الجد مع الإخوة والأخوات
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فصل: والجد مع الإخوة والأخوات للأبوين أو لأب كأحدهم، وإن لم يكن معه صاحب فرض فله خير أمرين: المقاسمة، أو ثلث جميع المال، وإن كان فله خير ثلاثة أمور: المقاسمة، أو ثلث الباقي بعد صاحب الفرض، أو سدس جميع المال، فإن لم يبق غيره أخذه وسقطوا إلا في الأكدرية، وهي زوج وأم، وجد وأخت لأبوين أو لأب، فللزوج نصف وللأم ثلث، وللجد سدس، وللأخت نصف، فتعول إلى تسعة، ثم يقسم نصيب الجد والأخت بينهما -وهو أربعة- على ثلاثة، فتصح من سبعة وعشرين.
ولا يعول في مسائل الجد ولا يفرض لأخت معه ابتداء إلا فيها، وإذا كان مع الشقيق ولد أب عَدَّه على الجد، ثم أخذ ما حصل له وتأخذ أنثى لأبوين تمام فرضها والبقية لولد الأب.
فصل: حجب الحرمان لا يدخل على الزوجين والأبوين والولد، ويسقط الجد بالأب، وكل جد وابن أبعد بأقرب، وكل جدة بأم، والقربى منهن تحجب البُعْدَى مطلقا، لا أب أمه أو أم أبيه، ولا يرث إلا ثلاث، أم أم، وأم أب , وأم أب أب، وإن علون أمومة، ولذات قرابتين مع ذات قرابة ثلثا السدس، ويسقط ولد الأبوين بابن وإن نزل وأب، وولد الأب بهؤلاء، وأخ لأبوين، وابن أخ بهؤلاء، وجد، وولد الأم بولد، ووالد ابن وإن نزل، وأب وأبيه وإن علا، ومن لا يرث لمانع فيه لا يُحْجَب.
السلام عليكم ورحمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مسألة الجد والإخوة من أغمض المسائل؛ حيث لم يرد فيها حديث مرفوع، واختلف فيها الصحابة اختلافا كثيرا؛ فأفتى فيها أبو بكر -رضي الله عنه- بأن الجد كالأب يسقط الإخوة.
وأما عمر فاختلف رأيه؛ فتارة يسقط الإخوة بالجد، وتارة يورثهم، وتارة يتوقف ويكره الفتيا في هذه المسألة، ولكنها وقعتْ له، وقع أنه مات أحد أبنائه وله ذرية، ثم مات أحد أولئك الذرية وله إخوة وجد -الذي هو عمر- فلم يكن بد من أن يفتي فيها، فاختار أن الجد لا يسقط الإخوة، بل يقاسمهم، ولكن له طريقة وهي التي ذُكِرَتْ هنا.
الفتوى الآن على أن الجد يسقط الإخوة، وأنه كالأب، قد نصر ذلك ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين" بنحو عشرين وجها تدل على أن الجد يسقط الإخوة وأنه كالأب، من أرادها طالعها.
وإذا قيل: إن الجد لا يسقطهم. فإنهم ينظرون ما هو الأحَظّ له، وذلك لقوته وأنه أقوى من الإخوة، فلما كان كذلك جعلوه أفضل منهم، الإخوة الذين يقاسمهم هم الأشقاء أو لأب؛ وذلك لأنهم جميعا يدلون بالأب، وهو يدلي بالأب، فإذا كان معه إخوة فإنه يكون كأحدهم، فإذا كان جد وأخ فإن المال نصفين، وإذا كان جد وأخت فإن الجد كأخ، فللأخت سهم وله سهمان كما لو كان أخاها، وجد وأختان له سهمان ولهما لكل واحدة سهم.
فإذا لم يكن معهم أصحاب فروض فإن له خير الأمرين: المقاسمة، أو ثلث المال، المقاسمة كونه يقتسم المال هو وإياهم على رءوسهم، ومتى تكون المقاسمة خيرا له من ثلث المال؟ إذا كان الإخوة أقل من مثليه، إذا كانوا مثله مرة ونصف، أو مثله مرة، أو نصف مثله، وتنحصر في خمس صور: جد وأخت، الأخت نصفه؛ جد وأختان، الأختان مثله؛ جد وأخ، الأخ مثله؛ جد وأخ وأخت، الأخ والأخت مثله مرة ونصف؛ جد وثلاث أخوات، الثلاث أخوات مثله مرة ونصف.
ففي هذه الحال المقاسمة خير له، إذا كانت معه أخت واحدة يأخذ الثلثين، وإذا كان معه أختان أو أخ يأخذ النصف، وإذا كان معه أخ وأخت أو ثلاث أخوات يأخذ الخُمُسين، وهو أكثر من الثلث.
الحالة الثانية: أن يستوي له المقاسمة وثلث المال، ويُعَبَّر بالمقاسمة وتنحصر في ثلاث صور، وضابطها أن يكون الإخوة مثليه، أي: مثله مرتين، ضابطها ثلاث صور: جد وأخوان، ثلاث؛ جد وأخ وأختان، الأختان سهم والأخ سهم والجد سهم؛ جد وأربع أخوات، الجد سهم والأختان سهم والأختان سهم، ففي هذه الحال تستوي له المقاسمة وثلث المال.
أما إذا كان الإخوة خمسة، أو -مثلا- أخوان وأخت، أو ثلاثة إخوة، أو خمس أخوات، ففي هذه الحال الإخوة أكثر من مثليه إذا كانوا خمس أخوات، أو أخوان وأخت، فهم مثله مرتين ونصف، أخوان وأخت، مرتان ونصف، مثله مرتين ونصف، أو أخ وثلاث أخوات مثله مرتين ونصف، أو خمس أخوات مثله مرتين ونصف، ففي هذه الحال لو قاسمهم ما حصل له إلا سُبعان، يعني: سهمان من سبعة.
وهذا أقل من مثليه ففي هذه الحال -يعني- أقل من الثلث، فيأخذ ثلث المال؛ لأنهم أكثر من مثليه.
يقول: يُخَيَّر بين أمرين المقاسمة أو ثلث جميع المال، فإن كان معهم أصحاب فرض ففي هذه الحال نعطي صاحب الفرض فرضه، ثم ننظر في الباقي، فنقول: له ثلاث حالات: إما المقاسمة، وإما ثلث الباقي، وإما سدس جميع المال.
نعطي صاحب الفرض فرضه، يوجد معه جدة، ويوجد معهم أم أو زوج أو زوجة أو بنت، ففي هذه الحال ننظر في الباقي، إذا كان معه جد، جدة، فالجدة تأخذ السدس، فننظر إذا كان عندنا جد وأخت وجدة، بقي عندنا خمسة أسداس بعد الجدة، الأحَظُّ للجد المقاسمة؛ لأنه يأخذ من الخمسة الباقية ثلثيها، وتأخذ الأخت ثلثها، وتصح المسألة من ثمانية عشر، إذا أعطينا الجدة ثلاثة بقي عندنا خمسة عشر، فالأخت تأخذ خمسة من ثمانية عشر، والجد يأخذ عشرة من ثمانية عشر، فهي أكثر من النصف، فالمقاسمة أحَظُّ له.
أما لو كان معنا زوج وأخت وجد، ففي هذه الحال الزوج يأخذ النصف، ويبقى معنا ثلاثة من ستة، فننظر فإذا الزوج أخذ النصف والباقي نصف وثلاثة من ستة، معنا جد وأخت إذا نظرنا، وإذا هم ثلاثة، فالجد عن اثنين والأخت عن واحد فيقتسمون، فيكون للجد في هذه الحال ثلث جميع المال، ثلثي الباقي، وللأخت ثلث الباقي.
أما إذا كثر أصحاب الفروض، إذا كان عندنا -مثلا- زوج وأم وجَدّ وإخوة، ففي هذه الحال الزوج له النصف، والأم لها السدس، ويبقى اثنان سدسان للجد والإخوة لو قاسمهم لنقص عن السدس.
فنقول: يأخذ السدس، يأخذ السدس كاملا، والسدس الباقي للإخوة ولو كانوا عشرة يقتسمونه.
فإذا لم يبق إلا السدس أخذه، إذا لم يبق بعد الفروض إلا السدس، مثال ذلك: إذا كان عندنا زوج وبنتان وجد وإخوة، الزوج له الربع، ثلاثة، والبنتان لهما الثلثان، ثمانية، هذه أحد عشر، وبقي عندنا واحد من اثني عشر، تعول المسألة، ونعطي الجد السدس، ويسقط الإخوة ولو كانوا عشرة؛ لأن الجد ما يسقط، ولا ينقص عن السدس كاملا أو عائلا.
فيقول: إن كان -يعني- معه صاحب فرض فله خير ثلاثة أمور: المقاسمة، أو ثلث الباقي بعد صاحب الفرض، أو سدس جميع المال.
عرفنا -مثلا- أن المقاسمة أحَظّ له فيما إذا كان الباقي من المال أكثر من النصف، مَثَّلْنا بما إذا كان عندنا جدة لها السدس، وبقي خمسة أسداس، فإذا كان عندنا مثلا جد وأخ، فيكون للجد سدسان ونصف، وللأخ سدسان ونصف، يعني له ثلث ونصف الثلث، أو نصف السدس، فيكون أكثر من ثلث المال، وأكثر وأحظ من ثلث الباقي.
وأما إذا كان عندنا -مثلا- زوجة وأخوان وجد، الزوجة لها الربع، وبقي عندنا أخوان وجَدّ، وبقي عندنا ثلاثة أرباع، إذا قاسمهم أخذ سهما وأخذ الأخوان سهمين، فيكون المقاسمة أحظ له -يعني- من سدس المال، وإذا قلنا له ثلث الباقي فكذلك، الباقي ثلاثة بعد الزوجة، ثلثها واحد، ففي هذه الحالة يستوي له المقاسمة وثلث الباقي.
فأما إذا كان عندنا بنتان وأم وجَدّ وإخوة، البنتان لهما الثلثان، أربعة من ستة، والأم لها السدس، واحد من ستة، وبقي عندنا سدس يأخذه الجد ويسقط الإخوة، هذا معنى قوله: "فإن لم يبق غيره أخذه". وسقطوا، يسقط الإخوة، إلا في مسألة اسمها الأكدرية؛ فإنهم في هذه الحال ترث الأخت، ويُفْرَض لها.
ويقول الناظم:
والأخـت لا فـرض مع الجد ولها *** فيمــا عــدا مسـألة كملهـا
زوج وأم وهمـــا تمامهـــا *** فــاعلم فخـير أمـة علامهـا
تعــرف يـا صـاحب الأكدريـه *** وهـي بــأن تعرفهــا حريـه
فيفرض النصف لها والسدس له حتى تعود بالفروض المجملة، ثم يعودان إلى المقاسمة كما مضى فرض. . فهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب.
المُتَّبَع أن الزوج له النصف ثلاثة، وأن الأم لها الثلث لعدم الجمع من الإخوة، وأن الجد له السدس الباقي، وما بقي إلا سدس، وأن الأخت تسقط، ولكن في هذه الحال جعلوا لها فرضا، لماذا؟ حتى يزيد نصيب الجد، فأعطوها النصف كالعادة أن الأخت ترث النصف، لو كان عندنا أب لأسقطها، والعادة أنها ترث النصف، وأما الأختين يرثان الثلثين إذا لم يكن هناك أب، وأنهم مع الجد يصيرون مثل الجد، يصير الجد مثلهم، ولكن في هذه المسألة فرضوا للأخت، فأعطوا الأخت النصف ثلاثة، والزوج النصف ثلاثة، والجد السدس، والأم الثلث.
زادت، وصلت إلى تسع، عالت إلى تسعة، ثم نجمع نصيب الأخت مع نصيب الجد ونقسمه بينهما، الأخت لها ثلاثة من التسعة، والجد له واحد، وهو يقول: أنا وأنتِ على حد سواء، فلماذا لا نتقاسم؟ نجمع سهامنا الأربعة ونقسمها بيننا، لي سهمان ولك سهم، والأربعة ما تنقسم على الثلاثة، فنأخذ رءوسهم وهم ثلاثة، فإن الجد عن اثنين وهي عن واحد، ثلاثة فنضربها في أصل المسألة مع عولها، أي: في تسعة، فتصح إذا ضربت ثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين، فتنقسم فتعطي الزوج ثلاثة مضروب في ثلاثة بتسعة، وتعطي الأم اثنين مضروب في ثلاثة بستة، ويبقى عندك سهامهم أربعة مضروبة في ثلاثة باثني عشر، يقتسمونها، فللأخت أربعة وله ثمانية.
ويُلْغِزُ بعضهم فيقول: هاهنا أربعة، أخذ أحدهم ثلث المال، وأخذ الثاني ثلث ما بقي، وأخذ الثالث ثلث الباقي، وأخذ الرابع الباقي، انظر نسبة سهم الزوج، أن الزوج أخذ تسعة، أليست التسعة ثلث الجميع؟ ثلث سبعة وعشرين؟ كم بقي؟ ثمانية عشر؟ الأم لها السدس، لها ستة، أليست الستة ثلث ثمانية عشر؟ نعم.
بقي اثنا عشر، للأخت منها أربعة، أليست الأربعة ثلث اثني عشر؟ فهذه مسألة الأكدرية، ولا يعول في مسائل الجَدّ إلا هذه المسألة، ولا يفرض للأخت معه ابتداء، لا يفرض للأخت ولا للأخوات إلا في هذه المسألة.
بعد ذلك ذكر أن الشقيق يعد ولد الأب على الجد، ثم يأخذ ما بيده يحجبه؛ وذلك لأن الأخ من أبوين أقوى من الأخ من أب، فلأجل ذلك يحجبه.
الصورة المعادة إذا كان معنا جد، وأخ شقيق، وأخ من أب، فالجد ليس له دخل في أمهم، يقول: أنتم سواء بالنسبة لي؛ لأنكم تدلون بالأب. الإخوة الأشقاء يزاحمون الجد، والإخوة من الأب يزاحمون الجد ويأخذون معه، فلو لم يكن معنا إلا إخوة من الأب لزاحموه وقاسموه، فإذا كان معنا أخ شقيق، وأخ من أب، فإن الأخ من الأب ينضم إلى الشقيق، فيقولان: نحن الآن مثلك مرتين، فلك الثلث ولنا الثلثان.
فإذا أخذ الثلثين، فالأخ الشقيق يقول للأخ لأب: لو لم يكن إلا أنا وأنت هل ترث؟ ما ترث، أنا أقوى منك. فيأخذ نصيب الأخ من الأب، فيعده على الجد، ثم يأخذ نصيبه؛ لأنه ليس وارثًا معه، يعده على الجد، ثم يأخذ ما حصل له.
متى يحتاج إلى المعادة؟ إذا كان الأشقاء أقل من مثلي الجد، فإنهم يكملون مثلي الجد من الإخوة لأب، ثم بعد ذلك يأخذون ما بيد الإخوة من الأب، ويقولون: ليس لكم شيء، نحن أقوى منكم.
إذا كان الإخوة من الأبوين أخت واحدة شقيقة، ومعنا إخوة من الأب، فإن الشقيقة تقول لهم: هلموا معي حتى نزاحم الجد، وحتى نأخذ أكثر منه، نعطيه الثلث، فتأخذ معها أخت من الأب وأخ شقيق، فبذلك يكونون مثل الجد مرتين، أختين، واحدة شقيقة، وواحدة من أب، وأخ من الأب، فيكونون مثلي الجد، فيأخذون الثلثين، ويأخذ الجد الثلث.
في هذه الحال تقول لهم الأخت الشقيقة: أنا أقوى منكم، لو لم يكن إلا أنا وأنتم لأخذت النصف كاملا، فالآن آخذ ميراثي كاملا، وهو النصف وما بقي فلكم.
ففي هذه الحال تأخذ نصف المال؛ لأنها أخذت معهم ثلثين، ننظر وإذا مخرج النصف من اثنين، والمسألة الآن من ثلاثة، فإذا ضربنا اثنين في ثلاثة بستة قلنا للجد اثنان، والأخت ثلاثة، وللأخ والأخت من الأب واحد سدس؛ لأن الأخت أخذت نصفها كاملا، وما بقي فللأخ من الأب ولأخته من الأب الذين كملوا الأخت حتى صاروا مثل الجد مرتين، فتأخذ الأنثى لأبوين تمام فرضها وهو النصف، والباقي لولد الأب.
والعادة أنه ما يبقى له إلا سدس، ما يبقى لولد الأب إلا سدس، إذا كان الأخت واحدة وأولاد الأب عشرة، فإنها تعدهم على الجد، وتقول: يا جد، لك ثلث المال؛ لأننا أكثر منك، أكثر من مثليك، لك ثلث المال ولنا الثلثان، وإذا أخذوا الثلثين قالت للإخوة من الأب: لو لم يكن إلا أنا وأنتم كم نصيبي؟ نصيبي النصف، وباقي المال لكم، والآن أنا آخذ نصيبي كاملا، وهو نصف التركة، ويبقى الباقي لكم فاقتسموه بينكم .
هذا على وجه الاختصار، من أراد التوسع يرجع إلى المؤلفات التي فيها الأمثلة بكثرة.
الـحجـب
ننتقل إلى الفصل الذي بعده، يتعلق بالحَجْب، فذكر أن الحَجْب حجب حرمان، حجب الحرمان لا يدخل على الزوج والأبوين والولد، ذكروا أن الحجب ينقسم إلى قسمين: حجب حرمان، وحجب نقصان.
حجب الحرمان
فحجب الحرمان تعريفه: أنه منع من قام به سبب الإرث ينحجب مطلقا، منع من قام به سبب الإرث من إرثه بالكلية، أو من أوفر حظيه. هذا تعريف الحجب، فإذا منع من إرثه بالكلية سميناه حجب حرمان، وإذا مُنِعَ من أوفر حظيه سميناه حجب نقصان.
ثم حجب الحرمان ينقسم إلى قسمين: حجب أوصاف، وحجب أشخاص.
حجب الأوصاف: هو موانع الإرث التي تقدمت، رِقٌّ وقتل واختلاف الدين، من كان به مانع منها فهو محجوب حجبا بوصف، محجوبا بصفة، وأما حجب الأشخاص: فهو الذي يكون محجوبا بمن هو أقرب منه، هناك شخص أقرب منه أو أقوى منه، فيحجبه ويسقطه، ثم حجب النقصان هو حجبه من أوفر حظيه، إذا كان له حظان أحدهما وافي والآخر خافي، فإذا حجب من الوافي فهذا حجب نقصان، وهو يدخل على جميع الورثة، حجب النقصان.
وينقسم الورثة بالنسبة إلى حجب الحرمان إلى أربعة أقسام:
قسم يَحجبون ويُحجبون، وقسم يَحجبون ولا يُحجبون، وقسم لا يَحجبون ولا يُحجبون، وقسم يُحجبون ولا يَحجِبون.
فمن الذي لا يَحجبون ولا يُحجبون؟ الزوجان لا يحجبون أحدا حجب حرمان، ولا يحجبهم أحد، هؤلاء لا يَحجبون ولا يُحجبون.
من الذي يُحجبون ولا يَحجبون؟ الإخوة من الأم، يحجبهم الولد والأب والجد، ولا يَحجبون أحدا، يعني: حجب حرمان.
ومن الذي يَحجبون غيرهم ولا يَحجبهم أحد؟ الأولاد، الابن والبنت الأبناء والبنات، هؤلاء لا يحجبهم أحد، ولا يسقطهم أحد.
بقية الورثة كالإخوة وبنيهم، وبني البنين، والأخوات والأعمام يحَجبون ويُحجبون.
حجـب النقصـان
أما حجب النقصان فذكروا أنه سبعة أنواع:
أربع انتقالات وثلاث ازدحامات:
الأول: انتقال من فرض إلى فرض أقل منه.
والثاني: انتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه.
الثالث: انتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه.
والرابع: انتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه.
نذكر لكل واحد مثالا حتى لا يطول: فالأم لها فرضان؛ الثلث والسدس، فإذا انتقلت من الثلث إلى السدس فهذا انتقال من فرض إلى فرض أقل منه، يعني: إذا كان هناك ولد منعها من الثلث إلى السدس.
والزوج له فرضان؛ النصف والربع، فإذا انتقل من النصف إلى الربع فقد انتقل من فرض إلى فرض أقل منه، فيسمى هذا حجب نقصان.
وأما الانتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه فمثاله البنت إذا كانت وحدها ففرضها النصف، فإذا كان معها أخوها انتقلت إلى التعصيب ولم يحصل لها إلا الثلث، انتقلت من فرض النصف إلى تعصيب الثلث، وقد يكون أقل من الثلث إذا كان الإخوة كثير إخوتها، انتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه.
وأما انتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه فمثاله: الأب إذا كان وحده أخذ المال كله تعصيبا، فإذا كان معه ابن نقله من التعصيب إلى فرض وهو السدس، فلا يحصل له إلا السدس، انتقل من تعصيب يأخذ المال كله إلى فرض ليس له فيه إلا السدس.
وأما انتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه فمثاله الأخت مع أخيها تأخذ الثلث تعصيب مع الغير، فإذا كان هناك -مثلا- بنتان وأم، وليس معها أخ، فإنها بدل ما تأخذ الثلث مع أخيها ما يحصل لها إلا السدس تعصيبا، لكن تعصيبها مع أخيها تعصيب بالغير، وتعصيبها مع البنتين تعصيب مع الغير، انتقلت من تعصيب إلى تعصيب أقل منه.
تكلم ها هنا فبين أن الزوجين لا يحجبان حجب حرمان، لا بد أن الزوج يرث، وكذلك الزوجة، ولا بد أن الأم ترث ولا أحد يسقطها، و لا بد أن الأب يرث ولا أحد يسقطه، وكذلك البنت ولا أحد يسقطها، وكذلك الابن والأبناء ما يسقطهم أحد، وأما الجد فإنه يسقط بالأب، لا يسقطه إلا الأب، لماذا؟ لأنه واسطته، ومن قواعدهم: من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة.
واستثنوا من ذلك -كما تقدم- أولاد الأم يدلون بالأم ويرثون معها، يرثون مع من أدلو به، وأما الجد فإنه يدلي بالأب فيسقطه الأب، وكل من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة.
كل جد يسقط بمن هو أقرب منه، فإذا كان عندنا جد ميت وجد أبيه، فإن الإرث لجده يسقط جد أبيه؛ لأنه أبعد، وكل أبعد يسقط بأقرب.
كذلك الابن يسقط ابن الابن، ولو لم يكن مدليا به، فإذا مات ميت وله ابن موجود، وابن قد مات وترك ابن، فإن الابن الموجود يسقط ابن أخيه، ويقول له: أنا في الدرجة الأولى، وأنت في الدرجة الثانية، أنا ابن، وأنت ابن ابن. فالذي في الدرجة الأولى أقرب، فكل قريب يسقط من هو أبعد منه، يسقط الأبعد.
وفي هذه الحال ذكروا أنه يستحب للأب أن يوصي لأولاد ابنه إذا مات وهم أحياء، أبناء ابنه وقد مات أبوهم قبل جدهم فلا يحرمون، ولكن لا يكون ذلك واجبا، يقول:
"وكل جدة بأم" الجدات يرثن، ولكن تسقطهن الأم؛ لأن الأم هي التي باشرت الولادة، والجدات يرثن بالأمومة، والأم هي المباشرة، فتسقط الجدة أم الأم، وأمها وإن بعدت كل جدة بأم، وتسقط القربى من هو أبعد منها، القربى تحجب البعدا مطلقا، يقول الناظم:
وتســقط البعـدا بـذات القـرب *** في المذهب الأولى فقل لي حسبي
فإذا كان عندنا جدة وأم جدة، فإن الجدة القريبة تسقط أمها، وكذلك إذا كان عندنا أم أم، وأم أم أم، فإن أم الأم تسقط أم أم الأم، يعني البعيدة.
يُسْتَثْنَى من ذلك أن الجدة أم الأب ترث مع ابنها، لا يسقط الأب أمه، ولا أم أبيه؛ بل ترث معه، فهذه تستثنى من القاعدة، القاعدة التي تقول: "من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة".
أم الأب ترث مع الأب، ولو كان هو واسطتها، لماذا؟ لأنها ترث بالأمومة، يعني: ترث بالولادة، فهي أم، فوسيلتها الولادة، فإذا كان كذلك فإنه لا يسقطها إلا الأم، وأما ولدها فلا يسقطها، الأب لا يسقط أمه، ولا يسقط أم أبيه التي هي جدة الأب وارثة، لا يرث من الجدات إلا ثلاث؛ أم الأم، وأم الأب، وأم الجد أب الأب، وإن علون أمومة، ومعنى أم أم أم أم، ولو كانت الدرجة الرابعة أو الخامسة، وليس هناك أقرب منها، هذه واحدة من قبل الأم.
الثانية: من قبل الأب، أم أم أب، أو أم أم أم أب، في الدرجة الرابعة.
الثالثة: من قبل الجد أم أب أب، أو أم أم أب أب، وإن علت إذا كانت من جهة الجد أب الأب.
فهؤلاء الجدات الثلاث القريبة منهن في سلسلة واحدة تسقط البعيدة وإذا اجتمعن.
وإن تســاوى نســـب الجــدات *** وكــــن كـــلهن وارثـــات
فالســــدس بينهــن بالســويه *** فــي القسـمة العـادلة الشرعيـه
يستوين في الدرجة الثالثة، إذا كان أم أم أم في الدرجة الثالثة، وأم أم أب في الدرجة الثالثة، وأم أب أب، فإذا استوين في هذا اقتسمن السدس، السدس يكون بينهن.
ثم ذكروا أن من أدلت بقرابتين مع ذات قرابة واحدة أخذت ثلثي السدس، لها ثلثي السدس، لو أن إنسانا تزوج بنت عمته، ووُلِدَ له ولد، فجدته -جدة الزوج- تقول لولدهما: أنا جدتك أم أم أمك، وأنا جدتك أيضا أم أب أبيك؛ لأنه تزوج بنت عمته، فعمته أخت أبيه من الأم والأب، فعمته هي بنت جدته، وأبوه ابن جدته، فالجدة أم لأبيه ولعمته، والولد تكون الجدة جدته من جهتين، فإذا كان له جدة أخرى وهي أم أم أمه، فإنها ترث الثلث، ثلث السدس، وهذه الجدة ترث ثلثي السدس؛ لأنها أدلت بقرابتين.
يقول: "ويسقط ولد الأبوين -يعني الأخ- بالابن وإن نزل والأب يسقط -يعني الإخوة، يقول الناظم:
وتســـقط الإخــوة بالبنينـا *** وبــالأب الأدنـى كمـا روينا
ولد الأبوين ذكور وإناث الإخوة والأخوات يسقطهم الابن ويسقطهم الأب، سواء كانوا أشقاء أو إخوة من الأب، ولد الأبوين يسقطون بالأبناء وبالأب الأدنى، ويسقط الأخ من الأب بهؤلاء، يسقط بالابن، وابن الابن، وبالأب، ويسقط -أيضا- بالأخ الشقيق، يسقط بهؤلاء.
ويسقط ابن الأخ بهؤلاء، ابن الأخ يسقط بالابن، وابن الابن، وبالأب، وبالجد، وبالأخ من الأب، يسقط بهؤلاء ويسقط بالجد.
ويسقط ولد الأم بستة: الإخوة من الأم يسقط بالولد، أي: الابن والبنت، ويسقط بابن الابن، وبنت الابن، ويسقط بالأب، وبالجد.
الطريقة في هذا، ذكروا بعض القواعد في الإسقاط، فقالوا: إن من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة، وأن القريب يسقط بالبعيد، ولو لم يكن مدليا به، وأن -مثلا- الإخوة يسقطون بالأب؛ لأنه واستطهم، ويسقطون بالابن؛ وذلك لأن الله ما ورث الإخوة إلا إذا كانت المسألة كلالة، لقوله تعالى: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ﴾(1) فجعل ميراثهم فيما إذا كانت المسألة كلالة، والكلالة من ليس له ولد ولا والد، من ليس له أب ولا ابن، ولا ابن ابن، ولا أب أب.
فالإخوة يسقطون بمن هو أقوى منهم ومن هو أقرب منهم، فيه بيت ذكره الشيخ ابن باز -رحمه الله- في "الفوائد" ما قاله عن الجعبري في منظومته، يقول فيه:
فبالجهــة التقــديم ثــم بقربه *** وبـعدهمـا التـقديم بالقـوة جعلا
ومعنى ذلك أنه يُقَدَّم بالجهة، ثم بعد ذلك بالقرب، ثم بعد ذلك بقوة، فالجهة -مثلا- جهة البنوة أقوى من جهة الأبوة، فيُقَدَّم بجهة البنوة، ثم جهة البنوّة فيها -أيضا- قرب وبعد؛ فإن البنوة يدخل فيها الابن، وابن الابن، وابن ابن الابن ولو بعد، فيقول: ثم بقربه، أي: ثم تقدم بالقرب، إذا كان أحدهم بجهة ولكن أقرب من الآخر قدمته بقربه.
وكذلك -مثلا- الأخوة: عندك الأخ يسقط ابن الأخ، وابن الأخ يسقط ابن ابن الأخ وإن بعد بسبب القرب.
عندك العم يسقط ابن العم وذلك لقربه، وأما القوة فتكون في الإخوة والأعمام، القوة إذا كان أخوان أحدهما لأب والآخر لأبوين، أليس كلهما بالقرب سواء؟ لكن أحدهما أقوى، الشقيق أقوى من الأخ لأب، أقوى منه، ففي هذه الحال يُقَدم الشقيق، هذا التقديم يكون بقوة.
وكذلك العم، العم أيضا يكون عما شقيقا وعما لأب، فالعم الشقيق أقوى، فيحجب العم لأب ويسقطه.
فعرفنا أن القرب يكون في الجهات، فالابن يسقط ابن الابن، وابن الابن يسقط ابن ابن الابن وهكذا، والأب يسقط الجد، والجد يسقط جد الأب وهكذا، والأخ يسقط ابن الأخ، وابن الأخ يسقط ابن ابن الأخ، والعم يسقط ابن العم، وابن العم يسقط ابن ابن العم، وما أشبهه، وكذلك أيضا القوة.
ثم يقول: "من لا يرث لمانع فيه لا يحجب" إذا كان محجوبا بمانع فإنه لا يحجب غيره، مثاله -كما تقدم-: الموانع الثلاثة: رق وقتل واختلاف دين، فمثل هؤلاء لا يَحجبون، إذا كان رقيقا ولأبيه زوجة، ومات، فإن زوجته تأخذ الربع، ولا يحجبها ابنه؛ لأنه لا يَرث ولا يُورث.
غدا نقرأ التعصيب إن شاء الله.
(1) سورة النساء: 176 |