فصل في الحيض
فصل: في الحيض:
لا حيض مع حمل ولا بعد خمسين سنة، ولا قبل تمام تسع سنين، وأقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر، وغالبه ست، أو سبع، وأقل طهر بين حيضتين ثلاثة عشر، ولا حد لأكثره، وحرم عليها فعل صلاة، وصوم، ويلزمها قضاءه، ويجب بوطئها في الفرج دينار، أو نصفه كفارة، وتباح المباشرة فيما دونه، والمبتدأة تجلس أقله، ثم تغتسل وتصلي، فإن لم يجاوز دمها أكثره اغتسلت -أيضا- إذا انقطع، فإن تكرر ثلاثا فهو حيض، تقضي ما وجب فيه، وإن أيست قبله، أو لم يعد، فلا، وإن جاوزه فمستحاضة، تجلس المتميز إن كان، وصلح في الشهر الثاني، وإلا أقل الحيض حتى تتكرر استحاضتها، ثم غالبة.
ومستحاضة معتادة تقدم عادتها ويلزمها ونحوها غسل المحل وعصبه، والوضوء لكل صلاة إن خرج شيء ونية الاستباحة، وحرم وطؤها إلا مع خوف زنا، وأكثر مدة النفاس أربعون يوما، والنقاء زمنه طهر يكره الوطء فيه، وهو كحيض في أحكامه غير عدة وبلوغ. .
نكمل الفصل الذي في الحيض، وهو آخر كتاب الطهارة:
الحيض يختص بالنساء، ولكن تهم معرفته؛ وذلك لأن طالب العلم لا بد أن يعرف أحكام ما جاء في الشرع. يتعلق به كثير من الأحكام، ويتعلق به تحريم وطء الحائض في الفرج، وكذلك الاعتداد إذا طلقها زوجها تكون عدتها بالحيض ثلاثة قروء، إذا كانت تحيض، وكذلك الرجعة في زمن العدة، يتعلق به مما يختص بالمرأة، أنها لا تصوم، ولا تصلي ولا تطوف، ولا تمس المصحف، ولا تقرأ القرآن إلا لضرورة، ولا تدخل المسجد، ولا تلبث فيه. وأحكامه معروفة، وأدلتها:
فأولا: لا حيض مع حمل، لماذا لا تحيض الحامل؟.
لأن الدم ينصرف غذاء للجنين، يتغذى به الحمل ما دام في بطن أمه، يتغذى به مع سرته، هذا الدم الذي هو دم الحيض، إذا علق بالحامل توقف خروجه، وانصرف غذاء للجنين، فإذا ولدت خرج الدم المتبقي الزائد عن غذاء الجنين، وسمي دم نفاس، الدم الزائد المحتبس في الرحم، فإذا انقطع دم النفاس توقف الدم، إذا كانت ترضع، ينقلب لبنا؛ ولهذا المرضع لا تحيض إلا قليل، يعني: بعض النساء تكون بنيتها قوية، وجسدها وبدنها قوي، وخلقتها قوية كبيرة، ودمها كثير، فتحيض ولو كانت ترضع، والغالب أنها إذا كانت ترضع من صدرها طفلها، فإنها لا تحيض، بل ينقلب الحيض الذي هو هذا الدم لبنا، يتغذى به الجنين، يتغذى به الولد لبنا.
فإذا لم تكن حاملا ولا مرضعا، فإن هذا الدم يجتمع في الرحم، ولا يكون له مصرف، فيخرج في أوقات معينة، إذا اجتمع في الرحم إلى حد محدد، خرج بعد ذلك في أيام متتابعة، وله أحكام، فلا بد من معرفة أحكامه.
يقولون: لا تحيض بعد الخمسين سنة، يعني: هذا هو الغالب أنها لا تحيض إذا تم لها خمسون سنة، ولكن قد يوجد من تحيض، وهي بنت خمسين، وربما إلى خمس وخمسين، ويرجع ذلك إلى قوة البنية والجسم، قوة الجسم وقوة البدن، فالعادية والنحيفة يتوقف حيضها في ثمان وأربعين، أو تسع وأربعين، أو خمسين، وغيرها قد يستمر إلى خمس وخمسين، أو نحو ذلك.
أول سن تحيض فيه تسع سنين، وإن كان نادرا، وسبب تبكير الحائض إلى الفتاة هو قوة البنية، إذا كانت مثلا- قوية يعني: كبيرة البدن عادة، أنها في الأزمنة التي تكثر فيها الخيرات، وتكثر فيها النعم، تشب الطفلة شبابا سريعا، وتراها مثلا- بنت تسع سنين، وتعتقدها بنت خمس عشرة، أو ثلاث عشرة، فتحيض في سن مبكرة، أقل ما تحيض فيه تمام تسع سنين.
مدة الحيض أقلها يوم وليلة، يعني: أقل ما وجد، ثم تطهر، وأكثر ما وجد خمسة عشر يوما، يعني: أكثر ما وجد أنها تبقى خمسة عشر يوما، ثم تطهر، وأكثر النساء وأغلبهن ستة أيام، أو سبعة أيام، هذا هو الأغلب.
أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما، روي أن امرأة جاءت إلى علي وقالت: إنها قد اعتدت في شهر. بعدما طلقها زوجها، فأنكر ذلك، وقال له قاضيه: إن جاءت بشاهد يشهد لها من أهل بيتها، وإلا فهي كاذبة، فدل على أنها قد تحيض في الشهر الواحد ثلاث حيضات، يعني يوم واحد، ثم تطهر، ثلاثة عشر يوما طهر، اليوم الخامس عشر حيض، والسادس عشر وما بعده إلى ثمانية وعشرين طهر، التاسع والعشرين حيض، فتحيض في تسعة وعشرين يوما ثلاث مرات، وإن كان ذلك نادرا.
فهذا معناه أن أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما، ولا حد لأكثره، يعني: قد تبقى بعضهن شهرين، أو خمسة أشهر ما رأت الدم.
الحائض لا تصلي ولا تصوم، حرام عليها، وتقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، كما ذكرت ذلك عائشة؛ وذلك لأن الصلاة تتكرر، ويشق قضاؤها، قد تحيض مثلا- في الشهر نصفه، ويشق عليها أن تقضي صلاة نصف شهر، أما الصيام، فإنه لا يتكرر، إنما هو في السنة مرة.
يحرم وطؤها في الفرج؛ وذلك لقوله تعالى- ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾(1) والمحيض يراد به مجرى الدم من الفرج.
من وطئها، فعليه كفارة، إذا أولج في الفرج، وهي حائض، فعليه كفارة، دينار، أو نصفه، لم يثبت في ذلك حديث صحيح، الحديث المروي في ذلك يصحح العلماء أنه موقوف على ابن عباس، أو غيره، فلأجل ذلك ذهب بعضهم، كشيخ الإسلام إلى أنه لا كفارة، لا يلزمه كفارة؛ وذلك لأنه لم يثبت فيه حديث مرفوع، ولكن حيث جاء صحيحا موقوفا عن ابن عباس، فابن عباس لا يقوله برأيه، ولا يتخرص؛ ولذلك يلزمون من وطئها في الحيض أن يكفر.
قالوا: إن كان في أول الحيض فدينار، وإن كان في آخره فنصفه، والدينار قطعة من الذهب يتعامل بها، تقدر بأنها أربعة أسباع الجنيه السعودي، يعني: إذا وطئها في أول الحيض، تصدق بقيمة أربعة أسباع الجنيه، إذا كان صرف الجنيه سبعمائة، تصدق بأربعمائة، وإن كان في آخره تصدق بنصفه أي بمائتين.
يجوز-أيضا- أن يباشرها فيما دون الفرج، كان النبي-صلى الله عليه وسلم -إذا حاضت المرأة يأمرها، أن تأتزر أي: تلبس إزارا، وتجعله فوق بطنها من السرة إلى الركبة، ويباشرها فيما دون ذلك. ويجوز -أيضا- أن يباشرها فيما دون الفرج، الممنوع -مثلا- هو الإيلاج، في الفرج؛ لأنه محل النجاسة ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾(1) .
تكلم العلماء عن المبتدئة، التي ابتدأها الحيض ماذا تفعل؟.
أول ما يأتيها الحيض، يقولون: تجلس أقله، ثم تغتسل، وتصلي ولو كان الدم معها جارٍ، أقله يوم وليلة؛ مخافة أن الزائد دم عرق، ثم إذا انقطع قبل أكثر.. قبل خمسة عشر يوما، اغتسلت مرة ثانية، وتفعل ذلك في ثلاثة أشهر، مثلا في الشهر الأول تغتسل بعد يوم، فإذا انقطع بعد خمسة أيام اغتسلت مرة ثانية، في الشهر الثاني كذلك تغتسل بعد يوم، فإذا انقطع بعد خمسة أيام مع اليوم يعني: ستة، اغتسلت ثانية، وهكذا في الثالث.
فإذا انقطع بعد خمسة أيام اغتسلت مرة ثانية، في الشهر الثاني كذلك تغتسل بعد يوم، ثم إذا انقطع بعد خمسة أيام مع اليوم يعني ستة اغتسلت ثانية وهكذا في الثالث، ففي الرابع تجلس الستة؛ لأنها تكررت ثلاثة أشهر فدل على أنها كلها حيض، ولكن القول الثاني أنه لا يشترط أن تتكرر بل حكمها حكم غيرها، إذا رأت الدم الذي يصلح أن يكون دم حيض فلا تصل حتى ينقطع، إلا إذا تعدى خمسة عشر يوما، وذلك؛ لأن الأصل هو دم الحيض، وأنه لا فرق بين المبتدئة وغيرها، ذكروا أن المبتدئة إذا أيست قبله أم لم يعد، فلا، يعني مثاله: إذا اغتسلت بعد يوم.
وقلنا: الخمسة الأيام الأخرى صلى فيها وصومي، فصامت نذرا أو قضاء ثم تكرر هذا منها كأنها تطهر وينقطع الدم بعد ستة أيام، تبينا أن هذا كله حيض، ستة الأيام، وتبينا أنها صامت النذر أو صامت القضاء وهي حائض، ماذا نفعل؟ نأمرها بأن تقضي ما صامته؛ لأنه تحقق أنها صامت في أيام حيض، إلا إذا أيست، بلغت سن الإياس، أو لم يعد، انقطع الدم ولم يعد ولو كانت صغيرة، فلا قضاء عليها؛ لأنها صامته فلا يلزمها أن تصومه مرة ثانية، إذا تجاوز خمسة عشر يوما، المبتدئة فهي مستحاضة، المستحاضة لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تكون لها عادة، مثلا إذا استمر الحيض معها عشر سنين يأتيها من أول الشهر وينقطع في اليوم السابع، ثم اختلط عليها الأمر بعد عشر سنين، نقول: هذه تعدي بعادتها، فتجلس من أول الشهر إلى اليوم السابع لكل شهر، حتى تشفى من هذا الاختلاط، تقدم عادتها، فإذا لم يكن لها عادة، تارة يكون حيضها خمسة وتارة يكون عشرة، وتارة ثمانية، تارة يكون في أول الشهر، تارة يكون في آخر الشهر، تارة في وسطه، ماذا تفعل ؟
تعمل بالتمييز، التمييز هو: أن تفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، الغالب أن دم الحيض يكون غليظا، والاستحاضة يكون رقيقا، أو الحيض يكون أسود والاستحاضة يكون أحمر، وقد يكون بغير ذلك والنساء يعرفن ذلك، فتعمل بالتمييز، التمييز الصالح، فإذا لم يكن لها تمييز، امتزج الدم وليس لها عادة، وتسمى المتحيرة، فهذه تجلس عادة نسائها من كل شهر ستة أيام، سبعة أيام، عادة أمها وأختها وأخواتها، ونحوه.
يقول: تجلس التمييز إن كان وصلها في الشهر الثاني، فإن لم يصلح جلست أقل الحيض حتى تتكرر استحاضتها من غالبه. يعني إذا كانت مستحاضة جلست أقل الشهر، الذي هو يوم وليلة، حتى تتكرر استحاضتها، فإذا تكررت استحاضتها ولم تميز وأطلق عليها الدم، قد يطلق عليها سنة سنتين، ثلاث، أو أكثر، هذه إذا لم يكن لها تمييز أم لم يكن لها عادة تجلس غالبه، غالب الحيض ستة أيام أو سبعة أيام والمستحاضة المعتادة تقدم عادتها فرضنا أنها تقدم العادة فإن لم يكن لها عادة فالتمييز، فإن لم يكن لها عادة ولا تمييز فغالب الحيض من كل شهر.
المستحاضة إذا أرادت أن تصلي تغسل المحل، تغسل فرجها وتعصبه، وتتوضأ لكل صلاة إلا إذا لم يخرج بين الصلاتين شيء، وتنوي بالوضوء استباحة الصلاة، ويحرم على زوجها وطؤها إلا إذا خاف الزنا، إذا لم يستطع أن يملك نفسه وخشي على نفسه العنت، فجاء في حديث أكثر العلماء قالوا: للضرورة يجوز وطؤها.
النفاس:
عرفنا أنه الدم الذي يخرج بعد الولادة، واختلف في أكثره، فقيل: أكثره أربعون يوما، وقيل: ستون يوما، أن يوجد من تحيض، أو من يكون معها دم بعد الأربعين، ولكن ذلك نادر، وإذا طهرت فإنها تصلي، يعني بعض النساء قد تطهر بعد نصف شهر من الولادة، وبعضهن قد تبقى خمسين يوما ما طهرت، فمتى كان الدم مستمرا وهو مثل دم النفاس فإنها تجلسه ولو زاد عن الأربعين، وأما إذا ما بقي معها إلا صفرة بعد الأربعين أو كدرة أو نجاسة من مياه أو نحو ذلك فإنها تصلي، وأما الوطء الصحيح أنه يكره وطؤها قبل الأربعين ولو طهرت، وهكذا كرهوا، ولعل الصواب أنه يجوز إذا انتظرت طهرا كاملا ورأت النقاء وصلت وصامت فلا مانع من وطئها،
يقول: النقاء زمنه طهر ـ مثلا ـ إن طهرت بعد عشرين يوما فهذا الزمان الذي بعد العشرين طهر؛ لأنه نقاء، إلا أنه يكره الوطء فيه، فإن فعل فلا بأس.
النفاس مثل الحيض في أحكامه يعني أنها لا تصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف، ولا تدخل المسجد ولا تطوف بالبيت ولا يجوز وطؤها إلى آخره، إلا العدة، العدة تعتد بالحيض، وأما النفاس فلا يعد من الأقراء، وكذلك البلوغ، فيعرف بلوغ المرأة بالحيض، ولا يعرف بلوغها، ولا يكون النفاس علامة على البلوغ؛ وذلك؛ لأنها بلغت بمجرد الحمل، مجرد ما حملت حكم ببلوغها.
هذا ما يتعلق بالحيض على وجه الاختصار، وتطالع لها المبسوطات قد تكلم العلماء وتوسعوا فيه .
السلام عليكم ورحمة الله بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قرأنا الليلة الماضية في التيمم، اشتراط أن يكون المتيمم به ترابا وأن الصحيح جواز التيمم بالرمل ونحوه، واشتراط الإباحة وأن الصحيح جواز أو ارتفاع الحدث بالتيمم بتراب غير مباح كالأرض المغصوبة ونحوها، وكذلك مر بنا أيضا في مبطلات التيمم الخلاف في بطلان التيمم بخروج الوقت، وأن الاحتياط أن يتيمم لكل صلاة كذلك من عدم الماء والتراب ذكروا أنه يصلي على حسب حاله ويقتصر على المجزئ، يعني لا يقرأ زيادة عن الفاتحة ولا يسبح أكثر من واحدة، ولا يقرأ في غير الصلاة إذا كان جنبا، وأن الصحيح أنه مثل غيره؛ لأنه يفعل ما يستطيعه، كذلك في إزالة النجاسة اشتراط سبع غسلات في إزالة النجاسة كلها، والصحيح أن إزالة النجاسة يكون بزوال عين النجاسة دون أي اشتراط عدد، لا سبع ولا أقل ولا أكثر إلا في نجاسة الكلب والمراد بها ولوغه فقط، وأما بقية نجاساته فهي كسائر النجاسات وأن الصحيح عدم إلحاق الخنزير بالكلب بل هو كغيره يغسل حتى يزول أثرالنجاسة، وجرمها وعينها، وكذلك تكلموا على طين الشوارع، والصحيح أنه إذا تحقق أنه نجس كالمياه التي تتسرب من البيارات ونحوها فإنه نجس، وإلا فالأصل الطهارة.
كذلك مر بنا في البحث الحيض ذكر أقله وأكثره وأن الصحيح في المبتدئة أنها كغيرها إذا رأت الدم فمادام الدم كثيرا يمشي معها ويجري معها، الدم الذي هو دم الحيض، فإنها تتوقف عن الصلاة، ولا يلزمها أن تتطهر بعد يوم، بل هي كغيرها، وحدده بخمسة عشر، يعني نظرا إلى الواقع، وإلا فلو قدر زيادته فإنه يعتبر دما، ويعتبر حيضا إذا تحقق بأنه مثل دم الحيض إلا إذا استمر فإنه يكون استحاضة، وأن المستحاضة لها ثلاث حالات:
الأولى: العادة أن ترجع إلى عادتها، فإن لم يكن لها عادة فالتمييز، التفريق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، فإن لم يك لها عادة ولا تمييز فإنها تجلس غالب الحيض من كل شهر أي: ستا أو سبعا، هذه أهم المسائل الخلافية في هذه الأواب.
(1) سورة البقرة: 222 |