حديث: أنها أخرجت جُبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- « أنها أخرجت جُبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكفوفة الجيبين، والكمين، والفرجين بالديباج »(1) .
رواه أبو داود. وأصله في "مسلم" وزاد: « كانت عند عائشة حتى قبضت، فقبضتها، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى، يستشفى بها »(2) زاد البخاري في "الأدب": « وكان يلبسها للوفد، والجمعة »(3) .
هذا الخبر عن أسماء -رضي الله عنها- فيه دلالة على أنهم كانوا يحتفظون ببعض ملابسه -عليه الصلاة والسلام-، وفيه أنها أخرجت جبة مكفوفة الجيبين، يعني أنها قد كُفت جيباها « مكفوفة الجيبين »(4) بنوع من الحرير.
« الجيبين والكمين والفرجين »(5) الكم، والجيب، وهو الذي ينشق من جهة الصدر، وكذلك الفرجان، وهما الشقان من أسفل.
والجبة هذه نوع من الطيالسة، تسمى الطيلسان، وهو ما يكون رأسه منه، وهو يوجد كثيرا في بلاد المغرب، ويلبسه أهل المغرب، وهو ما له رأس يسمى: البرانس، ورأسه متصل بالرقبة، ويغطي جميع البدن، فيكون مشقوقا من أسفل، من على الجهتين، من أسفل.
وإذا شق، يكفت بالحرير، وكذلك الكم يكفت بالحرير، وكذلك الجيب.
وهذا يدل لما سبق، أن لا بأس في استعمال الحرير في الأعلام، في هذه المواضع؛ لأنها نوع من الزينة، وهو تابع يسير، فاستثناه الشارع، فلا بأس.
ويظهر -والله أعلم- أن هذه الجبة، وأن هذه المواضع، لا تزيد عن أربع أصابع، هذا هو الظاهر -والله أعلم-، وأن هذه الجبة التي استعملها -عليه الصلاة والسلام- كانت في هذه المواضع لا تزيد عن أربع أصابع.
ولو فرض أنه نقل أنها كانت زيادة عن أربع أصابع، فإما أن يقال: إن هذا أمر خاص به، أو يقال: إن مثل هذا الذي يهدى، ويكون فيه مشقة، أنه لو أزيل، ما زاد عن أربع أصابع، وكان يسيرا، وكان فيه إتلافا له، جاز.
لكن ما دام أنه لم ينقل شيء من هذا، فالأصل أن يبقى على ما نقل، وأنه يكون أربع أصابع، وأن هذه على هذا المقدار.
و"الفرجين" كما سبق: هما الشقان اللذن يكونان من أسفل. "بالديباج": وهو الغليظ من الحرير.
رواه أبو داود، وأصله في مسلم، وزاد -يعني مسلم-: « كانت عند عائشة »(2) يعني أنها كانت عند عائشة « حتى قبضت، فقبضتها »(4) يعني قبضتها أسماء بنت أبي بكر.
« وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبسها »(6) في حياته « فنحن نغسلها »(7) يعني لما توفي -عليه الصلاة والسلام- احتفظت بها أسماء، وقالت: نحن نغسلها للمرضى.
وهذا يبين أنه يستشفى بما يلامس جسده الطاهر -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو المعروف في الأخبار الصحيحة، أنه كان يستشفى ويتبرك بما ينفصل منه، من بصاقه، ومخاطه، وأظفاره، وشعره -عليه الصلاة والسلام-.
وثبت في الصحيحين أن طلحة بن عبيدالله كان يأخذ الشعر، لما حلق رأسه -عليه الصلاة والسلام-، وكان يوزع على الناس، فمنهم من ينال الشعرة، ومنهم من ينال الشعرتين.
وربما اقتسموا ما هو أقل من ذلك، وفي حديث عند أحمد: « أن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، أنه جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد اقتسم الناس الشعر، وهو صاحب له، فلم يبقَ شيء، فقلم أظافره -عليه الصلاة والسلام-، وأخذ شيئا منها، وأعطى صاحبه بعضا منها »(4) .
فالمقصود أن هذا متواتر في الأخبار، وأنه يستشفى بما ينفصل منه -عليه الصلاة والسلام-، من شعره، ومما ينفصل من جوفه.
وجاء في بعض الأخبار أنه إذا توضأ، كادوا يقتتلون على وضوئه، وكان يقرهم -عليه الصلاة والسلام- على هذا، وكان بصاقه، ومخاطه، يبتدرون إليه، فربما أخذه الرجل، فدلك بها يديه، ودلك بها وجهه، يطلب بها البركة مما ينفصل منه -عليه الصلاة والسلام-.
وهذا خاص به؛ ولهذا لم يؤثر أنهم كانوا يفعلونه بغيره -صلى الله عليه وسلم-، بالصحابة، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، دل على الخصوصية؛ لأنه لم ينقل عن الصحابة أنهم فعلوا ذلك؛ ولأن الفعل في غيره وسيلة إلى الغلو، والبدع، والشرك، وعبادة غير الله -عز وجل-، ولا يجوز لغيره.
فالمقصود أن هذا تبرك بما ينفصل منه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا خاص به.
وهذا مما ينبه له؛ لأنه قد يذكر بعض الناس، فينقل، أو يذكرون أشياء، يقولون: إنها موجودة من شعره، أو بعض ما يستخدمه -عليه الصلاة والسلام-، وكله لا أصل له، كل ما ينقل أنه بقي شيء من شعره، كل هذه الأشياء، لا أصل لها.
ولهذا تجد مثل هذه الأشياء لا تنقل إلا عن أناس من عباد القبور، ممن يعظمون القبور، ويلبسون على الناس، ويريدون أن يستجلبوا بذلك الدنيا، ويأكلوا أموال الناس، فيخدعون ضعاف العقول بهذا، وإلا فمثل هذه الأشياء لا يعرف أنها بقيت.
ولهذا أم سلمة -رضي الله عنه-، ثبت عنها في صحيح البخاري ما يدل على عنايتهم بذلك، وأنهم كانوا ربما حفظوا شيئا من ذلك إلى وقت، ثم بعد ذلك يذهب، ويبيد، كغيره من الآثار التي ذهبت، وبادت.
وقد كانت أم سلمة -رضي الله عنها- عندها جلجل وضعت فيه من شعر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانت تضع فيه شيئا من الماء، وكان قد تغير من طول الزمن.
وتقول -رضي الله عنها-... وكان الناس يأتونها، إذا سألها أحد تضع فيه شيئا من الماء، ثم بعد ذلك تأخذ هذا الماء، وتصبه على هذا المريض، أو تصبه على بدنه، فكان يستشفى بما ينفصل منه -عليه الصلاة والسلام-.
وفي الزيادة هذه عند البخاري في "الأدب المفرد": « كان يلبسها للوفد والجمعة »(4) وهذا يدل على أنه يشرع التحسن بالثياب، والتزين بالثياب الحسنة، في المجامع للجمعة، وللعيدين.
ويدل على هذا ما ثبت في الصحيحين أن عمر -رضي الله عنه- قال: « لما جاء إنسان يبيع ثيابا حسنة، قال: ابتعها يا رسول الله، والبسها للوفود، فأقره -صلى الله عليه وسلم- على هذا المعنى »(4) .
وأن هذا أمر كان معروفا، ونقل أنه -عليه الصلاة والسلام- كان له برد يستخدمه، يصلي فيه، في العيد -عليه الصلاة والسلام -والله أعلم-.
أحسن الله إليكم وأثابكم.
س: هذا سؤال في الإنترنت من أخ من أمريكا، يقول: نحن هنا في أمريكا مضطرون للاختلاط بالطالبات في قاعة الدراسة، مع أننا نحاول البعد عنهن، إلا أننا أحيانا لا نستطيع، فهل نترك التعطر، والتجمل في اللباس، احتياطا ؟ .
ج: ليست المسألة في ترك التجمل والتعطر، المسألة في مسألة البقاء بين النساء، والمخالطة، هذا أمر محرم، مخالطة النساء.
ولا شك أن هذا هو الأصل، كما هو معروف من عادة النساء في تلك البلاد، أنهم متبرجات، سافرات، وأولا فيهم محاذير، أولا فيه مخالطة لهؤلاء الكفرة.
الأمر الثاني: أنه مخالطة للنساء، ولا شك أن المفاسد مترتبة على المخالطة لهن في بلادهن، فيه من الشر، والفساد الشيء الكثير.
المسألة في الاضطرار، هذا الاضطرار قد لا يسلم، كثير من الناس يذكر الاضطرار، ويقولون: نحن مضطرون للمخالطة.
هل مجرد كونه مثلا دراسة شيء يكون اضطرارا، الضرورة التي لا يمكن الحصول على شيء إلا من هذا الطريق، والتي تباح بها المحرمات، أما مثل هذه الأمور التي يجوز تحصيلها من جهة ثانية، أو في مكان ثانٍ.
خاصة أنه موجود هذه التخصصات، في جهات كثيرة، في بلاد المسلمين، وما يترتب على المفاسد، من مخالطتهم، ومعايشتهم. وهذا مشاهد من كثير من الناس، ممن يخالط تلك الكفرة، ربما -والعياذ بالله - زل عن دينه.
فالمقصود أن على المسلم أن يحذر أشد الحذر، وقال -عليه الصلاة والسلام-، يقول في النساء المسلمات: « ما تركت بعدي فتنة، أشد على الرجال، أو أضر على الرجال، من النساء »(8) وهن النساء المسلمات، وأن المسلمة، والمعروف فيها أنها تتستر.
ويقول هذا -عليه الصلاة والسلام-، وغلبتها للرجل، والفتنة بهن، فكيف إذا كان فيه نساء متبرجات، كافرات، معرضات عن دين الله، بين أهلهن، وفي بلادهن.
فالأمر خطير، وينبغي الحذر، وأخذ الحيطة في مثل هذا، والاجتهاد في مثل هذه الأمور، ومن اتقى الله أعانه الله، ويسر أمره.
وكثير من الناس رأوا مثل هذه المفاسد، فيسرت أمورهم، ومن اتقى الله أعانه الله -سبحانه وتعالى-. نعم.
س: وهذا من أمريكا أيضا يقول: ما هو الصحيح في السنة القبلية، والبعدية لصلاة الجمعة ؟ .
ج: الأظهر كما سبق أن الجمعة لا سنة لها قبلية. قال بعض أهل العلم: إن لها ركعتين قبلها، وهذا موضع نظر. وكانوا يستدلون بقوله: « بين كل أذانين صلاة »(9) .
سبق أن هذا في الأذان والإقامة، وأن الأذان الذي في عهد عثمان -رضي الله عنه-، هذا لم يكن في عهده -عليه الصلاة والسلام-.
أما السنة الراتبة، فإن لها بعدها أربع ركعات، أو ركعتين، والسنة أن يصلي أربعا، كما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: « من كان منكم يصلي الجمعة، فليصلِّ بعدها أربعا »(10) نعم.
س: وهذا سؤال أيضا في الشبكة يقول: هل من يبدأ خطبة الاستسقاء بالتكبير، يعتبر مخالفا للسنة؟ وهل خطبة الاستسقاء واحدة أم اثنتان ؟ .
ج: البداءة في الخطب -كما سبق- بالحمد، أن يبدأ بحمد الله، والثناء عليه، هذا هو المعروف في الأخبار، في خطبه -عليه الصلاة والسلام-، جميع الخطب.
وإن بدأ بالتكبير، التكبير نوع من الثناء والحمد على الله -عز وجل-، التكبير فيه حمد، وثناء، فالأمر في هذا يسير.
س: وهذا سؤال -أيضا- من الشبكة يقول: هل تبدأ خطبة الاستسقاء بالتكبير يعتبر مخالفا للسنة؟ وهل خطبة الاستسقاء واحدة أم اثنتان ؟ .
ج: البداءة في الخطب -كما سبق- بالحمد أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه، هذا هو المعروف في الأخبار في خطبه -عليه الصلاة والسلام- جميع الخطب.
وإن بدأ بالتكبير: التكبير نوع من الحمد، و الثناء على الله -عز وجل- التكبير: فيه حمد وثناء.
فالأمر في هذا يسير، لكن إذا بدأ بصريح الحمد، كان أولى، وإن كبر الله -عز وجل-، فالتكبير: حمد وثناء.
وهى تبدأ -الصلاة- بالتكبير، وهو من أعظم الثناء والحمد، والأفضل: أن يجمع بينهما، أن يجمع بين الحمد والتكبير.
س: وهل خطبة الاستسقاء واحدة أم اثنتان ؟ .
ج: خطبة الاستسقاء واحدة، وليست خطبتين؛ فلم ينقل أنه -عليه الصلاة والسلام- خطب خطبتين، بل هى خطبة واحدة نعم.
أحسن الله إليكم ! .
س: وهذا -أيضا- سؤال من الشبكة يقول: كيف يكون قضاء الفائتات من صلاة الاستسقاء، وصلاة العيدين ؟ .
ج: صلاة العيدين: هل يشرع قضاؤها أم لا يشرع قضاؤها؟ هذا موضع خلاف في قضائها: أما إذا كان القضاء من جميع الناس، مثل أن يكون فاتهم يوم العيد، ولم يدركوا يوم العيد، فكما ثبت في حديث أبي عمير بن أنس بن مالك عن عمومة له: « أنه جاء ركب من " نجد " فشهد أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر -عليه الصلاة والسلام- الناس أن يفطروا، وأن يغدوا إلى مصلاهم من الغد »(11) .
كما ثبت في الخبر عند أبي داود، وغيره -سبق معنا-، فهذا هو المشروع: أنهم يقضون الصلاة، أنهم يصلون صلاة العيد، وهل يقضونها معها؟ الأمر في هذا يسير، فيقضونها جميعا، ويصلونها.
أما إذا كان القضاء من البعض هذا موضع خلاف: ذهب جمع من أهل العلم أنه لا بأس من قضاء صلاة العيد، وجاء عن ابن مسعود: "أنه يصليها أربعا " وربما يشهد له أنه -عليه الصلاة والسلام-: « كان إذا صلى العيد صلى بعدها ركعتين، إذا انصرف »(4) كما في حديث أبي سعيد الخدري -معنا- عند ابن ماجه، وغيره.
فعلى هذا؛ إذا فاتته صلاة العيد، صلاها على هيئتها، أما صلاة الاستسقاء: فالأمر فيها أيسر؛ لأنها نوع حاجة، ونوع طلب، ودعاء؛ فلهذا لا بأس إذا فاتت أن تُصَلَّى، سواء كان في المصلى، أو في البيت، نعم.
س: ويسأل -أيضا أحسن الله إليكم- عن الفائتة من صلاة الكسوف ؟ .
ج: الكسوف إذا فات وقتها، فاتت، ما عادت تقضى. الكسوف في وقتها: فإذا كان فاتته الصلاة في الكسوف - بمعنى: أنه جاء والناس قد صلوا، والكسوف لا يزال موجودا-؛ فيصلى الكسوف، وإن كان لا: بأن فاتت الصلاة، وفات الكسوف، قد انجلت الشمس، فقد ذهب سببها - فلا يصلى الكسوف.
فصلاة الكسوف بسببها، فهو يصلى الكسوف، إذا كان السبب موجودا، فالجماعة يصلون، ولو أن إنسانا جاء إلى المسجد والناس قد صلوا، فيصلي في المسجد، أو يصلي في بيته، وكذلك النساء يصلين في بيوتهن.
فلا بأس من الصلاة، إذا كان الكسوف موجودا، أما إذا جاء وقد صُلِّيَتْ صلاة الكسوف، وقد انجلت الشمس، فلا تُصَلَّى؛ لأنه لا تشرع الصلاة -حينئذ-؛ لعدم وجود سببها وهو: "وجود الكسوف ".
نعم، المقصود: إذا كان شيء من الكسوف موجودا: سواء كان كثيرا، أو قليلا، ما دام شيء من الكسوف موجودا -ولو جزء يسير-؛ فإنه يصلي، نعم.
س: وهذا -أيضا- سؤال من الشبكة يقول: هل يدخل في حكم الحرير: الثياب المصنوعة من السِّلْك المسمى -مجازا-: "حريرا " ؟ .
ج: ينظر إذا كان معناه حريرا حقيقة؛ فالعبرة بالمعإني، أما إذا كان يسمى حريرا، وهو ليس حريرا، لكن تسمية، يُسَمَّى، لكن ما هو حرير، كما أن يُسَمَّى -مثلا-ذهبا أبيض، وهو ليس ذهبا حقيقة، فالعبرة بالمعاني لا بالمسميات.
وبعض الأشياء قد تُسَمَّى بأسماء حسنة، وهي في الحقيقة ليست على نفس المسمى: فتُسَمَّى حريرا، وليست بحرير، وتُسَمَّى ذهبا وليست بذهب، فإذا كان حريرا حقيقة، فهو حرير، يأخذ حكم الحرير، نعم.
أحسن الله إليكم ! .
س: وهذا سؤال -أيضا- من أحد الإخوة من " جدة " يقول: هل هناك صلاة ركعتين قبل الفجر، تصلى جالسا ؟ .
ج: الصلاة التي قبل الفجر: الراتبة التي قبل الفجر، السنة الراتبة، هذه الراتبة، أما مسألة الصلاة جالسا فلعل السائل أشتبه عليه في الركعتين اللتين بعد الوتر.
فقد ثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة -رضي الله عنها-: « أنه -عليه الصلاة والسلام- كان إذا صلى الوتر، صلى ركعتين جالسا »(12) .
فهاتان الركعتان: لا بأس أن يصلى المسلم بعد الوتر ركعتين جالسا، وهاتان الركعتان، قال العلماء: فيهما دلالة على أنه يجوز أن يُصَلَّى بعد الوتر.
وأن قوله في حديث ابن عمر في الصحيحين: « اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا »(13) ليس على الوجوب، وأنه لا بأس أن يصلى بعد الوتر، خاصة إذا احتاج.
كأن يكون صلى الوتر أول الليل، فَمَنَّ الله عليه، فقام من آخر الليل، فأراد أن يصلى، فلا بأس، من جهة: أن الصلاة مستقلة لا علاقة لها بالصلاة الأولى، ومن جهة: أنه صلى -عليه الصلاة والسلام- بعد الوتر ركعتين، وهاتان الركعتان كالجابر لصلاة الوتر، تجبر صلاة الوتر.
والجوابر ثلاثة أقسام:
جابر تام: وهى الرواتب التي تصلى قبل الصلاة وبعدها، فهذه من أعظم الجوابر للصلاة، كما في حديث تميم، وأبي هريرة عند أبي داود: « أن العبد إذا صلى، فيقال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيجبرما نقص من صلاته »(14) .
يليه الجابر الثاني: وهو أن يصلي ركعتين جالسا، وهو كالراتبة لصلاة الوتر.
ويليه الجابر الثالث: وهو أخف، وهو جبره بسجدتين، وهما سجدتان لا ركوع فيهما ولا قيام، وهو أن يجبر النقص الحاصل في الصلاة.
فهاتان الركعتان ليستا قبل الفجر -بعد أذان الفجر، وقبل صلاة الفجر- لا، هاتان الركعتان تصليان بعد صلاة الوتر، نعم، وقد ذكر ابن القَيِّم -رحمه الله- ما معناه: أنها كالراتبة لصلاة الوتر، نعم.
أحسن الله إليكم ! .
س: يقول من فاتته التكبيرة الأولى في صلاة الكسوف فكيف يقضيها ؟ .
ج: كأنه أراد الركعة الأولى، أراد -يعني- أنه فاتته الركعة الأولى، إذا فاتته الركعة الأولى، فكأنه فاتته الركعة كاملة، فيقضيها كاملة، فلو جئت -مثلا- وقد فات الركوع الأول من الركعة الأولى، فهو كما لو فاتتك جميع الركوعين من الركعة.
فإذا صليت الركعة الثانية مع الإمام، تقوم، وتقضي ركعة على هيئتها، تقضيها أي: تقوم قائما، تطيل القيام دون قيامك في ركوعك الثاني الذي أدركته مع الإمام، ثم بعد ذلك تركع، ثم ترفع، ثم تركع، ثم ترفع.
فهو إدراكك للركوع الثاني من الركعة، إذا كان من الركعة الأولى، فكأنك أدركت ركعة واحدة، وإن كان من الركوع الثاني من الركعة الثانية، فكأنك فاتتك جميع صلاة الكسوف؛ فتقضي صلاة الكسوف بأربع ركوعات في ركعتين.
لأن ما بعد الركوع الأول كالتابع، وهو كما لو أدركت السجود في الصلاة المفروضة فلم تدرك شيئا؛ لأن العبرة بإدراك الركوع في صلاة الفريضة، وكذلك العبرة بإدراك الركوع الأول في صلاة الكسوف، نعم.
أحسن الله إليكم ! .
س: وهذا يقول: هل يقلب " الشماغ " في صلاة الاستسقاء، رغم أن الذي ذكر في الأحاديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قلب رداءه، ولم يقلب عمامته ؟ .
ج: الرسول -صلى الله عليه وسلم- قلب رداءه؛ لأن المشروع أن يقلب شيئا واحدا، وما هو مطلوب أن تقلب ثيابك كلها، فلو كان عليه -مثلا- رداء " بشت " -مثلا-، و" شماغ " و" طاقية " وما أشبه ذلك، ما نقول؟ يقلب جميع الثياب؟ لا، يقلب ثوبا واحدا.
فالرسول --صلى الله عليه وسلم- قلب رداءه، ولا يلزمه أن يقلب العمامة، فإذا قلبها حصل المقصود، فكذلك في حكمه لو كان عليك -مثلا- " شماغ " فإن شئت أن تقلب -مثلا- إن كان عليه " مشلح؛ " يقلب " المشلح " يقلب " الشماغ " -مثلا-، نعم.
وهكذا -أيضا- في النساء -أيضا- لا بأس، ويدخل فيه النساء -أيضا-، فلا بأس أن تقلب المرأة على وجه الستر والحشمة، خاصة إذا كانت بين النساء تقلب كالرجال؛ لأن هذا أمر عام للرجال والنساء، وطلب التفاؤل في مثل هذا مشروع للجميع، نعم.
أحسن الله إليكم ! .
س: يقول: بعد تطور العلم؛ أصبح من الممكن معرفة وقت الكسوف والخسوف؛ فهل يجوز تصديق ذلك، والاهتمام به؟ وهل ذلك يؤدي إلى عدم الاهتمام بالسنن المرتبة على وقوعها؟ وجزاكم الله خيرا.
ج: لا شك أنه يؤدي إلى عدم الاهتمام، وعدم أدائها على الوجه المطلوب؛ للإخبار به؛ ولهذا يقول أهل العلم: السنة في مثل هذا، والأولى أنه يبقى، ولا يعلم به، ولا يخبر به، ويبقي الناس عليه حتى يأتيهم بغتة وفجأة؛ فيكون أقرب إلى الإقبال، والخشوع.
وقد خرج -عليه الصلاة والسلام- لما كسفت الشمس، يجر إزاره ورداءه؛ فزعا -عليه الصلاة والسلام-، فهذا هو السنة، وهذا هو الأولى، ولا شك أن الناس ربما تساهلوا في مثل هذا، بل إنه قد يقع عند بعض الناس ما هو أعظم من هذا.
وأذكر أني -في مرة من المرات- صليت في مسجد، وكان قد أعلن عن خسوف القمر، صليت صلاة العشاء في مسجد، فلما صليت -بعد صلاة العشاء-، رأيت كثيرا من الناس يستبشرون، يقولون: "الليلة خسوف القمر " يستبشرون، ويضحكون: "خسوف القمر اليوم، سوف يخسف الساعة كذا ".
وكأنه استبشار، وكأنه يهنيء بعضهم بعضا، وهذا من مساويء إخبار هذا الشيء، والإعلان به، فكونه يأتي فجأة، يكون أولى، وأكثر.
ومما يُنَبَّهُ له: أنه لا ينبغي لمن علم الكسوف -مثلا-، أو أخبر به، لا ينبغي إشاعته بين الناس، أو يقول -مثلا- الذي يصلي -من إمام وغيره- يقول للناس إن الكسوف سوف يحدث في ساعة كذا، الوقت الفلاني كذا.
فيكون نوع تحرٍّ على وجه الاستقبال له، بدون أخذ الخشوع، والإخبات، بل يكون -وإن لم يعمل به، أن يأتي على جهة الغفلة، على جهة الفجاءة - أن يكون على صورتها، وإن علمه الناس.
وكونه -مثلا- يُعْلَم، ويعلمه أهل المراصد، ويعلمونه: لا ينافي أنه آية، والعلم به ليس من العلم الحديث، فهو من العلم القديم، وهو معروف منذ قرون، وقد ذكر هذا العلماء قديما منذ قرون كثيرة، وكانوا يخبرون بكسوف الشمس؛ لأن الكون جارٍ على سنن ثابتة مستقرة، والله -سبحانه وتعالى- أجرى أمر الكون على هذا.
فالشمس تخرج في وقت محدد كل يوم، وطلوع القمر، وكذلك سائر الكواكب، وكذلك معتاد في سنة الله -عز وجل- أن وقت البرد والشتاء له وقت محدد، ووقت نزول الأمطار له وقت محدد، والناس ينتظرونه، ووقت الصيف له وقت محدد.
فالكون منتظم، ومرتبط، ومحكم، ومن باب ذلك -أيضا-: كسوف الشمس، وخسوف القمر داخل في هذه السنة الكونية؛ بانتظام هذا الكون، وهذا لا ينافي كونه آية من آيات الله، ومن أعظم الآيات: طلوع الشمس والقمر، وما يكون في الكون، كلها آيات عظيمة.
وكذلك الرياح لها أوقات محددة، وهى آيات عظيمة، وربما علم الناس بوقوعها، وربما حصل بها عذاب، وربما حصل بها فيضانات، ولا يفوته أن يكون من الآيات العظيمة: كخسوف القمر، وكسوف الشمس، نعم.
أحسن الله إليكم! .
س: يقول ما حكم الاستسقاء في دعاء القنوت في صلاة التراويح والقيام في رمضان ؟ .
ج: المعروف في الاستسقاء بهذه الصفات المنقولة، وإذا استسقى في دعاء القنوت؛ يظهر أنه لا بأس؛ لأن استسقاء في صلاة، معناه دعاء، أنه يدعو؛ فلا بأس من الدعاء، وهو دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: « يتخير من المسألة ما شاء »(15) يتخير من المسألة أعجبه إليه، نعم.
أحسن الله إليكم ! .
س: وهذا سؤال من الشبكة يقول: هل جزيرة العرب حدودها جغرافيا، تختلف عن حدودها شرعا، أي: التي تكلم عنها ؟ .
ج: حدود جزيرة العرب -مثل ما ذكر أهل العلم- هي: معلوم حدودها الثلاثة من جهة البحار، من جهة: الجنوب، والشرق، والغرب، حدودها معروفة من جهة البحار، إنما اختلف العلماء في حدودها من جهة شمالها: هذا موضع الخلاف.
أما حدها من جهة الشرق والغرب والجنوب: فهذه حدود معروفة؛ لأن البحر يحدها، ومن جهة الشمال، قال بعضهم: إنها: منقطع السماوة من جهة " العراق " ولهذا اختلفوا في بعض البلاد كـ " تبوك " وغيرها: هل تدخل في حدها، أو ليست داخلة في حدها ؟ .
فالمنقول في هذا: هو المنقول في الخبر عنه -عليه الصلاة والسلام- والله أعلم، وصلى الله وسلم، وبارك على نبينا محمد.
(1) أبو داود : اللباس (4054) , وأحمد (6/347). (2) مسلم : اللباس والزينة (2069). (3) مسلم : اللباس والزينة (2069). (4) (5) أبو داود : اللباس (4054). (6) مسلم : اللباس والزينة (2069). (7) مسلم : اللباس والزينة (2069). (8) البخاري : النكاح (5096) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2741) , والترمذي : الأدب (2780) , وابن ماجه : الفتن (3998) , وأحمد (5/210). (9) البخاري : الأذان (624) , ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (838) , والترمذي : الصلاة (185) , والنسائي : الأذان (681) , وأبو داود : الصلاة (1283) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1162) , وأحمد (5/57) , والدارمي : الصلاة (1440). (10) مسلم : الجمعة (881) , والترمذي : الجمعة (523) , والنسائي : الجمعة (1426) , وأبو داود : الصلاة (1131) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1132) , وأحمد (2/499) , والدارمي : الصلاة (1575). (11) النسائي : صلاة العيدين (1557) , وأبو داود : الصلاة (1157) , وابن ماجه : الصيام (1653) , وأحمد (5/58). (12) الترمذي : الصلاة (471) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1195). (13) البخاري : الجمعة (998) , ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (751) , وأبو داود : الصلاة (1438) , وأحمد (2/20). (14) الترمذي : الصلاة (413) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1425) , وأحمد (2/425). (15) مسلم : الصلاة (402) , والنسائي : السهو (1298) , وأبو داود : الصلاة (968) , والدارمي : الصلاة (1340). |