حديث: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا
وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: « نهينا عن اتباع الجنائز, ولم يعزم علينا »(1) متفق عليه.
مثل ما لو جاء في الأخبار الصحيحة أنه: « نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن اتباع الجنائز »(2) دلالة على أن المرأة لا تتبع الجنازة, كما أنها لا تزور القبر.
وذهب كثير من الفقهاء إلى أنه مكروه؛ لقولها: « ولم يعزم علينا »(3) والصواب: المنع, والتحريم؛ أول شيء: لظاهر النهي, الأمر الثاني: أن قولها: "لا يعزم علينا" لا يشترط في النهي أن يكون مؤكدا.
فالإنسان: لو جاءك نهي من الشارع؛ لا تقل: جيب لي نهيا مؤكدا, ولو جاءك أمر من الشارع؛ لا يجوز الإنسان يقول: ما أعمل حتى تجيب لي أمرا مؤكدا, لا! أقول: أوامر الشرع يعمل بها أمرا ونهيا, ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾(4) ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾(5) يسمع ويطيع في جانب الإقدام والإحجام, في الأمر والنهي, هذا هو الأصل.
ولا يشترط في الأمر أن يؤكد بالعزيمة, لا, لكن إذا أكد, وجاء التأكيد عليه بدليل آخر؛ يكون أشد.
جواب آخر أنه يقال: -إنها, وإن لم تشهد العزيمة رضي الله عنها- فقد شهد العزيمة غيرها, وأنه: المرأة لا تتبع الجنازة.
وجاء في عدة أخبار أنه -عليه الصلاة والسلام- أنكر عليهن, وقال: « هل تحملن فيمن يحمل؟ هل تنزلن فيمن ينزل؟ »(6) وروي أنه قال: « ارجعن مأزورات غير مأجورات »(7) .
ثم المعنى يقتضيه -كما سيأتي- في أحاديث ذكرها المصنف -رحمه الله-: إذا كانت منهية عن زيارة القبور -مع بُعْد عهدها عن الميت والأموات, وتسليها عن المصيبة- فكيف باتباعها للجنازة -والمصيبة لازالت حديثة, ولازال المصاب قريبا, والموت وتذكره لا زال قريبا بها؟
فلهذا؛ يكون النهي من باب أولى من جهة: أنه ربما حصل أذية, وربما حصل منها نوح وصياح؛ ولهذا الأظهر أنها لا تتبع الجنازة, لكن لا بأس, يعني: كونها تصلي عليها في المسجد لا بأس, على وجه لا يكون فيه اتباع, أما اتباعها وتشييعها؛ فإنه لا يجوز لها.
(1) البخاري : الجنائز (1278). (2) البخاري : الجنائز (1278). (3) البخاري : الجنائز (1278). (4) سورة الأحزاب: 36 (5) سورة البقرة: 285 (6) ابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1578). (7) ابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1578). |