العمل بشرط الواقف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
قال رحمه الله - تعالى -:" ويجب العمل بشرط واقفٍ إن وافق الشرعَ، ومع إطلاق يستوي غني وفقير، وذكر وأنثى.
والنظر عند عدم الشرط لموقوف عليه إن كان محصورا، وإلا فلحاكم، كما لو كان على مسجد ونحوه.
وإن وقف على ولده أو ولد غيره فهو لذكر وأنثى بالسوية، ثم لولد بنيه، وعلى بنيه أو بني فلان فللذكور فقط، وإن كانوا قبيلة دخل النساء دون أولادهن من غيرهم، وعلى قرابته أو أهل بيته أو قومه دخل ذكر وأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه، لا مخالف دينه.
وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم، وإلا جاز التفضيل والاقتصار على واحد.
ثم يقول: " ويجب العمل بشرط الواقف إن وافق الشرع." يجب العمل بشرط الواقف إذا شرط فيه شروطًا وكانت موافقة للشرع وجب العمل بها؛ لأنه هو المالك. أما إذا لم توافق الشرع فإنه لا يجوز العمل بها.
فمثلًا لو قال: هذا المسجد وقف على الصوفية، لا يصلي فيه إلا المتصوفة. غلاة الصوفية مشركون فإن استولينا عليه قلنا: هذا شرط باطل فلا يعمل به.
وكذلك لو قال: غلة هذا المسجد أو هذا العقار وقف على عمارة هذا القبر، أو هذا المشهد، أو على خدمة الذين يعبدونه ويعكفون عنده. فهذا شرط باطل لا يعمل به. وكذلك لو قال: غلة هذا البيت يشترى بها - مثلا - آلات لهو يعني: آلات طرب وتسبل، ويلعب بها في الحفلات وفي المهرجانات ونحوها. فهل يعمل بهذا الشرط؟ يعتبر هذا شرطًا باطلًا.
إذا وافق الشرط الشرع عمل به. فإذا عين فيه إمامًا: وقفت هذا المسجد أو بنيته بشرط ألا يصلي به إلا فلان إن كان موجودًا أو مدة حياته -عمل بشرطه. وإذا بنى مدرسة وسبلها وقال: بشرط أن يدرس فيها المذهب الحنبلي أو المذهب الشافعي. فإنه يعمل بشرطه.
أو سبل دارا وقال: تصرف أجرتها في شراء كتب التوحيد أو كتب العقائد وتسبل، أو يشتري بها كتب الفقه الحنفي أو الشافعي -عُمل بشرطه؛ لأن له مقصد في ذلك؛ ولأن هذا شرط لا يخالف الشرع.
وكذلك لو شرط أن يتولاه فلان ثم فلان، فإنهم يتولونه على ترتيبهم الذي رتبه لهم، وكذلك إذا شرط أنهم ينفقونه على جهة معينة وقال: وكيله فلان ينفقه على القبيلة الفلانية وغلة هذا الوقف أو ثمرة هذا النخل تنفق على قبيلة كذا أو ما أشبه ذلك.
إذا أطلق، أطلق القبيلة قال: ثمرة هذا النخل للأسرة الفلانية أجرة هذه الدار لأولاد فلان. ولم يحدد ولم يرتب، فإنه يستوي فيهم الذكر والأنثى والغني والفقير. يعني: يقسم بينهم على رءوسهم.
أما إذا حدد وقال: يعطى الذكر سهمان، أو يفضل الغني أو يفضل القوي، أو العالم أو المجاهد أو الكريم أو السخي، أو تختص بالفقراء -يعني خصص جهة- أو تختص بالعزاب، أو لمساعدة المتزوجين -يعني خصص- ففي هذه الحال نقول: إنه يعمل بشرطه؛ لأنه شرط له فيه مقصد؛ ولأنه قد يكون قصده بذلك الأجر.
وإذا رؤي - مثلا - أنه خالف ما هو الأفضل والأولى، فالأولى أن يقترح عليه ما هو أصلح وما هو أولى. فيقال: أنت ذكرت أنه يسوى بين الغني والفقير وهذا ليس فيه أجر؛ الغني عنده ما يكفيه ما يسد حاجته ولو كان من أولادك، فالأولى إذا كان وقفًا تريد الأجر بعد موتك أن تصرفه عن الغني، وأن تجعله للفقراء أو ما أشبه ذلك.
السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين -نبينا محمد- وعلى آله وصحبه.
أشتهر عند بعض الفقهاء فائدة وهي قولهم:
" شروط الواقف كشروط الشارع ".
ولكن هذا ليس بصحيح. شروط الشارع عن المشرع الذي هو النبي -صلى الله عليه وسلم- مقدمة ويلزم العمل بها، وأما شروط الواقف، فالواقف بشر؛ فقد يشرط شرطًا يخالف مقتضى الشرع، فلا يجوز العمل به.
وقد ذكرنا أمثلة: فيما إذا شرط أن يتولى وقفه فاسق، وأن يعين في المسجد إمامًا صوفيًا أو قبوريًا، أو شرط أن يدفن في مسجده: إذا مت فادفنوني في مسجدي. فإن هذه شروط تخالف مقتضى الشرع، فلا يعمل بها.
وهكذا الشروط التي تكون على باطل، أو على محرم. فلو شرط أن غلة هذا الوقف تعمر بها الكنائس، أو ترفع بها القباب على القبور، أو يطبع بها الإنجيل أو التوراة أو كتب الإلحاد، فمثل هذا لا يصح العمل بشرطه؛ وذلك لأنه يخالف مقتضى الشرع.
فلا بد أن تكون شروطه موافقة للشرع. فإذا شرط أن يتولى إمامة المسجد فلان وكان كفئا، أو يؤذن فيه فلان وكان أهلًا لأن يتولى المئذنة، أو شرط أن وقفه ينظر فيه -يعني تأجيره وإصلاحه- أحد أولاده وكانوا مأمونين وموثوقين، فإن هذا شرط يوافق مقتضى الشرع.
مصرف الوقف
وكذلك مصرف الوقف. فإذا شرط أنه يصرف في المساكين، أو يصرف على المساجد، أو على القناطر، أو على المدارس الخيرية كمدارس تحفيظ القرآن، أو على المجاهدين، أو على طبع الرسائل والكتيبات الإسلامية والأشرطة الدينية -فإن هذه شروط فيها مصلحة.
أما إذا لم يشرط بل قال: الوكيل على هذه الأوقاف فلان والنظر له ينظر نحو الأصلح. فهذا الوكيل ينظر نحو الأصلح. يمكن في هذه السنة أنه يتصدق به على الفقراء والمساكين، ويمكن في السنة الثانية يصرفه على المجاهدين، يمكن في السنة الثالثة يعمر به مساجد، وفي السنة الرابعة يطبع به كتبًا أو أشرطة، فيكون النظر موقوفًا على اختيار ذلك الوكيل. فلا بد أن يكون الناظر رشيدًا عالمًا.
ذكر أنه إذا لم يعين فالنظر للموقوف عليهم. فإذا قال: غلة هذا الوقف على أولاد زيد أو أولاد عمرو أو أولاد أخي فلان. في هذه الحال الناظر يكون واحدا منهم. هو الذي يؤجره ويعمره ويطلب الإيجار، ويصلحه إذا وهى، ويرممه ويحاسب من جلس فيه واستأجره، ويقبض الأجرة ويفرقها كما يريد، ويعطي من هو الأحق.
الوكيل هو أحد الموقوف عليهم. يتفقون على واحد رشيد: أنت يا أخانا أنت أصلحنا وأفرغنا وأعقلنا، نجعلك وكيلًا على وقفنا. سواء كان الوقف عقارًا يعني: كشقق أو دكاكين، أو كان بستانًا فيه نخيل وأعناب وتين ورمان وأشجار مثمرة، هو يحتاج إلى وكيل.
هذا الوكيل يحفر الآبار ويجري الأنهار، وكذلك يحاسب العمال ويعينهم ويتفقد عملهم، ويوكل على التلقيح، وعلى التشميس وعلى السقي وعلى الحرث، والزبر والصرام والجذاذ والحصاد، وما أشبه ذلك. فالوكيل يتعب، يجوز أن يجعلوا له جعلًا مقابل تعبه، كأن يقولوا: لك في المائة عشرة أو في المائة خمسة من غلة هذا الوقف، مقابل تعبك ومقابل عملك وشغلك.
يجوز أن يأكل منه لو كان أجنبيًا. لو عجز الموقوف عليهم عن الإشراف على هذا الوقف وعمارته، أو عن حرثه وزبره وإصلاح الحرث وما أشبهه، واستأجروا أجيرًا وجعلوا له جعلًا: لك من كل عشرة واحدًا أو اثنان لك في المائة عشرة أو عشرون، مقابل إشرافك وتعبك، فأنت تشتري المحروقات، - مثلا - وتحاسب العمال وتتفقد عملهم وتوظفهم.
أنت يا هذا تسقي، وأنت تصلح مجاري الماء، وأنت تلقح، وأنت تقطع الأغصان الرديئة، وأنت تصرم وأنت وأنت، ففي هذه الحال يتعب -فيجعلوا له جعلا. إذا كان الموقوف عليهم محصورين، كأن يقول: أولاد أخي. وهم خمسة، فيختارون واحدًا منهم، أو يتفقون كلهم في الإشراف وفي النظر.
وكذلك إذا كان الموقوف منقولًا فلا بد -أيضا- أن يكون عليه ناظر. فكثيرًا ما يكتبون على الكتاب: "هذا كتاب وقف لله - تعالى - على طلبة العلم، والناظر عليه فلان ومن بعده فلان." وظيفة هذا الناظر: -الوكيل- أنه يحفظه من التلف، وإذا أعاره إنسان توثق أنه سوف يرده إلى مكانه، وكذلك يحدد له مدة إذا قال: أعرتك عشرة أيام أو نحو ذلك. فعليه أن يحتاط.
وكذلك لو كان الموقوف سيفًا أو سلاحًا يقاتل به فلا بد أن يكون عليه ناظر، وهذا الناظر يعطيه من هو من أهل النجدة والقتال به. وكذلك الأواني. إذا كان الموقوف قدرًا أو صحنًا أو فأسًا فإنه يكون عليه وكيل، وهكذا سائر الموقوفات.
فإذا لم يعين الواقف وكيلًا، وكان الموقوف عليهم غير معينين كالمساجد، إذا قال: وقف على مسجد أو على مساجد البلاد، أو وقف على طبع الكتب ونشرها، وقف - مثلا - مطبعة تطبع كتب أهل الإسلام أو ما أشبه ذلك، أو أجهزة تسجيل تسجل العلوم الإسلامية، ولم يوكل -النظر في هذه الحال للحاكم -قاضي البلد-.
قد يقولون: إن قاضي البلد لا يستطيع أن يشرف على الأوقاف كلها لكثرتها. ولكن له أن يوكل: أنت يا فلان وكيل على الوقف الذي في المكان الفلاني والذي على المساجد، وأنت يا فلان وكيل على العقار الذي في المكان الفلاني والذي على طبع الكتب، وكذلك فلان وفلان.
فيوكل الحاكم إذا كان الوقف على مسجد، أو على قنطرة، أو مدرسة خيرية، أو جهة خيرية: كالجهاد وتجهيز الغزاة وما أشبهه.
الوقف على الأبناء
" وإن وقف على ولده أو ولد غيره، فهو لذكر وأنثى بالسوية ثم لولد بنيه." وكلمة الولد: يدخل فيها الذكر والأنثى، كما في قوله - تعالى - ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾(1) فالأنثى تسمي ولدا؛ لأنها تولد مولودة، فتدخل في اسم ولد. في قوله -تعالى- ﴿ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ﴾(1) ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ﴾(1) ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ ﴾(2) ﴿ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ ﴾(2) .
فيدخل الذكر والأنثى في كلمة ولد. فإذا قال: هذا الوقف -بستان أو دكان- وقف على ولدي، أو وقف على ولد أخي، أو على ولد ابن عمي فلان -يدخل فيه الذكور والإناث؛ لأنهم جميعًا من ولده. ثم اختلف في حال يكون وقفًا يتوزعونه بالسوية، أو يفضل بعضهم كالذكور؟ المشهور أنهم يستوون. إذا قال: على ولدي أو ولدي عن زيد أو ولد أخي يستوي الذكور والإناث.
تقع مشاكل في كثير من الأوقاف الآن. -قديما- كان الوقف... المنزل صغير، وكان يؤجر - مثلا - في السنة بمائه أو بثمانين، ثم يقول: وقفته في أضحية. يسكت عما زاد؛ لأنه في ذلك الزمان ما كانت غلته إلا بقدر الأضحية.
في هذه الأزمنة قد يكون إيجاره عشرة آلاف، وبعضها وصل إلى مائة ألف بدلًا ما كان أربعين ريالا، وربما كان ستين ألفًا أو مائة ألف أو ألف ألف يعني: ملايين؛ بسبب أن الأوقاف كانت في محل رغبة، وأنها نزعت ملكيتها، ولما نزعت قدر لها ثمن كثير، فاشتري بها في مكان آخر، ثم جاءها -أيضا- تثمين فقدرت بملايين، فعمر بها -أيضا-، فكانت تغل كل سنة ثلاث مائة ألف، خمس مائة ألف، وليس فيها إلا أضحية.
ففي هذه الحال، إذا لم يذكر لها مصرفًا فإن الباقي يصرف في أعمال الخير. وما ذاك إلا أن الواقف ما قصد إلا أن يستمر الأجر، أراد -بذلك- أن يبقى الآجر مستمرًا؛ على حديث «صدقة جارية »(3) .
فلما كان كذلك رأى العلماء أن يصرف في مصارف الخير. كثير من الواقفين لا يعينون، بل يقولون: البيت في أعمال البر. ثم في هذه الحال تتولاه وزارة الأوقاف. في كل دولة وزارة أوقاف، فهذه الوزارة تصرفه في وجوه الخير. أما إذا كان الواقف قد عين جهة إذا حدد أنه: وقف على أولادي، هذا البستان أو هذا المنزل على أولادي. فإنه يقتصر عليهم، أو أولاد أخي يقتصر عليهم.
لماذا وقفته على أولادك؟ أموالك كلها لأولادك سوف يأخذونها بعدك، فلماذا جعلته لأولادك؟ الجواب يقول: أخشى أن يبيعوه، إذا جعلته ملكا طلقًا يمكن أنهم يبيعوه، وإذا باعوه اقتسموه، وربما يفسدونه وينفقونه بسرعة، أما إذا بقي فإنهم إن احتاجوا سكنوا وإن لم يحتاجوا أجروه، ويبقى مؤجرًا ينتفعون به هم ومن بعدهم من أولادهم.
فهذا مقصد كثير من الذين يوقفون البيوت والدكاكين على أولادهم، فيقولون: نخشى أنهم يبيعونه ويصرفونه وينفقونه ويقتسمونه، ولا يبقى لهم شيء يُغل.
وهكذا إذا وقف البستان. قد يوقف البستان، ويجعل فيه أضحية أو حجة، أو يجعل فيه نخلة، هذه النخلة. .. -قديما- كانوا يقولون: هذه النخلة لإفطار الصوام في هذا المسجد، فتبقى النخلة موقوفة والبقية ملك، فلا يقدرون على أن يبيعوه؛ لأن فيه نخلة قد يكون فيه نخلات.
يوجد الآن بساتين، أوقف الجد الأبعد نخلة، ثم الجد الذي يليه دونه نخلة، ثم الجد الذي دونه نخلة، وهكذا إلى أن وصلت إلى خمس أو عشر، ولا يقدرون على بيعه؛ فلأجل ذلك يبقى إلى أن يقتصروا على استغلاله. إذا تعطل... يوجد كثير الآن من المزارع كانت موقوفة، أو فيها غلة فيها نخلة أو فيها أضحية، ثم تعطلت؛ بسبب غور المياه أو غلاء العمال أو غلاء المحروقات.
والغالب أن الوكيل -قديما- ما أحسن التصرف. ما دام فيه مصلحة فهم يأكلونها، ولا يدخرون منها شيئًا للمستقبل، فيستغلون البيت ما دام أنه عامر، فإذا خرب وانهدم قالوا: ما عندنا ما نعمره. يستغلون الماكينة مادمت تشتغل، ويأكلون ما حصلوا عليه، فإذا خربت تركوها وقالوا: ليس عندنا ما نصلحها. لماذا لم تدخروا شيئًا عن غلتها قديما ؟
كان الأولى أنهم كل سنة يرصدون شيئًا من الغلة، حتى إذا خربت إذا هم قد جمعوا ما يصلحونها به. أو ما يشترون به ماكينة أخرى. أو رشاش أو ما أشبهه.
فلذلك نقول: إن على الناظر مسئولية. فإن الواقف يريد أن يستمر أجره، وأنت -أيها الناظر- وكيل، فعليك ألا تستغل المصلحة ما دامت موجودة ثم تعطلها.
يقول: إن على الناظر مسئولية. فإن الواقف يريد أن يستمر أجره، وأنت -أيها الناظر- وكيل. فعليك أن لا تستغل المصلحة ما دامت موجودة ثم تعطلها، بل مسئوليتك كبيرة: وهو أنك تنظر إلى هذه الغلة، وترصد شيئا منها للمستقبل، حتى الدكاكين التي تؤجر والشقق التي تؤجر، الآن يقبضون الأجرة ثم يقتسمونها بسرعة.
ثم في السنة الآتية أو التي بعدها تعطل -لا تؤجر- ثم يقولون: ما عندنا ما نضحي به؟ أو ما عندنا ما نحجج له به؟ أين غلتها في الأزمنة الماضية؟ اقتسمناها. أخطأتم. كان الأولى أنكم تحتفظون ببعضها. فربما يتعطل سنة من السنوات، لا يؤجر أو ما أشبه ذلك، فالحاصل: أن على الوكيل -الناظر- مسئولية.
" إذا وقف على ولده أو ولد غيره فهو لذكر وأنثى بالسوية." لأن كلمة "ولد" تعمهم، ثم بعدهم لولد بنيه كلمة " ولد بنيه" يعني: ذكورا وإناثا دون ولد البنات. ولد البنات يعتبرون أجانب، فلا يدخلون في كلمة ولدي "على ولدي". أما ولد البنت فإنه أجنبي، فلا يدخل.
ثم هاهنا -أيضا- مسألة تشكل كثيرا. يأتوننا ويقولون: إن جدنا مات وجعل الوقف على أولاده، وأبونا قد مات وأعمامنا ما أعطونا نصيب آبائنا. فهل لأولاد بنيه نصيب في هذه الحال؟
بعض الواقفين ينص على ذلك يقول: من مات من أولادي سهمه لأولاده. وفى هذا حل للنزاع وبعضهم يسكت " على أولادي " أو يقول: على أولادي ثم أولاد بني ثم أولادهم وإن نزلوا. فإذا مات واحد منهم قد يكون له أولاد فقراء وأيتام، أعمامهم يستغلون هذا الوقف يقولون: لا حق لكم، أنتم من البطن الثاني، ونحن من البطن الأول.
الواقف ما أراد إلا الأجر، وهؤلاء من ولده أيتام وفقراء، ففي هذا الحال الراجح أن من مات من أولاده فسهمه لذريته. إذا كان أولاده -مثلا- عشرة... البنت إذا ماتت سهمها يرجع إلى الذكور، وليس لأولادها شيء؛ لأنهم أجانب، وأما الابن إذا مات فإن أولاده لهم حق، فلا يسقط حقهم. فنرى في هذه الحال أنهم يعطون من غلة وقف جدهم.
عبارة الفقهاء قولهم: " ثم لولد بنيه " يقتضي أنهم لا يعطى أولاد البنين إلا إذا انقطع الأولاد، ومعنى هذا: أنه إذا كان أولاده عشرة، والوقف غلته مائة ألف، وأولاده عشرة -ذكور وإناث- ماتت البنت، المائة ألف تقسم على التسعة الباقين، ماتت بنت أخرى، ماتت بنت ثانية، مات ابن، مات ابن، ماتوا كلهم إلا واحدا -فتكون الغلة لهذا الواحد، ولو بقي عشرين سنة وهو يأكل هذه الغلة، وأولاد إخوته فقراء ويتامى، لا يعطيهم شيئا.
هذا مقتضى كلام بعض الفقهاء. ولعل الصحيح أنهم أولى بالرحمة، سيما إذا مات آباؤهم وهم أطفال، فهم أولى بأن يعطوا أنصباء آبائهم.
قالوا: " وعلى بنيه أو بني فلان فللذكور فقط ". إذا وقف على بني أو على بني أخي أو على بني أختي، كلمة "بنين" تختص بالذكور؛ لأنه إذا قيل: فلان له أولاد. قالوا: نعم، له أولاد: أربعة بنين وخمس بنات. فقسم الأولاد إلى بنين وبنات، كما يقال الآن: مدارس بنين ومدارس بنات. أما كلمة "أولاد" فإنها تعم الذكور والإناث. فكلمة "بنين" تختص بالذكور.
فإذا قال: هو وقف على بنيَّ، أو على بني أخي، أو على بني عمي، اختص الذكور. قد يخصون الذكور؛ لأن الإناث -غالبا- يستغنين بمهورهن وبنفقات أزواجهن، فالمرأة لا تحتاج -غالبا- إلى المال، ينفق عليها زوجها. وأما الأبناء الذكور فإنهم بحاجة إلى دفعه في مهور، وإلى دفعه في نفقة على الأولاد، أو نفقة على الزوجات أو على الخدم أو ما أشبه ذلك.
فقد يجوز أن يخص به الذكور، سيما إذا زوج البنات في حياته وعرف أنهن استغنين، فيقول: غلة هذا الدكان على بني، أو ما أشبه ذلك. يختص بالذكور فقط.
الوقف على مجموعة
" وإن كانوا قبيلة دخل النساء دون أولادهن من غيرهم". إذا وقف على قبيلة -القبيلة: يدخل في كلمة.... إذا قيل -مثلا-: بنو تميم، وبنو أسد، بنو خزيمة، بنو يربوع، بنو دارم، بنو حنظلة، بنو جهينة، وما أشبهه فهذه قبائل. لا شك أنه يدخل فيها ذكورهم وإناثهم- فإذا وقف على قبيلة دخل فيهم الذكور والإناث، إلا أولاد الإناث من غيرهم؛ وذلك لأنهم لا ينتسبون إليهم، بل ينتسبون إلى قبائلهم.
فمثلا: امرأة من بني سليم زوجها من غطفان، فيقال: أولادها من غطفان لا من سليم. فإذا وقف على سليم دخل الإناث دون أولادهن من غيرهم.
ثم ذكر -بعد ذلك- أنه إذا وقف على قرابته، إذا قال: على قرابتي، أو على أهل بيتي، أو على قومي، أو على نسبائي. النسب والنسيب هو: القريب- ففي هذه الحال يدخل الذكر والأنثى، من أولاده وأولاد أبيه وأولاد جده وأولاد جد أبيه، يعني: أربع بطون.
دليل ذلك: لفظ "ذوي القربى" في قول الله -تعالى-: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾(4) فلما كانت "لذي القربى" صرفها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأقاربه، فأدخل فيه ذريته يعني: كفاطمة وبنيها، وذرية أبيه -وإن لم يكن لأبيه ذرية غيره- وذرية جده عبد المطلب، وذرية جد أبيه:وهم هاشم. أدخل هؤلاء الأربعة: جد أبيه هاشم، وجده عبد المطلب وهم أعمامه. فهكذا كلمة "القرابة" و"القوم" و"النسباء" و"أهل البيت" هكذا يدخل فيهم.
كلمة "أهل البيت" يراد بها: الأقارب في الأصل. في قول الله -تعالى- في قصة إبراهيم: ﴿ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾(5) أي: أقارب إبراهيم وذريته ونحوهم، إلا من خالف في الدين فلا يدخلون في أهل البيت ولا في القرابة. وكذلك في قول الله -تعالى-: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾(6) فأهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فسروا: بأنهم أقاربه الذين حرمت عليهم الزكاة.
في حديث زيد بن أرقم لما ذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمعهم في غدير خم وقال: « أذكركم الله في أهل بيتي. قيل له: من أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته هم أقاربه الذين حرمت عليهم الزكاة بعده، ثم عد: آل عباس، وآل جعفر، وآل أبى لهب، وآل علي »(7) يعني: من أولاده وأولاد أبيه وجده الذين هم بنو هاشم.
فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن سهم ذوى القربى لهم، وأنهم استغنوا به عن الزكاة بقوله: « لا تحل الزكاة لبني هاشم؛ إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم عن الزكاة »(8) دلنا هذا على أن أقارب الرجل ونسباءه: أنهم أهل بيته وأقاربه إلى الجد الرابع.
ثم قد يقف على ذوي أرحامه. كلمة "الرحم" يدخل فيها أقارب الأم وأقارب البنات؛ لأن لهم رحم، فبنات أولاده وبنات بناته وكذلك أخواله وخالته وعماته وبنات الأعمام وبنات الأخوال ونحوهم -هؤلاء من ذوي الأرحام -يعني- يدخلون في الرحم في قوله -عليه السلام -: « إن لهم رحما أبلها ببلاها »(8) فدخل في ذلك أقاربه من جهة أبيه ومن جهة أمه. إذا وقف على ذوي أرحامه.
أو إن وقف على أصهاره، فالأصهار: هم أقارب زوجته -أبو الزوجة وإخوتها وأعمامها ونحوهم- يسمون الأصهار، ولا يدخلون في الأنساب، نسب الرجل: أقاربه من أبيه -أنسابه-. وأما أقارب الزوجة فهم أصهاره. قسم الله -تعالى- القرابة إلى قسمين في قوله -تعالى-: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾(9) .
أنسابك: هم أعمامك وأولاد عمك وأبناء إخوتك وأبناء أعمام أبيك وأبناؤهم، هؤلاء أنسابك. وأصهارك: هم أبو زوجتك وإخوتها وأعمامها وأولاد أعمامها، هؤلاء هم الأصهار. فإذا وقف على أصهاره اختص بأقارب الزوجة، وإذا وقف على أنسابه أو على أقاربه اختص بأقاربه من الأب، وإذا وقف على أرحامه عم الجميع.
" وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم، وجب تعميمهم، والتسوية بينهم ". إذا وقف على جماعة، فإذا كان يمكن حصرهم، فلا بد من حصرهم. كما لو -مثلا- وقف على من في هذه القرية من بني هاشم، أو من بني عبد المطلب، أو من بني علي، يعني: من أقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم محصورون.
أولاد فلان وأولاد فلان وأولادهم، وجب حصرهم والتسوية بينهم، فيفرق بينهم الذكر والأنثى، ويسوى بينهم. أما إذا كثروا ولم يمكن حصرهم، ففي هذه الحال يجوز التخصيص، ويجوز التفضيل، ويجوز الاقتصار على واحد، أو على جماعة؛ وذلك لأنه لا يمكن حصرهم.
ففي هذه الأزمنة الذين ينتسبون إلى أنهم من ذرية الحسن والحسين، أو من أهل البيت لا يمكن حصرهم. في كل قرية -غالبا- في كل دولة، و كل من انتسب يقول: إنه من ذرية الحسن أو من ذرية الحسين، فملوك الأردن، ملوك المغرب يدعون ذلك. وكذلك كثير يوجدون في المملكة قبائل كثيرون.
فمن وقف -مثلا- على الأشراف لم يمكن حصرهم. فيجوز أن يقتصر على بعضهم، ويجوز أن يفضل هذا على هذا، والأولى في هذه الحال أن يقتصر على ذوي الاستحقاق: الغارمين والعاجزين، ومن يلحق بهم.
مسائل الوقف متعددة، قد أطال العلماء فيها، ولكن المؤلف -هنا- اقتصر على خلاصتها، من أراد التوسع وجدها قد ألف فيها مؤلفات، وذلك لكثرة الخلاف الذي يقع فيها.
هناك الآن أوقاف يمكن أن لها ألف عام أو أكثر، وتصرف في مصارفها. هناك أوقاف في الهند، وفى المغرب، وفى كثير من البلاد، موقوفة على الكعبة، أو على المسجد الحرام. وقد استغني عنهم، المسجد الحرام مستغن، الدولة خدمته، أقامت ما حوله ووسعته.
كذلك -أيضا- تشاهد الأوقاف التي في مكة للأشراف، عمائر الأشراف هذه أوقاف على الحرم: على توسعته، أو على خدمته، أو على عمارته، أو إنارته، أو ما أشبه ذلك. يصرف منه -في وجوه ما يحتاجه- شيء يسير، والبقية يأخذها أولئك الذين يدعون أنهم من الأشراف، وأنهم وكلاء على ذلك، يصرفونها فيما يرونه.
وبكل حال فالوقف من أفضل الأعمال؛ لما ذكر في الحديث: « صدقة جارية »(3) وذكروا أن الصحابة ما منهم أحد إلا حبس عقارا، وأن تلك الأحباس بقيت مدة طويلة بمكة، وأن الذين يتولونها استولوا عليها فيما بعد. وقد نزعت ملكية كثير منها، وعمر بها عمائر. هذه العمارات التي بمكة، التي على عشرة أدوار أو خمسة عشر، الغالب أنها من تلك الأوقاف، التي كانت قرب مكة، ولما نزعت ملكيتها عمر بها في أماكن، وأهلها -الذين وقفت عليهم- يستغلونها.
ومن الوقف -أيضا- الأرض التي فتحت عنوة في عهد عمر -رضى الله عنه-: أرض الشام ومصر والعراق -المزارع- فإنها لما فتحت رأى عمر -رضى الله عنه- وقفها وعدم بيعها وعدم قسمتها، وجعلها وقفا لبيت المال، يضرب عليها خراج مستمر، يؤخذ ممن هي في يده. فإذا كان الذي يزرعها أو يحرثها ذميا، دفع ما يسمى بالعشر -الخراج- يدفع الخراج، يقدر بالعشر خراج هذه الأرض، ويسمى الديوان.
كذلك إذا كان الذي يزرعها مسلما فإنه يخرج الزكاة، ويخرج -أيضا- الأجرة، الذي هو الخراج، فيؤخذ منه الخمس إذا كانت تسقى بلا مؤنة: العشر لأنه زكاة، والعشر الثاني كأجرة لها. ومع ذلك فإنها في هذه الأزمنة اقتطعت، وقسمت وبيعت، وما بقيت على ما كانت عليه.
(1) سورة النساء: 11 (2) سورة النساء : 12 (3) مسلم : الوصية (1631) , والترمذي : الأحكام (1376) , والنسائي : الوصايا (3651) , وأبو داود : الوصايا (2880) , وأحمد (2/372) , والدارمي : المقدمة (559). (4) سورة الأنفال: 41 (5) سورة هود: 73 (6) سورة الأحزاب: 33 (7) مسلم : فضائل الصحابة (2408) , وأحمد (4/366) , والدارمي : فضائل القرآن (3316). (8) (9) سورة الفرقان: 54 |