حديث انطلق فحج مع امرأتك
وعنه -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول: « لا يخلون رجل بامرأة، إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا. فقال: انطلق فحج مع امرأتك »(1) متفق عليه واللفظ لمسلم.
وفي هذا الخبر عن ابن عباس قال: « لا يخلون رجل بامرأة إلا معها ذو محرم »(1) وفيه دلالة على أنه لا يجوز للمرأة أن تخلو مع أجنبي إلا بمحرم، وذهب أكثر أهل العلم، إلى أنه لا يشترط المحرم في الخلوة، وأنه لو كان معه نساء، وكان عدة نساء، جاز لهن الخلوة بغير محرم لأجنبي "امرأتان" وفي لفظ: أو كان رجلان مثلاً مع امرأة. لانتفاء الخلوة؛ لأن المقصود هو انتفاء الخلوة عندهم.
وجاء ما يدل على هذا المعني أيضًا، وثبت أنه -عليه الصلاة والسلام-: « أمر أنه لا يدخل على النساء المضيفات رجل، إلا ومعه رجل أو اثنان »(2) إنما دل على أنه إذا انتفت الخلوة برجل آخر، أو بوجود امرأة أخرى أنه يجوز، وكل ذلك مع الحشمة وأمن الفتنة، وإلا لو لم توجد الفتنة، وكان الرجل هذا موثوقا، والذي معه غير موثوق -هذا يزيد الشر.
يعني: لو كان الرجل معه رجل آخر، وهو غير موثوق، فإنه يزيد الشر "لا يخفضه" إنما المقصود أن تنتفي الخلوة بوجود آخر، أو وجود امرأة، مما ينفي التهمة ومظنة السوء، أما إذا كانت تزيد بوجود من هو متهم، فإنه يزيدها، وهكذا ما إذا كانت المرأة الأخرى غير مأمونة مثلا وتتهم، وقد تتواطأ مثلاً مع هذا الرجل، فالمقصود إذا وجدت الفتنة حرم، والمقصود انتفاؤها مع الحشمة وأمن الفتنة.
وثبت في الحديث الصحيح: « أنه -عليه الصلاة والسلام-، ذهب هو وأبو بكر وعمر إلى بيت أبي الهيثم بن التيهان، أنهم دخلوا وسألوا عن صاحب البيت، فقالت: ذهب يستعذب لنا الماء، ففتحت البيت وأدخلتهم، وكان في البيت إذ ذاك صغار -وقد يكون نوع خلوة، من جهة وجود المرأة، لكن مع أبي بكر وعمر- ثم جاء الرجل بعد ذلك »(3) .
القصة معروفة، فالمقصود أن هذا وما جاء به، يدل على أنه لا بأس به، لكن الأولى والأكمل ما دل عليه الخبر، وهذا الخبر يصرفه ما جاء من نصوص أخرى، والأفضل والأولى والأكمل، أن يكون معها ذو محرم في الخلوة، ولا تسافر إلا مع ذي محرم، أما السفر فلا بد من المحرم، لا تسافر إلا مع ذي محرم، وجاء هذا الخبر مطلقا.
وثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر، في الصحيحين: « أنه لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام، إلا مع ذي محرم »(4) وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري: « لا تسافر امرأة مسيرة يومين إلا مع ذي محرم »(5) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: « لا تسافر امرأة مسيرة يوم إلا مع ذي محرم »(6) وفي لفظ: « مسيرة يوم وليلة »(7) .
واتفقت الأخبار في النهي عن السفر ثلاثة أيام، ويومين، ويوم وليلة، وعند أبي داود « وأنه مسيرة بريد »(2) وفي الصحيحين: الإطلاق بدون تقييد، ببريد ولا غيره، بل نهى عن السفر بغير محرم مطلقًا، يشمل جميع أنواع الأسفار، فلهذا ما جاء من الأخبار بالتقييد بيوم، أو بيومين، أو ثلاثة، أو بريد، الأظهر أنه مجرد مثال، وأنه -عليه الصلاة والسلام- كان يجاوب كل قوم بما يسألونه، بما هو الأنسب، وعلى هذا لا يكون هذا الخبر من باب المطلق والمقيد، وأن هذا الخبر يكون مطلقا وقيدته أخبار أخرى؛ لأن القاعدة أن: المطلق يقيد، إذا كان له مقيد واحد، أما إذا كان له مقيدان فأكثر وتنافيا، فإنه لا فضل لأحدهما على الآخر، ولا يقيد بأحدهما دون الآخر.
ويكون التقييد في النص من باب المثال، ليس المقصود به التقييد، فذكر اليوم من باب المثال، واليومين من باب المثال، وثلاثة أيام من باب المثال، والمقصود أن المرأة لا تسافر، أي: لا تسافر مطلقًا. والظاهر والصحيح أنه سواء كان السفر قصيرًا أم طويلاً، وبهذا في اللفظ الآخر أطلق؛ لأن السفر إذا أطلق فلا يقيد.
وفي اللفظ الآخر: « مسيرة بريد »(2) فيقال: إنه لا يجوز أن تسافر إلا مع ذي محرم. ثم ينبغي أن ينبه أيضًا إلى أن المرأة، لا يجوز لها أن تسافر سفرًا غير واجب، إلا مع ذي محرم.
وهذا محل اتفاق من الفقهاء، ومما أوهم في كلام بعض الناس، أنه يجوز للمرأة أن تسافر مع نساء، ولو لم يكن معها محرم، إذا أرادت أن تسافر، إنما خلاف العلماء في السفر الواجب، بس خلاف العلماء في السفر بغير محرم، في السفر الواجب وهو سفر الحج والعمرة، وهو سفر الحج والعمرة الواجب.
ولهذا لو أرادت أن تسافر للحج تطوعا، أو للعمرة تطوعا، فيجب عندهم باتفاق أنه لا بد من المحرم، وكذلك يجوز لها أن تسافر للضرورة، مثل: دار الحرب، أو إذا خشيت على نفسها.
فهذا محل اتفاق: أنها تسافر ولو بغير محرم، أن القصد من المحرم هو أن يحفظها، وبقاؤها في بلد الكفر هو عين الشر والفساد، وبقاؤها في مكان لا تأمن فيه على نفسها، هو عين الشر والفساد، فذهابها هو المصلحة، ولو انتظارها لمحرم قد يكون هو الفساد والشر، من أنه يحصل لها ما يحصل لها، فلهذا سفرها بغير محرم لغير سفر واجب هذا لا يجوز، وحكي الاتفاق عليه، إنما فيه خلاف شاذ عند المالكية، في المرأة + "المرأة الكبيرة" وخلافا لبعض الشافعية أنهم أجروه في جميع الأشخاص، لكن المعتمد والموافق للنصوص، والذي حكي هو اتفاق الفقهاء: أنه لا بد من المحرم، إلا في سفر الحج والعمرة، فهما على خلاف.
والصواب أنه أيضًا حتى في الحج والعمرة، لا بد من المحرم لعموم هذه النصوص، ولهذا في هذا الخبر قال: « انطلق فحج مع امرأتك »(8) أمره أن ينطلق وأن يحج مع امرأته، ثم عموم الأدلة شامل لجميع هذه الأسفار، ثم قد جاء في لفظ عند الدارقطني: « أنه لا تسافر امرأة لحج وعمرة، إلا مع ذي محرم »(9) والمحرم شرط لحجها، لكن هل هو شرط للوجوب، أو للأداء؟
موضع خلاف، بعضهم قال: إنه شرط للوجوب. فلو ماتت ولم تجد محرما، ماتت وذمتها بريئة. وقيل: هو شرط للأداء وأمن الطريق. فلو ماتت ولم تحج؛ لأنها لم تجد محرمًا، فإنه يخرج من تركتها، أو يحج عنها؛ لأنها ماتت وهو واجب عليها، لكن لم يمكنها أداؤه؛ لأنها لم تستطعه، لعدم وجود المحرم.
(1) البخاري : الجهاد والسير (3006) , ومسلم : الحج (1341) , وابن ماجه : المناسك (2900) , وأحمد (1/222). (2) (3) مسلم : الأشربة (2038) , والترمذي : الزهد (2369). (4) البخاري : الجمعة (1086) , ومسلم : الحج (1338) , وأبو داود : المناسك (1727) , وأحمد (2/19). (5) البخاري : الحج (1864). (6) مسلم : الحج (1339) , وابن ماجه : المناسك (2899) , وأحمد (2/506). (7) البخاري : الجمعة (1088) , ومسلم : الحج (1339) , والترمذي : الرضاع (1170) , وأبو داود : المناسك (1723) , وأحمد (2/506) , ومالك : الجامع (1833). (8) البخاري : الجهاد والسير (3006) , ومسلم : الحج (1341) , وابن ماجه : المناسك (2900) , وأحمد (1/222). (9) البخاري : الجمعة (1088) , ومسلم : الحج (1339) , والترمذي : الرضاع (1170) , وابن ماجه : المناسك (2899) , وأحمد (2/437) , ومالك : الجامع (1833). |