سنن الصوم
وسُنَّ تعجيل فطر وتأخير سحور، وقول ما ورد عند فطر، وتتابع القضاء فورا، وحرم تأخيره إلى آخر بلا عذر، فإن فعل وجب مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، وإن مات المُفَرِّط، ولو قبل آخر أطعم عنه كذلك من رأس ماله، ولا يصام، وإن كان على الميت نذر من حج أو من صوم أو صلاة ونحوها سُنّ لوليه قضاؤه، ومع تركته يجب لا مباشرة وليٍّ.
بقي المسنونات. ماذا يُسَنّ؟ .
يسن تعجيل الإفطار وتأخير السحور. ورد فيه حديث « أحب عباد الله إليه أعجلهم فطرا »(1) وذكر « أن اليهود كانوا لا يفطرون حتى تشتبك النجوم فقال: -صلى الله عليه وسلم-: خالفوهم »(2) وحدد وقت الإفطار بقوله: « إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا - يعني: أقبل من الليل المشرق وأدبر النهار من المغرب- فقد أفطر الصائم »(3) وغربت الشمس فقد أفطر الصائم، فإذا رأيت مثلا سواد الليل مقبلا من جهة المشرق، وتحققت من غروب الشمس فقد دخل وقت الإفطار.
وبهذا أيضا يعرف أنه لا يستحب الوصال، وهو صلة الليل بالنهار وما روي « أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يواصل »(4) أعتذر بأنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، ولكن الصحيح أن معني ذلك أن الله -تعالى- يقويه ويفتح عليه أنواع الإلهامات وأنواع الواردات التي تغنيه عن الأكل، ولم يرخص للصحابة بالوصال، ولكن لما رأوه يواصل استمروا في الوصال فـ « واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال، وقال: لو تأخر لزدتكم كالمنكل له »(5) .
الوصال يفوت هذا الخير « أحب عباد الله إليه أعجلهم فطر »(1) كذلك سنية تأخير السحور. السحور: هو أكلة السحر في آخر الليل وفيها أيضا فضل، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: « فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر »(6) وورد في حديث « الله وملائكته يصلون على المتسحرين »(7) وأحاديث أخرى مذكورة في كتاب الفضائل.
يسن بعد ذلك أن عند الإفطار أن يدعو بما ورد أن يقول ما ورد من الأدعية فإذا قال مثلا: « اللهم إني لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل مني إنك أنت السميع العليم »(8) « اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي ويا واسع الرحمة ارحمني »(2) « ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله »(9) أو دعا بما تيسر من الأدعية رُجِيَ إجابة ذلك، ورد فيه حديث « للصائم عند فطره دعوة لا ترد »(10) .
يقول: ثم تكلم بعد ذلك عمن عليه قضاء ماذا يفعل؟ القضاء دائما على الإنسان إذا أفطر في رمضان لسفر أو مرض، أو أفطرت المرأة لحيض، أو نفاس فيعتبر دَيْنًا، وعلى المسلم أن يبادر بقضائه؛ لأنه لا يأمن العوارض، ولا يأمن الأعذار التي تعوقه وتحول بينه وبين القضاء فلذلك اختاروا أنه يجب فورًا أن يقضي الأيام التي عليه بعد رمضان مباشرة مخافة العوارض والعوائق. الفور: فورا يعني ساعة ما ينتهي رمضان يبدأ بعد العيد مباشرة بالقضاء.
ومع ذلك فإن له التأخير إذا كان الوقت واسعا، وأما إذا خاف من العوائق فلا يجوز له التأخير. قد يقال: إن عائشة كانت يكون عليها الصوم من رمضان فلا تقضيه إلا في شعبان. اعتذرت بأن ذلك لمكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني لمكان خدمته وحاجته وكثرة سفرها معه ونحو ذلك. ولا يلزم أن يكون ذلك كل عام. يمكن أنه وجد مرة مثلا أو مرتين وإلا فالغالب أنهن يبادرن بالقضاء.
إذا أخره لعذر إلى رمضان؛ بأن مرض مثلا، استمر مرضه، أو استمرت سفرته حتى أدركه رمضان الآخر فليس عليه إلا القضاء فإن كان لغير عذر فإن عليه القضاء والكفارة، وعليه مع القضاء إخراج كفارة، وهي إطعام مسكين لكل يوم.
وحمل ذلك بعضهم، أو استدل على ذلك بقوله -تعالى-: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾(11) والأكثرون استدلوا بأن هذا مروي عن كثير من الصحابة. أنهم أمروه بالكفارة: إطعام مسكين عن كل يوم، يجوز في هذا الإطعام تفريقه ويجوز سرده. يجوز إعطاؤه مثلا كل يوم مسكينا، ويجوز إعطاؤه مساكين دفعة واحدة.
ثم إذا مات المفرط فإن على ورثته أن يكفروا عنه، يطعموا عنه من رأس ماله، ولا يصام عنه. ومثال ذلك إذا أفطر عشرة أيام لمرض ثم شفاه الله بعد رمضان. شفاه الله ولو كان معه بقايا المرض فشفي شهرًا أو شهرين أو نصف سنة، ولكن يدعي أن معه شيئا من المرض مع أنه قادر، قادر على أن يصوم لكن تساهل. عاد إليه المرض بعد ثلاثة أشهر ولما عاد عليه حبسه وبقي مريضا، وأدركه رمضان الثاني، أو لم يدركه ولكنه مات. مات في هذا المرض الثاني، فماذا يجب على ورثته ؟
الإطعام من رأس ماله. يطعمون عن كل يوم عليه مسكينا، وهل لو تبرع أحدهم أن يصوم عنه؟ هل يصام عنه أم لا؟ الأئمة أكثرهم يُجَوِّزُون أن يصام عنه، يصوم عنه ولده ذكر أو أنثى، أو زوجته، أو أخته.
وذهب الإمام أحمد أنه لا يصام عنه إذا كان من أيام رمضان؛ وذلك لأنه ثبت عنده أن الحديث في القضاء في الصيام عن الميت إنما هو صيام النذر، تلك المرأة التي قالت: « إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأقضيه عنها. قال: نعم »(12) وفي رواية رجل.
ولكن جاءنا حديث صحيح واضح في أنه يقضي عنه. وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: « من مات وعليه صيام صام عنه وليه »(13) ولا شك أنه واضح في أنه يعم صيام الفرض وغيره، فصيام النذر ورد تشبيهه بالدين مع أنه لم يجب في أصل الشرع، وإنما أوجبه على نفسه، فإذا صيام الفرض الذي أوجبه الله أولى بأن يقضى، أولى بأن يقضيه عنه أحد أولاده أو أهله.
فالصحيح أنه يقضى عنه، إن شاءوا صاموا عنه وإن شاءوا أطعموا عنه، وأما النذر فالمشهور أنه يلزم الوفاء عنه يلزم القضاء عنه، أنه يلزم القضاء عنه، يصوم عنه أحد أقاربه. وإذا قلنا: يجوز الصيام عنه، فهل يلزم أن يكون الصائم واحدا؟ أم يجوز أن يكون عددا؛ لو كان عليه عشرة أيام، فقال أولاده وهم مثلا عشرة خمسة ذكور وخمسة إناث نصوم عنه يوما واحد كلنا فأصبحوا صيامًا يومًا واحدًا وأفطروا وقت الإفطار ونووا أن صيامهم هذا عن أبيهم. الصحيح أن ذلك يجزي.
قوله: ولا يصام، بناء على المذهب أنه لا يصام عن الميت إلا أيام النذر. الأيام التي نذرها. يقول: إن كان على الميت نذر من حج أو صوم أو صلاة أو نحوها سُنَّ لوليه قضاؤه. إذا كان عليه نذر كأن يقول مثلا: إن شفاني الله -تعالى- أو رد غائبي، أو عافاني من هذا المرض، أو مثلا ربحت في هذه التجارة، أو مثلا جاء ولدي من غيبة فعليَّ أن أصوم عشرة أيام، وأن أحج حجة واحدة، وأن أصلي عشرين ركعة، أو نحو ذلك من القربات، كأي أن أتصدق مثلا بمائة، أو أن أقرأ القرآن في ليلة، أو أن أذكر الله في هذا اليوم ألف مرة.
هذا يعتبر نذر طاعة، يجب الوفاء به. يجب أن يوفى بهذا النذر. مثل ما إذا مات ولم يقضه، مات وهو لم يحج عن هذا الذي نذر عنه، يعني حجة النذر أو مات ولم يصم أو لم يصلِ، أو ما أشبه ذلك في هذه الحال، قيل: إنه يسن لوليه القضاء وقيل: يجب، إذا كان له تركة وجب، وجب أن يخرج من تركته من يقوم مقامه. فيقال: حج عن فلان فإن عليه نذرا، أو مثلا يقال لولده: صم عنه أو صل عنه. اجعل صلاتك عوضا عن صلاته التي نواها ولم يقدر.
ففي هذه الحال يجب الصوم على الولي، وكذلك الصلاة والحج والقراءة والذكر وما أشبه ذلك. ومع تركه يجب له مباشرة ولي. مع تركه يجب أن يفعل ذلك ولو بأجرة. كأن يعطى ما يحج به مثلا، ونحو ذلك.
(1) الترمذي : الصوم (700) , وأحمد (2/329). (2) (3) البخاري : الصوم (1954) , ومسلم : الصيام (1100) , والترمذي : الصوم (698) , وأبو داود : الصوم (2351) , وأحمد (1/28) , والدارمي : الصوم (1700). (4) أبو داود : الصلاة (1280). (5) البخاري : الحدود (6851) , ومسلم : الصيام (1103) , وأحمد (2/281) , والدارمي : الصوم (1706). (6) مسلم : الصيام (1096) , والترمذي : الصوم (709) , والنسائي : الصيام (2166) , وأبو داود : الصوم (2343) , وأحمد (4/197) , والدارمي : الصوم (1697). (7) أحمد (3/12). (8) أبو داود : الصوم (2358). (9) أبو داود : الصوم (2357). (10) ابن ماجه : الصيام (1753). (11) سورة البقرة: 184 (12) البخاري : الصوم (1953) , ومسلم : الصيام (1148) , وأبو داود : الأيمان والنذور (3310) , وأحمد (1/362). (13) البخاري : الصوم (1952) , ومسلم : الصيام (1147) , وأبو داود : الصوم (2400) , وأحمد (6/69). |