حديث: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: « قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر »(1) أخرجه أبو داود، والنسائي بإسناد صحيح.
وهذا إسناد صحيح، كما ذكر المصنف -رحمه الله-، وهما يومان عظيمان، هما: يوم عيد الأضحى، ويوم الفطر، وهذان اليومان اللذان كانوا يلعبون فيهما، جاء أن أهل المدينة أخذوهما عن...، أنهما يوم النيروز والمهرجان، فنهاهم -عليه الصلاة والسلام- عن هذين اليومين، وقال: « قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما »(2) .
وهكذا الشرع في مثل هذه الأمور العظيمة، كان يأتي بما هو خير، فأتانا بما هو خير، وهما هذان اليومان: يوم الأضحى، ويوم الفطر، وهما يوما فرح وسرور وأنس للمسلمين، ويوما عبادة، ويوما إظهار هذه الشعائر العظيمة.
فيشرع إظهار الفرح فيهما، وإظهار المسرة، وإظهار الخشوع، والإخبات، والذكر لله -عز وجل-؛ ولهذا شرع فيهما أعظم الذكر، شرع فيهما عبادة من أعظم العبادات، وشرع فيهما أعظمها وهو: التكبير، وشرع فيهما الذكر، وشرع فيهما من الذكر التكبير، وهو قوله: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
على خلاف ما يكون عليه كثير من الناس من مشابهة المشركين بأعياد، خاصة ممن يكونون بين غير المسلمين، فربما شابهوهم في أعيادهم.
وما ينبه له أنه يبتلى به كثير من الناس بمشابهة المشركين في أعيادهم، وهذه قاعدة عامة معنا، هي أن هذه الأعياد لا يجوز العمل بها، ولا يجوز مشابهة المشركين بها، بجميع أنواعها، وجميع أصنافها، وما يكون فيها، بل العيد للمسلمين، وأنه يشرع للمسلمين أن يكون عيدهم عيد فرح واجتماع، لا عيد اختلاف.
ومما ينبه له في هذه المناسبة، أنه يشرع لعموم المسلمين في غير بلاد المسلمين أن تكون كلمتهم واحدة، وعيدهم واحدا، هذا هو المشروع، وألا يختلفوا، خاصة ما يقع بين كثير من المسلمين من اختلاف، فيما يكون في عيدهم، وأنهم لا يتفقون، وربما حصل بينهم نزاع وجدال في إثبات العيد.
فالسنة أن يكون يومهم واحدا، وعيدهم واحدا، وألا يتنازعوا، وألا يختلفوا، هذا هو السنة، ولا ينبغي النزاع.
وإذا كان هنالك جماعة من المسلمين في بعض المراكز الإسلامية، فإن السنة أن يتفقوا في عيد واحد، خاصة إذا كانوا في مكان واحد، ومراكز متغايرة، أن يكونوا في عيد واحد، وأن يتنازل بعضهم، وألا يخالفوه، فيكون إثباتهم للهلال واحدا، إما باتباع بعض بلاد المسلمين في هذه البلاد، أو في غيرها ممن يثبتون الهلال بالرؤية، أو أنهم يكون لديهم هيئة، أو يكون لديهم مركز، فيثبتون الهلال بأنفسهم.
فهم إذا أثبتوا الهلال بأنفسهم، ثبت عندهم، ويكون غيرهم تبعا لهم، لكن لا يجوز النزاع والاختلاف، ولو أنه ثبت لدى بعضهم الهلال، أو أنهم تقلدوا بعض بلاد المسلمين، ممن يثبتون الهلال بالرؤية، فلا يشرع لجهة أخرى من المسلمين أن ينازعوهم، بل عليهم أن يكونوا معهم.
والمسلمون منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا، لا تكون هذه المسألة موضع خلاف ونزاع، ولم تكن في بلاد المسلمين، ولم تكن بين علماء الإسلام هذه المسألة يوما مسألة نزاع واختلاف، ولم يترتب عليها كبير اختلاف.
المسلمون طوال هذه القرون لم يحصل بينهم نزاع، في مثل هذه المسألة، بل مع اختلافهم، ومع نزاعهم في هذه المسائل، كانوا متفقين، متآلفين. كان العيد إذا ثبت الهلال عند جهة من جهات المسلمين، لدى عالم من علمائهم، تابعه سائر العلماء، وإن كان يرى مثلا القول باختلاف المطالع، فإنه يوافق، بل ربما لو ثبت الهلال عنده، ورآه، واشتهر عند غيره أنه لم ير، وافق، ولم ينازع.
فهكذا فلو ثبت الهلال لدى جهة، عند قوم من المسلمين في بلاد الكفار، ولم يثبت عند غيرهم، فالسنة أن يوافقوهم، إذا كانوا تقلدوا بلدا من بلاد المسلمين، أو كانوا أثبتوا الهلال بأنفسهم، فهذا هو المشهور، وهي مسألة من المسائل الخلافية التي لا يجوز أن يكون الخلاف فيها مصدرا للشقاق والنزاع، هذا هو خلاف ما عليه هدي الرسول.
بل هو من نوع المحادة والمشاقة له -عليه الصلاة والسلام-، ونوع المخالفة في جنس هذا العيد الذي.. المشرع فيه أن يكون الاتفاق، والائتلاف، فكيف يكون مصدرا للإزعاج والاختلاف كما يقع بين كثير من المسلمين في بعض البلاد، يحصل بينهم النزاع والاختلاف؟! .
فالمقصود أنهما يكونا يومي عيد وفرح، وهما يومان عظيمان، جعلهما الله لنا مكان أعياد المشركين، التي لا يجوز فيها موافقتهم بجميع أنواعها.
(1) النسائي : صلاة العيدين (1556) , وأبو داود : الصلاة (1134) , وأحمد (3/235). (2) النسائي : صلاة العيدين (1556) , وأبو داود : الصلاة (1134) , وأحمد (3/235). |