حديث: رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وهم يمشون أمام الجنازة
وعن سالم, عن أبيه -أبوه عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: « أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وأبا بكر, وعمر, أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأبا بكر, وعمر وهم يمشون أمام الجنازة »(1) رواه الخمسة, وصححه ابن حبان, وعله النسائي وطائفة بالإرسال.
هذا علوه بالإرسال, وقالوا: إن ابن عيينة رواه عن الزهري, عن سالم, عن أبيه, ورجح جمع من أهل العلم: أنه مرسل من رواية ابن عيينة, وأنه مرسل, ورواية الزهري مرسلا, وقالوا: إنه رواه جمع من الثقات مرسلا, والأظهر: هو الاتصال؛ لأن ابن عيينة إمام ثقة, ثم قد وافقه جمع من الثقات, وافقوه على وصله؛ فلهذا يحكم بوصله.
وكان ابن عيينة, إذا قيل له في ذلك, وقيل: الناس يخالفونك؛ قال: "أستيقن الزهري حدثنيه, يعيده ويبديه, مرارا لست أحصيه, سمعته من فيه, عن سالم عن أبيه " ينكر عليهم, ويرد عليهم, ويقول: إنه سمع ذلك, واستيقنه, وضبطه.
وبهذا كان المعتمد: هو وصله, وفيه: أنهم كانوا يمشون أمام الجنازة, وهذا هو الأشهر عند جمع من أهل العلم: أن الذي يتبع الجنازة, إن كان على قدميه؛ فيمشي, ويكون مشيه أمامها, فلا بأس أن يمشي أمامها, وإن كان راكبا؛ فلا يكون المشي خلفها, هذا هو ما جاء في الأخبار.
وجاء في حديث المغيرة بن شعبة, أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: « الراكب خلف الجنازة, والماشي حيث شاء منها, والسقط -وجاء في بعض الأخبار: والطفل- يصلى عليه, ويُدْعَى لوالديه بالمغفرة »(2) .
وجاء في حديث المغيرة: « أن الماشي حيث شاء منها »(3) وهذا يفسر هذا الخبر, ويبين: أنه لا بأس من المشي أمامها, أو خلفها, أو عن يمينها, أو عن شمالها, أما الراكب: فالسنة أن يكون خلفها, هذه هي السنة؛ لأنه يتبع, هذا المراد: الراكب الذي يمشي معها, ليس المراد: الراكب الذي يكون بعيدا عنها, الراكب الذي يشيعها, ويكون معها؛ كذلك الماشي الذي يكون معها.
أما الماشي الذي يسبقها إلى القبر, أو الراكب الذي يتأخر عنها إلى القبر؛ فإن هذا ليس تابعا, إنما الذي يكون معها ويتبعها؛ هذه هي السنة في الراكب: يكون خلفها, والماشي حيث شاء منها.
وجاء في حديث آخر عنه -عليه الصلاة والسلام-: « أنه أوتي بفرس عُرَرِي -يعني ليس عليه سرج-, وكان متبع جنازة أبي الدحداح؛ فلم يركب -عليه الصلاة والسلام- على الفرس حينما أراد أن يذهب ليتبع الجنازة إلى القبر, بل ذهب ماشيا -عليه الصلاة والسلام-, فلما فرغ منها؛ ركب »(4) .
فدل على أن السنة: هي المشي, والرجوع لا بأس به, ولذا؛ ركب -عليه الصلاة والسلام-, وجاء بلفظ آخر في حديث ثوبان: « أنه -عليه الصلاة والسلام- قيل له -في ذلك-: ألا تركب؟ قال: لم أكن لأركب؛ والملائكة يمشون »(5) فبين لهم العلة: أن الملائكة يمشون, فيريد أن يمشي.
ويظهر -والله أعلم- أن هذا ليس في كل جنازة, وإنما هذا نقل في هذه الجنازة, وأنه من إخباره -عليه الصلاة والسلام-, وإلا لا يعلم مشي الملائكة إلا بإخباره.
فتأكد الأمر, وجاء به خبر آخر في سنده ضعف أنه قال -عليه الصلاة والسلام- لأناس: « ألا تستحيون! الملائكة مشاة, وأنتم ركبان »(6) وأنكر عليهم.
قد يبين أنه إذا كان عَلِمَ معه الملائكة -كما في خبره عليه الصلاة والسلام عن ذلك-؛ أن يتأكد الأمر, بخلاف عموم الجنائز, التي يجهل حالها, فالأصل: هو جواز المشي, وجواز الركوب, لكن المشي في اتباعه هو الأفضل, يعني: المشي هو الأفضل, وإذا أراد أن يعود, فلا بأس أن يركب؛ فقد ركب -عليه الصلاة والسلام-.
(1) الترمذي : الجنائز (1008) , والنسائي : الجنائز (1944) , وأبو داود : الجنائز (3179) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1483) , ومالك : الجنائز (524). (2) الترمذي : الجنائز (1031) , والنسائي : الجنائز (1943) , وأحمد (4/248). (3) الترمذي : الجنائز (1031) , والنسائي : الجنائز (1943) , وأحمد (4/247). (4) مسلم : الجنائز (965) , والترمذي : الجنائز (1014) , والنسائي : الجنائز (2026) , وأحمد (5/90). (5) (6) الترمذي : الجنائز (1012) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1480). |