فصل في أركان الصلاة
والآن نواصل القراءة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ( فصل: وجملة أركانها أربعة عشر: القيام والتحريمة والفاتحة، والركوع والاعتدال عنه، والسجود والاعتدال عنه، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة، والتشهد الأخير، وجلسته والصلاة على النبي -عليه السلام- والتسليمتان، والترتيب، وواجباتها ثمانية: التكبير غير التحريمة، والتسميع والتحميد، وتسبيح ركوع وسجود، وقول: رب اغفر لي مرة مرة، والتشهد الأول وجلسته، وما عدا ذلك -والشروط- سُنَّة، فالركن والشرط لايسقطان سهوا وجهلا،ويسقط الواجب بهما.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله، وعلى آله وصحبه.
للصلاة شروط تقدم أنها تسعة وأنها قبلها، يأتي بها قبل أن يشرع في الصلاة، وللصلاة أركان وواجبات وسنن، ذكر أن الأركان أربعة عشر، يقولون: الركن هو جزء الماهية، ركن الشيء: جزء ماهيته، يعني: الأجزاء التي إذا تكاملت كملت الماهية، كما يقال -مثلا- رأس الإنسان ركن منه، ويده ركن ورجله ركن، وصدره ركن المجموع يتكون منه إنسان، وكما نقول -مثلا- هذا الجدار ركن من هذا المسجد، وهذا العمود ركن، وهذا السطح ركن، فأركان الشيء أجزاؤه التي يتركب ويتكون منها.
وقيل: ركن الشيء جانبه الأقوى، أي: أحد جوانبه التي يعتمد عليها كأركان البيت جوانبه القوية التي تكون هي عمدته، يقال -مثلا-: حيطان المسجد أركانه؛ لأنها الجوانب القوية، وكذلك عموده أركانه وكذلك سقفه ركن، أي ركن الشيء جانبه الأقوى، ولكن يقال إن أركان الصلاة أجزاؤها، أي: الأجزاء التي إذا تكاملت كملت الصلاة، وإذا لم تتكامل لم تُقْبَل ولم تَكْمُل، عدُّها المشهور أنها أربعة عشر، ولكن في بعضها خلاف.
لا خلاف أن القيام ركن إلا على العاجز الذي يعجز عنه، فيصلي قاعدا، وأن هذا خاص بالفريضة، ولاخلاف عندنا أن التحريمة ركن، وكذلك قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد، وكذلك الركوع ركن، والاعتدال عنه، يعني: الرفع عنه حتى يعتدل، ويستقيم قائما، وأن السجود ركن ويراد به السجدتان، وكل واحدة منهما ركن أو أن السجدتين يسميان ركنا واحدا، والاعتدال عنه والجلوس بين السجدتين.
قد يقال: إن هذا تكرار، الاعتدال عنه والجلوس بين السجدتين، لأنه بعد الركوع ما ذكر إلا الاعتدال عنه والقيام، فبعد السجود كذلك أيضا يكفي الاعتدال عنه، أو يكفي الجلوس بين السجدتين، وكأنهم أرادوا أن الاعتدال يعني: الرفع من الركوع حتى يفصل بين السجدتين، وأن الجلوس بين السجدتين شيء زائد عن الفصل، فلا بد أن يرفع حتى يفصل، ولا بد أن يجلس بين السجدتين، فلذلك عدوهما ركنين، والظاهر أنهما ركن واحد، الاعتدال والجلوس.
الطمأنينة يراد بها الثبات في كل ركن من الأركان، الركود فيها، فإذا -مثلا- ركع فلا يرفع حتى يطمئن، ويثبت بقدر التسبيحة، بقدر قول: سبحان ربي العظيم وهو راكع، كذلك الطمأنينة في الرفع، لا بد أن يستتم قائما بقدر ما يقول: "ربنا ولك الحمد" قبل أن يتحرك للسجود، هذا يسمى طمأنينة، كذلك أيضا إذا سجد ووضع جبهته على الأرض، فلا بد من الطمأنينة عند الركود على الأرض بقدر قوله: سبحان ربي الأعلى، ولو مرة، كما تقدم.
كذلك بين السجدتين، لا بد من أن يجلس بين السجدتين جلسة يطمئن فيها بقدر ما يقول: رب اغفر لي، وهو جالس، هذه الطمأنينة دل عليها حديث المسيء صلاته، فإن فيه: « ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، أو تعتدل جالسا »(1) وذكَّره بهذا الركن في هذه الأركان، فذلك لأنه يراه يخطف في صلاته، فأنكر عليه، وقال: « ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ »(2)
فذكره أنه لا بد من الطمأنينة في كل ركن، خالف في ذلك الأحناف، تشاهدون -مثلا- الذين يأتون من الباكستان أو من الهند على مذهب أبي حنيفة يخففون الأركان، وبالأخص الرفع، فترى أحدهم ساعة ما يرفع، وهو ساجد، ساعة يرفع رأسه من الركوع لا يستتم إلا وينحط للسجود، وساعة ما يرفع رأسه من السجدة الأولى إلا ويتحرك ساجدا السجدة الثانية، فلا يطمئن، وهكذا أيضا، ويقولون إن أبا حنيفة لم ير الطمأنينة واجبة، وإنما يرى أنه يحصل مسمى الركن بوجوده به بالانحناء يسمى ركنا، وبمجرد الرفع يسمى ركنا، وبمجرد سجوده ومس جبهته الأرض يسمى ركنا، ولكن الدليل هو الحديث: « حتى تطمئن راكعا »(3) وأيضا ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن نقر كنقر الغراب، وهو الذي ساعة ما ينحني ويرفع، الغراب إذا نقر، فإنه ينقر بسرعة، فنهى عن نقر كنقر الغراب، كما نهى عن أشياء مما يشبه البهائم، وورد النهي عن ستة أشياء، فيها شبهٌ بالبهائم، ونظم الحافظ بقوله:
إذا نحن قمنا للصـلاة فإننـا *** نهينا عن الإتيـان فيها بسـتةِ
بروك بعير والتفاتٌ كثعلـب *** ونقر غراب في سجود الفريضةِ
وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه *** وأذناب خيل عند فعل التحيـة
فمن جملتها أنه نهى عن نقر كنقر الغراب، وهذا لم ينتبه له الحنفية، أبو حنيفة معذور أنه ما بلغه النهي ولا بلغه الدليل، وأتباعه الذين بلغهم الدليل واجب عليهم أن يقولوا به ولا يتركوه، ثم من الأركان التشهد الأخير الذي يعقبه السلام، وجلسته، يعني: لا يتشهد وهو قائم، بل لا بد من الجلوس والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ففيها أيضا خلاف، بعضهم يرى أنها من الواجبات، والتي تجبر بسجود السهو، كما مشى على ذلك صاحب الكافي وغيره.
والمشهور أنها من الأركان، وتقدم. .. القول: « اللهم صل على محمد »(4) إلخ وهذا يدل على أن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه يؤكد أمْر الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشدد في تركها، وكذلك أتباعه ومنهم أئمة الدعوة، يؤكدون أمر الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد اشتهر عند أعداء هذه الدعوة نبذهم وعيبهم بأنهم ينهون عن الصلاة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويمنعونها فرد عليهم أئمة الدعوة، وقالوا كيف نمنعها.
ونحن نقول: إنها ركن في الصلاة، وكيف ننهى عنها! إنما ينهون عنها بأشياء يعني: في بدعٍ كانت متجددة في بعض البلاد إذا كان الخطيب يخطب، فصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- قام المصلون كلهم، وقالوا: اللهم صلى الله عليه وسلم على محمد، فيرتج المسجد فنهى عن ذلك، وقال هذا من البدع، وكذلك أيضا كان المؤذن إذا أذن عندما يرفع صوته بالشهادة أشهد أن محمدا رسول الله يرفع صوته بالصلاة على النبي، وهذا أيضا لم يرد، إنما ورد الأمر بها سرا.
من الأركان التسليمتان، والمشهور أن الركن هو التسليمة الأولى، وأما الثانية تعتبر سُنَّة؛ لأنه يحصل بها الخروج لقوله: وتحريمها التسليم.
من الأركان الترتيب، ومعناه أن يرتب الصلاة كما هي، فلا يجعل السجود قبل الركوع، ولا يأتي بالرفع قبل السجدة الأولى، فإن هذا خلاف الترتيب، فلو -مثلا- جلس من القيام، وقال هذه الجلسة التي بين السجدتين يجعلها قبل السجدتين، يعتبر قد خالف ترتيب الصلاة، هذه أركان الصلاة.
الواجبات ثمانية:
جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، تقدم أنها ركن وهذا في حق الإمام والمنفرد، وأما المأموم، فإنها ركن في حقه إلا تكبيرةَ الركوع إذا أدرك الإمام راكعا، فكبَّر ناويا التحريمة سقطت عنه تكبيرة الركوع.
التسميع واجبٌ وهو قول: سمع الله لمن حمده، في حق الإمام والمنفرد دون المأموم، التحميد قول: ربنا ولك الحمد، واجب في المصلين كلهم.
قول: سبحان ربي العظيم في الركوع، هذا الواجب الرابع.
سبحان ربي الأعلى في السجود هذا الخامس. وقول: رب اغفر لي بين السجدتين هذا السادس، فيقولها مرة مرة. التشهد الأول هو السابع، وجلسته هو الثامن. والدليل على أنه واجب سقوطه سهوا.
يكون ما عدا ذلك وما عدا الشروط فهو سنة، ما عدا الأركان والواجبات والشروط، فإنه سنة.
فالسنن بقية الأفعال، فمنها: -مثلا- رفع اليدين، وكذلك وضعهما على الصدر، ورفعهما أيضا عند الركوع، ووضعهما على الركبتين، وكذلك -أيضا- وضعهما حيال منكبيه، أو حيال رأسه إذا سجد، وكذلك أيضا جمع أصابعه عند الرفع وتفريقها عند الركوع، واستقبال القبلة بها في السجود، والمجافاة هذه من السنن، وكذلك أيضا من السنن الاستفتاح والاستعاذة، والبسملة.
هذا القول الصحيح خلافا للشافعية، والتأمين، قول: آمين، وكذلك ما زاد عن واحدة في التسبيح في الركوع والسجود وسؤال المغفرة، يعتبر من السنن، وكذلك من السنن أيضا الجهر والإخفات، الجهر في المغرب والإسرار في الظهر ونحوه، من السنن، وإذا عرفنا ذلك نعرف أن الأركان والشروط لا تَسْقُط، لا سهوا ولا جهلا، وأن الواجب يسقط سهوا وجهلا، ولكن يجبر بالسجود.
(1) البخاري : الأذان (757) , ومسلم : الصلاة (397) , والترمذي : الصلاة (303) , والنسائي : الافتتاح (884) , وأبو داود : الصلاة (856) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) , وأحمد (2/437). (2) البخاري : الأذان (757) , ومسلم : الصلاة (397) , والترمذي : الصلاة (303) , والنسائي : الافتتاح (884) , وأبو داود : الصلاة (856) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) , وأحمد (2/437). (3) البخاري : الأذان (757) , ومسلم : الصلاة (397) , والترمذي : الصلاة (303) , والنسائي : الافتتاح (884) , وأبو داود : الصلاة (856) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) , وأحمد (2/437). (4) البخاري : أحاديث الأنبياء (3369) , ومسلم : الصلاة (407) , والنسائي : السهو (1294) , وأبو داود : الصلاة (979) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (905) , وأحمد (5/424) , ومالك : النداء للصلاة (397). |