حديث: في قصة المرأة التي كانت تقم المسجد
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة المرأة التي كانت تقم المسجد: « فسأل عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقالوا: ماتت. فقال: أفلا كنتم آذنتموني. فكأنهم صَغَّرُوا أمرها؛ فقال: دلوني على قبرها، فدلوه على قبرها، فصلى عليها »(1) متفق عليه، وزاد مسلم أنه قال: ثم قال: « إن هذه قبور مملوءةٌ ظُلْمَةً على أهلها، وإن الله يُنَوِّرُها لهم بصلاتي عليهم »(2) .
فيه: قصة المرأة التي ماتت، وصلوا عليها، ولم يبلغوه، فلما بلغه شأنها؛ قال: "هلا آذنتموني بها ". فلما أخبروه بهذا؛ ذهب، وصلى على قبرها -عليه الصلاة والسلام-، وهذه المرأة كانت تَقم المسجد، وكأن بعضهم حَقَّروا شأنها.
وقيل: إنهم خشَوا أن يشقوا عليه -عليه الصلاة والسلام- في الليل، فذهب إلى قبرها، وفيه: مشروعية الصلاة على القبر، وأنه لا بأس أن يُصَلىَّ على القبر، إذا صُلِّيَ على الميت. لا بأس أن تعاد عليه الصلاة في القبر من كان صَلَّى عليه.
فهو صَلَّى-مثلا- في المسجد، ثم جاء قوم، ولم يصلوا عليه، فإذا أمكن أن يصلوا عليه قبل أن يوضع في القبر، فهو أولى، وإن صُلِّي عليه بعدما دُفِن؛ فلا بأس، كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-: "أنه صَلَّى على هذه المرأة ".
وفي حديث ابن عباس في صحيح البخاري: « أنه جاء إلى قبر منبوذ ، فصَلَّى عليه -عليه الصلاة والسلام- »(3) .
ولو أعاد إنسان الصلاة عليه، صَلَّى في المسجد عليه، ثم جاء، وأعاد الصلاة عليه مرة ثانية، فلا بأس؛ لأنه لما جاءوا إليه؛ اصطَفُّوا خلفه -عليه الصلاة والسلام-، ولم يقل لهم: "من صَلَّى عليه فلا يُصَلِّ " لأن الصلاة أعيدت عليه لسبب، فمن صَلَّى عليه ثانية تبعا لغيره فلا بأس.
أما أن تعاد الصلاة عليه بلا سبب: فهذا لا يشرع، فلا تعاد الصلاة عليه إلا تبعا للغير، من لم يُصَلِّ -كما صلوا معه عليه الصلاة والسلام-، أما قوله: « إن هذه القبور مملوءة ظلمة »(4) ؛ فلا يدل على الخصوصية، خلافا لمن أنكر ذلك من الأحناف والمالكية، وقالوا: "لا يُصَلَّ على القبر ". فهذا الخبر حجة عليهم.
أما قوله: « إن هذه القبور مملوءة ظلمة »(4) ؛ فلا يدل على الخصوصية، مع أن هذه الزيادة في ثبوتها نظر، بعض العلماء قال: إنها مدرجة من قول ثابت، وليست مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
فعند عدم ثبوتها ينتهي الأمر في الاحتجاج بها، وإن كانت ثابتة فلا دلالة فيها، ثم هو صلى، وصلوا معه -رضي الله عنهم-، واصطفوا خلفه.
(1) البخاري : الصلاة (458) , ومسلم : الجنائز (956) , وأبو داود : الجنائز (3203) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1527) , وأحمد (2/353). (2) مسلم : الجنائز (956) , وأحمد (2/388). (3) البخاري : الأذان (857) , والترمذي : الجنائز (1037) , والنسائي : الجنائز (2023) , وأبو داود : الجنائز (3196) , وأحمد (1/338). (4) مسلم : الجنائز (956) , وأحمد (2/388). |