حديث: نفس المؤمن معلقة بدَيْنِه حتى يقضى عنه
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « نفس المؤمن معلقة بدَيْنِه حتى يقضى عنه »(1) رواه أحمد، و الترمذي وحسنه.
وهذا الحديث من طريق عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن الزهري، وفيه بعض اللين.
وهذا الخبر فيه: أن نفس المؤمن معلقة بدَيْنِه، وأنه يجب قضاء دَيْن الميت، إذا خَلَّف مالا - قضاء الدَّيْن -.
وهذا التعلق بنفس المؤمن: هذا فيما إذا خَلَّف مالا، إذا كان خَلَّف مالا، أو كان حصل منه تفريط في القضاء، أو عزم على عدم القضاء؛ فإنه مؤاخذ.
إذا كان خَلَّف مالا؛ فيوجبه هذا إلى قضائه، ونفسه تتعلق بدَّيْنِه، وإن كان لم يُخَلِّفْ مالا، لكنه من نيته عدم القضاء، أو قضى بعضا، وماطل في بعض؛ فإن نفسه معلقة بدَيْنِه، وبحسب ما عمل وما نوى، تكون نيته بذلك.
أما من كان بخلاف ذلك، مَن نيته القضاء، ولم يُخَلِّفْ مالا، أو مات وهو معسر؛ فلا شيء عليه، قال -عليه الصلاة والسلام- كما رواه البخاري، عن أبي هريرة: « من أخذ أموال الناس يريد أداءها؛ أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها؛ أتلفه الله »(2) .
من أخذ أموال الناس يريد أداءها؛ أدَّى الله عنه، ولا شيء عليه إذا نوى، وعزم على القضاء، وهذا: من نوى، وعزم على القضاء؛ فإنه يقضي بالفعل.
بل روي عن ميمونة -رضي الله عنها- أنها كانت تستدين، وتكثر من ذلك، وتقول: "إني أريد عون الله " وجاء في الحديث: « إن الله مع العبد إذا استدان »(3) ؛ خاصة إذا كان أخذه في قضاء حاجته، وضرورته، لم يأخذه عبثا.
فقد جاء في الحديث عند أحمد، وغيره: « أن الله يُحْضِر عبدا يكون عدلا، يحضر عند الله -عز وجل-، فيسأله عما أخذ: بما أخذت أموال الناس؟ فقال: أي ربي، إني أخذت فلم أضيع، ولم أتلف المال، فإما أصابه غرق، أو حرق. يقوله لربه -يعترف بذلك-: فهو أخذه لحاجته، وأصابه مصيبة؛ قال: فتوضع كفة حسناته، يُجَاءُ بشيء، فيوضع في كفة حسناته، فترجح كفة حسناته، فيدخل الجنة، ويقول: أنا أولى بالوفاء عنه »(3) .
وقد كان -عليه الصلاة والسلام-: « في أول الأمر، إذا جاءه أحد سأله: أعليه دَيْن؟ فإن كان عليه دَيْن؛ قال: صِلُوا صاحبكم »(4) كما في حديث سلمة بن الأكوع، وأبي هريرة في الصحيحين.
حتى إنه مرة امتنع من الصلاة، حتى قال أبو قتادة: "هما علَىَّ يا رسول الله " ثم بعد ذلك نُسِخَ هذا الأمر؛ فكان يقضي عن الناس.
فكل مَن جاءه صَلَّى عليه -عليه الصلاة والسلام-، ويقول:
« أنا أولى الناس به »(5) ويقول: « من ترك مالا فلورثته -أو فللعصبة من كانوا-، ومن ترك كَلاًّ، أو ضياعا فإليَّ، وعليَّ؛ فليأتني، وأنا أقضيه »(6) ؛ كان يقضي عنهم -عليه الصلاة والسلام-.
فأمر الدَّيْن: أمر شديد، حتى جاء في حديث أبي قتادة، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: « يغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّيْن »(7) .
من حديث أبي قتادة؛ لما سأله ذلك الرجل عن: كيف ترى إذا قتلت صابرا، محتسبا، مقبلا غير مدبر؟ قال: « كيف قلت؟ فقال: صابرا، محتسبا، مقبلا غير مدبر؟ فقال: نعم، أو قال: يغفر لي؟ قال: نعم. ثم لما أدبر دعاه؛ فقال: إلا الدَّيْن؛ فإن جبريل قال لي ذلك أَنِفا »(8) .
فأمر الدَّيْن شديد، لكن هذا مَن فرط فيه، أو مَن ضيع، أو مَن كان مِن نيته عدم القضاء، وأما مَن أخذه يريد القضاء، وحصل له إعسار، أو أصابه ما أصابه - فهذا لا شيء عليه؛ لأنه: « إنما الأعمال بالنيات »(9) .
ولكن عليه أن يسعى، يُشْرَع له أن يسعى في قضاء الدَّيْن، ويجتهد في قضاء الدَّيْن؛ ولا يكون هذا سببا في تفريطه في قضاء الدَّيْن، بل عليه أن يسعى في قضاء الدَّيْن، وحقوق الناس.
(1) الترمذي : الجنائز (1078) , وابن ماجه : الأحكام (2413) , وأحمد (2/440) , والدارمي : البيوع (2591). (2) البخاري : في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2387) , وابن ماجه : الأحكام (2411) , وأحمد (2/361). (3) (4) البخاري : الحوالات (2297) , ومسلم : الفرائض (1619) , والترمذي : الجنائز (1070) , والنسائي : الجنائز (1963) , وابن ماجه : الأحكام (2415) , وأحمد (2/290). (5) الدارمي : البيوع (2594). (6) أبو داود : الفرائض (2899) , وأحمد (4/133). (7) مسلم : الإمارة (1886) , وأحمد (2/220). (8) مسلم : الإمارة (1885) , والترمذي : الجهاد (1712) , والنسائي : الجهاد (3156) , وأحمد (5/297) , ومالك : الجهاد (1003) , والدارمي : الجهاد (2412). (9) البخاري : بدء الوحي (1) , ومسلم : الإمارة (1907) , والترمذي : فضائل الجهاد (1647) , والنسائي : الطهارة (75) , وأبو داود : الطلاق (2201) , وابن ماجه : الزهد (4227) , وأحمد (1/25). |