حديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر
قال: ولمسلم عنه -يعني عن جابر رضي الله عنه-: « نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر, وأن يقعد عليه, وأن يبنى عليه »(1) .
« نهى أن يجصص القبر, وأن يقعد عليه, وأن يبنى عليه »(1) هذه كلمات واضحة في أنه لا يجوز البناء على القبر, ولا يجوز أن يوضع القَصَّة و الجُصُّ, ولا يجوز القعود عليه؛ لأن التجصيص ووضع القَصَّة البَيْضَا نوع من البناء, والبناء طريق إلى تعظيمها, والغلو فيها, وعبادتها.
ولهذا؛ لعن رسول الله -في حديث ابن عباس, وفي حديث عائشة, وأبي هريرة-: « لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد, وقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح؛ صوروا على قبره تلك الصور, أولئك شرار الخلق يوم القيامة »(2) يخاطب أم سلمة, ومن معها -رضي الله عنهن-.
وجاءت الأخبار متواترة في هذا المعنى: في النهي عن البناء على القبور, والنهي عن تعظيمها, فالمشروع هو: زيارتها, والدعاء لأهلها, والدعاء للجنازة قبل ذلك, هذا هو المشروع, وأن يقعد عليها: وهذا لا يجوز, أيضا الظاهر -النص-: أنه لا يجوز القعود.
« ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا اتكأ على قبر؛ فقال: لا تؤذِ صاحب القبر »(3) وجاء في صحيح مسلم قال: « لأن يقعد أحدكم على جمرة؛ فتخلص إلى ثيابه, ثم إلى جلده, خير له من أن يقعد على قبر »(4) ؛ يدل على التشديد في الجلوس على القبر.
وجاء عند أبي داود, والترمذي, والنسائي بإسناد لا بأس به: « وأن يكتب عليه »(5) أي نهى عن هذه الأمور: تجصيصه, والبناء عليه, والقعود عليه, وكذلك الكتابة, ومن باب أولى الحَدَث -من باب النجاسة-, وهي أشد, وأشد.
أما الكتابة فهي محرمة, وهو ظاهر النص, « وأن يكتب عليه »(5) يشمل جميع أنواع الكتابة؛ لأن الكتابة سبيل إلى التذكير به, وإلى تعظيمه, وربما يُتَمَادَى, ويُغْلَب فيكتب أشياء حتى تفضي إلى الغلو فيها, والشارع سَدَّ هذه الأمور التي تفضي إلى الغلو في الأموات, وهذا: يشمل كتابة الاسم, أو ما أشبه ذلك, وهذا كله منهي عنه.
ويجوز في الميت أن يعلم قبره, وقد ثبت في حديث عثمان بن مظعون عند أبي داود, أو ثبت في حديث عند أبي داود:
« أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قبر عثمان بن مظعون أمر رجلا أن يأتي بحجر؛ حتى يعلم قبره, فذهب إليه, فلم يستطع حمله؛ فذهب النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ذلك الحجر, فحسر عن ذراعيه, ثم حمل الحجر, ثم وضعه عليه علامة, وقال: أتعلم به قبر أخي, وأدفن إليه من مات من أهلي »(6) .
فيه فائدتان, أولا: أن يجوز تعليم القبر؛ حتى يعلم, فلو أن إنسانا أراد أن يعلم القبر بحصاة, أو بخشبة, أو حديدة, أو شيء -مثلا- يبين القبر؛ فلا بأس بذلك, لكن لا يكون كتابة, يكون وضع أشياء تعلم القبر, وأنه لا بأس -أيضا- موضع يدفن فيه الأقارب, وجميع الأقارب, قال: أدفن فيه من مات من أهلي, ولا بأس أن يدفن في موضع واحد, لا بأس بذلك, كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
(1) مسلم : الجنائز (970) , والترمذي : الجنائز (1052) , والنسائي : الجنائز (2027) , وأحمد (3/339). (2) البخاري : الجنائز (1390) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (531) , والنسائي : المساجد (703) , وأحمد (6/146) , والدارمي : الصلاة (1403). (3) أحمد (5/223). (4) مسلم : الجنائز (971) , والنسائي : الجنائز (2044) , وأبو داود : الجنائز (3228) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1566) , وأحمد (2/389). (5) الترمذي : الجنائز (1052) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1563). (6) أبو داود : الجنائز (3206). |