حديث من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل
وعن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « من كسر أو عرج، فقد حل وعليه الحج من قابل »(1) وقال عكرمة: « سألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك، فقالا: صدق »(2) رواه الخمسة، وحسنه الترمذي.
حديث الحجاج بن عمرو هذا حديث صحيح، وشاهده قول ابن عباس، وأبي هريرة: إنه صدق بذلك، "من كسر": حصل له كسر في يده، أو في رجله، أو في شيء من ذلك، "أو عرج": خَمَعَ -بالفتحات-، خمع إن أصابه شيء، أما عرج فإذا كان خلقة، قالوا: عرج فلان، إذا كان عرجه خلقة، أما عرج إذا خمع أو سقط، فأصابه شيء وعرض له شيء.
"فقد حل": هذه اللفظة اختلف العلماء فيها، والأظهر فيها أن "حل" أي: قد حل له التحلل، وجاز له التحلل، ليس معنى ذلك أنه بمجرد أن يصيبه الكسر أنه يتحلل، لا؛ لأنه بإحرامه في نسك، فوجود الكسر، أو وجود حصول المرض، أو أصابه شيء يمنعه من إتمام النسك -لا يوقع في التحلل، ولا يكون متحللا بذلك، إنما قد حل، فقد حل له التحلل، مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: « إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم »(3) .
"فقد أفطر الصائم" ليس معنى ذلك أنه أفطر، لا، فالإنسان قد يواصل، والرسول -عليه الصلاة و السلام- لما سألوه عن الوصال، واستأذنوه في الوصال بعد غروب الشمس -أذن لهم، وإلا لو كان بمجرد غروب الشمس يحصل الفطر، لم يحصل وصال، فهكذا "فقد أفطر الصائم" أي: قد حل له الفطر، هكذا "فقد حل" أي: حل له التحلل.
فهو مخير، فينظر ما هو الأحسن، وما هو الأيسر له، فإن كان مثلا حصل له هذا الشيء، وهو قريب من الحرم، ويمكن مثلا أن يكمل نسكه بلا مشقة، وأمكن أن يطوف ويسعى، خاصة إذا كان العمل يسيرا، وهو عمرة مثلا -فيكمل نسكه.
أما إذا أصابه المرض، ويمكن أن يكمل نسكه بلا مشقة، وأمكن أن يطوف ويسعى، خاصة إذا كان العمل يسيرا، وهو عمرة مثلا -فيكمل نسكه، أما إذا كان بعيدا، أو كان قريبا وشق عليه ذلك -فإن له أن يتحلل.
وهذا الحديث مبين بالأدلة الأخرى أنه لا يحصل التحلل إلا بالاشتراط، فإن كان قد اشترط فإنه يتحلل لا شيء عليه، لا دم ولا غيره، وإن لم يكن اشترط فينحر ما تيسر له من الهدي، ثم يتحلل، ثم عليه الحج من قابل، في قوله: "والحج من قابل" هذا المراد به إذا كان حج حج فرض، أو عمرته عمرة فرض.
أما إذا كان حجه حج نفل، وعمرته عمرة نفل، فالصواب أنه لا قضاء عليه، وهذا أيضا مما ينبه عليه ما سبق في عمرة الحديبية: « أنه -عليه الصلاة والسلام- حينما حصر عن البيت، ثم قاضى المشركين -اعتمر من قابل »(4) وعمرته من قابل ليست عمرة قضاء لهذه العمرة.
هذه سميت عمرة القضية من المقاضاة لا من القضاء، ليست عمرة القضية في العام السابع للهجرة، عمرة القضية من القضاء لا عمرة القضية من المقاضاة؛ لأنه قاضاهم، وحصل بينه وبينهم مقاضاة ومخالصة في أمر دخوله -عليه الصلاة والسلام-، وحصل اتفاق على أنه يدخلها من قابل، ليس من القضاء، وهو قضاء تلك النسك وتلك الحجة.
ولهذا جمهور العلماء على أنه لا يجب القضاء، والرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يأمر من كان معه ممن اعتمر في عام الحديبية أن يقضوا ذلك النسك، ولم يذكرهم إلى ذلك، وكثير منهم لم يأت معه، ولم يحضر معه في عمرة القضية، ولو كان واجبا لبينه -عليه الصلاة والسلام- والله -عز وجل- يقول: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾(5) ولم يذكر قضاء، ولم يذكر غير ذلك.
فالواجب: إذا حصر وحصل التحلل بشرطه، هذا هو الذي يجب عليه، أما قضاؤه بالحج والعمرة فلا شيء عليه، إلا إذا كان حجا واجبا، وجب عليه الحج فحصر، وجبت عليه العمرة فحصر، فتحلل، فعليه إذا كان العام القادم، وهو مستطيع وأمكنه -لزمه الحج أو العمرة.
ومما ينبه عليه أيضا أن المصنف أيضا ذكر الفوات، ولم يذكر له شيئا، والفوات هو فوات الحج أيضا، والفوات غير الإحصار، والإحصار أن يحصر ويمنع، والفوات قد يكون بمرض، وقد يكون بعدو، والفوات: إذا جاء مثلا إلى البيت حاجا، وخشي فوات الحج، مثل: جاء متأخرا، وغلب على ظنه أنه لا يدرك عرفه إلا بعد طلوع الفجر، أو طال به الطريق.
وكذلك أنه لو أحصر مثلا، وقال: سوف أنتظر، هل يمكن أن أنتظر؛ لأن ما حصل من المانع سوف يزول.
نقول: لا بأس أن تنتظر، بشرط ألا يفوت الحج، أما إذا كان يفوت الحج فلا تنتظر، فعليك أن تتحلل، وهكذا إذا كان خشي فوات الحج في غير الإحصار، فخشية الفوات قد يكون لأجل الإحصار، مع رغبته بالبقاء على نسكه، لعله أن يتمكن من إدراك الحج قبل طلوع الفجر، وقد يكون بسبب آخر مثل: بعد المسافة، أو تأخرت به رحلته مثلا، وخشي الفوات، في هذه الحالة عليه أن يتحلل بطواف وسعي، إن أمكن له ذلك.
ومن بقي على نسكه حتى فاته الحج، اختلف العلماء، هل يجب عليه القضاء؟
أولا: يجب عليه القضاء، من بقي على نسكه باختياره، وفات النسك، يعني: فات الحج حتى طلع الفجر -ذهب جمهور من العلم -وهو المذهب- إلى أن يلزمه القضاء، يلزمه قضاء هذه الحجة، وجاء عن عمر -رضي الله عنه- أنه أمر بذلك، وأمر من فاته الحج أن يقضيه، وأن يهدي هديا.
وقال آخرون: لا قضاء؛ لأنه لا يجب الحج إلا مرة واحدة، وأنه لا يجب القضاء إلا فيمن أفسد حجه قبل التحلل الأول بجماع، أما ما سوى ذلك فلا قضاء عليه، وكذلك أيضا لا قضاء على المحصر كما سبق، وهو قول جمهور العلماء، والله أعلم.
س: أحسن الله إليكم. هذا سائل يقول: هل الاطباع يكون في السعي بين الصفا والمروة، أو خاص بالطواف، وجزاكم الله خيرا؟
ج: الاطباع خاص بالطواف، إذا فرغ من الطواف فعليه أن يلبس رداءه، ويضعه على كتفيه، فلا اطباع في السعي، ولم ينقل عنه -عليه الصلاة والسلام- اطبع فيه. نعم.
س: أحسن الله إليكم. يقول: ما صحة أن الرمي لا بد أن يسقط في الحوض، وهل كان الحوض في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، علما بأنني سمعت أحد المشايخ يقول: ليس بشرط السقوط في الحوض، وجزاكم الله خيرا؟
ج: لا بد من السقوط في الحوض؛ لأن هذه جمرة هي موجودة في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعرف موضعها، نزولة الجمرة، وكانت في سفح الجبل، وهذا موضعها، ورماها -عليه الصلاة والسلام-، ثم أزيلت الجمرة، أزيل موضعها، وحفظ وعرف ونقل بالتواتر، فكان الرمي إليها.
وإلا لو قيل: لا يلزم الرمي في الحوض، سترمي في مكانك في منى، ترمي عند خيمك في منى، أو ترمي في أي مكان، لو قلنا: لا يكون الرمي في هذا المكان، فعلى هذا ليس لنا مكان نرمي فيه، كما أنه أيضا ترمى فيه الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، ترمي في هذه الأماكن، وهي أماكن معروفة، وحفظت، ومحددة.
جاء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقصد إليها، ورمى هذه المواضع، وحفظت أماكنها وبينت، فكان هذا الموضع دلالة عليها؛ ولهذا الأماكن احتاج إليها المسلمون، وتكون نسكا لازما، حفظت وعرفت، أما الأماكن التي ليس بواجب وليس بلازم قصدها، مثل ما كان -عليه الصلاة والسلام- في مكانه في منى، ومكان نزوله في عرفة لم يحفظ ولم يعرف، وهذا فيه مصالح المسلمين.
قد يكون فيه مصالح عظيمة، يعني: مصالح من جهة قد يئول في معرفتها بعينها إلى شيء من الغلو، أو ما أشبه ذلك، أما هذه الأماكن فقد رماها -عليه الصلاة والسلام-، وهي جمرات ترمى، وحفظت وعرفت، فوجب تحديدها، فالواجب العلم الأمثل، إذا كان قريبا، ويمكن أن يرمي، وإن لم يمكن العلم فالواجب غلبة الظن، إذا كان بعيدا، وغلب على ظنه وقوعه فيه. نعم.
س: أحسن الله إليكم. يقول: هل لي أن أجمع الرمي في آخر يوم من أيام التشريق، وأرميها مرة واحدة، وكيف يكون ذلك؟
ج: هذا ذهب إليه أكثر أهل العلم، وقالوا: لا بأس من جمع الرمي في آخر أيام التشريق، وقالوا: إن أيام التشريق وقتها كيوم واحد، وقتها كوقت واحد مثل وقت الصلاة، وقالوا: إنك إذا أخرتها إلى آخر أيام التشريق، كما لو أخرت الصلاة إلى آخر وقتها الاختياري، في آخر وقتها.
وبعض أهل العلم قالوا: إنه يرمي كل يوم في يومه؛ هكذا رمى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقالوا: إنه رخص للرعاة أن يجمعوا رمي يومين في يوم واحد، دل على أنه يتعين الرمي في كل يوم بيومه، وجمهور أهل السنة، والأفضل والأكمل، أنه يرمي كل يوم في يومه، أما مسألة الجمع هذا موضع نظر، والله أعلم: هل يكون جائزا كما سبق؟
جمهور من أهل العلم قال بذلك، لكن الأحوط والأولى أن يرمي كل يوم بيومه إلا عند الحاجة، فإذا كان الإنسان يحتاج ذلك، وشق عليه أن يرمي كل يوم بيومه، أو كان إنسان مثلا يقول: أنا لو أردت أن أرمي كل يوم في يومه، لا أستطيع يشق علي ذلك، وإن أخرت الرمي إلى آخر الأيام يمكنني ذلك.
نقول: كونك تؤدي العبادة بنفسك، ولا توكل فيها، وتجمعه في يوم واحد -أفضل من كونك توكل، وهكذا لو أن امرأة مثلا قالت: لو جمعت الرمي في آخر الأيام ورميتها جميعا: الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، عن اليوم الأول، وهكذا عن اليوم الثاني، وهكذا عن اليوم الثالث، إن تأخر نقول: هذا أكمل، وإلا فالسنة أن يفعل كما فعل -عليه الصلاة والسلام-، أن يرمي كل يوم بيومه.
س: أحسن الله إليكم. يقول: في اليوم الحادي عشر رميت الجمرة الصغرى بعد الزوال، وكان الزحام شديدا؛ فأجلت الوسطى والكبرى إلى الليل بعد أن خف الزحام، فهل علي شيء؟
ج: لا بأس؛ لأن المولاة ليست بشرط بين رمي الجمار، الواجب هو الترتيب، أما المولاة فليست بواجبة وليست بشرط، أما الترتيب هو أظهر، فلو رميت الجمرة الصغرى، ثم بعد ذلك أخرت الوسطى إلى الليل، فلا بأس من ذلك.
ومن ذلك أيضا: لو أنك طفت مثلا شوطا أو شوطين، ثم ارتحت، ثم طفت شوطين، وهكذا السعي، أو طفت مثلا ثم ارتحت، وفرقت بين الطواف والسعي، كله لا بأس به، المقصود هو أنها تقع هذه العبادات كاملة. نعم.
أحسن الله إليكم وأثابكم ما نفعنا بعلمكم، وجعل ما قدمتم في ميزان حسناتكم.
(1) الترمذي : الحج (940) , والنسائي : مناسك الحج (2860) , وأبو داود : المناسك (1862) , وابن ماجه : المناسك (3078) , وأحمد (3/450) , والدارمي : المناسك (1894). (2) الترمذي : الحج (940). (3) البخاري : الصوم (1954) , ومسلم : الصيام (1100) , والترمذي : الصوم (698) , وأبو داود : الصوم (2351) , وأحمد (1/48) , والدارمي : الصوم (1700). (4) (5) سورة البقرة: 196 |