حديث أن رجالا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروا ليلة القدر في المنام
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: « أن رجالا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر »(1) متفق عليه.
وفي حديث ابن عمر هذا، وهو في التماس ليلة القدر، وفيه أنهم أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وفي هذا أن الرؤيا يعتمد عليها في الأمور الواقعة، وأنه لا بأس بتحري ما يكون منها، كما وقع من الصحابة، ومنه -عليه الصلاة والسلام-، تحريها لأجل هذه الرؤيا.
فالرؤيا التي لا تكون مخالفة لحكم شرعي، لا بأس أن يؤخذ بها، وكذلك إذا كانت الرؤيا أيضًا ليست من تخبيط الشيطان وتلاعب الشيطان، كذلك لا بأس أن يعتمد على ما يكون منها -كما سبق-، بشرط ألا يكون فيها مخالفة لحكم شرعي، وفيه: « أنهم أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، فأمرهم -عليه الصلاة والسلام- قال: من كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر »(2) في السبع الأواخر من رمضان.
يعني: من ليلة ثلاث وعشرين فما بعد؛ لأن الشهر يكون تسعا وعشرين، ويكون ثلاثين، يتحراها في السبع الأواخر.
وجاء في اللفظ الآخر: أنه أمر بتحريها في العشر الأواخر من رمضان. وجاء في اللفظ الآخر: « فليتحرها في الوتر، في العشر الأواخر »(3) فعلى هذا هي تتحرى في العشر الأواخر من رمضان، وأنها في ليلة العشر.
وثبت في الصحيحين أنه -عليه الصلاة والسلام-، حديث أبي سعيد الخدري: « اعتكف العشر الأوسط من رمضان، ثم قال لأصحابه لما أصبح من يوم عشرين: إن الذي تطلبون أمامكم »(4) وقال: « إني رأيت أني أسجد صبيحتها في ماء وطين »(5) .
وكان يعتكف يتحرى هذه الليلة، فأخبر وأنها أمامه، وأنها في العَشر الأخير من رمضان، فلما قال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: وكان المسجد سقفه الجريد، وكان مبنيا بالجلود+ وسقفه الجريد، فمطرت السماء في تلك الليلة، فخر المسجد. فقال: « فلقد رأيت أثر الماء والطين على أرنبته -عليه الصلاة والسلام- في تلك الليلة »(6) .
فأخبر بعلامتها بعد صلاة الفجر، وأنه يسجد صبيحتها في ماء وطين، وكانت تلك الليلة هي ليلة إحدى وعشرين.
وجاء في اللفظ الآخر: أنها في العشر، وفي الوتر من العشر الأواخر، وفي السبع من العشر الأواخر. فأرجاها على هذا يكون في الوتر من السبع الأواخر، وسيأتي أنها تتنقل في هذه الليالي، فهذا هو ما دل عليه قوله "حديث ابن عمر" وشواهده في الأخبار الأخرى.
وعن معاوية بن أبي سفيان قوله: « قد تواطأت في السبع الأواخر »(7) التواطؤ: هو التوافق. يدل أن على تواطؤ الرؤيا وتوافقها، خاصة ممن كان صادق القول... لأن الذي يكون صادق القول في حال استيقاظه، أقرب إلى صدق رؤياه، من كان صادق القول كانت رؤياه أقرب إلى الصدق، إذا اجتمع أنه صادق، وأضاف إلى ذلك تواطؤ الرؤيا وتوافقها، على هذا المعني، يغلب على الظن وقوع هذا الشيء، وصحة هذا الشيء.
(1) البخاري : صلاة التراويح (2015) , ومسلم : الصيام (1165) , وأحمد (2/5) , ومالك : الاعتكاف (706). (2) البخاري : صلاة التراويح (2015) , ومسلم : الصيام (1165) , وأحمد (2/17) , ومالك : الاعتكاف (706). (3) البخاري : الجمعة (1158). (4) البخاري : الأذان (813) , ومسلم : الصيام (1167) , وأبو داود : الصلاة (1382) , وأحمد (3/10). (5) البخاري : الاعتكاف (2027) , ومسلم : الصيام (1167) , والنسائي : السهو (1356) , وأبو داود : الصلاة (1382) , ومالك : الاعتكاف (701). (6) البخاري : الاعتكاف (2040) , ومسلم : الصيام (1167) , وأبو داود : الصلاة (1382) , وأحمد (3/60). (7) البخاري : صلاة التراويح (2015) , ومسلم : الصيام (1165) , وأحمد (2/5) , ومالك : الاعتكاف (706). |