أقسام الحج
وأفضل الأنساك التمتع، وهو أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم به في عامه. ثم الإفراد، وهو أن يحرم بحج ثم بعمرة بعد فراغه منه، وقران أن يحرم بهما معا، أو بها ثم يدخله عليها قبل الشروع في طوافها.
وعلى كل مِن متمتعٍ وقارن إذا كان أفقيا دم نسك بشرطه، وإن حاضت متمتعة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة .
بعد ذلك ذكروا الأنساك:
الأنساك ثلاثة: التمتع، والقران، والإفراد، اختُلف في أفضلها فالإمام أحمد يختار أن أفضلها التمتع، وأما الأئمة الآخرون فإنهم مختلفون: فالشافعية يختارون الإفراد، والمالكية قد يختارون في رواية القران يختارون القران، ولكل اختياره.
من صفة التمتع أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه.
أشهر الحج كما سيأتي، هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فإذا أحرم بالعمرة مثلا في شهر شوال، وفرغ منها، وتحلل وبقي بمكة إلى أن يحج وحج في ذلك العام، فإنه متمتع وعليه فدية، فدية التمتع.
وأما إذا فرغ من العمرة، ثم رجع إلى بلاده، ثم أحرم بالحج بعد ذلك وحده فإنه يعتبر مفردا، وليس عليه دم، يسقط عنه دم التمتع برجوعه إلى بلده، وهل هو أفضل أم التمتع؟ يختار بعض المشايخ أن الإفراد أفضل إذا سافر للحج سفرا مستقلا وللعمرة سفرا مستقلا؛ وذلك لأنه أكثر مئونة، وأكثر تعبا فيقول: مثلا إذا قال: أنا أعتمر في رمضان فسافر في رمضان، واعتمر، ثم في شهر ذي الحجة سافر للحج مفردا، فإن هذا أفضل غير أنه سافر سفرتين.
وأما لو سافر مثلا من أهل جدة مثلا، أو من أهل الطائف، أو القرى القريبة من مكة سافروا للعمرة يوم سبعة، ثم فرغوا من العمرة، ثم رجعوا إلى أهليهم، ثم أحرموا بالحج من بيوتهم يوم ثمانية، ثم رجعوا ودخلوا مكة فهل هم متمتعون، أو مفردون ما بين إحرامهم بالحج والعمرة إلا نصف يوم، أو يوم؟ الصحيح أنهم يسقط عنهم دم التمتع، وأنهم -والحال هذه- يعتبرون مفردين؛ لأن الحج في سفر والعمرة في سفر.
أما قوله: ثم الإفراد وهو أن يحرم بحج، ثم بعمرة بعد فراغه منه، الإفراد حقيقة هو أن يحرم بالحج يسافر مثلا من الرياض ويمر بالميقات ويحرم بالحج ويفرغ منه، ثم يرجع إلى بلاده وينشئ للعمرة سفرا مستقلا، فهذا هو الإفراد.
أما ما يفعله كثير من العجزة ونحوهم، أو من المعذورين الذين يأتون من مكان بعيد وهم قليل نفقتهم وأموالهم، الذين يأتون مثلا من اليمن، أو من الشام، أو من إفريقية، أو من البلاد الفقيرة مثلا، فيقولون: لا نقدر على الفدية، ولا نقدر على العمرة مرة ثانية، فيحرمون بالإفراد بالحج ويفرغون من الحج، ثم بعد ذلك يعتمرون من التنعيم في اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر، يعتمرون من التنعيم ويقولون: هذه عمرة الإسلام انتهينا منها.
نقول: إنها ولو كانت مجزئة لكنها ناقصة، العمرة الكاملة هي التي يحرم بها من بلده يفسر بعض العلماء قول الله -تعالى- ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾(1) قال: إتمامه أن تحرم به من دويرة أهلك يعني: أن تنشئ له سفرا مستقلا لكل واحد منهما هذا هو الإتمام.
نقول لهؤلاء: إذا كنتم عاجزين عن الفدية فإنكم تستطيعون الصيام، أحرموا متمتعين بالعمرة، وانتهوا من العمرة، وبعد ذلك صوموا ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم صوموا بين الحج والعمرة ثلاثة أيام، أو في أيام التشريق يحصل لكم عمرة تامة وحجة تامة، فأما عمرة التنعيم فإنها ناقصة؛ لأن أصل العمرة هي الزيارة.
كلمة: عَمَر يعني: عمر المكان يعني زاره وسميت عمرة؛ لأنهم يزورون فيها البيت من أماكن بعيدة، فإذن الذين يقولون: إن الإفراد أفضل اختاروا ذلك؛ لأنهم يعتمرون في سفر مستقل، فأما الذين يعتمرون من التنعيم، ويقولون: سقطت عنا العمرة، فنرى أن عمرتهم ناقصة.
أما القران فهو آخرها أن يحرم بالحج والعمرة جميعا، أو يحرم بالعمرة، ثم يدخل عليها الحج قبل أن يشرع في طوافها بأن يقول مثلا أحرمت بحج وعمرة، أو يقول أحرمت بعمرة، ثم بعدما يدخل مكة وقبل أن يطوف يقول: اللهم إني نويت إحراما بحج مع عمرتي فيدخل الحج على العمرة.
يجوز ذلك، ويسمى إدخال الأكبر على الأصغر إذا أحرم بالعمرة، فالعمرة هي الأصغر، ثم نوى إدخال الحج عليها يجوز، ولكن قبل أن يشرع في طوافها فيصير قارنا، فأما إدخال الأصغر فلا يجزي إذا أحرم بالحج.
ثم قال: أريد أن أدخل على حجي عمرة حتى أستريح من العمرة ويكفيني إحرام واحد وسعي واحد، وطواف واحد، نقول: لا يجوز إدخال العمرة على الحج، العكس يجوز.
القارن والمتمتع عليهما هدي اشتُرط لوجوب الهدي شروط
أولـهـا: أن يكون أفقيا أي: ليس من ساكني حاضري المسجد الحرام لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾(1) أن يكون أفقيا أي: من أهل الآفاق وأقل ذلك مسافة قصر، والصحيح أيضا أنه يكون أفقيا حتى ولو كان من خارج حدود الحرم، فإذا كان مثلا من أهل جدة اعتبر أفقيا، وكذلك من أهل ضحضح، أو من أهل حجا، ونحوها. أما القرى المتصلة بمكة فإنها تعتبر من حاضري المسجد الحرام، هذا شرط يعني: دم نسق بشرطه ما ذكر هنا إلا شرطا واحدا، والشارح ذكر أن له سبعة شروط لوجوب الهدي على المتمتع، وعلى القارن سبعة شروط هذا أحدها يعني: ألا يكون من حاضري المسجد الحرام لكنه يقول: إنهم أهل الحرم، ومن دونه مسافة قصر.
ثم الشرط الثاني: أن تكون عمرته في أشهر الحج، فإذا كانت عمرته في رمضان فلا يكون متمتعا.
الشرط الثالث: أن يحج من ذلك العام، فلو اعتمر في سنة وحج في سنة، فلا يجب عليه الدم.
الشرط الرابع: ألا يسافر بين الحج والعمرة مسافة قصر، هكذا قاله بعض العلماء، ولكن قد اختلف في حد مسافة القصر منهم من قال: لا يسقط عنه الدم إلا إذا رجع إلى أهله، ولو كان أهله قريبا كجدة مثلا، ومنهم من قال: مسافة القصر مثلا خمسة وثمانون كيلو، ومنهم من قال: مسافة القصر أربعة بُرُدٍ، ومنهم من قال: مسافة القصر مسيرة يوم وليلة، والمختار أنه إذا غاب عن مكة مسيرة يعني مدة يوم وليلة قطع فيها ما لا يقطع إلا بمشقة سقط عنه دم التمتع.
الشرط الخامس: أن يتحلل من العمرة قبل إحرامه بالحج فإن أحرم به قبل حله منها صار قارنا، ولكن مع ذلك القارن ما عليه دم.
الشرط السادس: أن يحرم بالعمرة من الميقات، أو من مسافة قصر فأكثر من مكة، وهذا داخل في كونه إذا لم يحرم بها بأنه من حاضري المسجد الحرام.
الشرط السابع: أن يتمتع بابتداء العمرة، أو أثنائها، أكثرهم ما ذكر إلا أربعة شروط: أن لا يكون من أهل مكة، وأن تكون عمرته في أشهر الحج، وأن يتيسر له الحج في ذلك العام، وأن لا يسافر بينهما مسافة قصر، هذه شروط وجوب دم التمتع.
يقول: إن حاضت المرأة المتمتعة فخشيت فوات الحج أحرمت به صارت قارنة عائشة -رضي الله تعالى- عنها أحرمت بالعمرة متمتعة بالعمرة، ولما جاءت إلى سَرَف حاضت، وبقيت في عمرتها، ولما كانت بمكة وقرب ذهاب الناس إلى عرفة، وهي لم تطهر أمرها بأن تدخل على عمرتها حجة، فأدخلت الأكبر على الأصغر، وصارت قارنة، ولم تطهر إلا في عرفة فطهرت واغتسلت وقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إن طوافك بالبيت والصفا والمروة يكفيانك عن حجك وعمرتك »(2) ولكنها لما رأت صواحباتها قد حصلن على حج مستقل وعمرة مستقلة أحبت أن تكون مثلهن.
(1) سورة البقرة: 196 (2) أبو داود : المناسك (1897). |