باب صفة الحج ودخول مكة
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة الحج
باب صفة الحج ودخول مكة
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: « أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حج، فخرجنا معه، حتى إذا أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس؛ فقال: اغتسلي، واستثفري بثوب، وأحرمي، وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. حتى إذا أتينا البيت استلم الركن؛ فَرَمَلَ ثلاثا، ومشى أربعا ثم متى أتى مقام إبراهيم صلى، ثم رجع إلى الركن فاستلمه.
ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قال -صلى الله عليه وسلم-: (1)
﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ أبدأ بما بدأ الله به فرقي الصفا حتى رأى البيت؛ فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى حتى إذا صعد-عليه الصلاة والسلام- مشى، حتى إذا أتى المروة فعل على المروة كما فعل على الصفا. فلما كان يوم التروية -وهو اليوم الثامن- توجهوا إلى منى، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس.
فأجاز حتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بِنَمِرَة، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فَرُحِلَتْ له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس. ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا. ثم ركب، حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا، حتى غاب القرص، ودفع -صلى الله عليه وسلم-، وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده: يا أيها الناس، السكينة السكينة، وكلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا؛ حتى تصعد.
حتى أتى المزدلفة؛ فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئا، ثم اضطجع -صلى الله عليه وسلم-حتى طلع الفجر، حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام؛ فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله، فلم يزل واقفا عليه حتى أسفر جدا.
فدفع قبل أن تطلع الشمس، حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا -وله السنة أن ييحرك قليلا، وأن يسرع قليلا عند بطن محسر- ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر -عليه الصلاة والسلام- ثم ركب، فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر »(2) رواه مسلم مطولا .
هذا كله تقدم في الأخبار عنه -عليه الصلاة والسلام-: أنه أحرم من ذي الحليفة، وأنه أمر أسماء أن تغتسل، وأنه لبى لما استوت به راحلته -عليه الصلاة والسلام-.
« أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك »(4) .
هذا هو السنة: أن يلبي بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، وإن لبى بما شاء، أو سبح الله، أو حمد الله، أو كبر الله، فلا بأس.
فقد كان الصحابة يخلطون التلبية، وكان لا ينكر عليهم -عليه الصلاة والسلام- وثبت في صحيح البخاري عن أنس -رضي الله عنه-أنه- عليه الصلاة والسلام- بعدما أحرم قال: سبح الله، وحمد الله، وكبره، ولا بأس أن يخلط التلبية بشيء من التسبيح والتحميد والتكبير، وما شاء من الذكر.
« حتى إذا أتينا البيت استلم الركن؛ فَرَمَلَ ثلاثا، ومشى أربعا »(5) .
وهذا هو السنة: أنه أول ما يقدم يستلم الركن، والسنة أنه يستمر على تلبيته حتى يستلم الركن، وإذا دخل المحرم الحرم، فيلبي، لا بأس؛ لأنه لا زال في عبادة التلبية، ولم ينتقل إلى عبادة أخرى إلا بعد أن يستلم الركن، فَيَشْرَعُ في الطواف. لكن إذا كان في المساجد، أو في الأمصار، أو دخل الحرم، فالسنة ألا يرفع صوته؛ حتى لا يشغل الناس الموجودين في البيت.
« ثم طاف -عليه الصلاة والسلام- ورمل ثلاثا من الركن إلى الركن »(6) بمعنى: أنه أسرع الخطا، ومشى أربعا، وافتضى+ -عليه الصلاة والسلام- بأنه أبدى منكبه الأيمن، فصلى، « ثم متى أتى مقام إبراهيم صلى »(7) بعدما فرغ من الطواف صلى ركعتين -عليه الصلاة والسلام-.
« ثم رجع إلى الركن فاستلمه »(1) .
هذا هو السنة: أن تستلمه عند الدخول: وأن تستلمه عند الابتداء للطواف، وأن تستلمه عند الفراغ من الطواف؛ فالسنة أن تحيي الركن، ويسميه أهل اليمن المحيا: أن تحييه إذا دخلت تبدئ الطواف، وأن تحييه عند الفراغ.
وهذا هو السنة: إذا دخل إنسان المجلس أو المكان، أن يسلم عند الدخول، وأن يسلم عند الخروج، فهكذا -حينما تبتدئ- تحيي الركن، وتحييه بالاستلام عند الفراغ، وهذا بعد الركعتين، وهذا إن تيسر ذلك.
« ثم خرج من الباب إلى الصفا »(1) .
وهكذا الصفا لم يكن ملتصقا بالبيت كما هو الآن، بل بينه مسافة، وكان البيت -إذ ذاك يعني- حجمه صغير، وجاء في الخبر: أنه كان محوطا في عهده -عليه الصلاة والسلام-.
فلما دنا من الصفا قال -صلى الله عليه وسلم-: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ (8) أبدأ بما بدأ الله به ؛ فرقي الصفا -عليه الصلاة والسلام-.
"أبدأ": خبر، أخبر أنه يبدأ به؛ لقوله -تعالى-: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ﴾(3) الله -عز وجل- بدأ بالصفا، والرسول -عليه الصلاة والسلام- امتثل ما ابتدأ الله به، هذا يدل على أن الابتداء بالذكر له شرف؛ ولهذا ابتدأ بما ابتدأ الله به، في حديث عند النسائي، أو في الخبر عند النسائي: « ابدءوا بما بدأ الله به »(1) بالأمر.
« حتى رأى البيت؛ فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات »(1) .
هذا هو السنة: كلما صعد الصفا والمروة أن يقول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده ": وهو محمد -عليه الصلاة والسلام- نصره الله، وأعزه، ودخل مكة منتصرا -عليه الصلاة والسلام- بخلاف خروجه منها خائفا، دخلها منتصرا متواضعا -عليه الصلاة والسلام-.
" وهزم الأحزاب وحده ": هزم الأحزاب في يوم الأحزاب -يوم قريظة-، وهزم الأحزاب في غير ذلك، ثم دعا بين ذلك -يعني-: أنه يدعو بين هذا الذكر العظيم، وهذا هو السنة: أن الإنسان يثني على الله، ويحمد الله قبل الدعاء، وهكذا كان -عليه الصلاة والسلام- قبل سؤال الطلب أنه يثني على الله؛ أثنى على الله ثم سأل، ثم أثنى، ثم سأل، ثم أثنى، ثم سأل.
يعني-: أنه دعا، ثم سأل، ثم دعا، ثم سأل، ثم دعا -يعني-: دعا بين سؤاله، كلما أثنى على الله دعا، هكذا كان يفعل -عليه الصلاة والسلام-.
« ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى »(9) .
وهو الموضع الذي بين العلمين: أخبر أنه يسعى بين العلمين، هذا للرجال، بخلاف النساء: فإنها تمشي، ولا تسعى.
« حتى إذا صعد-عليه الصلاة والسلام- مشى، حتى إذا أتى المروة فعل على المروة كما فعل على الصفا »(1) .
يعني: من الذكر والدعاء، واستقبال القبلة ثم ذكر الحديث.
والمصنف -رحمه الله - اختصر الحديث، وإلا هو في مسلم مطول، وهو حديثٌ مَنْسَكٌ عظيم، مَنْسَكٌ مستقل؛ فرحم الله جابرا، ورضى عنه، وعظم الله أجره ومثوبته؛ فقد اعتنى بِحَجَّتِه -عليه الصلاة والسلام- ونقلها، ونقل وصفا كاملا لفعله، واعتنى به.
فحديثه هذا منسك مستقل، ولهذا يلجأ العلماء إلى خبر جابر -رضي الله عنه- حينما تختلف الأخبار، وتختلف الأحاديث؛ فإنهم يرجعون إليه؛ لأنه مضبوط محكم - مثلما جاء في بعض المواضع، في مزدلفة وفي غيرها، في الأذان والإقامة- فهو خبر عظيم؛ نقل صفة حجه منذ خرج من المدينة، حتى انتهى -عليه الصلاة والسلام-.
« فلما كان يوم التروية -وهو اليوم الثامن- توجهوا إلى منى »(1) .
وهذا هو السنة أن يكون التوجه إلى منى: ضحى يوم التروية ويصلي هناك الظهر، وركب النبي -عليه الصلاة والسلام-، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر -يعني أنه صلى خمسة أوقات.
« ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس »(1) . يعني: من اليوم التاسع،
« فأجاز حتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بِنَمِرَة »(1) . وهو -عليه الصلاة والسلام- وقف أول النهار في نمرة، ثم خطب، وصلى بِعُرَنَة، ثم وقف بعرفة -عليه الصلاة والسلام-.
فله بذلك اليوم: ثلاثة مواقف؛ فمن تيسر له فهو أفضل، وإلا فعل كما يفعل الناس اليوم؛ لأنهم يقصدون إلى عرفة مباشرة؛ لأنه أيسر لهم، وأسهل.
" فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ": ونمرة ليست من عرفة على الصحيح، وكذلك عرنة؛ قال: « ارفعوا عن بطن عرنة »(1) .
« حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء »(1) . - وهي ناقته- عليه الصلاة والسلام- « فَرُحِلَتْ له »(1) . -يعني: وضع عليها الرحل- « فأتى بطن الوادي، فخطب الناس »(1) . -يعني: في عرنة - « ثم أذن »(1) . -يعني الظهر « ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا »(1) .
يعني: أنه جمع الظهر والعصر جمع تقديم- وهذا هو السنة، كما أنه في مزدلفة جمعهما جمع تأخير -عليه الصلاة والسلام- في المغرب والعشاء، " فخطب الناس، ثم أذن،، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر؛ فهو أذان واحد بإقامتين، وهذا الموضع لم يُخْتَلَفْ فيه: في صلاة الظهر والعصر أنه أذان واحد بإقامتين.
بخلاف المزدلفة اُخْتُلِفَ فيه، وإن كان الصواب: أنه مثل صلاة الظهر والعصر بعرفة: أنه أذان وإقامتان، ولا يصلي بينهما شيئا -يعني-: لم يتنفل، « ثم ركب، حتى أتى الموقف »(1) . يعني: في عرفة.
« فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس »(1) .
هذا هو السنة: أن يقف راكبا، أن يقف جالسا؛ ينظر الأيسر له، وهذا مما استدل به في الوقوف على الرواحل؛ لأجل المصلحة؛ فقال: وقف على راحلته -عليه الصلاة والسلام-، وهو وقف لأجل أن يراه الناس، وأن يشرف لهم، وينظروا كيف يفعل، وينظروا صفة وقوفه -عليه الصلاة والسلام-. ففيه مصالح عظيمة -في وقوفه على راحلته، حتى غربت الشمس.
« وجعل حبل المشاة " -يعني: طريق المشاة- بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا، حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا، حتى غاب القرص »(1) .
الواجب: إلى غروب الشمس، والسنة: أن ينتظر قليلا حتى تذهب الصفرة.
« ودفع -صلى الله عليه وسلم-، وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله »(1) .
يعني: أنه ضمه إليه وجر الحبل إليه؛ حتى لا تسرع الراحلة؛ لأجل زحام الناس، وأمرهم بالسكينة -عليه الصلاة والسلام-، وكان إذا وجد فجوة نصَّ -يعني-: أسرع.
« ويقول بيده: يا أيها الناس، السكينة السكينة، وكلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا؛ حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة؛ فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئا، ثم اضطجع -صلى الله عليه وسلم-حتى طلع الفجر »(1) .
وهذا الخبر واضح أنه أذان واحد وإقامتان، وجاء في حديث ابن عمر خلاف هذا، وجاء في حديث ابن مسعود ما يدل على خلاف هذا، لكن الصواب ما دل عليه حديث جابر -رضي الله عنه-، وهو الموافق لما فعل -عليه الصلاة والسلام- بعرفة.
« وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة »(1) .
يعني: أنه بادر إلى الصبح في أول وقته -عليه الصلاة والسلام -، « ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام؛ فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله، فلم يزل واقفا عليه حتى أسفر جدا »(1) .
وهكذا فعل -عليه الصلاة والسلام-، فكان في أحواله -في دعاءه- يثني على الله: عند الصفا وعند المروة وفي عرفة، وفي مواقفه، كان يدعو الله، ويكبر الله ويحمده ويهلله، وهكذا في تلبيته: لبى الله بالتوحيد -لبيك اللهم لبيك-، وسبح الله، وحمد الله وكبر الله.
فإنه حري بالدعاء أن يسمع، إذا سبق بمثل هذه الكلمات العظيمة، التي فيها الثناء العظيم على الله -عز وجل-، ثم تصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك تدعو وتسأل حاجتك من الدنيا والآخرة، ثم بعد ذلك تُؤَمِّن.
فإذا رتبت هذه الأمور الأربعة فإنه من أعظم الأسباب: الثناء على الله أولا، ثم الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثانيا، ثم بعد ذلك الدعاء، وطلبه سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك التأمين في الختام، هكذا السنة، وقال -عليه الصلاة والسلام-: « ذلك الرجل أوجب إن ختم. قيل: بماذا يختم؟ قال: بآمين؛ فجاء رجل إليه، فقال: اختم بآمين وأبشر »(10) فهذا هو السنة.
« دعاه وكبره وهلله، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا -وله السنة أن ييحرك قليلا، وأن يسرع قليلا عند بطن محسر- ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة »(1) .
وهذه الطرق لا تعلم الآن ولا تعرف؛ فقد انطمرت، كما أن موضع الصخرات قد أزيل، ولا يعلم الآن، واختلف العلماء في موضع وقوفه -عليه الصلاة والسلام- في عرفة.
« فرماها بسبع حصيات »(11) -يعني: يوم النحر- ويكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف -يعني أنه ليس بالكبير ولا بالصغير، بل هو بهذا القدر- رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر -عليه الصلاة والسلام- ثم ركب، فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر رواه مسلم مطولا
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
س: أحسن الله إليكم! فضيلة الشيخ، هذا يقول: من أُعْطِيَ مالا؛ لكي يحج عن أحد، ثم ذهب مع حملة على أنه مشرف، ثم قصر في حجة صاحب المال، أي: لم يجتهد له، فهل يلحقه إثم، وجزاكم الله خيرا ؟
ج: من أخذ مالا ليحج إذن يجب عليه أن يحج، وإذا قصر في شيء من ذلك فإنه آثم، لا يجوز له، وإذا أخذ إنسان مالا كثيرا زائدا عن حاجته، فهذا جمهور من أهل العلم يرى أنه لا يطيب له، إلا إذا كان تبرع به الذي أعطاه، ولم يعطه على سبيل الأجرة.
إما إذا كان يشارطه، يقول: أحج بكذا وأحج بكذا. فهذا بعض أهل العلم حرمه، وقالوا: ليس له عند الله من خلاق. فَرْقٌ بين من أخذ ليحج، ومن حج ليأخذ؛ فمن السنة أن تأخذ لتحج، أن تأخذ هذا المال لأجل أن تحج، ولأجل أن تشارك في هذه المناسك، لا أن تحج لتأخذ: أن تكون نيتك لله والدار الآخرة.
فإذا شارط وزاد فالسنة أن يرد، وإذا أُعْطِي مالا زائدا بلا مشارطة وبلا طلب، فزاد شيئا من هذا، وأدى الحج والمطلوب، فهذا يطيب له، ولا شيء عليه. نعم.
س: أحسن الله إليكم! يقول: أخذت عمرة وأنا دون سن البلوغ، وبعد أن حللت الإحرام، وأردت أن ألبس الثياب وجدت أني ألبس السراويل، فما حكم هذه العمرة؟ وماذا عليَّ الآن، وجزاكم الله خيرا ؟
ج: إذا كانت العمرة قبل البلوغ؛ فيقول العلماء: إن عمد الصبي في حكم خطأ الكبير. والكبير لو لبس السراويل ناسيا، أو تطيب ناسيا، فلا شيء عليه، وكذلك أيضا من باب أولى إذا كان هذا الفعل عن غير عمد، فإذا كان هذا الفعل عن غير عمد وهو من صبي، فهو من باب أولى أنه لا شيء عليه، فلو أنه تعمد ولبس، وهو لم يبلغ، فلا شيء عليه، كذلك من باب أولى إذا كان لم يتعمد أنه لا شيء عليه ولا كفارة، وعمرته صحيحة ولله الحمد. نعم.
س: أحسن الله إليكم! يقول: هل تجب الطهارة من الحدثين عند الإحرام للحج والعمرة ؟
ج: لا تجب، وهذا محل اتفاق من أهل العلم؛ ولهذا تحرم النفساء، وتحرم الحائض، ويحرم الجنب، إنما السنة لمن كان طهارته بيده -يعني: كالجنب، وكذلك المحدث - يتوضأ، وإلا فليس من شرط الإحرام الطهارة، وهي تحرم النفساء، وأمر أسماء بنت عميس أن تحرم. نعم.
س: أحسن الله إليكم! يقول ما حكم لبس الشُرَّابِ للمرأة ؟
ج: لا بأس؛ المرأة لا تمنع إلا من شيئين: من القفاز والنقاب (بس)، وما سوى ذلك: كنادر -مثلا- متجاوزة للكعبين، أو شُرَّاب، وجميع أنواع المخيط والمحيط تلبسه إلا هذين الشيئين. نعم.
س: أحسن الله إليكم! يقول: ماذا يفعل من حج ولكن لم يكمل حجه: كأن يترك بعض الأركان أو الواجبات عمدا، ولا يعلم ما هي تلك الواجبات، علما بأن هذا هو حجة الإسلام، وجزاكم الله خيرا ؟
ج: هذا فيه تفصيل: إن كان تَرْكُه لركن من أركان الحج فهو لازال في إحرامه، ولم ينته إحرامه، ينظر إلى المتروك: إذا كان المتروك يفوت به الحج كالوقوف بعرفة، فقد فاته الحج، وعليه قضاؤه عند جماهير أهل العلم؛ هو لم يحج، فات الحج.
لكن إذا فات الحج فإنه يبقى محرما، وعليه أن يتحلل بعمرة: لو أن إنسانا مثلا أحرم بالحج، ثم طلع الفجر من يوم عرفة ولم يحرم؛ نقول: عليه أن يتحلل بطواف وسعي ويقصر، وهل تحلله هذا عمرة، أو مجرد طواف وسعي وتحلل، أولا يحسب له عمرة؟ هو موضع خلاف: كثير من أهل العلم قالوا: إنه يتحلل بطواف وسعي، ويقصر أو يحلق، ويكون عمرة.
وإن كان الذي تركه ركنا لا يفوت به الحج، مثل: الطواف أو الطواف والسعي، فإن الواجب عليه يرجع، ولا زال محرما، وأن يأتي بالطواف، وإن كان الذي تركه واجبا يفوت، فإنه عليه عن كل واجب يتركه دم: فإذا ترك الرمي عليه دم، إذا ترك المبيت عليه دم، إذا ترك طواف الوداع عليه دم؛ فكل واجب تركه يكون عليه دم.
إلا إذا كان المتروك شيئا واجبا لا يفوت، مثل: هدي التمتع، أو هدي القران؛ فإن هذا لا علاقة له بالنسك، ويكون واجبا في ذمته لم يأت به، فعليه أن يذبح هذا النسك، وأن يذبحه في الحرم، أو يوكل من يذبحه، ويوزعه على أهل الحرم؛ لأنه واجب باق في ذمته. نعم.
س: أحسن الله إليكم! هذا سائل من الإمارات يقول: الصلاة التي تجمع مع غيرها في عرفة ومزدلفة: هل الذكر يكون عقب الصلاة الثانية، أي: أذكار الصلاة؟ وما صحة الحديث الذي فيه: " أن من لم يطف الإفاضة قبل غروب الشمس عاد محرما " وجزاكم الله خيرا ؟
ج: في مسألة الذكر الأظهر -والله أعلم-: أن الذكر يكون عقب الصلاة الثانية، ولم ينقل أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله عقب الصلاة الأولى؛ ولهذا في حديث جابر قال: « لم يسبح بينهما شيئا »(1) والذكر نوع تسبيح، تسبيح بالقول، كما أن الصلاة تسبيح بالفعل؛ فهو نوع تسبيح، وهذا نكرة في سياق النهي، يشمل جميع أنواع التسبيح والذكر بالقول والفعل.
ثم لو كان ذكر الله، أو أهل أو ذكر لكان نقل، ثم المبادرة إلى مثل هذا هو الظاهر من فعله -عليه الصلاة والسلام-؛ وعلى هذا يكون الذكر -إن تيسر- يكون بعد الصلاة الثانية، لكن هل يكون الذكر لصلاتين، أو صلاة واحدة؟ محتمل والله أعلم.
قد يقال: إنه يقضى ويذكر الله، ويعيد الأذكار التي في الصلاة الأولى والأذكار التي في الصلاة الثانية، وإن كان أقرب -والله أعلم- أن الحكم ينتقل للصلاة الثانية؛ هذا الذي يظهر -والله أعلم- أن الحكم ينتقل للصلاة الثانية من باب التيسير والتخفيف، وأن أجره يكون تاما، كما لو ذكر الله -عز وجل- بعد الصلاة الأولى ثم الصلاة الثانية؛ لأنه تَرَكَه لعذر.
ولهذا لو أنه صلى الظهر والعصر جمع تقديم فإن الحكم ينتقل إلى صلاة العصر، ويبدأ وقت النهي من حينه، ولو كان وقت الظهر في حق غيره لم يخرج، مثل أن كان مريضا، جمع الظهر والعصر والناس لازالوا حتى الآن لم يصلوا العصر، فإن وقت النهي يدخل في حقه بعد صلاته للعصر مباشرة، فانتقل الحكم.
أما ما يتعلق بذاك الخبر: فهذا الخبر وهو: " أنه من غربت عليه الشمس ولم يطف فهو يعود محرما " فهذا الخبر فيه كلام معروف لأهل العلم، وهو من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، ومن طريق محمد بن إسحاق، واختلف في هذا الخبر، وأكثرهم ضعفوه، وجاء له شاهد عند الطحاوي ومنهم من أثبته، وصححه بعض أهل العلم.
لكن الأظهر أنه شاذ عندهم، وأنه مخالف لما في الصحيحين من: أنه إذا تحلل لا يعود حراما؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: « كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -لإحرامه قبل أن يحرم »(12) أثبتت أنه إذا تحلل فإنه يكون تحلل التحلل الأول؛ فكيف يعود محرما بعدما تحلل ؟
وهذا الخبر -لو صح- أوَّلَه بعض أهل العلم على أنه: عليه أن يلبس الإحرام لأجل أن يتشبه بالمحرمين، لا أنه يلبس الإحرام لأنه عاد حراما؛ لأنه قد تحلل، وجاز له لبس الثياب، ولبس المخيط، ولبس الطيب؛ فكيف يعود حراما؟ وهذا شيء غريب في مناسك الحج من جهة إذنه -عليه الصلاة والسلام-.
ومعلوم أن كثيرا من الناس كانوا يسألونه؛ فيقول: افعل ولا حرج، وكثير من الناس -فيما يظهر والله أعلم- قد لا يتيسر له ذلك، ولم يأمر بشيء من هذا إلا ما جاء في هذا الخبر الذي اختلف فيه مع ضعف سنده.
فهو -إن صح- محمول على أنه يتشبه بالمحرمين من جهة أنه يلبس ثياب الإحرام؛ لأنه لا زال ممنوعا من النساء. فقد يكون -مثلا- مع الطيب، ومع لبس الثياب ينسى الطواف، ويكون بعيد العهد بأهله، فربما وقع في الحرام وجامع؛ فلهذا يلبس ثياب الإحرام؛ حتى إذا أراد أن يقع في شيء من أمر النساء فهيئة الإحرام تذكره، وإن لم يكن محرما بالفعل.
هذا لو ثبت الخبر، مع أن المعتمد عند جمع من أهل العلم: إما أنه شاذ، أو منسوخ، وقالوا: إن ناسخه هو الإجماع الدال على أنه لما تحلل فإنه لا يكون حراما بعد ذلك.
س: أحسن الله إليكم! وهذا أيضا سائل من الشبكة يقول: حججت أنا وزوجتي، وأثناء الرمي من اليوم الأول ذهبت أنا وهي، وعندما أرادت أن ترمي لم ترم في الحوض، وأخذت منها الجمرات بغضب، ورميت عنها، فهل عليها شيء ؟
ج: هذا إن كان عدم رميها في الحوض لعدم استطاعتها، وشق عليها ذلك، ولم تتمكن من الرمي، فلا بأس أن ترمي عنها؛ لأنها لم تستطع الرمي، وإن كان رميك لأجل غضبك -كما قلت- فهذا لا يخول لك كونك تغضب، وترمي عنها؛ فالواجب عليك ألا تغضب، والواجب عليك أن تنبهها، وأن ترشدها، وأن تعينها؛ لأن المرأة تحتاج إلى الإعانة في مثل هذا، وأن يدلها، وربما زُحِمَت، وربما مُنِعَت، فهذا الواجب عليك.
فإن كان لم يشق عليها الرمي، وإنما -يعني- قصر رميها، وجهلت الحكم، أو أنه كنت بعيدا أنت وهي عن الحوض، فلم ترموا، فيمكن أن ترمي في هذه الحالة، والواجب عليها ويثبت في حقها دم، واختلف العلماء في الدم، والصحيح: أنه يثبت الدم ولو كان جمرة واحدة.
لكن إن كان أنت المتسبب في ذلك، وأنت الذي منعتها، وأنت الذي رميت، فيكون الدم عليك أنت؛ لأنك أنت المفرط، وأنت الذي منعتها، ويكون الدم واجبا عليها، وأنت الذي تضمنه لها؛ لقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: " من ترك نسكا أو نسيه فليرق دما. "
أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) البخاري : الحج (1785) , ومسلم : الحج (1218) , والنسائي : مناسك الحج (2761) , وأبو داود : المناسك (1905) , وابن ماجه : المناسك (3074) , وأحمد (3/320) , والدارمي : المناسك (1850). (2) (3) سورة البقرة: 158 (4) مسلم : الحج (1218) , وأبو داود : المناسك (1905) , وابن ماجه : المناسك (3074) , وأحمد (3/320) , والدارمي : المناسك (1850). (5) مسلم : الحج (1218) , والترمذي : الحج (856) , وأبو داود : المناسك (1905) , وابن ماجه : المناسك (3074) , وأحمد (3/320) , والدارمي : المناسك (1850). (6) النسائي : مناسك الحج (2962). (7) الترمذي : الحج (856) , والنسائي : مناسك الحج (2961) , وأبو داود : المناسك (1905) , وابن ماجه : المناسك (3074) , وأحمد (3/320) , والدارمي : المناسك (1850). (8) مسلم : الحج (1218) , والترمذي : الحج (856) , وأبو داود : المناسك (1905) , وابن ماجه : المناسك (3074) , وأحمد (3/320) , والدارمي : المناسك (1850). (9) مسلم : الحج (1218) , والنسائي : مناسك الحج (2985) , وأبو داود : المناسك (1905) , وابن ماجه : المناسك (3074) , وأحمد (3/320) , ومالك : الحج (840) , والدارمي : المناسك (1850). (10) أبو داود : الصلاة (938). (11) مسلم : الحج (1218) , وأبو داود : المناسك (1905) , وابن ماجه : المناسك (3074) , والدارمي : المناسك (1850). (12) البخاري : الحج (1539) , ومسلم : الحج (1190) , والترمذي : الحج (917) , والنسائي : مناسك الحج (2704) , وأبو داود : المناسك (1745) , وابن ماجه : المناسك (2926) , وأحمد (6/175) , ومالك : الحج (727) , والدارمي : المناسك (1802). |