إزالة النجاسة
الدهن المتنجس
وقوله: وكذا دنها .
والفصل الذي بعده يتعلق بإزالة النجاسة:
النجاسة مثل الدم والبول والغائط والقيء والخمر والصديد والميتة ولحمها، وما يتعلق بها، وسؤر الكلب ولعابه ونحو ذلك، هذه تسمى نجاسات، هذه نجاسات عينية، ويشترط للصلاة إزالة النجاسة وتطهيرها وتجنبها، ومن صلى، وعليه نجاسة لم تصح صلاته، إذا كان قادرا على إزالتها.
النجاسة إما أن تكون على الأرض، أو على الثوب، أو على الإناء، أو على البدن، فإذا كانت على الأرض، أو على ما اتصل بالأرض كالبلاط مثلا، أو الفراش الملتصق بالأرض، لا يمكن رفعه، أو على الجدران ونحوها متى تطهر؟
بزوال عين النجاسة وآثارها بالماء، إذا زال عين النجاسة: جرمها وزال أثرها، مشهور أنه -صلى الله عليه وسلم- اكتفى في نجاسة بول الأعرابي بصب الماء عليها، مكاثرتها، جاء بدلو بسجل من ماء، وهو الدلو وصب عليها، ومن المعلوم أن الدلو يكاثرها كثيرا، فتطهر، فإذا كان لها جرم كالدم والغائط ونحوها، فلا بد من زوال جرمها، زوال حمرة الدم مثلا، أو صفرة القيء والصديد، فإذا زال جرمها وأثرها طهر، ولا حاجة إلى عدد.
من الثاني: بول الغلام الذي لم يأكل الطعام بشهوة، يكتفى بصب الماء عليه، دون فرك وتكرار، وأما إذا أكل الطعام بشهوة، فإنه يغسل كغيره حتى يطهر أثره، بخلاف بول الأنثى، ولو لم تأكل الطعام؛ لأنه يغسل كبول الكبير، وبخلاف غائط الصغير، فإنه يغسل، الرخصة والتخفيف إنما هي في بوله بشرط ألا يشتهي الطعام.
وألحقوا قيأه به، يعني: إذا تقيأ الصغير، إن قاء -مثلا- لبنا فإنه -أيضا- يغمر بالماء، يغمر يعني: يكاثر بالماء، يصب عليه صبا دون دلك، أما بقية النجاسات، فاشترطوا لها سبع غسلات، واستدلوا بحديث عن ابن عمر « أمرنا بغسل الأنجاس سبعا »(1) ولكن الحديث غير معروف، والصحيح أن جميع النجاسات لا يشترط لغسلها عدد، بل الحكم واحد، إذا زالت عين النجاسة بالماء اكتفي بذلك دون عدد؛ وذلك لأنها لو لم تزل بالسبع زيد حتى تزول، لو لم يزل -مثلا- أثر الدم، أو الغائط بسبع غسلات غسل ثمانيا، أو تسعا، أو نحو ذلك حتى يزول أثرها؛ وذلك لأن القصد إزالة أثرها وبه تطهر.
يستثنى من ذلك نجاسة الكلب، نجاسة الكلب ورد فيها العدد. .الحديث الصحيح « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعا إحداهن بالتراب »(2) وفي حديث آخر « إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنة بالتراب »(3) الفقهاء ألحقوا به الخنزير، وذلك لنجاسته، وخبثه، ولعل الصواب أنه لا يلحق به شيء، لا يلحق به الخنزير ولا غيره، ولا الحمار -مثلا- ولا الأسود ولا السباع، يختص الحكم بالكلب، وهذا لحكمة فيه ظهرت أخيرا، أن في لعابه جراثيم خفية، صغيرة لا تزول إلا بتكرار غسله بالتراب، هكذا ذكر لنا بعض المشايخ، فالخنزير ليس مثله، ثم اختلفوا في بقية نجاسة الكلب، هل تغسل سبعا، يعني: بول الكلب، وروثه في إناء، أو نحوه، هل يغسل سبعا، أو يكتفى بغسله حتى يزول أثر النجاسة؟
الأقرب أنه لا يحتاج إلى سبع، ولا إلى تراب، بل يغسل إلى أن يزول أثر النجاسة وعينها، يعني: كسائر النجاسات، أي كالخنزير، وبول الكلب ودمه، يعني: كلها تغسل إلى أن يزول الأثر، ولا حاجة إلى التسبيع إلا في لعابه، يعني: إذا شرب من الإناء، ثم إنهم قالوا: لا بد من زوالها، فدل على أنه لا بد من زوال النجاسة، إذا زالت النجاسة بعد غسلها لم يضر اللون، أو الريح قد يكون -مثلا- كأنه لم يزل لونها، يقولون: لا يضر اللون، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- « أمر بغسل الدم من الثوب »(4) « سئل عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: تحته »(5) يعني: لأن عليه جرم، تحته، حتى يتساقط ما تجمد منه، ثم تقرصه بالماء، تصب عليه ماء، وتدلكه جيدا برؤوس الأصابع، ثم تنضحه أي تغمره بالماء، وفي حديث آخر أنه قال: « يكفيك الماء، ولا يضرك أثره »(6) .
لو بقي أثره، لو أصاب الثوب الأبيض -مثلا- دم من جرح، أو نحوه، ثم إنه غسله بالماء، ولكن بقي سواده، لم يضر، إذا بقي شيء لا يزيله الماء، لا يشترط صابون ولا مزيل، إذا غسل بالماء، وبقي شيء لا يزيله الماء، وكذلك لو بقي ريح عجز عن إزالتها، فلا يضر.
من النجاسات الخمر، سماها الله -تعالى- رجسا، والرجس: هو النجس، فكل شيء وصف بأنه رجس إذا كان من السوائل، فإنه نجس العين، وسماها النبي -صلى الله عليه وسلم- خبيثا بقوله: « الخمر أم الخبائث »(7) فعلى هذا تكون نجسة، ولو كان أصلها طاهرا، مصنوعة من التمر -مثلا- ومن العنب، ومن العسل، ومن الزبيب ومن الشعير، ومع ذلك فإنها إذا كانت مسكرة، فهي نجسة.
إذا انقلبت خلا بنفسها طهرت، يعني: الخل طعام مفيد طاهر، يصلح إداما، كما في الحديث « نعم الإدام الخل »(8) خل التمر، أو خل الزبيب، أو نحو ذلك، فإذا انقلبت بنفسها، فإنها تطهر، وأما إذا عالجها حتى تخللت فلا تطهر، لأنه مأمور بإراقتها فورا، فإذا نقلها -مثلا- من الظل إلى الشمس حتى تتخلل، أو طبخها مثلا، أو جعل فيها دواء حتى يخللها، فإنها تبقى على نجاستها،
دنها: يعني: ظرفها الذي هي فيه، سواء كان من الجلود، أو من الخشب، إذا تخللت طهر ذلك الدن.
وهل يطهر الدهن المتنجس؟ أو المتشرب نجاسة؟ لا يطهر؛ وذلك لأنه لا يمكن غسله، لكن الصحيح أنه إذا وقعت فيه نجاسة، فإنها تلقى وما حولها، ويطهر الباقي، سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فأرة سقطت في سمن وماتت، فقال: « ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم »(9) لأنها إذا ماتت، فهي نجسة، فتلقى وما حولها.
واختلف هل هناك فرق بين المائع والجامد؟ والصحيح أنه لا فرق، تلقى وما حولها ولو كان جامدا، وفي الرواية التي فيها التفريق غير صحيحة، والحاصل أنه إذا كان دهن متنجس كله، فإنه لا يطهر، وكذلك بالطريق الأولى إذا كان نجس العين كشحم الميتة، فإنه يعتبر نجسا، ولا يمكن تطهيره، أو كذلك إذا تشرب الدهن بالنجاسة، يعني: امتزجت به، فلا يمكن تطهيره.
(1) (2) البخاري : الوضوء (172) , ومسلم : الطهارة (279) , والترمذي : الطهارة (91) , والنسائي : المياه (338) , وأبو داود : الطهارة (73) , وابن ماجه : الطهارة وسننها (363) , وأحمد (2/482) , ومالك : الطهارة (67). (3) مسلم : الطهارة (280) , والنسائي : الطهارة (67) , وأبو داود : الطهارة (74) , وابن ماجه : الطهارة وسننها (365). (4) البخاري : الوضوء (227) , ومسلم : الطهارة (291) , والترمذي : الطهارة (138) , والنسائي : الطهارة (293) , وأبو داود : الطهارة (361) , وأحمد (6/345) , ومالك : الطهارة (136) , والدارمي : الطهارة (1016). (5) البخاري : الوضوء (227) , ومسلم : الطهارة (291) , وأحمد (6/345). (6) أبو داود : الطهارة (365) , وأحمد (2/364). (7) النسائي : الأشربة (5666). (8) مسلم : الأشربة (2052) , والترمذي : الأطعمة (1839) , وأبو داود : الأطعمة (3820) , وأحمد (3/371) , والدارمي : الأطعمة (2048). (9) البخاري : الوضوء (235) , والترمذي : الأطعمة (1798) , والنسائي : الفرع والعتيرة (4260) , وأبو داود : الأطعمة (3842) , وأحمد (6/329) , ومالك : الجامع (1815) , والدارمي : الأطعمة (2083). |