باب صلاة العيدين
حديث: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس
باب صلاة العيدين .
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس »(1) رواه الترمذي.
هذا الخبر رواه الترمذي عن طريق محمد بن المنكدر، عن عائشة -رضي الله عنها- ورواه، وجاء أيضا من رواية محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، لكن له شاهدا جيدا، وقيل: إن محمد بن المنكدر لم يسمعها منهما، من عائشة، ومن أبي هريرة، لكن جاء من طريق أبي هريرة، عند أبي داود بإسناد جيد، وزاد « الصوم يوم تصومون »(2) .
على قوله: « الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس »(1) والصوم يوم يصوم الناس.
قوله: باب صلاة العيدين.
"العيدين" المراد بهما عيد الفطر وعيد الأضحى، وهما عيدان، والجمعة أيضا، لكن العيدين العظيمين هما عيد الفطر، وعيد الأضحى، وسيأتي في الخبر عن أنس أنهما عيدا المسلمين.
والعيد سمي عيدا؛ لأنه يعود ويتكرر؛ ولما يعود به من السرور والفرح، فهو يوم فرح للمسلمين، وهما من خاصة هذه الأمة.
يشرع إظهار هذه الشعائر العظيمة، وإظهار الأنس والفرح فيه؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث عائشة في الصحيحين، لما جاءت الجاريتان تغنيان، وفي اللفظ الثاني "تدفدفان" في أيام منى، يوم من أيام الأضحى، وانتهرهما أبو بكر قال: « يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا أهل الإسلام »(3) .
وهو الذي يشرع الفرح فيهما، ولا يجوز الفرح في أعياد المشركين، كما سيأتي في كلام المصنف -رحمه الله-.
« الفطر يوم يفطر الناس »(1) وفي اللفظ الآخر « الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس »(4) ثلاث كلمات جامعة: "الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس".
وهذا يدل على أن الفطر يكون مع جماعة الناس، والصوم يكون مع جماعة الناس، وأما الأضحى يكون مع جماعة الناس.
إذن شهر رمضان ابتداء وانتهاء يكون مع جماعة الناس، وعيد الأضحى يكون مع جماعة الناس، وهذا دليل لما ذهب له جماعة من أهل العلم أن العبرة بثبوت الصوم يكون باشتهار الشهر، بدخوله، وأن الشهر سمي شهرا لاشتهاره بين الناس، وظهوره، وبيانه.
وسمي الهلال هلالا من الاستهلال، وهو رفع الصوت، وتكلُّم الناس به، وتحدثهم به. من الاستهلال، الذي هو رفع الصوت، لا من الهلال الذي في السماء، فإن العبرة باشتهار هذا الشهر، ووجوده، فمتى صار عند الناس أن غدا الصوم، اشتهر فصار عند الناس هكذا، وصام الناس، فإنهم يصومون، وهكذا الفطر، يوم يفطر الناس.
وعلى هذا فلو أنه رآه واحد، أو جماعة، ولم تثبت شهادته، أو لم يتقدموا بإثباتها، فإنهم لا يجوز لهم أن يصوموا، فظاهر الخبر أنهم لا يصومون.
واختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال: قيل إن من رأى الهلال وحده، أو إذا رأى الهلال جماعة، ولم تثبت شهادتهم، أو لم يتقدموا، أو لغير ذلك من الأسباب، قيل: يصوم سرا، ولا يفطر إلا مع جماعة الناس.
فلو أنه رأى هلال الصوم، وجب عليه الصوم، ولو رأى هلال الفطر، ولم يثبت، وجب عليه الصوم. فقالوا بالاحتياط ابتداء وانتهاء، من جهة أنه يلزمه الصوم في حق نفسه، وإن كان لا يلزم غيره، ويلزمه الصوم انتهاء، وإن كان رأى هلال الفطر، هذا قول جماهير أهل العلم.
وقيل: إنه يفطر سرا، إنه يلزمه أن يصوم، والفطر يفطر سرا، وهذا هو القول الآخر، والقول الثالث هو الأظهر، وهو اختيار أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وهو الموافق لهذا الخبر.
والمسألة من المسائل الخلافية، وجاء هذا الخبر شاهدا لهذا القول، وهو أن: « الفطر يوم يفطر الناس، والصوم يوم يصوم الناس »(5) فلو رأى الهلال إنسان واحد، ولم تثبت شهادته، أو لم يتقدم بها، فإنه لا يصوم إلا مع الناس، وكذلك لو رأى هلال الفطر، فإنه لا يفطر، بل يجب أن يصوم مع الناس.
فالعبرة بالهلال من الاستهلال، وهو الظهور والاتساع والانتشار، واشتهاره بين الناس، ومعرفته، وهو ظاهر الخبر؛ ولهذا قال « الصوم يوم يصوم الناس »(4) .
والأصل في الصوم هو رؤية الهلال هذا هو الأصل كما سيأتي، وهذه المسألة ستأتي ذكرها، ويأتي استيفاء الكلام عليها في باب الصيام، لكن في هذه المسألة ما يتعلق بهذه المسألة وهو « الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس »(4) رواه الترمذي.
(1) الترمذي : الصوم (802). (2) الترمذي : الصوم (697). (3) البخاري : الجمعة (952) , ومسلم : صلاة العيدين (892) , والنسائي : صلاة العيدين (1597) , وابن ماجه : النكاح (1898) , وأحمد (6/134). (4) الترمذي : الصوم (802). (5) الترمذي : الصوم (802). |