حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في ليلة القدر: ليلة سبع وعشرين
وعن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في ليلة القدر: « ليلة سبع وعشرين »(1) رواه أبو داود، والراجح وقفه.
وقد اختلف في تعيينه على أربعين قولاً، أو وقفها في "فتح الباري".
قد راجعت كلامه -رحمه الله- في "فتح الباري" ووجدته ذكر ستة وأربعين قولاً، كما أنه ذكر أقوالا كثيرة أيضا في الساعة، في آخر ساعة من… ساعة الإجابة من يوم الجمعة، وذكر فيها ثلاثة وأربعين قولاً.
هذا والأقوال التي في ليلة القدر، قريبة من الأقوال التي في ساعة الجمعة، لكن كثيرا من هذه الأقوال أقوال ساقطة وضعيفة، وهذا يدلنا على أن ليلة القدر ليست معلومة، وإنما هي لها علامات، لكنها ليست معلومة، فأخفيت حتى يجتهد بذكر الله، وبدعائه واستغفاره في هذه الأيام، وفي يوم الجمعة، ساعة يوم الجمعة في أحد الأقوال أنها خفية، وأنها لا تعلم.
وقد جاء في حديث رواه أحمد وغيره، من طريق أبي سعيد الخدري: « أنه أريها، وأنه أنسيها -عليه الصلاة والسلام- »(2) كما أنه جاء في ليلة القدر أنه أنسيها، قال: « أريت ليلة القدر، فأيقظني بعض أهلي فأنسيتها »(3) .
وثبت في الصحيحين، من حديث عبادة بن الصامت: « أنه خرج إلى أصحابه لكي يخبرهم بليلة القدر، فوجد بعضهم، وجد رجلين يتلاحيان -يعني بينهما خصومة- فأنسيها عليه الصلاة والسلام »(2) فأخبر بشؤم التلاحي والتنازع، وأنه سبب لفوات بعض الخير، لكن لعل الأمر إلى خير، فكونه أنسيها -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنه خير للأمة، والخير هو ما اختاره الله لهذه الأمة، وما وقع له -عليه الصلاة والسلام- من كونه أنسيها؛ حتى يجتهد في عبادتها.
وليس على الصحيح شرط فضلها أن يوافقها، وأن يعلمها أو يغلب على ظنه هذه الليلة، فليس بشرط هذا، فمن اجتهد في ليالي رمضان، اجتهد في جميع ليالي رمضان، وقام ما تيسير، وقام من عبادات بما تيسر له، فإنه يحصل له الفضل وإن لم يعلمها، أو يغلب على ظنه؛ ولهذا كان يأمر بالتحري عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا الحديث "حديث معاوية -رضي الله عنه-" ظاهر سنده الصحة وأنه جيد، وجاء له شواهد من حديث ابن عمر: « أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين »(4) وهي أخبار بمجموعها جيدة، وبعضها طريقه جيد، وبهذا أخذ جمهور العلماء: أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين.
والأظهر… هذا أحد الأقوال في المسألة، وهو المشهور من مذهب أحمد -رحمه الله-، وكان عبد الله بن أبي بن كعب يقسم على ذلك، ويقول: "إنها ليلة سبع وعشرين". والأظهر هو القول الثاني في هذه المسألة: وهو أنها ليست في هذه الليلة خاصة، وهذا الخبر لا يدل على أنها في هذه الليلة، إنما يدل على أنها كانت في ليلة من الليالي هي هذه الليلة، فأخبر في بعض الليالي، في بعض السنوات أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين.
كما أخبر في حديث أبي سعيد الخدري: « أنها ليلة إحدى وعشرين، وأنه أري أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين »(5) ولا يدل على أنها ثابتة، وفي أحاديث عبد الله بن أنيس في صحيح مسلم: « أنه لما جاءه قال: يا رسول الله، إني رجل في البادية، فأمرني بليلة آتي إلى هذا المسجد فأصلي فيه. فقال: انزل، أو قال: ائت ليلة ثلاث وعشرين »(6) .
وجاء في بعض الأخبار تعيينها في غير هذه الليالي، فهذه الليلة أخبر -عليه الصلاة والسلام- أنها كانت في تلك السنة في ليلة سبع وعشرين، وليس المعنى أنها في جميع الأيام والليالي في ليلة سبع وعشرين.
والصواب أنها متنقلة، أنها تنتقل من الأشفاع إلى الأوتار، ومن الأوتار إلى الأشفاع، لكن أرجاها الأوتار، فهي في العشر الأواخر من رمضان، وأرجاها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان.
(1) مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (762) , والترمذي : الصوم (793) , وأبو داود : الصلاة (1378). (2) (3) مسلم : الصيام (1167) , والنسائي : السهو (1356) , وأبو داود : الصلاة (1382) , وابن ماجه : الصيام (1766) , وأحمد (3/60) , ومالك : الاعتكاف (701). (4) مسلم : الصيام (1165). (5) البخاري : صلاة التراويح (2018) , ومسلم : الصيام (1167) , والنسائي : السهو (1356) , وأبو داود : الصلاة (1382) , وأحمد (3/24) , ومالك : الاعتكاف (701). (6) أبو داود : الصلاة (1380) , ومالك : الاعتكاف (704). |