حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم
وعن عائشة -رضي الله عنها- « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتحل في رمضان، وهو صائم »(1) رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، وقال الترمذي: لا يصح بهذا الباب شيء.
والحديث ضعيف كما ذكر المصنف -رحمه الله.
وجاء أيضا من حديث آخر عند الترمذي، « بأنه سأله رجل عن الاكتحال للصائم، فأذن له في الاكتحال »(1) وهو ضعيف أيضا، وجاء في حديث عند أبي داود « أنه -عليه الصلاة والسلام- أمر بالإثمد المروح، وقال: ليتقه الصائم »(2) .
وهذه الأخبار كلها ضعيفة في النهي عنه، والأمر باتقائه، أو بالإذن به، كلها ضعيفة لا تثبت، والأصل براءة الذمة، وأن الكحل لا شيء فيه؛ ولأنه يكون في العين، والعين ليست منفذا إلى الجوف.
فعلى هذا نقول: إنه لا بأس به، وأيضا أشير لمسألة الحجامة، أنه قد يقال مثلا: كيف تكون الحجامة مفطرة، وهي شيء خارج من البدن؟.
فيقال كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- وغيره: إن الصائم مأمور في حال صيامه ممنوع أن يدخل في جوفه ما يقوي بدنه، ومنهي عن أن يخرج ما يضعف بدنه، فهو مأمور.. منهي أن يدخل إلى جوفه ما يقويه من الطعام والشراب، فيفسد، ومنهي أن يخرج من بدنه ما يضعفه.
وهو وإن أمره بالصوم سبحانه وتعالى، لكن لا يشرع له أن يسلك ما يكون سببا إلى إضعاف صومه؛ لأن المقصود هو الصوم، وهو تعبدنا بالصوم، ويبقى في حال صومه نشيطا، فيؤدي العبادات.
فما كان سببا لإضعاف البدن، فهو منهي عنه، وما كان سببا إلى تقوية البدن، مما هو مفطر، فهو محرم، إلا في الشيء الذي لا خيرة فيه، أو لا حيلة فيه، في دم النفاس والحيض، فإنه يفطر الصائم، يفسد الصوم؛ ولهذا هو خارج من البدن، لكن لما كان سببه إضعاف البدن، لم يجتمع مع الصوم، لكن ليست هذه العلة، فيقال: إن الحجامة تفطر.
فهذا المعنى أخذ من جهة هذا المعنى في إخراج الدم للحجامة، من جهة تحريمه أو كراهته على حسب الحالين، مأخوذ من جهة أن دم النفاس، ودم الحيض، ربما كان سببا لإضعاف البدن.
قد يكون هذه العلة أو غيرها -والله أعلم-، من هذه الجهة؛ فلهذا الصائم منهي عنه، لكن هو مكروه له، إذا كان يضعف بدنه، ولا يئول به إلى الضعف الشديد، وإذا كان يضعفه ضعفا شديدا، ويئول به إلى المرض، فإنه لا يجوز له، كما هو قول جماهير أهل العلم والله أعلم.
س: أحسن الله إليكم. وهذا سؤال عن طرق الشبكة يقول: رجل غني، إذا جاء رمضان قام بتوزيع زكاته في بيته، وأكثر من يأتيه لا يعرفهم، ولا يعرف حقيقتهم، فإذا قيل له في ذلك، قال: لا أطمئن حتى أوزعها بنفسي. علما أن جزءا منها يبعثها بنفسه للفقراء، وجزاكم الله خيرا؟
ج: هذا طيب، كونه يوزعها بنفسه، السنة أن يوزعها بنفسه، وهذه قاعدة في العبادات كلها، وقاعدة في العبادات أن يؤدي الإنسان المكلف العبادات بنفسه.
إلا مسألة الزكاة، إذا طلبت منه، أو طلبها منه من له.. طلبها الإمام، أو نائبه، طلبها الإمام تدفع إلى عماله، يدفعها، أما إذا لم تطلب منه، فدفعها، ووزعها بنفسه، هذا أفضل، يؤدي العبادة بنفسه، هذا هو السنة.
ولا بأس أن يعطي الفقراء الذين يأتونه، وعليه إذا كان ظاهره الحاجة والفقر فيعطيهم، يعطيهم، وإذا شك في أحدهم فأحواله ثلاثة، يعني واضح أن أحوال الناس ثلاثة في مثل هذه الأمور: شخص واضح عليه علامات الفقر، إما بأنه يعرفه، أو بشهادة من يعرفه، أو هناك علامة تدل عليه، فهذا له حق من الزكاة، يعطى.
وشخص شك في أمره، ولا يدري، فظاهر حاله الغنى، أو ظاهر بدنه القوة، فيقول له كما قال -عليه الصلاة والسلام-، يعظه، ويبينه، ويعطيه من الزكاة إذا طلبها.
الحال الآخر إذا علم غناه، إذا علم غناه، فلا يجوز له أن يعطيه من الزكاة، أما إذا كان جاهلا، فلا بأس أن يعطيه من الزكاة.
ولو فرض أنه غني، وأنه غني، وجهل حاله، فقد ثبت في الحديث في صحيح البخاري « أن رجلا قال: سأتصدق الليلة بصدقة، فتصدق على غني، ثم قال: تحدث الناس تُصدق على غني، وفي الليلة الثانية تصدق على سارق، والليلة الثالثة تصدق على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، على غني، وعلى سارق، وعلى زانية، فأتي فقيل: أما الغني فلعله يعتبر ويتصدق، وأما السارق فلعله يعتبر ويكف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تتعظ وتكف عن زناها »(3) .
فإذا احتاط في مثل هذا، وسأل عند الشك، هذا هو الأولى. نعم.
س: أحسن الله إليكم. وهذا أيضا سؤال آخر في الشبكة يقول: ذكرتم بالأمس -أحسن الله إليكم- أنه يمكن إعطاء من يرجى إسلامهم من الزكاة، واستغلال هذا المصرف من مصارف الزكاة، في بلاد الغرب، وأريد من فضيلتكم بعض الإيضاح، فهل لذلك ضوابط؟ ثم ما صحة أن عمر -رضي الله عنه- أوقف هذا المصرف، وجزاكم الله خيرا؟
ج: نعم. عمر -رضي الله عنه- أوقفه لما رأى أن أهل الإسلام استغنوا بقوتهم، وهذا هوالصحيح.
أن المصرف للمؤلفة قلوبهم، ليس مصرفا مستمرا ومستقلا، بل هو حسب الحاجة والمصلحة، فإذا قوي الإسلام، وقوي الدين، وظهرت قوة للإسلام والمسلمين، وكانت لهم النصرة والقوة واستغنوا، ففي هذه الحالة قوي الإسلام، إذا قوي واستغنى عنهم فلا.. فليس لهم مصرف.
وعمر -رضي الله عنه- لم يمنعه مطلقا، إنما لسبب، إما عند ضعف المسلمين، وعند حاجتهم، أو يكون السبب والمصلحة في الصرف إليهم، مثل أن يكون المؤلفة قلوبهم..
المؤلفة قلوبهم أقسام: أن يكونوا كفارا يرجى بإعطائهم كف شر غيرهم من الكفرة، هذا نوع.
أو كفارا يرجى بإعطائهم إسلامهم، أو كفارا يرجى بإعطائهم إسلام نظرائهم، أو أنهم -يعني المؤلفة قلوبهم- أسلموا، نعم أسلموا ويرجى بإعطائهم إسلام نظرائهم، إذا رأوهم يعطَون، أو مثلا رجل من الكفار دخل لتوه في الإسلام فخشي عليه من الرجوع أو الضعف، فيعطى تألفا لقلبه، فلا بأس.
وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يعطيهم، وأعطى المؤلفة قلوبهم، أعطاهم أموالا عظيمة مع الغنى، أعطاهم لأجل هذه المصلحة، فهذا مصرف من مصارف الزكاة، كما هو نص الآية، وكما جاء في هديه -عليه الصلاة والسلام- نعم.
س: أحسن الله إليكم. وهو يقول أيضا، وهل لنا هنا في أمريكا أن نصرف الزكاة في بناء مسجد؛ لحاجتنا الماسة لوجود مسجد، وجزاكم الله خيرا؟
ج: الله سبحانه يقول: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ﴾(4) هؤلاء هم مصارف الزكاة الثمانية، ليس فيها مساجد، ولا قناطر، ولا طرق، وما أشبه ذلك.
أما قوله في سبيل الله، فالصواب أن في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله: القتال في سبيل الله، وإلا لو كان المراد في سبيل الله بناء المساجد، والمراد في سبيل الله بناء القناطر، وما أشبه ذلك لكان التفصيل هنا غير مراد.
ولهذا فصل سبحانه وتعالى ذكر هذه الأصناف الثمانية، وهي في الحقيقة كلها في سبيل الله، لو كان المراد أن في سبيل الله يشمل هذه الأشياء، لاكتفى بقوله أن الزكاة تصرف في سبيل الله، فيشمل هذه الأصناف الثمانية، ويشمل غيرها مما يكون سبيلا وطريقا إلى الله.
لكن لما أنه ذكر هذه الأصناف، وجعل معها في سبيل الله، دل على أنه سبيل خاص، أنه سبيل خاص، وهو الجهاد في سبيل الله، وجاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث عند البخاري، الذي علقه من طريق أبي داس الخزاعي أنه جاء.. « أنه الحج في سبيل الله »(1) .
فهذا إن صح الخبر، يلحق به، وبعضهم ضعفه. فالمقصود أن الزكاة لا تصرف إلا لهذه الأصناف الثمانية، أما بناء المساجد وغيرها، غير الأصناف الثمانية، فلا يكون مصرفا من مصارف الزكاة.
بل كما أخبر -عليه الصلاة والسلام- « أن الله جزأها ثمانية أجزاء »(5) كما يروى عنه قال: « فإن كنت من أهل هذه الأصناف الثمانية أعطيتك »(1) إذا كان منها، أما إذا كان من غيرها، فلا حق له بالزكاة. نعم.
س: وهذا أيضا يقول: موظف براتب قليل، فهل له أن يأخذ من الزكاة؟
ج: إذا كان راتبه لا يكفيه لحاجته، أو حاجته وحاجة أولاده، يأخذ من الزكاة ما قد يكفيه، فالإنسان قد يكون لديه راتب، فإذا كان راتبه ضعيفا يقول: يكفيني نصف الشهر، نقول: تأخذ مقدار النصف الثاني، يقول: أنا لي راتب مثلا ألفان، ويكفيني نصف الشهر، والنصف الثاني أتسلف، أو أستدين، نقول: تأخذ للبقية.
وهكذا إذا كان يكفيه مثلا ربع الشهر، فعليه في هذه الحال أن يتحرى، أما إذا كان الراتب يجعله مثلا يتوسع في أمور المباحات، فهذا لا تحل له الزكاة، تكون للأمور الحاجية، أما التوسع في المباحات، ولا يكفيه راتبه، فهذا ليس مخولا لأخذ الزكاة. نعم.
س: وهذا يقول: -أحسن الله إليكم- مكافآت طلاب التحفيظ، المدارس والحلقات التي تصرف للطلاب، هل هي من الزكاة أو من الصدقات التي يتورع عنها الإنسان، خاصة إذا كان غير محتاج إليها؟
ج: ينظر: هل مقصود السائل في حق المعطي، أو في حق المعطى؟ إن كان قصده المكافأة نفس الذين يأخذونها من طلاب التحفيظ، فهي أموالهم ملكهم، ولو كانوا صغارا، ولو كانت مالا قليلا.
فإذا أعطي شيئا من المال، وبلغ النصاب، يزكيه وليه، إذا كان يزكي هذا المال، أما إذا كان لا يقول أنه رصد أموالا للتحفيظ، أن أموالا جعلها.. صرفها في تحفيظ القرآن، أو أبواب البر، فهذه أخرجها صدقة لله، لا زكاة فيها؛ لأنها ليست مملوكة لأحد. نعم.
س: أحسن الله إليكم. وهذا يقول: هل يلزم في الغارم أن يكون غرم؛ لأنه أصلح ذات البين، أو أنها عامة؟
ج: الغارم سواء كان غارما لنفسه، أو غارما لذات البين، لكن الغارم على قسمين: إذا غرم لنفسه، لنفقته، مثلا غرم لنفقته الخاصة، فيأخذ من الزكاة لحاجته بقدر سداد الدين، فلو كان غارما مثلا لنفقته، استدان، وعنده مال، استدان.
لكن عنده أموال، من أجل أن يأخذ الزكاة يسدد من ماله الذي عنده، إذا كان لنفقته، أما إذا كان غرم لإصلاح ذات البين، فهو من الأغنياء الذين تحل لهم الزكاة، يعطى من الزكاة بقدر ما غرم في إصلاح ذات البين، ولو كان المال الذي غرمه كبيرا. نعم.
س: هل يجوز للشاب أن يأخذ من الزكاة لأجل الزواج؟
ج: نعم، لا بأس؛ لأنه من المصارف الضرورية، وقال -عليه الصلاة والسلام-: « ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله، والمكاتب »(6) .
وهذا حق أن يعان، فيعطى من الزكاة بقدر ما يكفيه لنكاحه، لكن ينبغي أن ينتبه من يأخذ الزكاة، مثلا في مسألة النكاح، أن يكون مثل ما سبق التنبيه إليه، في أخذه الزكاة لنفقته، أن يكون لحاجات الزواج التي تكفيه.
أما الأشياء التي تكون من باب التوسع، من باب الترفه، فإن هذه ليست من مصارف الزكاة، إنما لحاجته في نفقته، وفي زواجه، وفي مهره، فيعطى من الزكاة بقدر ذلك. نعم.
س: أحسن الله إليكم. يقول: يأتي عندنا في مسجد الحي بعض المتسولين، وأعلم أنهم كاذبون، فأمسكهم، وأستدعي لهم الجهات المسئولة، فهل هذا جائز؟
ج: إذا علمت أنه كاذب، فالكاذب ارتكب أمرا محرما، ومن ارتكب محرما فيستحق العقوبة، في مثل هذا، فإبلاغك عنه في هذا، أمر حسن طيب؛ لأن فيه كف لهؤلاء عن هذه الأمور المحرمة، وأخذ للأموال، وتجميعها بغير حق، ففعلك فعل حسن، وفعل طيب. نعم.
س: أحسن الله إليكم. يقول كيف نجمع بين قول الله -عز وجل- ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾(7) وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أصبح صائما فأفطر، وجزاكم الله خيرا؟
ج: ما فيه منافاة ولله الحمد، ما فيه منافاة، هذا رخصة من الله -عز وجل-، الأعمال.. فيه أعمال يجوز الدخول والخروج منها.
لكن العمل الذي لا يجوز إبطاله، هو ما دخل فيه، ووجب عليه، كما إذا دخل في الصلاة، أو دخل في حج وعمرة، فإنه يجب عليه إتمامه، وجاء في السنة أنه يجوز الخروج من مثل هذا، مثل ذلك لو أنه نوى أن يذكر الله مثلا، أو يهلل الله مائة مرة، فذكر الله خمسين، ثم بعد ذلك قطع، فلا بأس.
وكذلك لو دخل في الصوم، دل على أن الصوم لا بأس بقطعه، ثم أيضا الصوم..الإنسان ربما أنه وجد من نفسه قوة فصام، ثم بعد ذلك وجد من نفسه ضعفا فأفطر، فعلى هذا نقول: من دخل في الصوم فالسنة والأولى ألا يفطر، وليكمل صومه، إلا إذا وجد حاجة للطعام، وضعف، فلا بأس أن يفطر.
كما فعل -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذا جاء في حديث عائشة وحديث حصفة أنهما قالا أنهما أصبحتا صائمتين، فوجدتا طعاما، فأكلتا، فأخبرتا النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأمرهما بقضائه، واختلف في صحة هذا الخبر، وجاء له شواهد.
والأظهر أنه إذا قضى صومه، الذي لو أنه احتاج أو رأى أن يفطر لضعفه عن الصوم، فلا بأس، فإن رأى أن يقضي ذلك اليوم، فلا بأس، إن رأى أن يقضيه؛ لأنه عبادة، فأراد أن يقضي، كما لو أراد أن يقضي بعض السنن، التي جاءت السنة بقضائها، فالسنة هو البقاء عليه، وعدم قضائه.
والرسول -عليه الصلاة والسلام- فعل هذا ليبين الجواز، وربما أنه يكون عند الحاجة إلى الطعام، يجوز مثل هذا ونيته..، له نيته، وقد يكون له أجر نيته، من جهة أن نية المؤمن خير من عمله. نعم.
س: يقول هل يصح نوم من نام قبل أن يعلم أن غدا صيام، فبعد أن أصبح، قيل له: اليوم رمضان، فأمسك، ولم يأكل، فما حكم صيامه، وجزاكم الله خيرا؟
ج: إذا نام بنية معلقة، لا يدري، نام ما يجهل صوما، أو ليس بصوم، ونام على ذلك، وهو لو أخبر أنه صوم صام، فنام بنية معلقة، فأصبح.
فاختلف العلماء في هذا، جمهور العلماء على أنه لا يصح، والصحيح أنه يجوز تعليق الصيام بالنية المطلقة، تعلقه بالنية المطلقة، فيقول مثلا بنيته: إن كان الغد من رمضان، فأنا صائم، فإن لم يكن من رمضان، فأنا لست صائما.
وهذا غاية قدرته، وغاية قوته، يعني غاية استطاعته ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾(8) لا نلزمه بمتابعة هذا الخبر، والسهر حتى يأتي الخبر.
فلو أنه لم يبلغه الخبر، وتأخر الخبر، ونام بناء على ذلك، على أنه إن كان غدا من الصيام فهو صائم، فلا بأس بذلك؛ لأنه حال نومه لم يأت خبر، ولم يبلغه الصوم، فلا يُكلَّف إلا ما استطاع، فإذا نام في هذه النية المعلقة، وأصبح، ثم أخبر أنه صيام، فصومه صحيح.
وقال بعض أهل العلم: إنه لو نام بغير نية، أيضا لو نام بغير نية من جهة أنه ما بلغه الصوم، ولا يدري عن الصوم، أو غفل عنه، ونسيه، ثم أصبح صائما.. ثم أصبح ولم يفطر، فإنه تصح نيته من حين الاستيقاظ، من جهة أن الشرائع لا تثبت إلا بعد البلوغ، وبعد العلم.
س: يقول: ما حكم من يحتج بطلب العلم الشرعي، عن طلب الرزق، فهل تحل له المسألة، وجزاكم الله خيرا؟
ج: إذا كان جادا في طلب العلم، وله جد وهمة في طلب العلم، ورأى أن مثلا أن الكسب ربما شغله، بشرط ألا يكون له من ينفق عليه، إذا لم يكن له من ينفق عليه بنفسه، وأراد أن يصبر على شظف العيش، وتفرغ لطلب العلم، فلا بأس بذلك.
ففيه مصالح عظيمة، ونفع متعدد للمسلمين، وربما نفع الله به، وربما كان خيرا للمسلمين، ويكون من أهل الزكاة، يعطى من الزكاة ما يعينه على طلب العلم، يعطى من الزكاة ما يشتري به الكتب.
والصحيح أنه يجوز أن يعطى طالب العلم من الزكاة ما يشتري به كتبا، لكن يشتري به بقدر حاجته، ما يقول مثلا: أشتري من هذا الكتاب نسختين، أو أشتري من هذا الكتاب النسخة الجيدة الفاخرة. يأخذ ما يناسبه من الكتب، وما يكون مغنيا له في طلب العلم.
فالمقصود أنه لا بأس، إذا كان له همة وجد في طلب العلم ونية صحيحة، ولا يكون مضيعا، لم يكن له عائلة أو زوجة، فلا بأس بذلك، ويعطى، أما إذا كان له من ينفق عليه، فيجب عليه.. « كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول »(9) كما قال -عليه الصلاة والسلام- نعم.
س: يقول: صدقة الفطر، إذا لم يكن قوت البلد من الأصناف الواردة في النص، فهل يجوز إخراجها لحما، أو خضارا، أو فاكهة، مما لا يكال ويدخر؟
ج: إذا كان هذا هو قوتهم، إذا كان يعني ما ذكر من اللحم، أو من هذه الأنواع، الفواكه هي القوت، هو الذي يقوتهم، فلا بأس إذا كان هذا..
العمدة على القوت إذا كانوا يقتاتون مثلا هذا الطعام، أو هذا اللحم، أو هذا النوع من الأكل، فالصحيح أنه يجوز إخراج زكاة الفطر مما يقتات.
والرسول -عليه الصلاة والسلام- ذكر الأصناف الموجودة في ذلك الوقت، وبين أنها تخرج من هذه، وليس أنها تحرم، أو لا تجوز من غيرها، بل ربما كان الذي يقتات لو كان عند قوم، مثل الآن في هذه الأيام البُرُّ متوفر وموجود، لو بحث عنه الإنسان، والشعير، مع أن الشعير ليس.. لا يعلف إلا للبهائم، لا يأكلونه الناس، وقد كان طعاما فيما مضى.
ومع ذلك رأيت إنسانا يخرج الشعير، هذا موضع نظر، بل إن إخراجه للقوت من الأرز، مثل الآن، لا شك يقتاتون الأرز، هو الأولى.
بل ربما لو قيل هو المتعين، من جهة أنه هو المطلوب والقصد والإغناء، كما يروى أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: « هي طهرة للصائم، وطعمة للمساكين »(10) فهي طعمة للمساكين، كيف تطعم المسكين ما لا يأكله، أو ما لا يقتاته؟! فأطعمه مما يقتات، مما يكون موجودا في البلد، ولو من غير هذه الأصناف. نعم.
س: وهذا سؤال عن طريق الشبكة يقول: أخذ الابن من الأب الزكاة، هل هو جائز؟
ج: هذا ينظر، إن كان أخذ الزكاة لأجل نفقته، قال الابن لأبيه أن يعطيه من الزكاة لأجل النفقة، يصرف يعطيه من الزكاة للنفقة عليه، فهذا لا تجزئ؛ لأن النفقة واجبة على الأب، فلا يعطه من الزكاة ما ينفقه عليه.
فلا يعطه من الزكاة؛ لأنه إذا أعطاه من الزكاة؛ يكون قد حمى ماله، ويكون قد وقى ماله بالزكاة، ولا يجوز وقاية المال بالزكاة، بل الزكاة حق خالص لله، فلا يعطه من الزكاة ما ينفقه عليه، وإن كان ما يعطيه من المال لأجل الدَين، فالدَين أمره أوسع.
إذا كان استدان دينا، وعلى الابن دين، فالصحيح أنه يجوز صرف الزكاة للابن، إذا كان في دين؛ ولهذا جنح جمع من أهل العلم وقالوا: إنه يجوز أن يعطى تصرف الزكاة للغارم الميت إذا كان عليه دين؛ لأن الله قال وللغارمين، ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ﴾(4) ما قال: وللغارمين، قال: ﴿وَالْغَارِمِينَ﴾(4).
فلم يشترط في الغارمين الملك، إنما قال: إنهم مصرف، ولم يشترط الملك؛ ولهذا قالوا: إنه لا بأس أن تعطى الزكاة، وتصرف في دين الميت، وهو خلاف قول الجمهور، والله أعلم به، لكن هذا اختاره تقي الدين -رحمه الله-، فأمر الدين أمر أوسع، فلا بأس أن يصرفه، يعني يعطي ولده؛ لأجل سداد دينه من الزكاة. نعم.
س: وهذا يقول: ما القول الراجح في زكاة الذهب؟
ج: كأن، لعل قصده زكاة الحلي؛ لأن قصده الزكاة الذهب، بإجماع أهل العلم ما فيه خلاف، إنما كأنه أراد زكاة الحلي من الذهب، وسبق معنا أن المراد أن الحلي يجب إخراج زكاته، وأن الجمهور خالفوا، لكن هو قول الأحناف، وهو قول في مذهب أحمد -رحمه الله-، وأيضا وهو قول.. كما ستأتي الأخبار في هذا الباب. نعم.
أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وجعل ما قلتم في ميزان حسناتكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) (2) أبو داود : الصوم (2377) , وأحمد (3/499) , والدارمي : الصوم (1733). (3) البخاري : الزكاة (1421) , ومسلم : الزكاة (1022) , والنسائي : الزكاة (2523) , وأحمد (2/322). (4) سورة التوبة: 60 (5) أبو داود : الزكاة (1630). (6) الترمذي : فضائل الجهاد (1655) , والنسائي : النكاح (3218) , وابن ماجه : الأحكام (2518) , وأحمد (2/437). (7) سورة محمد: 33 (8) سورة البقرة: 286 (9) مسلم : الزكاة (996) , وأبو داود : الزكاة (1692) , وأحمد (2/160). (10) أبو داود : الزكاة (1609) , وابن ماجه : الزكاة (1827). |