حديث: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: « شكا الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوُضِعَ له بالمصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر الله، وحمد الله ثم قال:إنكم شكوتم جدب دياركم »(1) وفي رواية عند أبي داود: « وتأخر المطر عن إبان زمانه »(2) يعني: عن وقت زمانه.
« وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم »(3) في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾(4) .
« ثم قال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾»(5) «لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوةً وبلاغًا إلى حين، ثم قال: اللهم أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين، ثم رفع يديه، فلم يزل حتى رئي بياض إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهره، وقلب رداءه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله تعالى سحابة، فرعدت، وبرقت، ثم أمطرت» رواه أبو داود، وقال: "غريبٌ، وإسناده جيد.
وهذا يدل على أنه كان يخرج المنبر، أو كان له منبر، وقد جاء في حديث ابن عباس أيضا، وهذا استنكره العلامة ابن القيم -رحمه الله-، وقال: إن في القلب منه شيئا، وإنه لم يعهد أنه كان في الصحراء أنه فيه منبر.
وقال: إن المعهود أنه كان يخطب على رجليه، لكن الخبر جاء بهذا، وفي حديث ابن عباس، فإذا جاء الخبر بهذا، فيدل على أن لا بأس به.
ومما يدل عليه أنه ثبت في الصحيحين، من حديث ابن عباس، ومن حديث جابر « أنه -عليه الصلاة والسلام- في صلاة العيدين لما خطب قال: نزل »(7) وما ذكر في الصحيحين ذكر المنبر.
في حديث جابر، وفي حديث ابن عباس، ما ذكر المنبر، لكن قالوا: « نزل »(8) هذا يدل على أنه نزل من مكان عالٍ.
ويدل أيضا على أنه إما أنه كان هنالك منبر بني، أو وضع دكة، أو بني له بناء من طين، فكان يصعد عليه -صلى الله عليه وسلم- حتى يشاهده الناس، فهو نص الخبر عند أهل السنن، عند أبي داود، وهو ظاهر الرواية في الصحيحين.
« فوُضع له بالمصلى، ووعد الناس »(9) .
وهذا هو السنة، يشرع أن يواعد الناس، وأن يبين لهم موضع صلاة الاستسقاء، حتى يستعدوا، ويتهيئوا بالإقبال بقلوبهم، ويستعدوا لهذا اليوم، .
« يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس »(10) .
وهذا هو السنة، أن يكون بعد ارتفاع الشمس، يعني: بعد زوال وقت النهي، ولا تُصلى في وقت النهي. وصلاة الاستسقاء تصلى في أي وقت، في غير وقت النهي، تصلى في الضحى إلى زوال الشمس، وتصلى بعد الظهر، وبعد المغرب، وبعد العشاء.
لا بأس أن تصلى في أي وقت، وهذا قول جماهير أهل العلم، والسنة أن يُفعل كما فعل -عليه الصلاة والسلام-، بخلاف صلاة العيدين، فإن لها وقتا محددا، وصلاة الجمعة، وصلاة الكسوف عند وجود سببها.
أما صلاة الاستسقاء فهي تصلى في أي وقت، فلو احتاج الناس أن يبادروا إلى الصلاة، ولا ينتظروا إلى طلوع الشمس، فلهم ذلك، وهو -عليه الصلاة والسلام- صلى في هذا الوقت.
« فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر الله، وحمد الله »(11) .
وهذا يدل على أن المشروع في الخطب كلها هو البداءة بحمد الله، والثناء عليه، خلافا لمن قال: إنه يبدأ في خطبة الجمعة بالحمد لله، وفي صلاة العيدين بالتكبير، وفي صلاة الاستسقاء بالاستغفار.
والصواب المنقول في الأخبار الصحيحة: أنه في جميع خطبه -عليه الصلاة والسلام- كان يبدأ بحمد الله، والثناء عليه، كما في الخبر هنا.
« ثم قال:إنكم شكوتم جدب دياركم »(12) وفي رواية عند أبي داود: « وتأخر المطر عن إبان زمانه »(2) يعني: عن وقت زمانه.
« وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم »(3) في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾(4) .
« ثم قال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾»(5) لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوةً وبلاغًا إلى حين .
وفيه -في هذا الخبر- أنه خطبهم أولا -عليه الصلاة والسلام- كما هنا.
« ثم قال: اللهم أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين، ثم رفع يديه »(13) .
في حال الخطبة أنه رفع يديه -عليه الصلاة والسلام-، وسيأتي ذكره في الخبر الآخر.
« فلم يزل، حتى رئي بياض إبطيه »(14) .
فيه أنه بالغ في الرفع -عليه الصلاة والسلام-.
وثبت في الصحيحين: « أنه رفع يديه -عليه الصلاة والسلام-، حتى بدا بياض إبطيه »(15) .
ولم يكن منه مبالغة إلا في هذا الدعاء؛ لأنه دعاء تضرع وإقبال، فبالغ في الدعاء، وبالغ في الرفع -عليه الصلاة والسلام-.
« ثم حوَّل إلى الناس ظهره، وقلب رداءه »(16) .
وفيه أن تحويل الرداء يكون بعد الفراغ من الخطبة، وعند إرادة الدعاء.
ولا بأس أن يدعو في تضاعيف الخطبة، في الاستسقاء، ثم بعد ذلك يدعو جهرا الإمام، ويرفع يديه، ويرفع الناس أيديهم، ثم بعد ذلك يدعو بعد الفراغ، ويستقبل القبلة، فيحصل له المقصود.
من جهة أنه خطب الناسَ الإمام، ثم بعد ذلك يقلب رداءه، ويستقبل القبلة، يعني حال قلب ردائه، ثم يدعو، ويدعون الناس، فيحول رداءه، يجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن.
هذا هو الصواب، أنه حوَّل رداءه -عليه الصلاة والسلام-، وقال بعض العلماء كالشافعي أنه يجعل الأعلى الأسفل، والأسفل أعلى.
والصواب أنه يفعل ما فعل -عليه الصلاة والسلام-، وهو إن كان أراد إن عليه جبة، فثقلت عليه، فأراد أن يجعل أعلاها أسفلها، وأسفلها أعلاها.
لكن ما اختاره الله له هو الذي يفعل، فقلبها، وجعل ما على الأيمن، على الأيسر، وما على الأيسر، على الأيمن.
ولو قيل بالقلب، ولو قيل بأن يجعل الأعلى الأسفل، والأسفل أعلى، فهذا في الحقيقة لا يأتي إلا في ثوب مربع، لا يأيي في الثوب المدور، فالمشلح مثلا، والجبة، يشق جعل أعلاها أسفلها؛ لأنها ممكن تسقط.
لكن لو كان مثلا الثوب المربع مثل لو كان عليه رداء، الرداء يمكن أن يجعل أعلاه أسفله.
ومع ذلك نقول: إنه سواء كان الثوب مربعا، أو مدورا، سواء كانت جبة، أم مشلحا، أو كان مثلا رداء، أو كان غطرة، فالصواب أنه يجعل ما على الأيمن على الأيسر تفاؤلا كما سيأتي في الخبر.
« ثم أقبل على الناس ونزل »(17) .
وفيه دلالة على أنه نزل، يعني نزل عن المنبر، .
« فصلى ركعتين »(1) .
وفي هذا أن الخطبة كانت قبل الصلاة، .
« فأنشأ الله سحابة، فرعدت »(18) .
استجيب له -عليه الصلاة والسلام.
« فرعدت وبرقت »(19) .
فالرعد والبرق علامتان من علامات المطر، وشدته، وكثرته، .
« ثم أمطرت »(20) رواه أبو داود، وقال: "غريبٌ، وإسناده جيد.
والحديث عن طريق يونس بن يزيد الأيلي، عن هشام بن عروة، ويونس بن يزيد، وإن كان ثقة، لكن قال جمع من أهل العلم: إن روايته عن غير الزهري فيها لين، وهو روايته جيدة عن الزهري، أما عن غيره، ففيها بعض اللين.
والحديث شواهده كثيرة، وقد جوَّده أبو داود، كما نقل المصنف -رحمه الله-.
(1) أبو داود : الصلاة (1173). (2) أبو داود : الصلاة (1173). (3) أبو داود : الصلاة (1173). (4) سورة غافر (سورة رقم: 40)؛ آية رقم:60 (5) أبو داود : الصلاة (1173). (6) سورة الفاتحة (سورة رقم: 1)؛ آية رقم:2 - 4 (7) البخاري : الجمعة (961) , ومسلم : صلاة العيدين (885) , وأحمد (3/296). (8) (9) أبو داود : الصلاة (1173). (10) أبو داود : الصلاة (1173). (11) أبو داود : الصلاة (1173). (12) أبو داود : الصلاة (1173). (13) أبو داود : الصلاة (1173). (14) أبو داود : الصلاة (1173). (15) البخاري : المناقب (3565) , ومسلم : صلاة الاستسقاء (895) , والنسائي : الاستسقاء (1513) , وأبو داود : الصلاة (1170) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1180) , وأحمد (3/282) , والدارمي : الصلاة (1535). (16) أبو داود : الصلاة (1173). (17) أبو داود : الصلاة (1173). (18) أبو داود : الصلاة (1173). (19) سنن أبي داود : كتاب الصلاة (1173). (20) أبو داود : الصلاة (1173). |