلا ثلاثية كصلاة المغرب، يشرع أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين، أو كانت الصلاة رباعية؛ لأنه يجوز أن تصلى صلاة الخوف -أيضا على الصحيح- في الأمن، فلو صلى بهم الظهر مثلا يصلي بالطائفة الأولى ركعتين.
إذن على اختلاف الأحوال، وسيأتينا أن من صفات صلاة الخوف أنه يجوز أن تصلى ركعة على الصحيح، يعني من أقوال أهل العلم، أنه يجوز أن تصلي كل طائفة ركعة مع الإمام .
« ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم »(1) .
إذن الطائفة التي معه تصلي ركعة كاملة، ثم إذا رفع من السجدة الثانية، ورفعوا معه وقاموا، وقام، يثبت قائما، يقرأ، ثم هم يكملون هذه الركعة الثانية في مثلا صلاة الفجر، أو إذا كانت رباعية مقصورة، أو كانت صلاة الجمعة أو صلاة عيدين أو صلاة..، يعني إذا حصل سببها في هذه الصلوات، فإنه يجوز أن تصلى صلاة خوف أيضا في هذه الصلوات، ويتمون الصلاة كما في الرواية: « وأتموا لأنفسهم »(1) .
والمعنى أنهم صلوا ركعة ثانية، ثم سلموا، ثم ذهبوا إلى مصاف أصحابهم .
« ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو »(1) .
ويجب على الطائفة الأولى التي لم تحرم أن تبقى في مقامها، حتى تأتيها الطائفة الثانية، فلا يجوز لهم أن ينصرفوا من مكانهم بعدما تفرغ الطائفة الأولى من الصلاة، لا، يجب أن ينتظروا وأن يكونوا على حراستهم، وعلى تيقظهم، حتى تأتي الطائفة التي صلت الركعتين، ثم إذا أخذت موقعها، وسلمت لها الموقع تماما، جاءت الطائفة الأولى، التي لم تحرم، ولم تصل مع الإمام.
قال: « وجاءت الطائفة الأخرى »(1) .
التي كانت تحرس يعني .
« فصلى بهم الركعة التي بقيت »(1) .
يعني من صلاة الإمام، كما صلى -عليه الصلاة والسلام- .
فلما جاءوا، فإنه يصلي بهم ركعة، لكن هل ينتظرهم حتى يقرءوا الفاتحة، وما تيسر، أو إذا جاءوا يركع مباشرة؛ لأن الإمام كان قائما، وقد قرأ ما تيسر؟ .
يظهر -والله أعلم- أن هذا بحسب المصلحة، فإذا كان الخوف شديدا، ويستدعي الاستعداد، ويستدعي المبادرة إلى الركوع، ركع؛ لأنهم إذا أدركوا الركوع فقد أدركوا الركعة، إذا أدركوا الركوع، فقد أدركوا الركعة، وإذا كان الأمر لا إشكال فيه، وليس هنالك خوف شديد يستدعي ذلك، انتظرهم حتى يقرءوا الفاتحة، ثم يقرءوا ما تيسر.
فلا بأس بذلك، ثم بعد ذلك يركع بهم، ثم يسجد بهم؛ ولهذا قال: « فجاءت طائفة أخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت »(4) . بمعنى أنه صلى، ركع بهم، ثم رفع، ثم سجد السجدتين.
« ثم ثبت جالسا »(1) .
كما ثبت في الركعة الأولى قائما، انتظارا للطائفة التي لم تأت، فيثبت جالسا، لماذا يثبت ؟ .
قال: « وأتموا لأنفسهم »(1) .
فيجلس في التشهد حتى يتموا الركعة الثانية؛ لأنه بقي عليهم الركعة الثانية؛ لأنها فاتتهم، .
« ثم سلم بهم »(1) متفق عليه.
« ثم سلم بهم »(1) فهو ينتظرهم، هذه هي الصفة الأولى، أنه ينتظرهم حتى يأتوا بالركعة الثانية، فهو ينتظرهم حتى يأتوا بالركعة الثانية، ثم يسلموا، ثم يسلم بهم، وهذا هو الأولى؛ لأن الطائفة الأولى أدركت معه الإحرام، والطائفة الثانية لما فاتها الإحرام معه لا يفوتها التسليم، فإنها تدرك معه التسليم، هذه هي الصفة الأولى.
وهو أن الطائفة الأولى تصلي مع الإمام، ثم تكمل ركعتها، والإمام قائم، وتأتي الطائفة الثانية لم تصل، ثم تدرك معه الركعة الثانية، ثم ينتظرهم الإمام في التشهد، ثم يسلم بهم، هذه هي الصفة، وهي الموافقة.
وهذه اختارها جمع من أهل العلم؛ لأنها موافقة لما جاء في الكتاب في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى ﴾(5) وهي الطائفة التي تحرس ﴿ لم يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾(5) فهذا فيه ذهاب وإياب، وهو موافق لظاهر الكتاب العزيز.
ولهذا اختارها جمع من أهل العلم، لكن كل هذا -والله أعلم- فيما إذا كان العدو إلى غير جهة القبلة ويجوز أن تصلى هذه الصلاة أيضا إذا كان العدو في جهة القبلة لأنه قد يحتاج إليها ولو كان العدو في جهة القبلة لشدة الخوف منه أو لكثرته أو لغير ذلك.
متفق عليه عند البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم .
وهذا اللفظ أيضا موجود في البخاري فهو متفق عليه لفظا بلفظه. .
ووقع في المعرفة لابن منده، عن صالح بن خوات، عن أبيه .
ويجوز أنه رواه عنهما جميعا إن صح السند الذي عند ابن منده، فيكون قد رواه عن سهل بن أبي حَثمَةَ وعن أبيه.
(1) البخاري : المغازي (4131) , ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (842). (2) (3) البخاري : المغازي (4130) , ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (842) , والترمذي : الجمعة (565) , والنسائي : صلاة الخوف (1537) , وأبو داود : الصلاة (1239) , ومالك : النداء للصلاة (441). (4) البخاري : المغازي (4130) , ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (842) , والنسائي : صلاة الخوف (1537) , وأبو داود : الصلاة (1238) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1259) , ومالك : النداء للصلاة (440). (5) سورة النساء: 102 |