فصل في غسل الميت
فصل: وإذا أخذ في غسله ستر عورته، وسن ستر كله عن العيون، وكره حضور غير معين، ثم نوى وسمى وهما كفى غسل حي، ثم يرفع رأس غير حامل إلى قرب جلوس، ويعصر بطنه برفق، ويكثر الماء حينئذ، ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها، وحرم مس عورة من له سبع، ثم يدخل إصبعيه وعليها خرقة مبلولة في فمه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما بلا إدخال ماء، ثم يوضئه ويغسل رأسه ولحيته برغوة السدر وبطنه بتفله، ثم عليه يفيض الماء، وسن تثليث وتيامن وإمرار يده كل مرة على بطنه، فإن لم ينق زاد حتى ينقي، وكره اقتصار على مرة وماء حار وخلال وأشنان بلا حاجة، وتسريح شعره، وسن كافور وسدر في الأخيرة، وخضاب شعره وقص شارب وتقليم أظافر إن طال وتنشيف، ويجنب محرم مات ما يجنب في حياته وسقط لأربعة أشهر كمولود حي، وإذا تعذر غسل ميت يمم.
أول شيء يبدأ به تغسيله، فأولا ذكرنا أنها تنزع ثيابه المعتادة وأنه يستر بثوب، فإذا بدءوا بتغسيله وضعوا على عورته سترة تستر ما بين السرة إلى الركبة، ووضعوه على سريره وبدءوا في التغسيل، كذلك أيضا يستر عن العيون، وذلك بأن يجعل في داخل غرفة مثلا مغلقة الأبواب والنوافذ لا يراه أحد إلا الذين يتولون تغسيله، يستر ولا يجوز أن يغسل أمام الناس، ويتأكد أن يكون تحت سقف، ويجوز إذا كانوا لم يجدوا مثلا مكان مسقفا فغسلوه بمكان مكشوف السقف، ولكن الأولى أن يكون في محل مستور، يكره أن يحضره إلا أهل التجهيز: الذي يدلكه مثلا، والذي يصب عليه والذي يعلمهم بأن يقول: افعلوا كذا وكذا، يعني: الذين يسعون في تجهيزه، وهم الذين يحضرونه ولا يجوز أن يحضره غيرهم لعدم الحاجة إلى ذلك
أولا : لا بد من النية ينوي تغسيله ذلك الذي يتولاه.
ثانيا: يسمي يقول: بسم الله وذلك؛ لأنه ينوي رفع حدثه كأحد عنه. النية والتسمية مثل اغتسال الحي، قد عرفنا أن التسمية فيها خلاف، وأن المشهور أنها واجبة، وأن النية شرط يعني: في اغتسال الحي من بعد ما ينوي يرفع رأسه إلى قرب الجلوس، ويعصر بطنه برفق؛ ليخرج ما كان متهيئا للخروج، يعني: قد يكون في بطنه شيء إذا عصر بطنه برفق خرج فيبدءون برفع رأسه ويعصر بطنه، ولكن لا يعصره شديدا مخافة أن تخرج أمعاؤه، بل يعصر ذلك برفق، ويكثر صب الماء حينئذ مخافة أن يخرج منه شيء له رائحة.
فإذا أكثروا من صب الماء فإن الخارج يحمله الماء بسرعة، يستثنى من ذلك الحامل فلا يرفع رأسها ولا يعصر بطنها وذلك؛ لأنه قد يسبب مثلا خروج الحمل أو انشقاق البطن أو نحو ذلك، بعدما يريد أن يغسل، أن يغسله يبدأ فيلف على يده خرقة أو ليفة، فهذه الخرقة أو الليفة ينجيه بها، يغسل بذلك فرجيه، يدخل يده من تحت الستارة، فيغسل قبله ودبره وما حول ذلك تحت السترة ويصب الماء تحتها، ولا يكشفها، ولا يحل أن ينظر إلى عورة مكلف، وهو الذي قد بلغ عشر سنين أو فوقها، فلا تكشف عورته، يدخل يده تحت السترة ويصب الماء أو يدلكه ويده عليها هذه اللفافة من خرقة أو نحوها.
يحرم مس عورة من له سبع سنين، يعني: من تم له سبع سنين يحرم مس عورته وهما الفرجان، ثم كذلك أيضا ينظف فمه ومنخريه، ولا يدخلهما الماء لا يدخل الماء في فمه كمضمضة مخافة أن يصل الماء إلى جوفه فيحرك النجاسة، وكذلك في أنفه، وإنما يلف على إصبعه مثلا خرقة، ثم ينظف أسنانه وينظف لثته، يبل الخرقة فينظف بها أسنانه وفمه ونحو ذلك، وكذلك منخريه ولا يدخلهما الماء، ويدخل إصبعيه أو واحدا عليه خرقة مبلولة في الفم فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما ولا يدخلهما الماء.
ثم يبدأ بأعضاء الوضوء ينوي وضوءه، فيغسل وجهه كما يغسل وجهه المتوضئ، ثم يغسل ذراعيه، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه، ويكون كأنه وضوء الحي، إن هذا أول ما يبدأ به أن يوضئه، ثم بعدما يوضئه ينوي غسله، فيبدأ بغسل رأسه دلك رأسه، والرأس عادة به شعر، والشعر يحتاج إلى ذلك، وغالبا أن يكون فيه شيء من الوسخ؛ فلأجل ذلك قالوا: يغسل برغوة السدر، فكانوا يجعلون السدر مثلا في طست أو في إناء كبير، ثم يخفضونه إلى أن يكون له رغوة فيأخذون هذه الرغوة ويغسلون بها الشعر يدلكون الشعر، ولا يأخذون منه حثالة السدر، قد تدخل بين الشعر فيكتفون بغسله بالرغوة، وكذلك اللحية يغسلها برغوة السدر حتى لا يدخل بينها حبات من حثالة ورق السدر.
السدر المعروف ورقه إذا يبس يسحق سحقا جيدا حتى يكون ناعما كالدقيق، ثم يقوم مقام الصابون، يعني: تغسل به الأواني فينظفها، وينظف الجلد، وينظف الثياب، يقوم مقام الصابون، فهو من جملة المنظفات يستعمل في غسل الميت كما أنهم كانوا يستعملونه أيضا في غسل الحي.
في حديث أم سلمة لما كانت حادة على زوجها كانت تغسل رأسها بشيء من المزيل فأمرها أن تغسل رأسها بالسدر بدل الأشنان ذكر أن الأشنان يشب الوجه، فقال: اغسليه بالسدر يعنى: رأسها عندما تحتاج إلى اغتسال من حيض أو نحوه، فالسدر من جملة المنظفات، فيغسل رأسه ولحيته برغوة السدر ويغسل بدنه بثفل السدر بثفالته، يعني: حثالته وبقية الماء الذي اختلط به.
والعادة أن الماء يكتسب قوة من هذا السدر فيكون فيه قوة تنظيف، يعني: قد يؤخذ ملء هذا الكأس من السدر فيصب في طست يسع مثلا عشرين لترا أو نحوه، ويكفي فيه هذا المقدار فيغسل به الرأس ويغسل به البدن بثفالته وبمائه، بعد ذلك يغسل بقية بدنه، ويسن التثليث: أن يغسله ثلاثا، والتيامن: أن يبدأ بشقة الأيمن، يبدأ من رأسه مثلا، فيغسل شقه الأيمن الذي هو عنقه مثلا، ويبدأ بيده اليمنى مثلا وجنبه الأيمن الذي أمامه وخلفه وفخذه إلى قدمه، ثم بعد ذلك يقلبه ويغسل جنبه الأيسر.
يعني: يصب الماء أو يدلكه، ويلف أيضا على يده خرقة أخرى يدلك بها جسده، أو ليفة أو نحوها حتى لا يمس بشرته بيده، بل بواسطة هذه اللفافة ونحوها، فإذا غسله ثلاثا اكتفى بذلك، وتجزئ واحدة منظفة، ويمر يده في كل مرة على بطنه، يعني: يعصر بطنه عصرا خفيفا حتى يخرج منها ما هو مستعد للخروج من النجاسات ونحوها، فإذا كان عليه وسخ شديد احتيج إلى تكرار الغسل فيزاد، يزاد على الثلاث، ولكن يسن أن يكون وترا لحديث أم عطية أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: « اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الغسلة الأخيرة كافورا »(1) فالقطع على وتر أفضل، إذا احتاج إلى غسلة رابعة أضافوا إليها خامسة، فإن احتاج إلى ست أضافوا إليها سابعة، كل غسلة يبدءون من أعلاه يصبون الماء وهم يدلكونه إلى رجليه، ثم يكره أن يقتصر على غسله واحدة مع إجزائها، الغسلة الواحدة مجزئة، ولكن الأفضل ألا ينقص عن ثلاث.
يستعمل الماء الحار والأشنان عند الحاجة إليه، الماء الحار قد يكون أقوى في التنظيف، فإذا احتيج إليه استعمل، وإن لم يحتج إليه فلا يستعمل لماذا ؟؛ لأنه يرخي الأعضاء مثلا فلا يحتاج إليه سيما إذا كان شديدا إلا عند الحاجة إلى التنظيف به.
الخلال: تخليل الأسنان بعود أو ينحوه إذا احتيج إلى ذلك وإلا فلا.
فالأشنان : هو ورق شجر، شجر من شجر البوادي شبيه بالحنوط يؤخذ زهره، ثم يجفف وييبس، ثم يسحق ويقوم مقام الصابون، يعني: ينظف يكون له قوة في التنظيف فيستعمل، فإذا لم يكن هناك حاجة فلا يستعمل ويكتفى بالسدر.
إذا كان عليه شعر مثلا أو على المرأة شعر طويل فإنه يسرح بمشط أو نحوه، ثم ذكرت أم عطية أنهم جعلوا قرون رأسها ثلاثة قرون وألقوه خلفها، يعني: القرن هو الضفيرة جعلوه ثلاث ضفائر فإذا كان على الرجل مثلا شعر طويل فإنه يسرح بالمشط أو نحوه حتى ينظف.
وذكرنا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لأم عطية: « واجعلن في الغسلة الأخيرة كافورا »(2) معروف هذا الكافور يوجد عند العطارين ونحوهم في يعني: شيء أبيض يسحق، ثم يخلط بالماء في الغسلة الأخيرة، وفائدته أنه يصلب الأعضاء، ويصلب البشرة، ويخلط مع السدر، ومعلوم أيضا أنه بعد السدر يحتاج إلي غسلة أخرى حتى تنظف أثر ذلك ولزوجته.
كذلك أيضا خضاب الشعر، الصحيح أنه لا حاجة إليه وذلك؛ لأنه يفعل في الدنيا المرأة تخضب شعرها يعني بحناء أو نحوه للجمال، فأما بعد الموت فلا حاجة إلى تخضيبه، وإذا كان شارب الرجل طويلا أو أظفاره فإنه يقص الشارب وتقلم الأظفار وذلك؛ لأنه من تمام الجمال، وكذلك أيضا ينشف بعدما يغسل ينشف بثوب أو بنحوه إلا إذا كان محرماً يجنب المحرم ما يجنب في حياته يعني أنه لا يقرب طيبا ولا يغطى رأسه يعني: في حال موته لقوله -صلى الله عليه وسلم-: « اغسلوه بماء وسدر وكفنوه بثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً »(3) ويجنب المحرم ما يجنب في حياته.
السقط الذي عمره دون أربع أشهر:
الصحيح أنه لا يكفن، ولكن مثلا يلف ويدفن في مكان طاهر وليس له حكم الإنسان، فإذا تم له أربعة أشهر فإنه يعامل كالحي يعني يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى لوالديه كما لو ولد حيا، فأما ما دون أربعة أشهر فإنه لا حكم له.
يقول: ورد في الحديث أنه -عليه السلام- قال: سموا أسقاطكم فإنهم شفعاؤكم يعنى: السقط الذي تم أربعة أشهر يسمى ويعمل معه كما يعمل مع المولود حياً.
يقولون: إن تعذر غسله فإنه ييمم؛ وذلك لأجل المشقة، فيضرب أحدهم يديه بالتراب ويمسح وجهه ويمسح كفيه فيقوم مقام ذلك هذا الغسل، يمثلون مثلا بالمحترق الذي إذا غسل تمزق لحمة فلا يستطيعون أن يغسلوه وكذلك من في بدنه كله جروح جروح امتلأت جلده وبشرته كلها بهذه الجروح بحيث إنه إذا صب عليه الماء ودلك تمزق جلده وتمزق لحمه فلا يغسل والحالة هذه، وهكذا أيضا ما يحصل في الحوادث: حوادث السيارات من أن كثيراً منهم بعد الحادث يكون قد تمزق أشلاء وتقطعت أعضاؤه فلا يستطيعون أن يغسلوه، فيغسل ما يقدرون عليه من ذلك ويلفون بعضه إلي بعض.
(1) البخاري : الجنائز (1259) , ومسلم : الجنائز (939) , والترمذي : الجنائز (990) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1459) , وأحمد (6/407). (2) البخاري : الجنائز (1253) , ومسلم : الجنائز (939) , والترمذي : الجنائز (990) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1459) , وأحمد (6/407). (3) البخاري : الجنائز (1265) , ومسلم : الحج (1206) , والترمذي : الحج (951) , والنسائي : مناسك الحج (2855) , وأبو داود : الجنائز (3238) , وابن ماجه : المناسك (3084) , وأحمد (1/328) , والدارمي : المناسك (1852). |