حديث كان الفضل بن العباس -رضي الله عنهما- رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم
وعنه -رضي الله عنه-: « كان الفضل بن العباس -رضي الله عنهما- رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجة الوداع »(1) متفق عليه.
وهذا الخبر سبق الإشارة إليه، لكن فيه أن المرأة تحج عن الرجل، والرجل يحج عن المرأة، فهو محل اتفاق، وفيه أن هذه المرأة قال: « جعل ينظر إليها وتنظر إليه »(2) وهذا لا دلالة فيه على أنها كانت كاشفة، والرجل قد ينظر إلى المرأة، وإن لم تكن كاشفة، فلا دلالة لمن استدل به على أنه لا يجب حجاب المرأة، ووجوه الرد معلومة عند أهل العلم، ليس هذا موضع بيانها، وهي معلومة ومبينة، والأدلة في هذا "في وجوب" الحجاب كثيرة معلومة، لكن في خصوص هذا الدليل لا دلالة فيه، ولو ثبت شيء من هذا، فهو إما أن يكون قبل الحجاب، أو أنه يكون مثلاً حجابها زال عن وجهها، لريح أو نحو ذلك.
من أحسن الأجوبة أيضًا عن هذا الحديث، أن هذا الرجل -فيما يظهر- أراد أن يعرض بنته على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه جاء في بعض الروايات، أنه هو الذي سأل، وفي بعضها: أن ابنته سألت عن جدها، فهو أمرها أن تسأل عن أبيه وهو جدها، ثم كأنه صرف النظر عنها -عليه الصلاة والسلام-، فلم يردها، فسأل أبوها.
وجاء هذا عند أبي يعلى بإسناد قوى، كما قال الحافظ -رحمه الله-، أنه جاء بها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، كي يعرضها عليه، فقال ما معناه: أنه لم يكن له فيها حاجة، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام.
فالأجوبة كلها أجوبة جيدة، وقائمة على هذا الحديث، والقاعدة: أنه إذا ورد الاحتمال، بطل الاستدلال. وفيه الإنكار بالفعل، وفيه أنه قال -عليه الصلاة والسلام، كما يروى عنه-: « رأيت شابًا وشابة، فلا آمن الفتنة عليهما »(3) .
وجاء عند أحمد، أنه -عليه الصلاة والسلام- قال للفضل: « إن هذا يوم، من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه، غفر له »(4) وفيما دل عليه هذا الخبر: لما قالت: "إن أبي شيخ كبير، لا يثبت على الراحلة" فأمرها بالحج عنه. والخبر كما سبق يدل على أنها، إما أنها تبرعت بالحج عنه، أو أن ابنه تبرع بالحج عنه، أو أنه له مال وعلموا وجوب الحج بذلك، فأمر بالحج عنه عليه الصلاة والسلام.
(1) البخاري : الحج (1855) , ومسلم : الحج (1334) , والترمذي : الحج (928) , والنسائي : مناسك الحج (2642) , وأبو داود : المناسك (1809) , وابن ماجه : المناسك (2907) , وأحمد (1/251) , ومالك : الحج (806) , والدارمي : المناسك (1833). 2 : البخاري : الحج (1513) , ومسلم : الحج (1334) , والنسائي : آداب القضاة (5391) , وأبو داود : المناسك (1809) , وابن ماجه : المناسك (2907) , ومالك : الحج (806) , والدارمي : المناسك (1833). (3) الترمذي : الحج (885) , وأحمد (1/156). (4) أحمد (1/329). |