أصحاب الثلثين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و صلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى الله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله -تعالى-: "والثلثان فرض أربعة: البنتين فأكثر، وبنتي الابن فأكثر، والأختين لأبوين فأكثر، والأختين لأب فأكثر.
والثلث فرض اثنين: ولدي الأم فأكثر، يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم، والأم حيث لا ولد ولا ولد ابن، ولا عدد من الإخوة، والأخوات لكن لها ثلث الباقي في العُمَرِيَّتَيْن، وهما أبوان وزوج أو زوجة.
والسدس فرض سبعة: الأم مع الولد أو ولد الابن، أو عدد من الإخوة والأخوات، والجدة فأكثر مع تحاذٍ، وبنت الابن فأكثر مع بنت الصلب، وأخت فأكثر لأبٍ مع أخت لأبوين، والواحد من ولد الأم، والأب مع الولد أو ولد الابن، والجد كذلك.
السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
الثلثان سهمان من ثلاثة أسهم، جعلهما الله -تعالى- فرضا للبنتين فأكثر، وللأختين فأكثر في قوله -تعالى-: ﴿ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ﴾(1) قال العلماء: معنى ﴿ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ﴾(1) أي: اثنتين فما فوق، هذا هو الصحيح؛ وذلك لأن الأختين لهما الثلثان -كما في آخر السورة-: ﴿ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ﴾(2) يعني: الأختين؛ ولأن الأخت تأخذ النصف، وتأخذ الثلث مع أخيها، فالبنت كذلك بطريق الأولى إذا كانت تأخذ النصف وحدها، فإذا كانتا اثنتين تغيَّر إرثهما، وورثتا الثلثين، فتكون كلمة "فوق اثنتين" معناها: اثنتين فما فوق.
وذهب بعض الظاهرية إلى أن فرض الثنتين من البنات النصف، وما فوق الثنتين الثلثان، ولكن هذا خلاف إجماع الأئمة، قالوا أو ذكر: أن سعد بن الربيع -رضي الله عنه- قتل في غزوة أحد، وكان له أخ، وله ابنتان، وله زوجة، أخوه أخذ جميع المال، وقال: الإناث ليس لهن مال، فجاءت امرأته تشتكي، وتقول: إنه خلَّف ابنتين، وإنهما لا ينكحان إلا إذا كان لهما مال، فأنزل الله آية الفرائض، فدعاه فقال: « أعط بنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك »(3) فهذا دليل على أن البنتين يأخذن الثلثين.
ذكروا أنهن يأخذن الثلثين بشرطين: شرط وجودي وشرط عدمي، الشرط الوجودي: أن يكن اثنتين فأكثر، ولو وصلن إلى عشرة أو عشرين، ما يزيد سهمهن على الثلثين.
الشرط الثاني: عدم المعصب الذي هو أخوهن، فإنه ينقلهن من الفرض إلى التعصيب، فلو مات ميت وله عشر بنات، وله عم، فعشر البنات يأخذن الثلثين، والباقي للعم، فإن كان مع البنات أخوهن أخذن المال كله، واقتسمنه للذكر مثل حظ الأنثيين، فتكون القسمة من اثني عشر، البنات لهن عشرة أسهم، وهو له سهمان، يعني: أصبح في هذه الحال نقلهن من الفرض إلى التعصيب أخوهن، وأخذوا جميع المال، وسقط العم، وحصل لهن خمسة أسداس المال، ولأخيهن السدس، قبل وجوده ما كان لهن إلا الثلثان، ومعه يسمى أخا مباركا حصل لهن خمسة أسداس، يأخذن الثلثين بشرطين: شرط عدمي: عدم المعصب، وشرط وجودي: وجود اثنتين أو ثلاثا أو أكثر.
النص ورد في الأولاد: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾(1) هكذا أخبر الله ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾(1) الأولاد يدخل فيهن، يدخل في كلمة أولاد الذكور والإناث، كلهم أولاد، فالإناث أولاد، والذكور أولاد؛ لأنهم مولودون، قال العلماء: إن أولاد البنين كأولاد الصُّلب؛ فلذلك ابن الابن إذا لم يكن غيره ورث المال كما يرثه الابن، الابن إذا لم يكن إلا ابن واحد أخذ المال كله، فإن مات قبل أبيه، وكان له ابن فابن الابن يرث جده، يرث المال كله إذا لم يكن غيره، فكذلك بنت الابن تقوم مقام البنت إذا لم يكن هناك بنت، قامت مقام البنت فأخذت النصف.
فإذا كن اثنتين بنتي ابن أو بنات ابن، ثنتين أو أكثر من اثنتين، ورثن الثلثين؛ لأنهن يقمن مقام بنات الصلب، بنات الابن يرثن الثلثين بثلاثة شروط: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم المعصب، وعدم الفرع الوارث الذي أعلى منهن، فإذا كن واحدة فليس لها إلا النصف، كما أن البنت ليس لها إلا النصف، وإذا كان معهن أخوهن عصبهن؛ فيأخذن المال معه كما أن الابن يعصِّب أخواته كذلك ابن الابن يعصب أخواته، وابن الابن -أيضا- يعصب بنت عمه أو بنات عمه التي في درجته.
إذا كان لزيد -مثلا- ولدان، مات أحدهما وله ثلاث بنات وأبوه حي، ومات الثاني وله بنت وابن، ثم مات الجد، جد هؤلاء، فبنات الأول يرثن من جدهن، ويقلن: هذا أبو والدنا، وبنات الثاني بنته وابناه يرثون -أيضا-، فابن الابن هذا يعصب أخته، ويعصب بنات عمه اللاتي في درجته؛ فيأخذون المال كله تعصيبا، يعني: يقتسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين، فبنات عمه ثلاث، وهو وأخته ثلاث، له سهمان، و لأخته سهمان، ولبنات عمه ثلاثة أسهم، هذا معنى كون المعصب ينقلهن من الفرض الثلثين إلى التعصيب، وهو أخذ المال، أو أخذ ما بقي بعد أهل الفروض.
فلو فرضنا أن هناك زوج فإن الزوج يأخذ الربع لوجود الفرع الوارث، ولو كانوا أنزل من الأولاد بدرجة، والباقي يأخذه ابن الابن وأخته وبنات عمه، يأخذونه تعصيبا، وإذا كان مع بنات الابن بنت صلب فإن بنت الصلب تأخذ نصفها كاملا، ويبقى سدس من الثلثين تأخذه بنت الابن أو بنات الابن ولو كن عشرة، ويسمى السدس تكملة الثلثين.
مثال: لا يرثن الثلثين إلا مع عدم الفرع الوارث الذي أعلى منهن، عرفت أن الفرع الوارث هم الأولاد وأولاد البنين، فبنت الابن وبنات الابن من الفرع الوارث؛ لأنهم متفرعون عن الميت، وحيث إنهم متفرعون عنه فإنهم فرع، و قيدوه بالوارث احترازا من الفرع الذي لا يرث كبنت البنت وبنت بنت الابن فرع غير وارث؛ لأنها تدلي بأنثى.
ثم عرفنا أنهن يأخذن الثلثين -بنات الابن- بثلاثة شروط: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم المعصب وهو أخوهن، وعدم الفرع الوارث الذي أعلى منهن، فإن كان معهن ابن من الصلب سقطن، وإن كان معهن بنت أخذت البنت النصف، والباقي لبنت الابن أو بنات الابن، وإن كان معهن بنتان أخذ البنتان الثلثين، وسقطت بنت أو بنات الابن.
الثالث: الأخوات الشقائق يأخذن الثلثين بأربعة شروط: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم المعصب، وعدم الأصل من الذكور الوارث، وعدم الفرع الوارث، أربعة شروط، فالواحدة من الأخوات ترث النصف، ولا يرثن الثلثين إلا إذا كن اثنتين فأكثر -الأخوات الشقائق-، وإذا كان معهن أخوهن نقلهن إلى التعصيب، يرثن معه المال كله تعصيبا، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله -تعالى-: ﴿ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾(2) .
وإذا كان هناك فرع وارث كالأبناء، أو البنات، أو بنات الابن، أو أبناء الابن، فلا يرث الأخوات الثلثين، بل إما أن يرثن تعصيبا مع الغير، وإما أن يسقطن، فالابن يسقطهن، والبنات يأخذن معهن الثلث تعصيبا، والبنت إذا أخذت نصفها أخذ الأخوات الباقي تعصيبا، وأما الأصل الوارث، الأصل الوارث منه: الأب والجد، قيدوه بالذكور، الأصل من الذكور الوارث فإن كان أبا أسقط الأخوات؛ لأنهن يدلين به، يعني: هو واسطتهن فمن أدلى الواسطة فقد سقط بها، وإن كان جدا ففيه خلاف، سيأتي -إن شاء الله-.
فلا يرثن الثلثين مع الأب، ولا مع الجد، ولا مع الابن، ولا مع البنت، ولا مع ابن الابن، ولا بنت الابن، ولا بنات الابن، لا يرث الشقائق الثلثين إلا عند عدم هؤلاء، أربعة شروط: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم المعصب وهو أخوهن، وعدم الأصل الوارث من الذكور الأب أو الجد، وعدم الفرع الوارث الأولاد وأولاد البنين.
أما الأخوات من الأب فإنهن يقمن مقام الأخوات الشقائق عند عدمهن، فيأخذن الثلثين بخمسة شروط: الشروط المذكورة في الأخوات الشقائق، وزيادة شرط خامس، وهو عدم الأشقاء والشقائق، فإذا كان معهن شقيقة أخذت النصف، وبقية الثلثين للأخوات من الأب، وإن كن شقيقتين أخذن الثلثين، وسقط الأخوات لأب، وإن كان أخ شقيق أسقط جميع أولاد الأب، ذكورا وإناثا، هؤلاء أصحاب الثلثين.
أصحاب الثلث
أما الثلث فإنه فرض اثنين: الأم، وولد الأم، فولد الأم هو الأخوة من الأم، واحدهم له السدس، والاثنان لهما الثلث، وكذلك إن زادوا، لا يزيد فرضهم على الثلث ذكر في القرآن، في نفس السورة قول الله -تعالى-: ﴿ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ﴾(4) ويستوي فيه ذكرهم وأنثاهم، فيأخذون الثلث بهذه الشروط:-
الشرط الأول: عدم الفرع الوارث، ألا يكون للميت ابن، ولا بنت، ولا ابن ابن، ولا بنت ابن، هؤلاء كلهم يسقطون الأخ من الأم، والإخوة من الأم، هؤلاء فرع وارث، واحدا أو عددا، ولو لم يكن له إلا بنت، أو بنت ابن أسقطت الإخوة من الأم، وكذلك إذا كثروا لو كان له عشرة أبناء سقط الإخوة من الأم.
وكذلك -أيضا- شرط ثانٍ: عدم الأصل الوارث من الذكور، وهم الأب، والجد، هذا هو الأصل الوارث فالأب يسقطهم، والجد يسقطهم، ولو كان بعيدا، فمعناه أن الأخوة من الأم لا يرثون الثلث إلا بهذه الشروط، عدم الفرع الوارث، وعدم الأصل الوارث من الذكور، وأن يكونوا اثنين فأكثر، ولهم خصائص، قالوا: لهم أربع خصائص:-
أولا: أنهم يدلون بأنثى ويرثون.
ثانيا: أنهم يحجبون ما أدلوا به حجب نقصان.
ثالثا: أن ذكرهم كأنثاهم.
رابعا: أنهم ذكرهم لا يعصب أنثاهم.
هذه خصائصهم، كل من أدلى بأنثى لا يرث إلا الإخوة من الأم، يدلون بأنثى ويرثون، فمثلا: أولاد الأخت هل يرثون؟ لا يرثون من خالهم، ولا من خالتهم؛ لأنهم يدلون بأنثى، وكذلك أولاد البنت لا يرثون من جدهم أو من جدتهم؛ لأنهم يدلون بأنثى، وكذلك أولاد بنت الابن، وحتى الجد أبو الأم؛ لأنه يدلي بالأم فكل من أدلى بأنثى لا يرث إلا الإخوة من الأم، يدلون بأنثى ويرثون.
كذلك يضرون أمهم، إذا مات ميت، وله أم وأخوان من أم وعم، فالأم ما لها علة وجود، والأخوان لهما ثلث، والبقية للعم، حجبوا الأم، أضروها مع عدمهم كانت تأخذ الثلث، فمع وجودهم ما حصلت إلا السدس، يحجبون من أدلوا به حجب نقصان.
وكذلك لما كانوا يدلون بالرحم، يرثون بالرحم المجردة استوى ذكرهم وأنثاهم، فإن قوله -تعالى-: ﴿ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ﴾(4) دليل على أنهم لا يزيدون على الثلث لا يزيدون عنه، والشركة تقتضي المساواة، أي: هم شركاء، ذكرهم كأنثاهم، هؤلاء من أهل الثلث، الاثنين فأكثر.
من أهل الثلث الأم، ترث الثلث بشرطين عدمين: عدم الفرع الوارث، أو بثلاثة شروط: عدم الفرع الوارث، وعدم الجمع من الإخوة، وألا تكون المسألة إحدى العُمَريتين، هذه شروط أخذ الأم للثلث، قال الله -تعالى-: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾(1) يعني: إذا لم يرثه إلا أبواه فلأمه الثلث، والباقي للأب، إذا ذكر نصيب وارث، وسكت عن الباقي فهو للوارث الثاني، ففي هذه الحال لأمه الثلث، إذا لم يكن له ولد، ولم يرثه إلا أبواه فللأم الثلث، والباقي لأبيه، وهذا شرط: ألا يكون له ولد، الولد يعم الذكر والأنثى من الأولاد وأولاد البنين، ويعم الواحد والعدد، فلو كان له بنت أو بنت ابن ما ورثت الأم إلا السدس؛ لأن له ولدا.
الشرط الثاني: عدم الجمع من الإخوة في قول الله -تعالى-: ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(1) فجعل الله الإخوة يحجبون الأم إلى السدس، وكما أن الأولاد يحجبونها إلى السدس، هذا نص ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(1) الباقي للإخوة، إذا لم يكن له إلا أم، وله إخوة أعطيت الأم السدس، والبقية للإخوة، للذكر مثل حظ الأنثيين. حجب الإخوة للأم عن الثلث:
كلمة إخوة تعم -أيضا- الإخوة من الأم؛ فلذلك قالوا: يحجبها الإخوة من الأم إذا كانوا اثنين أو أكثر، ويحجبها الإخوة الأشقاء اثنان فأكثر، والإخوة من الأب اثنان فأكثر، وكذلك الأخوات شقائق أو لأب أو لأم أو متفرقين، يحجبونها إلى السدس، فمع أخوين شقيقين وأم للأم السدس، ومع أختين شقيقتين وأم لها السدس، وكذلك أخوان لأب لها السدس، أو أختان لأب أو أختان لأم أو أخوان لأم أو أخ شقيق وأخت لأم، أو أخ شقيق وأخت لأب، أو أخت لأب وأخت لأم، واثنان من الإخوة ذكورا وإناثا لأب أو لأبوين أو لأم يحجبونها إلى السدس.
ثم ها هنا مسألة فيها خلاف، وهي إذا كان الإخوة محجوبين فهل يحجبونها أم لا؟ إذا كانوا محجوبين بالجد على القول بأنه يحجبهم، أو محجوبين بالأب؛ لأن الأب يسقطهم.
مثاله: مات ميت وله أبوان وأخوان، إذا قلنا: إن الأخوين يحجبون الأم، فهم لا يرثون، يمنعهم الأب؛ لأنه واسطتهم، يسقطهم الأب؛ فلا يرثون في هذه الحال، ففي هذه الحال الجمهور على أنهم ساقطون ويحجبون، يضرون الأم ولا ينتفعون؛ فيكون للأم سدس، وخمسة الأسداس للأب، هذا مثال من يحجب ولا يرث، ولكنه حجب نقصان، منعوا الأم من أوفر حظيها، وهو الثلث، ولم ينتفعوا فصار النفع للأب.
ذهب بعض العلماء إلى أنهم لا يحجبون في هذه الحال، ويختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ويقول: "إذا كانوا لا ينتفعون فكيف يضرون، العادة أن الحاجب إنما يحجب غيره إذا كان ينفع نفسه، إذا كان ينتفع بذلك الحجب" وهذا هو الأصل أن الأولاد يحجبون الأبوين لأجل أن يزيد لهم المال، ويحجبون الزوجين حجب نقصان لأجل أن يزيد لهم المال، ويحجبون الإخوة حجب حرمان لأجل أن يزيد لهم المال فما فائدة الإخوة من هذا الحجب؟ كيف يحجبون وهم لا يرثون؟.
فيرى شيخ الإسلام أنهم لا يرثون في هذه الحال ولا يحجبون الأم، بل الأم لها الثلث كاملا، ولكن ما تجرأ العلماء على أن يعطوها الثلث وهناك إخوة للنص الصريح ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(1) فشيخ الإسلام يقدر يقول: "فإن كان له إخوة وارثون فلأمه السدس كما إذا كان له ولد، ويرثون فلأمه السدس".
ثم ذكر أن للأم ثلث الباقي في العُمَريتين، وهما الأبوان وزوج أو زوجة، لها ثلث الباقي تمشيا وتأدبا مع القرآن؛ لأن القرآن فرض لها الثلث إذا لم يكن هناك ولد ولا جمع من الإخوة.
وثم ذكر أن للأم ثلث الباقي في العمريتين، وهما أبوان لزوج أو زوجة، لها ثلث الباقي تمشيا وتأدُّبا مع القرآن؛ لأن القرآن فرض لها الثلث إذا لم يكن هناك ولد، ولا جمع من الإخوة، ففي هذه الحال إذا كان معنا أحد الزوجين وأب وأم، ففي هذه الحال كيف نعطيها أكثر من الأب ؟
الأب -عادة- يكون أكثر منها، فإذا كان معها زوج، وأعطينا الزوج النصف؛ ثلاثة من ستة، وأعطينا الأم الثلث؛ اثنين من ستة، ما بقي للأب إلا واحد، وهو سدس.
المسألتين العمريتين:
فرأى عمر بن الخطاب أنها تُعْطَى ثلث الباقي بعد الزوج؛ تأدبا مع القرآن، ففي هذه الحال يكون لها سدس، وللأب مثلها مرتين، وللزوج النصف، فهذا يعني: ثلث الباقي، إذا أخذ الزوج النصف ثلاثة من ستة بقي عندنا ثلاثة: للأم ثلث الثلاثة واحد، وللأب مثلها. هذه إحدى العمريتين.
الثانية: زوجة وأبوان، زوجة وأبوان، الزوجة لها الربع، ويبقى ثلاثة، فللأم ثلث الباقي، وللأب الباقي، الباقي بعد الزوجة ثلاثة أرباع، فتأخذ الأم واحدا ثلث الباقي، وهو في الحقيقة ربع، وسميناه ثلث الباقي تأدبا مع القرآن، ويأخذ الأب الباقي، هذا هو قول عمر -رضي الله عنه-.
اشتهر أنه أفتَى في هاتين المسألتين، واتبعه الصحابة، وأجمعوا على ذلك، وسُمِّيتَا بالعمريتين نسبة إلى عمر؛ لأنه الذي أفتى بذلك، كأنه رأى أن الأم -عادة- ما تأخذ إلا نصف الأب، كما أن البنت تأخذ نصف الابن، وكما أن الزوجة تأخذ نصف ما يأخذه الزوج، فلذلك قالوا: نعطيها في هذا نصف الأب.
وكأنهم أخذوا -يعني- حملوا قوله تعالى: ﴿ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ ﴾(1) ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ ﴾(1) أي: لم يرثه إلا أبواه فلأمه الثلث في هذه الحال، فأما إذا كان هناك ورثة غير الأبوين -كزوج أو زوجة- فإنها لا تأخذ الثلث؛ وإنما تأخذ مثل نصف الأب، هذا رأيهم.
ذهب الظاهرية إلى أنها تأخذ الثلث كاملا في العمريتين، وقالوا: إن العادة أنها تأخذ فرضها كاملا، وذلك للعمل بالحديث: « ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر »(5) .
فعندنا الزوج يأخذ النصف فرضا، والأم فرضها الثلث، وما بقي هو سدس فيأخذه أولى رجل وهو الأب، هكذا ذكروا.
ولكن الجمهور على ما أفتى به عمر؛ ذكر أن السدس فرض سبعة: الأم، والجدة، وبنت الابن، والأخت لأب، والأخ من الأم، والأب، والجد، سبعة.
فالأم تستحقه مع الولد إذا كان هناك ولد ذكرٌ أم أنثى، يعني: ولد للميت ذكر أم أنثى منع الأم من الثلث، وورثت السدس، وكذلك ولد الابن، يمنعونها أيضا؛ لأنهم فرع وارث، واحد أو عدد، وإن نزل، ولو كان عندنا بنت ابن ابن ابن، فإنها تحجب الأم إلى السدس.
كذلك العدد من الإخوة والأخوات، الجمع من الإخوة يمنعون الأم من الثلث، وترث معهم السدس.
قال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(1) وكلمة إخوة جعلوها تصدق على اثنين، فإذا مات ميت وله أخوان وأم، فللأم السدس والباقي للأخوين، وإذا كان له أختان وأم فللأم السدس وللأختين شقيقتين أو لأب الثلثان، والباقي للعاصب.
يعني: يحجبها الجمع من الإخوة، اثنان أخوان لأب، أو أخوان لأم، أو أخوان لأبوين، أو أختان من الجميع، أو أخ وأخت يحجبونها فلا ترث إلا السدس معهم.
الثاني: الجدة فأكثر مع تحاذ، الجدة ترث السدس بشرط واحد وهو عدم الأم؛ ألا يكون هناك أم، لا يمنعها إلا الأم، فالأم تسقطها، وإذا كان عندنا جدتان اشتركن في السدس، وإذا كن أكثر -ثلاث جدات متحاذيات- اشتركن في السدس، يقول الناظم:
والسدس فرض جدة في النسب *** واحـــدة كــانت لأم وأب
ثم يقول:
وإن تسـاوى نـسب الجـدات *** وكــن كــلهـن وارثـات
فالسـدس بينـهن بالسـوية *** ........................................
فإذا كان عندك أم أم وأم أب، فهن الآن مستوِيات، أم الأب في الدرجة الثانية، وأم الأم في الدرجة الثانية، فيشتركن في السدس، فإن كن ثلاثا فلا يتحاذين إلا إذا كن في الدرجة الثالثة؛ أُمُّ أُمِّ أم، وأُمُّ أُمِّ أب اشتركن في الدرجة الثالثة.
وأُمُّ أَبِّ أب، يعني أم أم أم كلهن إناث، وأم أم أب أنثيان وأب، وأم أب أب فيشتركن، يتحاذين ثلاثا، فيشتركن في السدس.
ذكروا أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تطلب ميراثها، فشهد بعض الصحابة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وَرَّثَها السدس.
ثم جاءت الجدة الثانية إلى عمر أم الأب، فقال: هو ذاك السدس، أيكما انفردت فهو لها، وإن اجتمعتما فبينكما .
ويتحاذى ثلاث جدات؛ يعني: أم أم أم، وأم أم أب، وأم أب أب، يرثن في السدس بشرط عدم الأم.
الثالث: بنت الابن فأكثر مع بنت الصلب ترث السدس، ويُسَمَّى تكملة الثلثين، صورة ذلك: إذا عندك بنت للصلب، وعندك بنت ابن، فبنت الصلب تأخذ النصف، وتُعْطَى بنت الابن السدس تكملة الثلثين؛ لأن الله جعل للبنات الثلثين، ومعلوم أن بنات الابن يأخذن الثلثين إذا لم يكن غيرهن، فإذا كان كذلك فلا بد للفرع الوارث من الإناث من استكمال الثلثين، وحيث إن القربى أخذت النصف فالبعيدة التي هي بنت الابن تأخذ تكملة الثلثين السدس، سواء كانت واحدة أو ثنتين أو ثلاث أو أربع أو أكثر، بنت الابن، أو بنت ابن يشتركن في السدس الذي هو تكملة الثلثين.
إذا مات ميت وله بنت وله خمس بنات ابن، البنت لها النصف لقوله -تعالى-: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ﴾(1) وخمس بنات الابن لهن السدس تكملة الثلثين، يشتركن فيه.
الرابع: الأخت فأكثر لأب مع أخت لأبوين، الأخت من الأب مع الأخت الشقيقة مثل بنت الابن مع بنت الصلب، سواء إذا كان عندك أخت شقيقة وخمس أخوات من أب أو واحدة فالشقيقة لها النصف، ثلاثة من ستة، والأخت أو الأخوات من الأب لهن السدس، تكملة الثلثين؛ لأن الله جعل للأخت النصف، وجعل للأختين الثلثين، فالقريبة القوية تأخذ النصف التي هي الشقيقة، والبقية يأخذن تكملة الثلثين، مثل بنت الابن مع بنت الصلب.
الخامس: الواحد من ولد الأم، ولد الأم يعم الذكور والإناث، فالواحد يأخذ السدس؛ لقوله -تعالى-: ﴿ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾(4) فيأخذ السدس ابن -يعني- ابن الأم أو بنت الأم، الأخ من الأم أو الأخت من الأم، تأخذ السدس، يقول الناظم:
ولــد الأم ينــال السـدس *** والشرط في إفراده لا ينسى
أي: أنه يكون واحدا، سواء ذكرا أم أنثى.
السادس: الأب يرث السدس مع الولد أو ولد الابن، الولد يعم الذكور والإناث من أولاد الصلب، ولد الابن يعم الذكور والإناث من أولاد الابن، فكلهم يحجبون الأب إلى السدس، لكن إذا كن إناثا فإنه يأخذ الباقي تعصيبا، يجمع بين الفرض والتعصيب.
إذا مات ميت وله أب وبنت، فللأب السدس فرضا، وللبنت النصف فرضا، ويبقى عندنا ثلث يأخذه الأب تعصيبا؛ لأنه أولى رجل ذكر، فهو صاحب فرض وصاحب تعصيب، كذلك إذا بقي أقل.
لو كان عندك مثلا: زوجة وبنتان وأب، أليس الزوجة لها الثمن؛ ثلاثة من أربع وعشرين، والبنتان لهما الثلثان؛ ستة عشر، والأب له السدس، ويبقى عندك واحد من أربعة وعشرين، يأخذه الأب تعصيبا، يجمع بين الفرض والتعصيب، أعطيت البنتين ستة عشر من أربع وعشرين، وأعطيت الأب أربعة، هذه عشرون، والزوجة ثلاثة من أربعة وعشرين، يبقى عندك واحد يأخذه الأب تعصيبا.
فإذا كان الولد ذكورا فالتعصيب للولد، واحد أو عدد، أو ولد ابن، واحد أو عدد، فإذا مات ميت عن أبيه وابنه ليس له إلا أب وابن، فالسدس للأب وخمسة الأسداس للابن، وكذلك ابن ابن، أو ابن ابن ابن -وإن نزل- ليس له إلا السدس مع الابن أو ابن الابن وإن نزل.
والجد كذلك ينزل منزلة الأب في أن الابن يحجبه إلى السدس، وكذلك البنت تحجبه، إلا أنه يأخذ الباقي تعصيبا، يعني: منزلته منزلة الأب إلا مع الإخوة.
يقول الناظم:
والجــد مثــل الأب عنـد فقده *** فـي حـوز مـا يصيبـه ومده
إلا إذا كـان هنـــاك إخــوه *** لكونهم في القرب وهـو أسـوه
أو أبـوان معهمـــا زوج وارث *** فـالأم للثلـث مـع الجـد ترث
ثم قال في باب آخر:
ونبتـــدئ الآن بمـن أردنـا *** فـي الجـد والإخوة إذ وعدنا
تقسيم المال بين الجد والإخوة
ثم ذكر تقسيم المال بين الجد والإخوة.
وننبه إلى أن مسألة الجد والإخوة من المسائل الحرجة، التي وقع فيها خلاف كبير طويل بين العلماء المتقدمين من عهد عمر -رضي الله عنه-، أفتى فيها أبو بكر بأن الجد يحجب الإخوة، وأنه كالأب، وهذا هو الراجح الذي عليه الفتوى.
وذهب آخرون إلى أن الجد لا يسقط الإخوة لكونهم في القرب وهو أسوة، يعني: أنهم متساوون، الإخوة يقولون: نحن ندلي بالأب، والجد يقول: أنا أدلي بالأب، أنا واسطتي أبوه، وهم يقولون: نحن أبناء ابنه، وهذا يقول: أنا أبو أبيه.
فجعلوهم أسوة مع الجد ورثوهم معه، سواء كانوا إخوة أشقاء أو إخوة من الأب، فيجعلون الجد كواحد منهم، إلا إذا كانت المقاسمة تنقصه، فإذا لم يكن معهم صاحب فرض فإنه له الخيار، يقال: أنت بالخيار؛ إما أن تأخذ ثلث المال، أو تقاسم الإخوة، فيختار الأحظ له، فإن كان الإخوة أقل من مثليه فالمقاسمة أحظ له، وإن كان الإخوة مثليه استوى له المقاسمة وثلث المال، وإن كان الإخوة أكثر من مثليه فالمقاسمة تُنَقِّصه فيأخذ ثلث المال.
ونوضح الباقي -إن شاء الله- غدا.
(1) سورة النساء: 11 (2) سورة النساء: 176 (3) الترمذي : الفرائض (2092) , وأبو داود : الفرائض (2891) , وابن ماجه : الفرائض (2720). (4) سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:12 (5) البخاري : الفرائض (6737) , ومسلم : الفرائض (1615) , والترمذي : الفرائض (2098) , وأبو داود : الفرائض (2898) , وابن ماجه : الفرائض (2740) , وأحمد (1/292). |