حديث كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فيقول الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: وعن خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: « كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار. »(1) رواه الشافعي بإسناد ضعيف.
ورواه أيضا الدارقطني، وهو عند الدارقطني بإسناد ضعيف، أو ضعيف جدا من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي. وهذا الخبر كما ذكره المصنف ضعيف، بل ضعيف جدا، الحديث برواية خزيمة بن ثابت الأنصاري الخطبي صاحب الشهادتين، أو ذو الشهادتين، الذي جعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- شهادته بشهادة رجلين؛ لما شهد بتصديقه، لما ابتاع بيعا من ذلك الأعرابي.
وفيه: أنه -عليه الصلاة والسلام- كان إذا فرغ من تلبيته من حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار، وبعض أهل العلم -أيضا- يرى أنه يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وهذا المعنى الذي جاء في هذه الأخبار -وإن كان ما ثبت مرفوعا- لكن دلت الأدلة الأخرى على أنه لا بأس، بل يشرع للمكلف أن يدعو الله -عز وجل-، وأن يسأله بعدما يثني على ربه -سبحانه وتعالى-، وهذا شامل لجميع أحوال العبد: سواء كان في نسك، أو في غير نسك.
وذلك من جهة أنه إذا أثنى عليه -سبحانه وتعالى-، كما في التلبية: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك " فأثنى على الله بالتوحيد، وذكر الله بالتوحيد: "وحدك لا شريك لك " وأجاب دعاءه -سبحانه وتعالى- ولبى نداءه.
لبيك بمعنى: أني ملازم لطاعتك مقيم عليها، لا أتحول عنها، من لبَّب بالمكان إذا لزمه؛ فهو إجابة في ظلها إخبار عن مداومته وملازمته لطاعة الله -عز وجل- وملازم لها، وأعظم ذلك التوحيد، فإذا دعا الله عقب ذلك، أو في خلال التلبية لا بأس.
وإذا صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- أيضا- فلا بأس؛ فقد ثبت عن ابن عمر وعن أبيه عمر -رضي الله عنهما-:" أنهما كانا يصليان على النبي -عليه الصلاة والسلام- على الصفا والمروة بعد الدعاء" وهذه هي القاعدة في المسألة كما سبق: أنه يثني عليه -سبحانه وتعالى- ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يدعو بعد هذه التوسلات العظيمة، ثم بعد ذلك يُشْرَعُ أن تختم بآمين.
وقد ثبت في الخبر عن فضالة بن عبيد، عند الترمذي وغيره بإسناد صحيح: « أنه -عليه الصلاة والسلام- مر برجل لم يثن على الله، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال -عليه الصلاة والسلام- له أو لغيره: عَجِلَ هذا، إذا صلى أحدكم فليحمد الله، ثم ليصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم ليدع. »(2) هكذا قال -عليه الصلاة والسلام- وفي حديث عبد الله بن مسعود عند الترمذي نحو هذا الخبر، وهو أنه أمره بالثناء على الله، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم الدعاء بعد ذلك.
وفي حديث أبي جهير النميري أنه قال: « أوجب إن ختم؛ قالوا: وبم يختم؟ قال: بآمين. فجاءه رجل، فقال: اختم بآمين وأبشر »(3) فإذا فعل مثل هذا كان حسنا، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يحمد الله بعد التلبية، كما ثبت في الخبر وصحيح البخاري، وسيأتي في حديث أنس أنه قال: « كان يلبي الملبي فلا يُنْكَرُ عليه، ويُكَبِّرُ المكبر فلا ينكر عليه »(4) .
(1) (2) الترمذي : الدعوات (3477) , والنسائي : السهو (1284). (3) أبو داود : الصلاة (938). (4) البخاري : الجمعة (970) , ومسلم : الحج (1285) , والنسائي : مناسك الحج (3000) , وابن ماجه : المناسك (3008) , ومالك : الحج (753). |