حديث: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين
قال عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « لا تقدموا رمضان بصوم يوم، ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوما، فليصمه »(1) .
وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: « من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم »(2) .
صلى الله عليه وسلم ذكره البخاري تعليقا، ووصله الخمسة، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان .
وهذا الخبر، خبر صحيح في حديث عمار بن ياسر، وقبله حديث أبي هريرة: « لا تقدموا رمضان »(1) .
هذا يبين أنه لا يجوز تقدم رمضان بصوم يوم، ولا يومين، يعني لا يجوز أن يصام يوم التاسع والعشرين، ويوم الثلاثين، ولا يوم التاسع والعشرين.
فلا يتقدم بصوم يوم، ولا يومين. قال: « إلا رجل كان يصوم صوما، فليصمه »(3) كمن كان يصوم قبل ذلك، أو من عادته مثلا يصوم الاثنين، أو الخميس، أو من عادته أن يصوم أياما معينة مثلا.
كأن يصوم هذا الشهر، من أوله، صام شعبان من أوله، وواصل صيامه، فهذا لا بأس، فهو مستثنى؛ لأن القصد من النهي هو ألا يزيد في الشهر ما ليس منه، فإذا تقدم رمضان بيوم، أو يومين، بغير سبب، دخل عليه الشيطان.
وربما أنه دخل عليه أنه يحتاط لرمضان، وأنه يدخل في رمضان ما ليس منه؛ ولهذا كان هذا الخبر دليلا على منع صوم يوم الشك: « من صام اليوم الذي يشك فيه، أو يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم »(2) .
فالخبر في الصحيحين دليل على ذلك، وأنه لا يجوز صوم يوم الشك؛ لأن من صام يوم الشك، فقد تقدم رمضان بصوم يوم، والحديث الذي بعده صريح في ذلك، أنه لا يجوز صوم يوم الشك.
ويوم الشك هو ليلة الثلاثين من شعبان، إذا كانت السماء مغيمة، فيها غيم، ولا ندري، هل هلّ الهلال؟ أم لم يهل؟ والصواب أنه..
واختلف العلماء في هذا، فهو إما مكروه، أو محرم، وظاهر النصوص التحريم، كما في حديث عمار: « فقد عصى أبا القاسم »(4) صلى الله عليه وسلم.
ودليل منعه هذه الأدلة، ثم الأصل بقاء شهر شعبان، واليقين أنه من شهر شعبان، ولا نقول: إن هذا من رمضان إلا بدليل، ولا يقال: إن هنا احتياط، نحتاط نقول: احتياط، وإن كان مشروعا، والاحتياط ليس بواجب، ولا محرم.
الاحتياط على الصحيح ليس بواجب، ولا محرم، فإنه قد يكون مطلوبا مشروعا، وقد يكون محرما، فالاحتياط المطلوب المشروع: هو الاحتياط الذي يجمع بين الأقوال، وفيه أخذ بجميع الأدلة، والاحتياط المحرم: الذي يكون موافقة لقول ساقط، بأخذ لحديث لا يصح، أو يلزم من ترك بعض الأدلة.
أما الاحتياط المشروع: هو الذي يكون أخذا بجميع الأدلة؛ فلهذا لا نقول بلزومه مطلقا، ففي هذه المسألة الاحتياط بصوم يوم الثلاثين، ليلة الشك.
هذا في الحقيقة يلزم منه إدخال يوم من غير رمضان، وزيادة يوم ليس مشروعا، واستدراك على الشارع؛ فلهذا كان محرما بالنهي عنه، وإخبار أنه قد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- والصحابي لا يقول مثل هذه العبارة، إلا وأنه قد تحقق أنه قد نهى عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا في حكم المرفوع، هذا في الصوم قبله بيوم، أو يومين.
جاء في حديث أبي هريرة « إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا، حتى تصوموا رمضان »(5) رواه الخمسة، وهو لا بأس به، وإسناده جيد، وفيه دلالة على النهي بعد انتصاف شعبان.
وهذا فيه النهي قبل رمضان بصوم يوم، أو يومين، فقال جمع من أهل العلم: إنه يحرم قبله بيوم أو يومين، وقبله بأكثر من يوم أو يومين، مثل ثلاثة أيام، وخمسة أيام، يكره؛ لأن مفهوم هذا الخبر أن ما سواه لا بأس به، جاء ذاك الخبر: « إذا انتصف، فلا تصوموا »(6) .
نجمع بين الدليلين، بحمل قول: « لا تصوموا »(7) على الكراهة، بدلالة الجواز المفهوم من قوله « لا تقدموا »(8) ؛ ولهذا نقول لأن الاحتياط أو توهم الاحتياط بعد النصف، قبل وصول رمضان ضعيف، من جهة أنه رمضان، حتى لو بقي عليه نحو نصف الشهر.
ويقرب تلبيس الشيطان، كلما كان قريبا من الشهر، إذا كان قريبا جدا لم يبق إلا يوم أو يومان، فربما زعم أنه يحتاط للشرع، فلا يجوز، أما إذا بعد، فلا يأتي قضية أنه يحتاط لهذا الشهر، ويكون مكروها، جمعا بين الأدلة.
وبالجملة لا يصام بعد النصف من شعبان، هذا هو ظاهر النصوص، وقد يقال: إن هذا أخبر بالنهي عن صوم يومين، ثم أخبر بالنهي عن انتصاف من شعبان، لكن الجمع الأول ماشٍ على القاعدة، في الجمع بين الدليلين عند اختلافهما، أو تعارضهما.
أما إذا صام قبل النصف فلا بأس؛ ولهذا كان -عليه الصلاة والسلام- يصوم شعبان، في حديث عائشة: « كان يصوم شعبان كله »(9) في البخاري، وعند مسلم: « يصومه إلا قليلا »(10) وهو لم يصمه كله -عليه الصلاة والسلام-؛ ولهذا قالت عائشة -كما في صحيح مسلم-: « ما استكمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهرا كاملا قطُ إلا رمضان »(11) .
وهذا يوضح الحديث عن أم سلمة « أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يصل شعبان برمضان »(12) يعني أنه كان يصوم أغلبه، وأكثره، والعرب يطلقون يقولون: قمت الليل كله، أو مثلا صمت الشهر كله، أو ما أشبه ذلك، ويريدون الأغلب والأكثر، وهذه طريقة معروفة عند العرب.
ومنه أيضا ما نقلته عائشة: « أنه صام شعبان كله »(13) هذا لو لم تأتِ روايات تبين أنه لم يصم إلا بعضه -عليه الصلاة والسلام-.
المقصود أنه لا يجوزالتقدم بصوم يوم ولا يومين، وقبل ذلك يكون مكروها كراهة تنزيه؛ لدلالة الخبر عن أبي هريرة.
(1) البخاري : الصوم (1914) , ومسلم : الصيام (1082) , والترمذي : الصوم (684) , والنسائي : الصيام (2173) , وأبو داود : الصوم (2335) , وابن ماجه : الصيام (1650) , وأحمد (2/521) , والدارمي : الصوم (1689). (2) الترمذي : الصوم (686) , والنسائي : الصيام (2188) , وأبو داود : الصوم (2334) , وابن ماجه : الصيام (1645) , والدارمي : الصوم (1682). (3) البخاري : الصوم (1914) , ومسلم : الصيام (1082) , والنسائي : الصيام (2173) , وأبو داود : الصوم (2335) , وابن ماجه : الصيام (1650) , وأحمد (2/497) , والدارمي : الصوم (1689). (4) مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (655) , والترمذي : الصلاة (204) , والنسائي : الأذان (683) , وأبو داود : الصلاة (536) , وابن ماجه : الأذان والسنة فيه (733) , وأحمد (2/537) , والدارمي : الصلاة (1205). (5) الترمذي : الصوم (738) , وأبو داود : الصوم (2337) , وابن ماجه : الصيام (1651) , وأحمد (2/442) , والدارمي : الصوم (1740). (6) الترمذي : الصوم (738) , وأبو داود : الصوم (2337) , وابن ماجه : الصيام (1651) , وأحمد (2/442) , والدارمي : الصوم (1740). (7) الترمذي : الصوم (744) , وأبو داود : الصوم (2421) , وابن ماجه : الصيام (1726) , والدارمي : الصوم (1749). (8) البخاري : الصوم (1914) , ومسلم : الصيام (1082) , والترمذي : الصوم (685) , والنسائي : الصيام (2173) , وأبو داود : الصوم (2335) , وابن ماجه : الصيام (1650) , وأحمد (2/521) , والدارمي : الصوم (1689). (9) البخاري : الصوم (1970). (10) مسلم : الصيام (1156). (11) البخاري : الصوم (1969) , ومسلم : الصيام (1156) , والترمذي : الصوم (768) , وأبو داود : الصوم (2434) , وأحمد (6/242) , ومالك : الصيام (688). (12) النسائي : الصيام (2175) , وأبو داود : الصوم (2336) , وابن ماجه : الصيام (1648) , وأحمد (6/300) , والدارمي : الصوم (1739). (13) البخاري : الصوم (1970) , ومسلم : الصيام (1156) , وابن ماجه : الصيام (1710) , وأحمد (6/249). |