كتاب الحج والعمرة
شروط وجوب الحج والعمرة
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: كتاب الحج والعمرة، يجبان على المسلم الحر المكلف المستطيع في العمر مرة على الفور، فإن زال مانعُ حَجٍّ بعرفةَ وعمرةٍ قبل طوافها وفُعِلا إذن وقعا فرضًا، وإن عجز لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من حيث وجب ويجزءانه ما لم يبرأ قبل إحرام نائب.
السلام عليكم ورحمة الله، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
الركن الخامس من أركان الإسلام الحج، أو الحج والعمرة:
لا خلاف في وجوب الحج بشروطه، واختلف في فرضية العمرة. فأكثر الفقهاء على أن العمرة فريضة كالحج، واستدلوا بذكرها مع الحج قال الله -تعالى-: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾(1) قرنها مع الحج وقال تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾(2) وورد ذكر قولها في قوله -صلى الله عليه وسلم- « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة »(3) وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- « لما قيل له: هل على النساء جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة »(4) .
وهو دليل على أن العمرة واجبة عليهن، فعلى الرجال أولى، ولهم الذين أوجبوها أدلة أخرى موسعة، والذين ذهبوا إلى أنها غير واجبة، وأنها سنة استدلوا بالحديث الذي فيه « أن رجلا قال أو سأل: هل تجب العمرة عليَّ؟ فقال: لا وأن تعتمر خير لك »(5) ولكن حديث فيه مقال، وفيه احتمال.
ثم وردت أيضا العمرة في حديث جبريل في سنن الدارقطني لما فسر الإسلام « أن تشهد أن لا إله إلا الله -إلى قوله- وأن تحج وتعتمر »(5) الإسناد صحيح، صححه الدارقطني وغيره، وإن كانت الرواية شاذة يعني: لم تذكر في أكثر الأحاديث، فالراجح أن العمرة فريضة على القادر، كما أن الحج فريضة على القادر.
يشترط لوجوب الحج والعمرة شروط:
الشرط الأول: الإسلام فلا يجب الحج على الكافر، ولا يجوز، بل لا يُمَكَّن الكافر من دخول مكة كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾(6) وأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة أبي بكر من ينادي « ألا يحج بعد العام مشرك »(7) .
الشرط الثاني: الحرية؛ وذلك لأن المملوك مملوكة عليه منافعه؛ لأنه لا يستطيع أن يتصرف بنفسه فالسيد يملك عليه منافعه، ففي ذهابه إلى الحج تفويت مال السيد عليه فلذلك لا يجب عليه، ورد فيه حديث « أيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام »(5) .
الشرط الثالث: البلوغ يخرج بذلك الصغير؛ الصغير لا يجب عليه الحج، لعدم تكليفه، ولكن مع ذلك يصح حجه ولو كان صغيرا. ففي الحديث الصحيح « أن امرأة رفعت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيا لها فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر »(8) المعنى أنه يصح حج الصغير ولو كان ابن خمس سنين، أو أربع سنين يعني يعقل ووليه هو الذي يحرم به فينوي عنه إدخاله في النسك، وكذلك يلبسه إذا كان ذكرا لباس الإحرام، ويكمل به مناسك الحج يعني يطوف به ويسعى به ويقف به في المواقف التي يجب الوقوف بها ويلبي عنه ويرمي عنه، وهكذا وينوي حجه لأحد أقاربه لقوله: « ولكِ أجر »(9) .
الشرط الرابع: العقل فلا يجب الحج على المجنون، وذلك لعدم فهمه وإدراكه فهو لا يفهم ما يقال، ولا يقدر على التصرف، ولا يعرف الأحكام ولا يقدر أن يمتنع عن المحظورات ومرفوع عنه القلم.
الشرط الخامس: القدرة ورد تفسير قوله تعالى: ﴿ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾(10) فسر السبيل بأنه الزاد والراحلة أي: من يملك زادا وراحلة صالحيْن لمثله بعد قضاء حوائج أهله وبعد قضاء ما يحتاجون إليه لغيبته، وكذلك قدر على الحوائج الأصلية التي يحتاج إليها في السفر هكذا ورد في الأحاديث: « من استطاع إليه سبيلا »(11) ما السبيل؟ الزاد والراحلة. في هذه الأزمنة معلوم أنه لا يحتاج إلى أن يملك راحلة يعني سيارة مثلا لكن إذا كان يملك أجرة إركابه في السيارة سار مستطيعا يملك أجرة إركابه ويملك أيضا النفقة نفقة ذهابه وإيابه، ويملك النفقة التي تكفي لأهله حتى يرجع إذا كان مثلا محترفا، ويحتاج أهله إلى نفقة وإذا غاب توقفت حرفته أهله، وتوقفت صنعته وعمله، فلا بد أن يؤمن لهم مدة غيابه كانت الغيبة قديما قبل خمسين، أو ستين سنة نحو شهرين من هذه البلاد ذهابا وإيابا فيكون الرجل مثلا بناء، أو حفارا مثلا يحفر بالأجرة، أو عاملا في حرث، أو نحوه يعمل بالأجرة، وقد تكون له حرفة يدوية كأن يكون خرازا، أو دباغا، أو خياطا، أو غسالا يعني يعمل بالأجرة حدادا، أو نجارا فإذا غاب توقف كسبه من أين يطعم أهله؟ نقول: لا يجب عليه إلا إذا توفر عنده من كسبه ما يكفي أهله في مدة غيبته في هذه الأزمنة قلّت، أو قصرت المسافة فبدل ما كانوا يغيبون شهرين أصبحوا يغيبون مدة أسبوع، أو ثمانية أيام في هذه المدة التي هي ثمانية أيام، أو نحوها إذا أمن عنده أهله ما يكفيهم ذهابه وإيابه، وحصل على النفقة التي تكفيه ذهابا وإيابا، وحصل على أجرة الإركاب ذهابا وإيابا، فإنه قادر فإن عجز عن ذلك فإنه غير مستطيع فالمستطيع هو الذي يملك ما يوصله إلى مكة، ويرده وما يكفي أهله مده غيبته. وأما ما يذكره الفقهاء في هذا الباب يعني عند تفسير قوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾(10) أن السبيل هو أن يملك زادا وراحلة صالحين لمثله، وأن يملك مثلا العدة التي يحتاج إليها كخطام البعير مثلا، ورَحْله وفرشه ومتاعه الذي يحتاج إليه وأدواته وأوانيه التي يطبخ بها مثلا، وقربته التي يحمل الماء فيها، وما أشبه ذلك، فهذه قد خفت في هذه الأزمنة. والحاصل أنه لا بد أن يكون مستطيعا، ثم نعرف أن الإسلام والعقل شرطان للوجوب وللصحة، فلو حج الكافر لم يصح منه فنقول: لا يجب عليك الحج، ولا يصح منك، وأن الصغير والمجنون فإنه يصح الحج منه، ولكن لا يجب. لا يجب عليه، ولا يكلف به، حجه صحيح ولكن لا يكفيه عن حجة الإسلام، وأما العاجز فإن الاستطاعة شرط للوجوب، فلو مثلا أنه تكلف وحج فهل يجب عليه حجة أخرى؟ نقول: صح حجك وأجزأك لو تكلف قال: أنا أحج راجلا، أو مثلا تبرع له أحد وحج به صح حجه، وكذلك أجزأه عن حجة الإسلام.
فهذه الشروط خمسة يعني نقول للكافر لا يصح حجك ولا يجب عليك، ونقول للمجنون لا يصح حجك ولا يجب عليك، ونقول للصغير: يصح حجك، ولا يجب عليك، ونقول للملوك: يصح حجك ولا يجب عليك، ونقول للعاجز: لا يجب عليك، ولكن يصح حجك ويجزئك عن حجة الإسلام.
ثم الوجوب إنما هو مرة واحدة في العمر، وما زاد على ذلك فهو تطوع، إذا أدى الحج مرة واحدة أجزأ عنه، فلما فرض الحج بقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾(10) خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. فقال الأقرع بن حابس: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم. الحج مرة فما زاد فهو تطوع »(12) .
ثم هل الحج على الفور أم على التراخي. نختار أنه على الفور يعني ساعة ما تتم الشروط، وساعة ما يتمكن الزمن الذي تتم فيه الشروط، ويتمكن يجب عليه بحيث يُعَدُّ مُفَرِّطًا إذا أخَّره وبحيث يعد مَلُومًا إذا تغيرت حالته، فمثلا لو أنه في سنة ثمانية عشر قدر يعني تمت الشروط في حقه، واستطاع أن يحج، ولكنه أهمل الحج وتركه بغير عذر ثم في سنة التاسع عشر عجز فسد ماله مثلا، وخسرت تجارته، وأصبح عاجزا ماليا نقول: إنه ملوم حيث تمكن وفرَّط، وأن عليه إثم بتأخيره وتفريطه.
ونقول مثلا: لو مات بعد أن قدر وهو لم يحج لزم إخراج نفقة الحج من رأس المال كما سيأتي؛ وذلك لأنه قدر وفرَّط حتى مات ذهبت الشافعية إلى أنه على التراخي واستدلوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخر الحج إلى سنة عشر.
والجواب أنه لم يتمكن إلا تلك السنة فإنه في سنة ثمان لما فتحت مكة كان منشغلا بالوفود، وكانت أيضا مكة ما طهرت من عادات المشركين، ولما كان في سنة تسع أرسل أبا بكر ومن معه من الحجاج ليطهروا مكة فصاروا ينادون بأول سورة براءة ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾(13) فيقولون لهم: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ﴾(14) إلى قوله: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾(15) فكانوا ينادون « لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان »(7) .
ذلك لأنه كان في عاداتهم في الجاهلية يطوفون وهم عراة، فلما أن طهر البيت في سنة تسع حَجَّ سنة عشر وكمل الله -تعالى- له الدين، فهو دليل على أن الحج على الفور؛ لأنه ما تمكن إلا في سنة عشر.
ثم قوله: "فإن زال مانع حج بعرفة، أو مانع عمرة قبل الطواف، أو فُعِلا إذن وقعا فرضا" مثال ذلك عرفنا أن موانع الحج الرق والصغر.
فإذا مثلا أحرم العبد بالحج، وأحرم الصغير بالحج، ولما أحرما قَدِمَا مكة وطافا طواف القدوم مثلا وذهبوا إلى منى مع أهليهم ووقفوا بعرفة وفي يوم عرفة عتق الرقيق، وهو بعرفة، فكمل حجة أجزأته حجته عن حجة الإسلام، وكذلك بلغ الصغير. احتلم مثلا حكم ببلوغه إن صح حجه إذا كانوا أهله، أو مثلا الصغير ما كان محرما ولما احتلم في عرفة مثلا، أو في ليلة مزدلفة رجع وأحرم ووقف بعرفة ثم رجع إلى مزدلفة، وكمل بقية المناسك إذن صح حجه عن الفريضة.
فهذا معنى: زوال المانع، وكذلك مثلا لو أسلم الكافر بعرفة، ثم أحرم وكمل المناسك صح حجه، أو عقل المجنون بعرفة، وأحرم وكمل المناسك صح حجه عن الفريضة. العمرة قد عرفنا أنها فريضة فلو قدر مثلا أن العبد أحرم بالعمرة وعتق قبل بدءه بالطواف، ثم طاف وسعى بعد العتق إن صحت عمرته فريضة، وكذلك الصبي إذا احتلم، والمرأة مثلا إذا حاضت قبل أن تطوف ثم طافت بعدما طهرت للعمرة وكملت النسك صح حجها وحج الصبي وعمرته عن الفريضة.
العاجز لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه يقيم من يحج عنه ويعتمر عنه من حيث وجب، العاجز لكبر يقول مثلا: أنا لا أستطيع، فيقيم من يحج عنه ثبت في الصحيح قصة المرأة التي من خثعم قالت: « يا رسول الله، إن فريضة الحج قد أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم »(16) .
وقاس ذلك بالدين بمعنى أنها عرفت أن الفريضة وجبت عليه؛ وذلك لأنه عاقل وفاهم ومكلف؛ ولكن لكبره لا يستطيع أن يثبت على البعير لا يستطيع أن يتماسك يحتاج من يمسكه فأمرها بأن تحج عنه بعد حجتها.
في هذه الأزمنة قد يوجد من هذه حالته يمكن أن يقول إن البعير ليس مثل السيارة فالسيارة مركبها مريح وكذلك الطائرة، ولكن يوجد بعض كبار الأسنان إذا ركب السيارة أغمى عليه، فلا يستطيع أن يركبها طويلا، وكذلك الطائرة ونحوها يغمى عليه فلا يستطيع أن يفيق ولا يتمكن من الثبات فيعتبر هذا معذورا في أن يقيم من يحج عنه، ويشترط في المرض أنه لا يرجى برؤه، إذا قرر الأطباء أن هذا المرض قد يستمر معه إلى الموت، وليس فيه أمل أنه يشفى، فعليه -والحال هذه- أن يقيم من يحج عنه، وكذلك العمرة.
ثم قوله: "من حيث وجب" أي يقيم من يحج عنه من حيث وجب، ويكون ذلك من ماله من حيث وجب يعني: من بلاده التي وجب عليه أن يحج منها، ولا يجوز من أقرب منها مثلا التكلفة تختلف باختلاف البلاد، فتكلفة الحج من الرياض مثلا ثلاثة آلاف ذهابا وإيابا بما في ذلك الفدية ونحوه، وتكلفة الحج من جدة، أو من الطائف ألف، أو نحوها، فإذا كان الذي عجز عن الحج لمرض، أو لكبر أنه من أهل الرياض أقاموا من يحج عنه من الرياض، ولا يجوز أن يقيم من يحج عنه من الطائف ولا من المدينة ولا من جدة؛ وذلك لأن تلك التكلفة أقل، وهو مكلف بأن يحج من هذه البلاد، ونقول كذلك أيضا في من هو من خارج البلاد من خارج المملكة.
فإذا وجب عليه الحج مثلا وهو من أهل قطر، أو من أهل الكويت التكلفة هناك قد تكون أكثر قد تبلغ مثلا خمسة آلاف، أو ستة لا يجوز أن يقيم من يحج عنه من الرياض ولا من المدينة؛ لأنها أقل فلا يقول سوف يؤدى الحج كاملا إلا إذا لم يخلف إلا تركة قليلة فإنه يحج عنه من حيث بلغت تلك التركة، وكذلك أيضا لو قدر أن إنسانا سافر للحج فلما وصل مثلا إلى الطائف، أو قريبا منه توفي قبل الإحرام في هذه الحال يقام من يحج عنه من أهل الطائف أي أنه قد قطع هذه المسافة، أو كذلك هذا إذا كان الحج فرضا.
وأما إذا كان تطوعا فيجوز أن يقيم من يحج عنه، ولو من أهل مكة؛ لأن التطوع تضرع فإن برأ هذا المريض قبل إحرام النائب لم يجزئه الحج عنه لزمه -والحال هذه- أن يحج بنفسه؛ لأنه زال عذره، أما إذا لم يبرأ إلا بعد ما أحرم نائبه فإن حجته مجزئة حجة النائب، والحاصل أنه إذا وكل من يحج عنه ويعتمر عنه ثم برأ قبل أن يحرم النائب في الحج، أو العمرة بطل التنويب، ولزمه أن يحج بنفسه، وأما إذا أحرم النائب قبل برئه أو برأ بعد ذلك فإن حج النائب يكفي.
وهاهنا أيضا نتكلم على الإنابة؛ لأنها وقع فيها تساهل؛ وذلك لأن كثيرا من الناس اتخذوها حرفة وأرادوها للتجارة، ويسمونها حج البدل، ويأتون من مكة يقولون: أعطونا بدل حج، أعطونا حج بدل فنقول لهم: إن الحج إنما يحج من البلد التي فيها المحجوج عنه، فأنتم الآن حججتم إلى الرياض، الحج إلى مكة، كيف تأتون لأجل هذا نعرف بذلك أنهم ما أرادوا بذلك إلا المال.
والدليل على ذلك أنهم يماكسون إذا قيل لهم نعطيكم مثلا: ألفين؛ لأن حجكم إنما هو إلى مكة، ولا ترجعون إلى الرياض، قالوا: إن فلانا يعطي ثلاثة آلاف، أو فلان يعطي أربعة آلاف، فيدل على أنهم ما قصدوا إلا المال، نقول لك: لا تُنَوِّب إلا من يريد الحج لا من يريد المال.
صورة ذلك إنسانا فقير يحب أن يحج بنفسه ويشارك الحجاج في تلك المواسم ويكون ممن تنزل عليهم الرحمة وممن يباهي الله -تعالى- بهم الملائكة ولكنه فقير ليس عنده ما يُبَلِّغه، وما يرده يتمنى أن يحج، ولكنه ليس بقادر مع أنه قد حج فريضة الإسلام فهذا إذا أخذ المال أخذه لأجل الحج، لن يحج لأجل المال، فمثل هذا يعطى نيابة، وعليه أن ينفق منها في حجه نفقة ذهابه وإيابه وفديته وتنقلاته، وما بقي منها يرده على أهله على أهل الحاج إلا إذا سمحوا، هذا هو الأصل، وهذا قليل الذين يعملون بذلك.
قد قلنا قبل مثلا خمس وعشرين سنة كان الحاج يكفيه أجرة ذهابه مائة ريال، إركابه ذهابا وإيابا، ويكفيه من النفقة مثلا ذهابا وإيابا خمسون ريالا، أو سبعون ريالا ثم مازالوا يزيدون ويزيدون إلى أن صاروا يطلبون ألوف فعرفنا بذلك أن مثل هؤلاء يتخذون الحج مهنة وتجارة يريدون به المال، فلا يجوز إعطاؤهم؛ لأن من عمل عملا؛ لأجل المال بطل أجره؛ لقول الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾(17) ولقوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾(18) وفي الحديث: « تعس عبد الدنيا تعس عبد الدرهم »(19) يعني الذي يعمل الأعمال من أجل الدنيا، عرفنا بذلك أن الإنابة في الحج إنما تجوز لمن يأخذ المال؛ لأجل الحج ليس يحج من أجل المال.
(1) سورة البقرة: 158 (2) سورة البقرة: 196 (3) البخاري : الحج (1773) , ومسلم : الحج (1349) , والترمذي : الحج (933) , والنسائي : مناسك الحج (2622) , وابن ماجه : المناسك (2888) , وأحمد (2/246) , ومالك : الحج (776) , والدارمي : المناسك (1795). (4) البخاري : الحج (1520) , والنسائي : مناسك الحج (2628) , وابن ماجه : المناسك (2901). (5) (6) سورة التوبة: 28 (7) البخاري : الصلاة (369) , ومسلم : الحج (1347) , والنسائي : مناسك الحج (2958) , وأبو داود : المناسك (1946) , وأحمد (2/299) , والدارمي : الصلاة (1430). (8) مسلم : الحج (1336) , والنسائي : مناسك الحج (2648) , وأبو داود : المناسك (1736) , وأحمد (1/244) , ومالك : الحج (961). (9) مسلم : الحج (1336) , والنسائي : مناسك الحج (2648) , وأبو داود : المناسك (1736) , وأحمد (1/219) , ومالك : الحج (961). (10) سورة آل عمران: 97 (11) البخاري : العلم (63) , ومسلم : الإيمان (12) , والترمذي : الزكاة (619) , والنسائي : الصيام (2091) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1402) , وأحمد (3/143) , والدارمي : الطهارة (650). (12) مسلم : الحج (1337) , والنسائي : مناسك الحج (2619) , وأحمد (2/508). (13) سورة التوبة: 1 (14) سورة التوبة: 2 (15) سورة التوبة: 3 (16) البخاري : الحج (1513) , ومسلم : الحج (1334) , والترمذي : الحج (928) , والنسائي : مناسك الحج (2642) , وأبو داود : المناسك (1809) , وابن ماجه : المناسك (2907) , وأحمد (1/251) , ومالك : الحج (806) , والدارمي : المناسك (1833). (17) سورة هود: 15 (18) سورة الشورى: 20 (19) البخاري : الجهاد والسير (2887) , والترمذي : الزهد (2375) , وابن ماجه : الزهد (4136). |