حديث: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته
وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: « دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلكِ -إن رأيتن ذلكِ- بماء وسِدْر، واجعلن في الآخرة كافورا -أي شيئا من كافور-، فلما فرغنا آذَنَّاه؛ فألقى إلينا حقوة، فقال: أشعرنها إياها »(1) متفق عليه.
وفي رواية: « وابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها »(2) وفي لفظ للبخارى: « فضفرنا شعرها ثلاثة قرون، فألقينه خلفها »(3) .
في هذا -أيضا-: مشروعية غسل الميت -كما سبق-، وفيه: أنه لما ماتت ابنته -صلى الله عليه وسلم-؛ قال: « اغسلنها ثلاثا »(4) وهذا يدل على أنه يشرع الإكثار من غسل الميت، حتى يكون أبلغ في التطهير: ثلاثا، أو خمسا -في اللفظ الآخر-، أو سبعا، أو أكثر من ذلك -أكثر من سبع-.
إن رأيتن ذلك، وهذا بحسب ما يراه الغاسل من مصلحة الميت، لا بالتشهي، فإن رأى في المصلحة أن يزيد على الواحدة؛ فيغسل ثانية وثالثة، يوتر -يبقى على وتر-، فربما غسله، فبقي شيء من الوسخ في جسده، وربما خرج منه شيء من الأذى؛ فيحتاج إلى غسله؛ فيزيد " أو أكثر من ذلكِ ".
ذلكِ: بكسر الكاف خطاب للمؤنث، " إن رأيتن ذلك " يعني: إن رأيتن ذلكِ فزدن في الغسل، ثم قال: "فإذا فرغتن " يعني: من غسلها، أمرهن أن يبلغنه ذلك، وأن يؤذِنَّه بذلك، " فآذنني " يعني: أبلغنني بذلك.
وهذا يدل على عنايته -عليه الصلاة والسلام- بأمر موتها، فلما فرغن من غسلها، بلغنه -عليه الصلاة والسلام-، فأعطاهن إزاره؛ لكي يكون شعارا. بمعنى: أنه ألبس ابنته -عليه الصلاة والسلام- إزاره الذي كان يلبسه.
وكأنه -والله أعلم- كما قال جمع من أهل العلم: أمرهن أن يبلغنه إذا فرغن؛ حتى يبقى الإزار ملامسا لجسده إلى جسدها مباشرة، فلم يعطها الإزار مباشرة، وقال: « أشعرنها إياه، قال: إذا فرغتن من ذلك »(5)
فجعل حتى ينتقل الإزار من جسده إلى جسدها، ويكون مباشرا لجسدها، فلا يمسه شيء بعد ذلك، وهذا أصل في البركة فيما لامس جسده -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم من فعل الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن أسماء بنت عميس، وأم سلمة، وأبي طلحة، وغيرهم من الصحابة -عبد الله بن زيد- الذين نقلوا ما نقلوا من الأخبار -في هذا الباب- من بركة ما نال جسده.
وهذا أمر خاص به -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يفعلوا هذا مع غيره، والأمر الثاني: فِعْلُه مع غيره وسيلة إلى الشرك، وهذه أمور: الأصل فيها التوقيف؛ فلا يكون إلا خاصا به -صلى الله عليه وسلم- في بركة ما لامس جسده.
فأخذن الإزار، فجعلنه شعارا لها، يعني: ملامسا لجسدها؛ لأنه لا بأس أن يكون شيء مما تكفن فيه الميتة من النساء من لباس الرجال، كما أمرهن أن يكفنها في إزاره -عليه الصلاة والسلام-.
وقال: « ابدءن بميامنها »(6) هذا فيه دليل على أنه يشرع البدء بالميامن، وهذا في حق الحي، وحق الميت: يبدأ بغسل الأيمن من جسده، ثم الأيسر، « ومواضع الوضوء منها »(7) وهذا يدل على أنه يشرع أن يوضأ الميت.
فظاهره: أنه يوضَّأ وضوءا كاملا، هذا هو الظاهر: يجمع له بين طهارة الوضوء، وطهارة غسل جميع الجسد، وظاهره -أيضا -: أنه يدخل فيه المضمضة، والاستنشاق، والأقرب -والله أعلم - أنه في مثل المضمضة، والاستنشاق: ينبغى أن يراعي الغاسل حال الميت.
وفي المضمضة: يكون تنظيف الأسنان بالماء، فلا يدخل الماء جوفه؛ لأنه لو أدخل الماء إلى جوفه، ربما كان فيه فساد للجوف، وينزل من دبره، فيؤذيه؛ فلهذا ينظف فمه بماء يبله -مثلا-، ينظف أسنانه.
وهكذا في الأنف: ينظف أنفه بما يبله من خرقة، فينظفه داخل أنفه، وكذلك في ضفر الشعر، فضفرنا شعرها: من هذا أنه يشرع نقض الشعر في حق المرأة، وكذلك الرجل إذا كان له جدائل، يشرع أن ينقض شعره؛ لأنه أبلغ في تنظيفه، ثم بعد ذلك لا بأس أن يضفر، أو يرسل، وأنهن ضفرنه.
وفي اللفظ الآخر: أنه هو -عليه الصلاة والسلام- الذي قال: « اجعلنها ضفائر »(8) وهو الظاهر -والله أعلم-؛ لأنه كان قريبا منهن، وكان يوجهن، ويبين لهن ما يحتجن إليه، في غسل ابنته -عليه الصلاة والسلام-.
(1) البخاري : الجنائز (1261) , ومسلم : الجنائز (939) , والترمذي : الجنائز (990) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1459) , وأحمد (6/407). (2) البخاري : الوضوء (167) , ومسلم : الجنائز (939) , والنسائي : الجنائز (1884) , وأبو داود : الجنائز (3145). (3) البخاري : الجنائز (1263). (4) البخاري : الجنائز (1259) , ومسلم : الجنائز (939) , والترمذي : الجنائز (990) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1459) , وأحمد (6/407). (5) البخاري : الجنائز (1253) , ومسلم : الجنائز (939) , والترمذي : الجنائز (990) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1459) , وأحمد (6/407). (6) البخاري : الوضوء (167) , ومسلم : الجنائز (939) , والنسائي : الجنائز (1884) , وأبو داود : الجنائز (3145). (7) البخاري : الوضوء (167) , ومسلم : الجنائز (939) , والنسائي : الجنائز (1884) , وأبو داود : الجنائز (3145). (8) |