حديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع
وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: « كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع »(1) رواه أبو داود، وإسناده لين.
هذا الخبر إسناده لين كما قال المصنف -رحمه الله-؛ لأنه من طريق جعفر بن سعد بن سمرة، عن خضير بن سليمان بن سمرة، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة -رضي الله عنه- ابن جندب، والسند هذا.
وهذا السند يأتي بأخبار من طريق سمرة -رضي الله عنه-، وهو إسناد ضعيف، وهو ضعيف جدا، ورواته ضعفاء أو مجاهيل؛ فلهذا الخبر لا يثبت من جهة الدليل من جهة الإسناد، وزكاة التجارة ثبتت بها الأدلة العامة، ليس عمدتها هذا الخبر، بل جاء فيها أدلة خاصة منها:
ما رواه الدارقطني والحاكم: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: « في البز صدقته »(2) "في البز" وهو الثياب؛ نسبة إلى البزاز الذي يبيع الثياب، وهذه اللفظة وهي: "البز" اختلف: هل هو بالزاي، أو بالراء.
ضبطت في بعض النسخ بالراء "بالبر" فعلى هذا لا يكون به حجة، وضبطت بالزاي كما ضبطها كثير من المحدثين، فيكون حجة في وجوب الزكاة في عروض التجارة: كالثياب ونحوها.
ومنها أيضا:
ما جاء عن أبي عمرو بن حماس، عن أبيه: أن عمر -رضي الله عنه- قال: « أد زكاة مالك. قال: إنما هي جعاب وآدم. قال: قومها وأد زكاتها »(2) .
ومنها ما روى أبو عبيد أيضا، عن عمر -رضي الله عنه-: « أنه كان يحصي على التجار أموالهم، ويخرج الزكاة، وصح عن عمر رضي الله عنه »(2) .
كما روى مالك في الموطأ أنه قال: « اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة »(2) وقال: وصح عن ابن عمر أيضا، عن ابنه -ابن عمر كما رواه ابن أبي شيبة- أنه قال: « ليس في العروض زكاة إلا زكاة التجارة »(2) .
فهذه الآثار متعاضدة ومجتمعة في وجوب زكاة التجارة، وفي قوله -تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾(3) .
قال جمع من السلف كمجاهد: هي زكاة التجارة، وثبت في الصحيحين، من حديث أبي هريرة، أنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال لما أرادوا أن يطلبوا الزكاة من خالد قال: « أما خالد -خالد بن الوليد رضي الله عنه- فقد حبس أدراعه وأعتده في سبيل الله »(4) .
وهذا ظاهر أن عذره في هذا أنه حبسها، وجعلها وقفا في سبيل الله، وأنه لا زكاة عليه فيها، فيه دلالة على أنها كانت تؤخذ الزكاة من الدروع والعتاد والمتاع، وهذا لا يكون إلا إذا كانت تقلب بالبيع والشراء في التجارة.
فهذه الأدلة وما جاء في معناها تدل على وجوب زكاة التجارة، وعموم الأدلة في هذا الباب، مثل قوله -تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾(5) .
والأموال يشمل جميع الأموال: الظاهرة، والباطنة.
والأموال الظاهرة يدخل فيها الذهب، يدخل فيها الماشية ونحوها، والباطنة ما سوى ذلك من الذهب والفضة، ويدخل فيها أيضا عروض التجارة.
فهذه الأدلة تدل على وجوب زكاة التجارة، وحكاه بعضهم إجماعا، وهو ليس فيه إجماع في الحقيقة، لكنه قول جماهير السلف، ربما أنه يقال: هو إجماع سكوتي من الصحابة -رضي الله عنهم- من جهة أنها أقوال انتشرت عن عمر، وعن ابن عمر رضي الله عنهما.
وربما عند التتبع يوجد عن غيرهم فلم تنكر، فكان إجماعا سكوتيا وحجة.
فالمقصود: أن هذه الأدلة تدل على وجوب زكاة التجارة، ثم المعنى يقتضيه، وأن غالب أموال الناس تكون من أموال التجارة، فلو لم تجب فيها لسقطت الزكاة عن جماهير المسلمين، وعن عموم وعن كثير من المسلمين؛ ولهذا وجبت فيها من جهة هذا المعنى.
(1) أبو داود : الزكاة (1562). (2) (3) سورة البقرة: 267 (4) البخاري : الزكاة (1468) , ومسلم : الزكاة (983) , والنسائي : الزكاة (2464) , وأبو داود : الزكاة (1623) , وأحمد (2/322). (5) سورة التوبة: 103 |