حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء
فعن أنس -رضي الله عنه-: « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت وطاف به »(1) رواه البخاري.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها لم تكن تفعل ذلك، أي: النزول بالأبطح، وتقول: « إنما نزله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه كان منزلا أسمح لخروجه »(2) رواه مسلم.
وكذلك أيضا رواه البخاري، وأخبرت أنه عندما نزل هذا المنزل، أنه كان أسمح لخروجه، والنزول بالأبطح يكون بعد الفراغ من الحج، والرسول -عليه الصلاة والسلام- بقي في منى حتى اليوم الثالث عشر، فرمى الجمار في اليوم الثالث عشر، فلما فرغ منها سار إلى الأبطح -إلى مكة-، وهو مكان معروف الآن، بقي فيه، فصلى فيه الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
وهذا شاهد لما سبق أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يبتدئ بالرمي قبل ذلك، وكان فيما يظهر أنه يؤخر الصلاة بعد الرمي، فصلى الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
وفي حديث أنس: « أنه رقد رقدة »(3) كأنها رقدة خفيفة، ثم قام قبل طلوع الفجر، ثم ذهب إلى البيت، ثم طاف للوداع -عليه الصلاة والسلام-، ثم صلي بالناس الفجر، ثم خرج من مكة متوجها إلى المدينة -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك لما خرج، جاء في حديث عن ابن عمر أنه نزل بذي طوى، في المكان الذي نزل فيه حينما قدم.
فكان مسيره -عليه الصلاة والسلام- في حجه مرتبا أعظم ترتيب، منظما مرتبا، فقدم إلى مكة، فنزل بذي طوى، ثم بات بها، ثم بعد ذلك لما أصبح ذهب إلى مكة، فطاف للقدوم، ثم سعى -عليه الصلاة والسلام- للحج، ثم بعد ذلك خرج من مكة، وجلس إلى الأبطح.
خرج من مكة بعد ذلك، وبقي إلى اليوم الثامن، ثم أكمل حجه، ثم في النهاية لما خرج من منى في اليوم الثالث عشر، صلى بالأبطح الظهر والعصر، وهو محصب، أو الحصباء، والأبطح، أوالبطحاء، كلها أسماء له؛ لأنه فيه شيء من البطحة كان في ذلك الوقت، وصلى به أربع صلوات.
وفي هذا أيضا أنه لما طاف صلى -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا دلالة على أن المكث اليسير لا يؤثر بعد الطواف، وأنه لا يلزم أن يخرج مباشرة؛ ولهذا صلى -عليه الصلاة والسلام-، ثم خرج ولم يعد الطواف، مثل لو طاف، لو كان عليه طواف وسعي، ومشى يطوف ويسعى، ثم يمشي.
وهذا النزول بالأبطح اختلف العلماء فيه، هل هو سنة، أو ليس بسنة؟ جاء عن ابن عباس أنه ليس بسنة، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: « إنما كان أسمح لخروجه »(4) « وقد ضرب أبو رافع له قبة -عليه الصلاة والسلام- في ذلك المكان في الأبطح، قال: لم يأمرني رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، إنما أنا ضربتها، فنزل فيها »(5) .
والأظهر كما قال جمع من أهل العلم: إنه من قال: إنه ليس بسنة، أراد أنه ليس سنة لازمة واجبة في الحج، ومن قال: إنه سنة، أراد أنه يشرع التأسي به، والاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، في النزول؛ لأنه نزل في هذا المكان.
وثبت في الصحيحين، عن ابن عمر -أي: صحيح مسلم وصحيح ابن عمر- أن الصحابة: أن أبا بكر وعمر نزلوا بالأبطح اقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، فعموم التأسي والاقتداء يدل على مشروعية النزول به، وهذا واضح من جهة الأصل في أفعاله، الاقتداء والاتساء به عليه الصلاة والسلام.
(1) البخاري : الحج (1756) , والدارمي : المناسك (1873). (2) البخاري : الحج (1765) , ومسلم : الحج (1311) , والترمذي : الحج (923) , وأبو داود : المناسك (2008) , وابن ماجه : المناسك (3067) , وأحمد (6/230). (3) البخاري : الحج (1756) , والدارمي : المناسك (1873). (4) البخاري : الحج (1765) , ومسلم : الحج (1311) , والترمذي : الحج (923) , وأبو داود : المناسك (2008) , وابن ماجه : المناسك (3067) , وأحمد (6/230). (5) |