النية في الصيام
ولا يصح صوم فرد إلا بنية معينة بجزء من الليل، ويصح نفل ممن لم يفعل مفسدا بنية النهار مطلقا.
فصل: ومن أدخل إلى جوفه، أو في مجوف في جسده كدماغ وحلق شيئا من أي موضع كان غير إحليله، أو ابتلع لقمة بعد وصولها إلى فمه، أو استقاء فقاء، أو استمنى، أو باشر دون الفرج فأمنى، أو أمذى، أو كرر النظر فأمنى، أو نوى الإفطار، أو حجم أو احتجم عامدا مختارا ذاكرا لصومه أفطر، لا إن فكر فأنزل، أو دخل ماء مضمضة، أو استنشاق حلقه، ولو بالغ أو زاد على ثلاث.
ومن جامع برمضان نهارا بلا عذر شبق ونحوه فعليه القضاء والكفارة مطلقات، ولا كفارة عليها مع العذر؛ كنوم، وإكراه، ونسيان، وجهل، وعليها القضاء، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد سقطت.
وكره أن يجمع ريقه فيبتلعه، وذوق طعام، ومضغ عيش لا يتحلل، وإن وجد طعمهما في حلقه أفطر. والقبلة ونحوها ممن تحرك شهواته، ويحرم إن ظن إنزالا، ومضغ عيش يتحلل، وكذب، وغيبة، ونميمة، وشتم، ونحوه بتأكد.
وسنه تعجيل فطر، وتأخير سحور، وقول ما ورد عند فطر، وتتابع القضاء فورا، وحرم تأخيره إلى آخر بلا عذر، فإن فعل وجب -مع القضاء- إطعام مسكين عن كل يوم، وإما فالمفرط ولو قبل آخر أن تطعم عنه كذلك من رأس ماله ولا يصام.
وإن كان على الميت نذر من حج، أو من صوم، أو صلاة ونحوها سن لوليه قضائه، ومع تركه يجب لها مباشرة ولي.
الصيام لا بد له من نية:
لا بد أن يعينه، وتكون النية في جزء من الليل. ولكن إن قال بعض العلماء: إنه يكفيه نية واحدة في رمضان، إذا دخل رمضان فإنه قد عزم على أن يصوم الشهر كله، فلا حاجة إلى يجدد النية في كل ليلة.
ومعلوم أيضا أنه إذا استيقظ، وأكل آخر الليل فإن أكله يكون بنية السحور إذا قيل له: لماذا تأكل؟ يقول: لأني أريد الصوم. فينطق بما في قلبه، فيدل على أن النية موجودة، فلا حاجة إلى أن يحرك قلبه بالنية كل ليلة.
وهناك مسألة مثلا المسافر. إذا أراد أن يسافر، فلا يجوز له الإفطار بل عليه أن يصبح صائما، ولا يفطر إلا إذا فارق عامر البلد إذا كان عازما على الإفطار. بعض الناس إذا قال: سوف أسافر غدا أفطر، أفطر مثلا بالنية، وقال: إني قد حجزت وقت الإركاب مثلا الساعة الثامنة أو التاسعة، فيصبح لم يعزم على الصوم.
فربما يعرض له عارض فلا يتيسر له السفر، فيقول: أنا ما أكلت شيئا منذ أصبحت ما أكلت شيئا، أريد أن أتم صومي لما لم يتيسر لي السفر، هل يجزيه؟ ما يجزيه؛ لأنه أصبح بنية الإفطار قد عزم على الإفطار ونواه، نقول له: إنك أخطأت بهذه النية، كان عليك أن تنوي الصوم، ولا تعزم على الإفطار إلا إذا جدّ بك السير، فأما كونك تقول أفطرت، نويت الإفطار، وأنت ما جدّ بك السير فإنك خاطئ؛ وذلك لأنه قد لا يتيسر لك السفر فلذلك ينتبه لمثل هذا.
النفل يجوز بنية من النهار، وفي حديث عن عائشة قالت: « دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هل عندكم شيء؟ قلت: لا. قال: فإني إذن صائم »(1) دخل عليها في الصباح ولما لم يجد طعاما فعزم على أن يتم صوم ذلك اليوم مع أنه ما نوى من الليل، ولكن هذا خاص بالنفل.
ويشترط له شرطان:
الشرط الأول: ألا يكون قد أكل في أول النهار أو شرب؛ فإن ذلك ينافي الصوم.
الشرط الثاني: أن ينوي قبل الزوال ليكون صومه أكثر النهار، وليس له أجر إلا على ما بقي، على ما أدركه وما نواه، أما نهاره الذي ما نوى فيه فإنه لا أجر له؛ لأنه أصبح بنية الإفطار. إلا أننا نقف هاهنا، ونعتذر عن الدرس غدا.
(1) مسلم : الصيام (1154) , والنسائي : الصيام (2323) , وأبو داود : الصوم (2455) , وأحمد (6/49). |