حديث: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب
وعن عبيد الله بن عدي بن خيار أن رجلين حدثاه أنهما أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما النظر، فرآهما جلدين، فقال: «إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب »(1) رواه أحمد، وقواه أبو داود، والنسائي.
وهذا الحديث رواه عبيد الله بن عدي بن خيار عن رجلين، هو حديث جيد، وهو أنه: « لا تحل الصدقة لغني، ولا لقوي مكتسب »(2) وجاء له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود: « لغني، قال: ولا لذي مرة سوي »(3) .
وآخر من حديث أبي هريرة عند النسائي أيضا، بنفس لفظ حديث عبد الله بن عمرو « لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي »(4) .
هي ألفاظ واضحة منه -عليه الصلاة والسلام- أنها لا تحل لهذين، والرسول أتاه رجلان قال: « إني أراكما جلدين، وإنها لا تحل لغني، ولا لقوي مكتسب »(5) وهكذا من جاء يطلب الزكاة ولا ندري حاله.
قد يبين أن من جاءنا يطلب الزكاة، وإن كان ظاهر حاله القوة، نرى منه قوة.. يعترض عندنا، قد يلتبس أمره من جهة قوة بدنه، لكن لا ندري، قد يكون الإنسان وإن كان قوي البدن، لكن لا يستطيع الاكتساب، ولا يحسن ما يصلح به البيع والشراء، وقد يكون ليس على ظاهره من هذه الجهة، فقد يحتاجها لعلة أخرى.
لكن تجمع بين المصلحتين تعظه أولا وتذكره، إذا رأيت من حاله قوة؛ لأنه قد يكون سألها وهو غير محتاج، وقد يكون جهلا، ويظن أن الزكاة تحل له ولأمثاله، فقل له: إنك رجل قوي، شديد البدن، صحيح البدن -كما نرى-، وهذه زكاة، وإنها لا تحل لك ولأمثالك، فإن بين أمره، وتبين أمره، فالحمد لله، وإن أصر على ذلك، وأخبر أنه من أهلها فيعطى على ظاهر حاله.
والرسول -عليه السلام- قال: « إن شئتما أعطيتكما »(6) وإذا أعطاه وكان في نفس الأمر غنيا، فقد بلغت زكاته محلها و-الحمد لله -، لا شيء على المزكي.
وقال لا تحل لغني، فالغني لا تحل له، والمصنف -رحمه الله- دائما في هذا الكتاب يجمع بين الأخبار التي قد يكون ظاهرها التعارض، تجده يذكر الخبر، ويذكر الخبر الذي ظاهره التعارض؛ ولهذا قال: « لا تحل لغني »(4) وفي ذاك الخبر: « لا تحل لغني إلا لخمسة »(7) .
ثم بين أن هذا خاص، من هؤلاء أن الأصل أنها لا تحل للأغنياء جميعهم، إلا لمن كان هذا وصفهم، كما ذكر في حديث أبو سعيد الخدري، وما سواه فلا؛ ولهذا هذه كلمة جامعة، وهذا الأصل، أنها لا تحل لهم.
« ولا لذي مرة سوي »(8) وهذا يبين أن من كان صحيح البدن، فلا تحل له الزكاة، ولا يشترط أن يكون مكتسبا، لو قال الإنسان: أنا قوي البدن، لكن ليس لدي عمل، ليس لدي وظيفة، فهو يجب عليك.. يلزمك أن تعمل؛ ولهذا قال في الحديث..
هذا يبين أن المكتسب يعني لديه قدره، عنده قوة على..، لديه قوة على الاكتساب، لا أنه مكتسب بالفعل؛ ولهذا في حديث عبد الله بن عمرو وحديث أبي هريرة قال: « ولا لذي مرة سوي »(8) .
قوة، المرة القوة، ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾(9) يعني: ذو قوة فارتفع، « ولا لذي مرة سوي »(8) يعني: قوي وصحيح البدن، هذا هو الذي لا تحل له الزكاة.
وإذا لم يكن يعمل عليه أن يعمل إلا إذا قعد نفسه، وقال: إنه لم يجد شيئا، وبحث فلم يجد، أو لم يتمكن، فهذا يعطى من الزكاة. فالمقصود أنه إذا تسبب، فلم يتيسر له، فيكون من أهلها، ويبين له، كما في الخبر عنه -عليه الصلاة والسلام-.
(1) النسائي : الزكاة (2598) , وأبو داود : الزكاة (1633) , وأحمد (4/224). (2) النسائي : الزكاة (2598) , وأبو داود : الزكاة (1633) , وأحمد (5/362). (3) الترمذي : الزكاة (652) , وأبو داود : الزكاة (1634) , وأحمد (2/192) , والدارمي : الزكاة (1639). (4) النسائي : الزكاة (2597) , وأحمد (2/389). (5) النسائي : الزكاة (2598) , وأبو داود : الزكاة (1633) , وأحمد (5/362). (6) النسائي : الزكاة (2598) , وأبو داود : الزكاة (1633) , وأحمد (5/362). (7) أبو داود : الزكاة (1635) , وابن ماجه : الزكاة (1841) , وأحمد (3/56) , ومالك : الزكاة (604). (8) الترمذي : الزكاة (652) , وأبو داود : الزكاة (1634) , وأحمد (2/192) , والدارمي : الزكاة (1639). (9) سورة النجم: 6 |