حديث: هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه
وفي حديث حمزة بن عمرو … بعد ذلك قال:
وعن حمزة بن عمر الأسلمي -رضي الله عنه- قال: « يا رسول الله، إني أجد فيّ قوة على الصيام في السفر هل علي جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه »(1) رواه مسلم.
وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة أن حمزة بن عمرو سأل… .
في حديث الصحيحين من حديث عائشة: « أن حمزة بن عمرو سأل رسول -عليه الصلاة والسلام-: الصوم في السفر فقال: إن شئت صم وإن شئت فأفطر »(2) وفي لفظ آخر عند مسلم غيره: أنه قال: « إني أرى فيّ قوة على الصيام قال: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها حسن ومن صام فلا جناح عليه »(3) .
هذا فيه إشارة إلى أن الأخذ برخصة الله والفطر في السفر هو الأولى ومن صام فلا جناح عليه؛ ولهذا قال: فلا جناح عليه؛ لأنه قال: « إني أجد في قوة »(1) فبين أنه لا جناح عليه، لكن إذا لم يكن فيه قوة على الصوم وضعف فالسنة الإفطار.
وعلى هذا نقول: هل يقال مثلا: هل الفطر أفضل أم الصوم أفضل؟ ينبغي الجمع بين أخباره وأقواله - عليه الصلاة والسلام - في هذا الباب، فهو صام في عدة أخبار في الصحيحين وأفطر، ونُقل عن أصحابه أن منهم من صام وأن منهم من أفطر.
في الصحيحين عن أنس: « أن أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعب الصائم على المفطر ولم يعب المفطر على الصائم »(4) .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: « أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يرون أن من به جِدة على الصوم…. أو قال: إنهم يصومون فلا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا »(5) كانوا يرون من به جدة -يعني قوة على الصوم- فصام فحسن، ومن لم يكن به جدة فأفطر فحسن.
وجاء عن عائشة -رضي الله عنها- نحو من هذا المعنى.
فهذا نقلوه عن أنس، وعن أبي سعيد، وعن عائشة -رضي الله عنهم- هو البيان الواضح لهديه.
وفيه بيان لسنته، وتفصيل في هذا الباب، وأن الأخبار كلها متفقة، وأن من به قوة على الصوم فلا يعاب، وإن أفطر فحسن، كما قال عليه لصلاة والسلام؛ لأنه قال: إني أجد بي قوة، فقال: هي رخصة من الله من أخذ بها حسن، ومن لم يجد به قوة وضعف على الصوم فالسنة في حقه الفطر.
ولهذا قال: « ليس من البر الصيام في السفر »(6) هذا قوله: « ليس من البر الصيام في السفر »(6) وفي الصحيحين، وفي حديث جابر « أولئك العصاة »(7) هما حديثان وردا على سبب، فليس على العموم.
« أولئك العصاة »(7) ورد في قضية خاصة في قوم شق عليهم الصوم، وأفطر -عليه الصلاة والسلام - ثم توقفوا واستمروا في الصوم، فقد يوهم أنه نوع من المخالفة، وقد يكون يوهم أن مثل هذه الحالة الأفضل فيها الصوم مع مشقة الصوم، فقال ذلك -عليه الصلاة والسلام.
وفي قوله: « ليس من البر الصيام في السفر »(6) أن ذلك الرجل… رأى… قد ظلل عليه -عليه الصلاة والسلام - فسأل عنه فقيل: إنه صائم، لشدة الصيام ظلل عليه، ولم يحتمل جسده، فقال: « ليس من البر الصوم في السفر »(8) يعني لا نظن أنه أبر البر، وأنه خير العمل، لا.. فالفطر أيضًا من البر، وربما كان أبر، وربما كان أفضل.
وينبغي النظر في الأخبار، إذا جاءت الأخبار فإذا كانت على سبب فالأصل عموم النص ولا يخصص، لكن ينظر في هذا السبب الذي جاء فيه النص: هل له أشياء وقرائن وأحوال تخصص هذا النص وتدل على أنه دال على معنى من المعاني؟ فلا ينبغي إهمالها.
وقد نبه على هذا القاعدة … أو كان ينبه عليها ابن دقيق العيد -رحمه الله- أنه ينبغي النظر في النص حينما يأتي ويكون ظاهره العموم، ما اقترن به من دلائل الأحوال، ومن قرائنها، وما يسبق هذه الكلمة وما يتلوها، يعني من سباقها وسياقها، ربما كان دالا على أنه حالة من الأحوال.
ولهذا المصنف -رحمه الله- هنا من فقهه ومن حسن نظره ذكر الرواية الثانية التي هي تبين هذا الخبر وهي أن الناس قد شق عليهم الصوم، كذلك في ذلك الخبر ورد في حالة خاصة، فعلى هذا يقال: إن من وجد قوة على الصوم فصام فحسن، وإن أفطر فهي رخصة.
وكما ثبت في صحيح مسلم: « صدقة من الله تصدق الله »(9) … وكما ثبت في الحديث الصحيح من حديث عمر وابن عباس أنه -عليه الصلاة والسلام - قال: « إن الله يحب أن يأخذ برخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه »(5) وفي اللفظ الآخر: « إن الله يحب أن يُؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته »(10) .
فعلى المسلم المكلف أن يقبل رخصة الله ويأخذ بها، وإن صام فلا بأس كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام - وجاء عن أصحابه، ولا يعاب من صام، وخاصة إذا قال: لا أريد أن يبقى دينا علي، كما جاء في بعض الألفاظ أنه قال: « إني أريد أن أصوم، وإني أكثر هذا السفر وإني »(11) وفي بعض الألفاظ قال حمزة بن عمرو الأسلمي: « إني أستطيع الصوم وأجد بي قوة »(5) فقال له ذلك عليه الصلاة والسلام.
ومن لم يكن به قوة فهذا له أحوال:
حال يشق عليه الصوم: فالسنة له الفطر.
وحال يشتد به الأمر وربما آل به إلى الضعف والمرض: فهذا إذا آل به إلى الضعف فلا ينبغي أن يهلك نفسه أو يتلف نفسه، فربما كان أمرًا محرمًا.
على هذا تنزل الأخبار الواردة في هذا الباب، وأنها على أحوال، وأنه جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- وعن أصحابه هذا وهذا.
(1) البخاري : الصوم (1943) , ومسلم : الصيام (1121) , والترمذي : الصوم (711) , والنسائي : الصيام (2306) , وأبو داود : الصوم (2402) , وابن ماجه : الصيام (1662) , وأحمد (6/46) , ومالك : الصيام (656) , والدارمي : الصوم (1707). (2) البخاري : الصوم (1943) , ومسلم : الصيام (1121) , والترمذي : الصوم (711) , والنسائي : الصيام (2306 ,2307 ,2308 ,2384) , وأبو داود : الصوم (2402) , وابن ماجه : الصيام (1662) , وأحمد (6/46 ,6/193 ,6/202 ,6/207) , والدارمي : الصوم (1707). (3) مسلم : الصيام (1121). (4) البخاري : الصوم (1947) , ومسلم : الصيام (1118) , وأبو داود : الصوم (2405) , ومالك : الصيام (655). (5) (6) النسائي : الصيام (2255) , وابن ماجه : الصيام (1664) , وأحمد (5/434) , والدارمي : الصوم (1710). (7) مسلم : الصيام (1114) , والترمذي : الصوم (710) , والنسائي : الصيام (2263). (8) البخاري : الصوم (1946) , ومسلم : الصيام (1115) , والنسائي : الصيام (2258) , وأبو داود : الصوم (2407) , وأحمد (3/318) , والدارمي : الصوم (1709). (9) مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (686) , والترمذي : تفسير القرآن (3034) , والنسائي : تقصير الصلاة في السفر (1433) , وأبو داود : الصلاة (1199) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1065) , وأحمد (1/36) , والدارمي : الصلاة (1505). (10) أحمد (2/108). (11) البخاري : الصوم (1943) , ومسلم : الصيام (1121) , والترمذي : الصوم (711) , والنسائي : الصيام (2306) , وأبو داود : الصوم (2402) , وابن ماجه : الصيام (1662) , وأحمد (6/46) , والدارمي : الصوم (1707). |