فصل في سجود السهو
فصل: ويشرع سجود السهو، بزيادة ونقص وشك، لا في عمد، وهو واجب لما تبطل بتعمده، وسُنَّة لإتيان بقول مشروع في غير محله سهوا، ولا تبطل بتعمده، ومباح لترك سُنَّة، ومحله قبل السلام ندبا إلا إذا سلم عن نقص ركعة، فأكثر بعده ندبا، وإن سلم قبل إتمامها عمدا بطلت، وسهوا فإن ذكر قريبا أتمها، وسجد، وإن أحدث أو قهقه بطلت كفعلهما في صلبها، وإن نفخ أو انتحب لا من خشية الله أو تنحنح بلا حاجة فبان حرفان بطلت، ومن ترك ركنا غير التحريمة فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى، بطلت المتروك منها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها وقبله يعود، فيأتي به وبما بعده، وبعد سلام، فكترك ركعة، وإن نهض عن تشهد أول ناسيا لزم رجوعه، وقرأ إن استتم قائما، وحرم وبطلت إن شرع في القراءة، لا إن نسي أو جهل ويتبع مأموم ويجب السجود لذلك مطلقا. ويبني على اليقين وهو الأقل من شك في ركن أو عدد.
بعد ذلك ذكر سجود السهو متى يُشْرَع ؟.
في ثلاث حالات: في زيادة أو نقص أو شك، إذا زاد في الصلاة أو نَقَص أو شَكَّ، فإنه يسجد للسهو، فمثال الزيادة: لو ركع ركوعين كصلاة الكسوف، يعني: ركع ثم رفع، وظن أنه ما ركع، ثم ركع، اعتبر زاد، ويسجد للسهو، وكذلك لو سجد ثلاث سجدات في ركعة واحدة، اعتبر زاد، وكذا لو صلى خمسا في الظهر أو أربعا في المغرب، أو ثلاثا في الفجر اعتبر زاد ويسجد، وكذا في زيادة الحركات، -مثلا- إذا زاد حركة من جنس حركات الصلاة، إذا كانت من الحركات الواجبة -مثلا- كأن كرر الرفع أو كرر الجلسة بين السجدتين، أما إذا زاد في الركن سهوا، فإنه لا يعد زيادة.
ولو -مثلا- أنه جلس بين السجدتين، وظن أنه في التشهد فتشهد، أتى بالتشهد إلى قبيل آخره ثم تذكر أنها بين سجدتين فقال: رب اغفر لي ثم سجد فهل يسجد؟ في هذه الحال في الصحيح أنه لا يسجد لأنه ما أتى بشيء زائد وإنما أتى بالتشهد في غير محله ثم تراجع، وكذلك -مثلا- لو رفع من الركوع، وقرأ الفاتحة، وظن أنه في القيام ثم تذكر وقال: ربنا ولك الحمد فهل يسجد؟ من الصحيح أيضا أنه لا يسجد، لأن هذه زيادة في محلها.
والنقص: إذا -مثلا- لم يسجد إلا سجدة في ركعة من الركعات، أو كذلك لم يرفع بعد الركوع سجد ثم ركع، فلما قال: سبحان ربي العظيم خر ساجدا، ترك الرفع ترك ركنا، كذلك أيضا إذا نقص -مثلا- من الصلوات بأن صلى الظهر ثلاثا أو المغرب اثنتين أو الفجر واحدا نقص منها ركعة، فإنه يسجد كذلك الشك، إذا شك في ركن كتركه، إذا شك -مثلا- في الفاتحة ما قرأها يحتمل أنه قرأها مرتين، ويسجد أو شك -مثلا- في السجود هل سجد سجدة أو سجدتين؟ فيعدها سجدة، ثم أتى بالسجدة أو -مثلا- شك في واجب، شك هل جلس في التشهد الأول أم لا؟ فعليه سجود السهو، شك هل قال: سبحان ربي العظيم أم لا؟ يسجد للسهو وهكذا.
أما العمد فيبطل الصلاة إذا تعمد -مثلا- زيادة ركعة أو نقص ركن، أو تعمد قيام في حالة قعود، أو تعمد قعود في حالة قيام، أو تعمد الإتيان بشيء في غير محله، كأن تعمد أن يقول: رب اغفر لي، وهو رافع جعل رب اغفر لي مكان ربنا ولك الحمد، أو تعمد قول: سبحان ربي العظيم في السجود أو سبحان ربي الأعلى في الركوع أو ربنا ولك الحمد بين السجدتين أو التشهد -مثلا- كقول: التحيات لله بين السجدتين متعمدا، فإن العمد يبطل الصلاة، فإذا حصل السهو بزيادة أو نقص أو شك وجب عليه السجود لما تبطل بتعمده، سجود السهو واجب لكل شيء يبطل عمده الصلاة.
فمعلوم أنه لو ترك التشهد الأول عمدا بطلت الصلاة، وإذا ترك قول سبحان ربي الأعلى في السجود عمدا بطلت صلاته، وإذا ترك قول: التحيات لله عمدا بطلت صلاته، فإذا تركه سهوا وجب عليه السجود، أما إذا أتى بقول مشروع في غير محله سهوا، فإنها لا تبطل، ولكن عليه سجود السهو، فإذا قرأ وهو جالس أو تشهد، وهو قائم، أو قال: رب اغفر لي، وهو قائم، أو قال: ربنا ولك الحمد، وهو جالس، أو قال: سبحان ربي الأعلى، وهو راكع، أو سبحان ربي العظيم، وهو ساجد أتى بسنة في غير محلها، مع أنها مشروعة، فإنه يسن له السجود، ولا يجب لأن هذا من جملة أذكار الصلاة، فلا يجب، ولا تبطل بتعمده، يعني: لو تعمد مثل هذا لا تبطل إذا أتى بقول مشروع في غير محله.
استثنى من ذلك السلام، فإن تعمده يبطل الصلاة، وتركه يوجب سجود السهو. يقول: ومباح، يعني: سجود السهو مباح لترك سنة، عرفنا أنه واجب وسنة ومباح، متى يكون واجبا إذا كان المتروك يبطل الصلاة عمدا، متى يكون سنة؟ إذا كان قولا مشروعا بغير محله، لا يبطل عمده الصلاة، متى يكون مباحا؟ إذا كان المتروك سُنة من السنن سهوا، كأن ترك رفع اليدين سهوا، مباح له أن يسجد -مثلا- أو ترك قراءة السورة في الظهر بعد الفاتحة، اقتصر على قراءة الفاتحة مباح، أو ترك قبض الشمال باليمين، والوضع على صدره سُنَّ، يعني: يباح له السجود، ولا يجب، متى يسجد للسهو؟ يقول: محله قبل السلام ندبا، يعني: كأنه يقول: الأفضل أن يكون قبل السلام؛ لأنه جزء من الصلاة ومتمم لها.
ولأنه يحصل به الخروج من الصلاة، السلام يحصل به الخروج، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، فلذلك يسجد للسهو قبل أن يسلم، ذكر العلماء أنه يجوز فيه الحالتان، يجوز أن يكون كله قبل السلام، وأن يكون كله بعد السلام، وأن يكون أكثره قبل السلام، المشهور عند الإمام أحمد أنه كله قبل السلام، إلا في ثلاث حالات ذكرها صاحب عمدة الفقه: الأولى إذا سلم عن نقص، والثانية إذا بنى الإمام على غالب ظنه، والثالثة إذا ذكره بعد السلام، واعتمد في ذلك على الأدلة.
هاهنا ما ذكر إلا واحدة: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر، فبعده ندبا، لا وجوبا، يقول لو صلى الظهر -مثلا- ثلاثا، ثم سلم ثم ذُكِّر فقام فإنه إذا أتى بالركعة الرابعة سلم، ثم سجد ثم سلم ندبا، فإن جعله بعد السلام جاز، وإن جعله قبل السلام، فهو الأفضل، يعني: الأفضل أن يجعله بعد السلام، وكذلك إذا بنى الإمام على غالب ظنه، يعني: -مثلا- كان في آخر صلاته، شك، هل هي أربع أم ثلاث؟ وترجح عنده وغلب على ظنه أنها أربع يسلم ثم يسجد ثم يسلم.
وأما بقية الحالات، فإنه يكون كله كله قبل السلام؛ لأنه جزء من الصلاة، والذين قالوا: إنه إذا كان بزيادة فبعد السلام، لم يكن عندهم دليل الذين يقولون: إذا زاد في الصلاة، إذا زاد فيها ركعة أو زاد فيها جلوسا أو زاد فيها قياما أو زاد فيها قراءة، يسجدون بعد السلام، لم يوجد دليل يعتمدونه.
فالصحيح أن الأدلة على أنه بعد السلام في حالتين مذكورة في حديث ذي اليدين، وفي حديث أبي سعيد: إذا سلم قبل إتمامها عمدا بطلت؛ لأنه متلاعب، إذا سلم قبل إتمامها سهوا ثم ذكرها قريبا أتم وسجد، يعني: سلم بعد ثلاث ركعات وانصرف، ثم تذكر أتم الركعة التي بقيت، ويسجد ويكون السجود - كما قلنا - بعد السلام، وأما إذا طالت المدة أو أحدث أو قهقه فإنها تبطل، القهقهة هي المبالغة في الضحك، إذا لم يتذكر -مثلا- الصلاة يعني: صلى ثلاث ركعات الظهر ولم يتذكر إلا بعد نصف ساعة أو بعد ساعة، تذكر يعيدون الصلاة كلهم، وكذلك إذا لم يتذكر إلا بعدما أحدث، ولو بعد الصلاة بدقيقة أو نصف دقيقة، أو بعد السلام عن نقص ضحك ضحكا مبالغا فيه هو أو أحد المأمومين في هذه الحال تبطل الصلاة، القهقهة والحدث في صلب الصلاة يبطلها، أما إذا نفخ في الصلاة فإن بان حرفان بطلت الصلاة، يعني: كرر النفخ.
وكذلك إذا انتحب من غير خشية الله، يعني: بكى بكاء لم يحمله عليه خشية الله والرقة والخوف، ولكن لسبب عارض، ففي هذه الحال يعني: إذا بان حرفان بطلت، وكذلك إذا تنحنح من غير حاجة، وبان حرفان أما إذا تنحنح لحاجة فلا حرج.
يقول من ترك ركنا غير التحريمة، فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك منها، وصارت التي شرع في قراءته مكانها.
مثاله: إذا قرأ في الركة الأولى، ثم بعد فراغه من القراءة خر ساجدا وترك ركنا، ترك ركنين، ترك الركوع وترك الرفع منه، سجد سجدتين بينهما جلسة، قام للركعة الثانية شرع في قراءتها، تذكر أنه ما ركع في الركعة الأولى ماذا يفعل ؟.
الصحيح والمشروع أنه يلغي الأولى، ويجعل هذه هي الثانية، وقيل: إنه يركع من حينه ثم يرفع ثم يسجد سجدتين ثم يعده تكملة للأولى، يأتي بالركن الذي تركه وما بعده، إن فعل هذا، وإن فعل هذا يجوز، أما إذا ترك سجدة واحدة، يعني: سجد سجدة ثم قام، ثم تذكر أنه ما سجد إلا سجدة واحدة، ماذا يفعل بعدما شرع في القراءة.
الصحيح أنه يجلس ثم يقول: رب اغفر لي ثم يسجد السجدة الثانية، ويكون بذلك كمل الركعة الأولى، ثم يقوم للثانية، وقيل: إنه يلغي الأولى إذا شرع في قراءة الثانية، ولعل الأرجح أنه يكمل الأولى، أما إذا وصل إلى الركن المتروك من الركعة الثانية، فإنه لا يعيد، مثاله: إذا نسي الركوع من الركعة الأولى سجد سجدتين بينهما جلسة، وقام للركعة الثانية وقرأ وركع، وفي الركوع تذكر أنه ما ركع في الأولى، فإن هذا الركوع يكون بدل الركعة الأولى بدل ركوعها، فيلغي الثانية، ويكون هذا تكميل للأولى أو يلغي الأولى، وتكون الثانية هي الأولى، وقبله يعود فيأتي به وبما بعده، يعني: قبل الشروع في القراءة، يأتي به وبما بعده.
يعني: -مثلا- إذا قام ثم تذكر أنه ما ركع، فإنه يركع ثم يرفع ثم يسجد سجدتين، ويكون هذا تكملة، لا يقول أركع وتتم، يأتي به وبما بعده، يأتي به وبالرفع وبالسجدتين وبالجلسة بينهما. أما إذا تذكر بعد سلام، تذكر بعدما سلم أنه ترك ركوع ركعة لا يعد تلك الركعة، يعدها بطلت ويأتي بركعة كاملة.
أما إذا تذكر بعد السلام، تذكر بعدما سلم أنه ترك ركوع ركعة لا يعدّ تلك الركعة، يعدّها بطلت، ويأتي بركعة كاملة.
عندنا ترك التشهد الأول: إذا تركه ناسيا فله ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يذكره قبل أن يستتم قائما، فيلزمه الرجوع ويأتي به، وعليه سجود سهو.
الحالة الثانية: أن يذكره بعدما استتم قائما، بعدما وقف قائما، وقبل أن يشرع، فيكره له الرجوع، يستمر في ركعته، ويكمل صلاته، ويسجد للسهو، فإن رجع جاز ذلك، ومع ذلك لا يسقط عنه سجود السهو.
الحالة الثالثة: ألا يذكره إلا بعدما يبدأ في القراءة، ففي هذه الحال لا يجوز له الرجوع، يحرم عليه الرجوع، بل يستمر في قراءته فيكملها، وعليه السجود؛ لأنه ترك واجبين: الجلوس والتشهد، التشهد الأول والجلوس له، فإن رجع بعدما شرع في القراءة بطلت صلاته إلا إذا كان ناسيا أو جاهلا.
يقول: "ويتبع المأموم الإمام" المأموم يتبع إمامه، يسبحون له، ولكن إذا استتم قائما فلا حاجة إلى التسبيح إلا من باب التذكير، وكذلك أيضا إذا شرع في القراءة، فلا يسبحون له، ويسجدون معه، يتبعونه في القيام، لا يجوز أن يخالفوه، إذا كان مثلا في الركعة الثالثة فلا يجوز أن تجلس أنت للتشهد، بل عليك أن تقوم وتتابع إمامك إذا لم يقبل التسبيح.
الحاصل أن السجود للسهو، يجب في هذه الحالات الثلاث مطلقا، يبني على اليقين، هو الأقل، من شك في عدد ركن أو في ركن أو عدد يبني على اليقين، اليقين يعني هو الأقل.
من شك في عدد الركعات، لا يدري أثلاث أم أربع؟ اليقين ثلاثة، والرابعة مشكوك فيها، يبني على أنها ثلاث.
كذلك مثلا من شك أسجد سجدتين أو سجدة واحدة؟ الواحدة يقين، والثانية مشكوك فيها، يبني على اليقين، يأتي بها، هذا سجود السهو على وجه الاختصاص. |