التعصــيب
العصبة بالنفس
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فصل: والعصبة يأخذ ما أبقت الفروض، وإن لم يبقَ شيء سقط مطلقا، وإن انفرد أخذ جميع المال، لكن للجد والأب ثلاث حالات، فيرثان بالتعصيب فقط مع عدم الولد وولد الابن، وبالفرض فقط مع ذكوريته، وبالفرض والتعصيب مع أنوثيته، وأخت فأكثر مع بنت أو بنت ابن فأكثر يرثن ما فضل، والابن وابنه والأخ لأبوين أو لأب يُعَصِّبون أخواتهم، فلذكرٍ مثل ما لأنثى، ومتى كان العاصب عَمًّا أو ابنه أو ابن أخ انفرد بالإرث دون أخواته، وإن عُدِمَتْ عصبة النسب ورث المولى المُعْتِق مطلقا، ثم عصبته الذكور والأقرب فالأقرب كالنسب.
فصل: أصول المسائل سبعة أربعة لا تعول، وهي ما فيها فرض أو فرضان من نوع فنصفان أو نصف، والبقية من اثنين وثلثان أو ثلث، والبقية من ثلاثة وربع، والبقية أو مع النصف من أربعة وثمن، والبقية أو مع النصف من ثمانية. وثلاثة تعول، وهي ما فرضها نوعان فأكثر، فنصفٌ مع ثلثين أو ثلث، أو سدس من ستة.
السلام عليكم ورحمة الله، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
المُعَصّب أو العَصَبة هي الإرث بلا تقدير، وقد ذكروا أنهم ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.
فالعصبة بالنفس: كلهم ذكور، وهم الأب والجد وإن علا، والابن، وابن الابن وإن نزل، والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب، والعم الشقيق، والعم لأب، وابن العم الشقيق، وابن العم لأب، والمُعْتِق والمعتقة، هؤلاء هم العصبة بالنفس، كلهم ذكور إلا المعتقة.
يقول الناظم:
وليس فــي النســاء تـر عصبـة *** إلا التـي مَنـَّتْ بعتـق الـرقبـة
فالعصبة هم الذين يرثون بلا تقدير.
وذكر أن للعاصب ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يأخذ ما أبقت الفروض قليلا أو كثيرا.
والحالة الثانية: أن يسقط إذا استغرقت الفروض التركة.
والحالة الثالثة: أن يأخذ جميع المال إذا انفرد.
هذه حالات المعصب، إذا انفرد حاز المال، وإن بقي شيء بعد أهل الفروض أخذه، وإن استغرقت الفروض التركة سقط.
فمثاله: الأب إذا لم يكن معه غيره أخذ المال كله، وكذلك الابن إذا لم يكن معه أهل عصبة أو غيرهم إذا انفرد أخذ المال كله، وكذلك ابن الابن، والجد، والأخ وابنه، والعم وابنه، من انفرد منهم -ولم يشاركه ولم يزاحمه أحد- أخذ المال كله، وإذا بقي شيء بعد أهل الفروض أخذه.
فإذا مات ميت، ماتت امرأة عن زوجها وبنتها عن زوج وبنت وابن ابن، فعندنا الزوج له فرض الربع لوجود الفرع الوارث، والبنت لها فرض النصف، فتأخذ البنت اثنين من أربعة، والزوج واحد من أربعة، ويبقى الربع يأخذه ابن الابن تعصيبا، فهو أخذ ما بقي بعد أهل الفروض، ولو بقي قليل فإنه يأخذه، فلو كان عندنا بنتان وأم وزوجة وأخت شقيقة، يعني نقول ابن ابن أو أخ شقيق، أليس البنتان لهما الثلثان؛ ستة عشر من أربعة وعشرين؟ أليس الأم لها السدس؛ أربعة من أربع وعشرين؟، هذه عشرون، أليس الزوجة لها الثمن؛ ثلاثة من الأربع وعشرين؟ هذه ثلاثة وعشرون، بقي سهم واحد ثلث الثمن يأخذه ابن الابن؛ لأنه المعصب، يأخذه المعصب إن كان ابن ابن، أو أخ شقيق، أو أخ لأب، أو عم شقيق، أو عم لأب، أو ابن أحدهما، يأخذه مع أنه ما بقي إلا ثلث الثمن.
فهذا بيان أنه إذا أَبْقَتْ الفروض شيئا أخذه قليلا أو كثيرا، فإذا كان عندنا ابن وزوجة، هل الابن يرث بالفرض أو بالتعصيب؟
الابن يرث بالتعصيب، ما يرث بالفرض، ولكن يحجب الزوجة إلى الثمن، فللزوجة الثمن والباقي للابن سبعة أثمان، أخذ ما بقي.
فإن كان معنا زوج وأبوان وابن، فالزوج له الربع، والأبوان لهما لكل واحد منهما السدس، والابن له الباقي، فتُعْطِي الأبوين أربعة من اثني عشر، والزوج ثلاثة من اثني عشر، فهذه سبعة، يبقى خمسة يأخذها الابن، يعني: ما بقي له إلا أقل من النصف.
والزوج ثلاثة من اثني عشر، فهذه سبعة، يرفع خمسة يأخذها الابن، يعني: ما بقي له إلا أقل من النصف، فهو يأخذ ما بقي.
وكذلك إذا كان عندك بنت وزوج وأم وعم، في هذه الحال البنت لها نصف ستة، والزوج له الربع، أي: ثلاثة من اثني عشر، والأم لها السدس اثنان من اثني عشر، بقي نصف السدس، يأخذه العم تعصيبا، فهو المُعَصِّب يأخذ ما أبقتْ الفروض قليلا أو كثيرا، وان استغرقت الفروض التركة سقط، هذه حالة من حالاته.
إلا الابن ما يسقط، والأب لا يسقط أيضا؛ وذلك لأن الابن يحجب أهل الفروض الكثيرة، فيحجب الأخوات، وكذلك ينقص الأم لا تأخذ إلا السدس، وينقص الأبوين ولا يأخذان إلا كل واحد سدسا، وينقص الزوج لا يأخذ إلا ربعا، أو الزوجة لا تأخذ إلا ثُمنا، فيتوفر له الباقي، فلا يمكن أن يسقط؛ لأنه لما حجبهم ومنعهم من أن يأخذوا الحظ الأوفر لم يمكن أن تستغرق الفروض التركة.
ومثال استغراق الفروض التركة: لو ماتت امرأة عن زوج وأخت شقيقة وعم، أليس الزوج له النصف؟ أليست الشقيقة لها النصف؟ نصفان. هل بقي شيء للعم؟ ما بقي شيء، يسقط العم.
وكذلك لو كان بدل أخوه ابن أخ ما بقي له شيء يسقط لاستغراق الفروض التركة، هذا لاستغراق الفروض.
إذا كان عندنا بنتان، وعندنا أختان شقيقتان، وأختان لأم وأخ من الأب، أليس الشقيقتان ترثان الثلثين، والأخوان من الأم يرثان الثلث؟ هل بقي شيء للعم أو للأخ من الأب استغرقت الفروض، يسقط، إذا استغرقت الفروض التركة سقط.
فهذه حالات المعصب، إذا انفرد حاز المال، وإن بقي شيء بعد أهل الفروض أخذه، وإن استغرقت الفروض التركة سقط.
ثم ذكر أن الجد والأب لهما ثلاث حالات: تارة يرثوا بالفرض، وتارة يرثوا بالتعصيب، وتارة يجمعوا بينهما، فيرثان بالتعصيب فقط مع عدم الولد وولد الابن ذكورا وإناثا، إذا لم يكن عندك إلا أب أخذ المال.
وكذلك لو كان هناك زوج أو زوجة أو أم، فالجد في هذه الحالة هل يرث بالفرض؟ ما يرث بالفرض، بل يرث بالتعصيب، ما يرث بالفرض إلا إذا كان معه أحد الأولاد، فإن كان معه ابن أو بنون، أو بنون وبنات، فليس له إلا فرض وهو السدس.
هلك هالك عن أب وابن، فللأب السدس والباقي للابن تعصيبا، وكذلك لو كان معهم أم، أَعطيتَ الأب السدس، والأم السدس، والباقي للابن، وكذلك لو كان معهم زوج أعطيت الأبوين السدسين، والزوج الربع، والباقي للابن.
فالأب إذا كان هناك أبناء قليلون أو كثيرون فليس له إلا السدس، فهو يرث بالفرض مع ذكور الأولاد، وكذلك ولد الابن، إذا كان مع الأب ابن ابن، فليس للأب إلا السدس، أو ابن ابن ابن وأب، فللأب السدس، لا يزيد ميراثه عن السدس إذا كان معه ابن أو بنين، أو ابن بن، أو بنو ابن ابن، ما يزيد ميراثه عن السدس، يرث بالفرض مع ذكور الأولاد، ويرث بالتعصيب إذا لم يوجد ابن ولا بنت، ولا ابن ابن، ولا بنت ابن، ولا أولاد ذكور أو إناث، ولا أولاد بنين ذكور وإناث يرثوا بالتعصيب، فإن كان وحده أخذ المال، وإن كان معه أصحاب فروض أخذ ما بقي، والأب لا يسقط بحال.
أما الجد فهو مثل الأب، يقول الناظم:
والجـد مثـل الأب عنـد فقـده **** فـي حـوز مـا يصيبه ومده
إلا إذا كــان هنــاك إخـوة *** ..........................
إلى آخره.
ويقول في الحجب:
والجـد محجـوب عن الميراث *** بالأب فـي أحـواله الثـلاث
يعني: إن الأب له ثلاث أحوال: حال يرث فيها بالفرض، وحال بالتعصيب، وحالة يجمع بينهما.
متي يجمع الأب أو الجد بين الفرض والتعصيب ؟ إذا كان هناك إناث من الولد -يعني من الذرية- وبقي شيء بعد أهل الفروض، فإن الأب أو الجد سيأخذه تعصيبا.
فإذا مات ميت عن أب وبنت أليس الأب له السدس فرضا، والبنت لها النصف فرضا؟ وبقي عندنا ثلث يأخذه الأب تعصيبا.
وكذا لو كان بدله جد، نعطي الجد السدس، ونعطي البنت النصف، ونعطي الباقي للجد تعصيبا.
وكذا لو كان عندنا بنتان وأب، أليس البنتان لهما الثلثان، والجد أو الأب له السدس فرضا؟ ويبقي عندنا سدس يأخذه الأب أو الجد تعصيبا، فيجمع بين الفرض والتعصيب مع الإناث، فإن لم يبقَ إلا سدس أخذه.
فلو كان عندنا بنتان وأم وأب، أليس البنتان لهما الثلثان؛ أربعة من ستة، والأم لها السدس؛ واحد من ستة؟ ما بقي إلا واحد يأخذه الأب فرضا، وليس هناك تعصيب، استغرقت الفروض التركة، فيها ثلثان أربعة، وسدسان اثنان، فاستغرقت الفروض التركة، فما بقي شيء يأخذه تعصيبا في هذه الحال.
وكذلك لو عالت المسألة، فإنه لا يبقي له شيء؛ وإنما يأخذ سهمه السدس من عولها، فالحاصل أن للأب والجد ثلاث حالات:
الحالة الأولي: التعصيب فقط، إذا كان هناك ابن، أو ابن ابن يرثان بالتعصيب، إذا لم يكن هناك ابن، ولا ابن ابن، ولا بنت، ولا بنت ابن، في هذه الحالة يرثان بالتعصيب الموجود منهما.
الحالة الثانية: بالفرض فقط، مع الابن، أو ابن الابن، يعني: مع ذكور الولد، الابن وابن الابن وإن نزل.
الحالة الثالثة: الجمع بين الفرض والتعصيب مع الإناث، يأخذ ما بقي بعد أهل الفروض قليلا أو كثيرا، وإن لم يبقَ شيء اقتصر على السدس الذي هو فرضه.
يقول: "وأخت فـأكثر مع بنت أو بنت ابن فأكثر يرثن ما فضل". ويسمى هذا التعصيب مع الغير، الأخوات مع البنات عصبات.
دليل ذلك حديث ابن مسعود ذكر أنه رُفِعَ إليه رجل مات وله بنت وبنت ابن وأخت شقيقة، بنت وبنت ابن وأخت شقيقة، سألوا أبا موسى، فجعل بينهما نصفين بين البنت والأخت، وأسقط بنت الابن، ولكنه قال: ائت ابن مسعود فسوف يتابعني.، ظن أبو موسى أن الله ذكر البنت في أول السورة قوله: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ﴾(1) وذكر الأخت في آخر السورة، بقوله: ﴿ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ﴾(2) فأعطى البنت النصف وأعطى الأخت النصف، وأسقط بنت الابن.
« جاءوا إلى ابن مسعود، فأخبروه بجواب أبي موسى، فقال: قد ضللت إذن، وما أنا من المهتدين، لأقضين فيها بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت »(3) .
فهذا الحديث فيه أن الأخت أخذت الباقي، معلوم أنه ليس فرضا، فإن الأخت لا ترث فرضا إلا في الكلالة، وهاهنا ليست المسألة كلالة، لوجود الفرع الوارث، وهو البنت وبنت الابن، فإنهم من الولد، والله- تعالي- ما وَرَّث الأخت إلا مع عدم الولد لقوله -تعالى-: ﴿ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ﴾(2) .
فلذلك أعطوا البنت النصف، وبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وبقي ثلث، فأعطوه الأخت، وسموا هذا تعصيبا مع الغير.
القياس في هذه المسألة أن نعطي البنت النصف، وبنت الابن السدس تكملة السدسين، ونقول: الباقي لأولى رجل ذكر، ذلك لأن الأخت لا ترث إلا في الكلالة، وهاهنا ليست المسألة كلالة، ولأن الله - تعالى- إنما ورث الأخت عند عدم الولد، ﴿ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ﴾(2) وهاهنا موجود الولد، فإن البنت ولد، وبنت الابن ولد.
هذا هو القياس، ولكن اتبعنا النص، اتبعنا الحديث، وقلنا: لا قياس مع النص. وجعلنا الأخت لها الباقي، وسميناه تعصيبا مع الغير، فتأخذ ما بقي في المسألة قليلا أو كثيرا.
وقد تقدم في هذه الحال على الذكور، فلو مات ميت عن بنت وأخت شقيقة وأخ من الأب، فإن البنت لها النصف فرضا، والنصف الباقي نعطيه الشقيقة تعصيبا مع الغير، ولا شيء للأخ من الأب؛ لأن الأخت الشقيقة أصبحت عصبة مع الغير، فتكون أقدم منه.
فهذا معناه أن الأخت أو الأخوات مع البنت أو بنت الابن فأكثر يرثن ما فضل قليلا أو كثيرا، فبنت وخمس أخوات شقائق، للبنت النصف فرضا، والباقي للأخوات الشقائق.
بنتان وأخوات شقائق أو من الأب، للبنتين الثلثان، والباقي للأخوات من الأب أو الأخوات الشقائق تعصيبا مع الغير.
بنتان وأم وخمس أخوات شقائق، البنتان لهما الثلثان أربعة من ستة، والأم لها السدس واحد من ستة، ويبقي عندنا سدس تأخذه الأخوات تعصيبا مع الغير.
إذا كان عندنا بنتان وأم وزوجة وعشر أخوات شقائق، في هذه الحال البنتان لهما الثلثان؛ ستة عشر من أربعة وعشرين، والأم لها السدس؛ أربعة من أربعة وعشرين، هذه عشرون، والزوجة لها الثمن؛ ثلاثة من أربعة وعشرين، بقي واحد من أربعة وعشرين تأخذه الأخوات الشقائق أو الأخوات لأب، ونسميه تعصيبا مع الغير، فيأخذن ما فضل.
وكذا لو كان بدل البنات بنات ابن، إذا مات ميت عن بنتي ابن وأخت شقيقة، فلبنتي الابن الثلثان، وللأخت الشقيقة ما بقي تعصيبا، أو أخت لأب.
العصبة بالغير
يقول: "الابن وابنه، والأخ لأبوين أو لأب يعصبون أخواتهم، فللذكر مثل ما للأنثى".
يسمى هذا تعصيبا بالغير، وبذلك تعرف أن التعصيب ثلاثة: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير. فالعصبة بالغير هم البنت مع أخيها، وبنت الابن مع أخيها، أو ابن عمها الذي في درجتها، والشقيقة مع أخيها، والأخت من الأب مع أخيها، هؤلاء يعصبون أخواتهم، ينقلونهم من الإرث بالفرض إلى الإرث بالتعصيب، فيكون لكل منهم، يكون لهم المال أو ما بقي.
فإذا كان عندك أم وأب وزوج وثلاث أبناء وثلاثة بنات، فهل تعطي البنات فرضا أو تعصيبا؟ تعطيهم تعصيبا لوجود الأخوة لهم، … يأخذون فرضا، إعطاء أهل الفروض فروضهم ثم الباقي للأولاد ذكورا وإناثا ويكون تعصيبا.
لو لم يكن عندك إلا البنات لورثن الثلثين فرضا، ولعالت لهن المسألة.
إذا كان عندك أم لها سدس، وأب له سدس، هذه أربعة من اثني عشر، وزوج له ربع، هذه سبعة، وبنت عم، البنتان لهما الثلثان، أو ثلاث بنات لهما الثلثان، الثلثان ثمانية، فتعول إلى خمسة عشر، فيكون لهن ثمانية من خمسة عشر، ولما جاء معهن أخوهن أو إخوتهن نقلوهم إلى التعصيب، ولم يحصل لهم إلا خمسة من اثني عشر، فقلَّ نصيبهم، فالأخ لما نقلهم إلى التعصيب نقص حظهم.
وكذلك بنات الابن، الابن يُعَصِّب أخته، فإذا انفرد ابن وأخته فلهما المال أو أخواته، ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾(1) ابن الابن وبنت الابن ولو ما كانت أخته، لو كانت بنت عمه في درجته أو هو أنزل منها احتاجت إليه فإنه يعصبها، ينقلها إلى الإرث بالتعصيب.
الأخ المبارك
وقد يكون أخا مباركا، وقد يكون أخا مشئوما، فالأخ المبارك إذا كان عندك بنتان وعم وخمس بنات ابن، فهل تعطي بنات الابن شيئا؟ ليس لهن شيء؛ لأن الثلثين أخذهما بنات الصلب، والثلث الباقي تعطيه العم، ويسقط بنات الابن.
فإذا وجد معهن أخوهن، أو ابن عمهن الذي في درجتهن، أخذوا الثلث الباقي، واقتسمه هو وأخواته أو بنات عمه، ويسمى هذا تعصيبا بالغير، وسقط العم، فصار أخا مباركا حيث ورثن معه، وقد كن ساقطات؛ لأن البنات إذا استغرقن الثلثين سقط بنات الابن.
وأما إذا أخذ بنات الابن السدس مع بنت الصلب، وكان عندك ابن ابن ابن، فإنه يأخذ الباقي تعصيبا.
مات ميت عن بنت -بنت الصلب- لها النصف، وبنت ابن لها السدس تكملة الثلثين، وابن ابن ابن له الباقي تعصيبا، وفي هذه الحال لا تشاركه بنت الابن؛ لأنها أخذت فرضها، ولو كانت ساقطة -يعني: بنت عم، وبنت ابن، وابن ابن ابن- فإن ابن ابن ابن يعصب عمته التي هي أخت أبيه، فيأخذ الثلث الباقي هو وإياها، تقول: لو كان أبوك حيا لورثت معه؛ فإني في منزلته، وإذا كان مفقودا فأنت تقوم مقامه، أرث معك كما أرث مع أبيك. فيعصب عمته، ويعصب أخته التي هي بنت ابن ابن.
كذلك الأخوات، الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق عَصَبة، عصبة بالغير، معنى أنه إذا كان عندنا بنتان، وزوج وأخ شقيق وأخت شقيقة، فإن الأخ الشقيق والأخت الشقيقة يأخذن ما بقي، وهو نصف السدس، ويسمى تعصيبا بالغير.
وكذا لو كان عندك زوج، وأم، وأخوة من أم، وأخ شقيق وأخته، في هذه الحال إذا أعطيت الزوج النصف والأم السدس لوجود الجمع من الإخوة، والأخ من أم السدس، بقي عندك سدس يأخذه الشقيق وأخته، لو لم يكن معه أخت لانفرد بالمال، ولو لم يكن معها أخ لورثت فرضا، إذا كان ما معه أخت أخذ الباقي تعصيبا، إذا كان ما معها أخ أخذت فرضا، أخذت النصف فرضا، فهو نقلها إلى الإرث بالتعصيب.
وكذلك الأخ من الأب مع أخته مع الأخت من الأب، يعني: كلاهما يقولان: نحن أخو الميت من أبيه. هذه تقول: أنا أخته، وهذا يقول: أنا أخوه، يرثان المال تعصيبا، أو يرثان ما بقي بعد أهل الفروض تعصيبا قليلا أو كثيرا.
هؤلاء هم الأربعة الابن مع أخته أو أخواته، وابن الابن مع أخته وبنت عمه أو أخواته أو بنات عمه، والأخ الشقيق مع أخته أو أخواته، والأخ من الأب مع أخته أو أخواته يسمون عصبة بالغير، ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾(1) .
العَمّ، هل يُعَصِّب أخته؟ ما يعصبها، يأخذ المال وحده، والعمة ما ترث.
ابن العم، هل ترث معه بنت العم؟ ما ترث؛ لأنها ليست من الورثة.
ابن الأخ، هل يعصب بنت الأخ؟ ما يعصبها، يأخذ المال كله دون أخته.
يقول الناظم:
وليس ابــن الأخ بـالمعصب *** من مثله أو فوقه في النسب
حتى لو كانت عمة.
إذا مات ميت عن بنت أخيه وابن ابن أخيه، فإنه لا يعصب عمته، وكذا لو كانت ساقطة وكانت وارثة، فإذا كان عندنا -مثلا- أخت، أو -يعني- أخت شقيقة، وعندنا بنت وبنت ابن وعم، أو ابن عم، فإن الشقيقة هي التي ترث المال لوجود البنات، ويسقط العم.
وبكل حال هؤلاء هم العصبة، يعني: العصبة بالنفس، وهم كلهم ذكور إلا المعتقة، والعصبة بالغير وهم: البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب.
العصبة مع الغير
والعصبة مع الغير: الأخت الشقيقة مع البنات، والأخت من الأب مع البنات، أو بنات الابن.
يقول بعد ذلك: " إذا عدمت عصبة النسب، ورث المولى المعتق مطلقا، ثم عصبته الذكور الأقرب فالأقرب كالنسب".
المولى هو المعتق؛ وذلك لأنه أنعم على رقيقه بالعتق، فإذا أنعم عليه أصبح مولى له، فإذا مات ذلك العتيق -وليس له أولاد ولا أخوة أحرار- ورثه سيده المعتق، فإن كان السيد قد مات ورثه أولاده -أولاد المعتق-، فإن لم يكن له أولاد فإخوة المعتق أو أعمامه أو بنو عمه، الحاصل يرثه عصبته الذكور الأقرب فالأقرب.
فابن المعتق يقدم على ابن ابن المعتق، وأخ المعتق يقدم على عم المعتق، وابن أخ المعتق -ابن الأخ الشقيق- يقدم على العم، وهكذا كالتقديم بالنسب.
ذكرنا بالأمس أن العصبة خمس جهات: الأول بُنُوَّة، ثم أُبُوَّة، ثم جدودة وأُخُوَّة، ثم بنو أخوة، ثم عمومة وبنوهم، ثم ولاء، ست جهاتٍ إذا قلنا إن الاخوة يرثون مع الجد، أما إذا أسقطنا الأخوة بالجد فيكون الجهات خمس: الأبوة والجدودة جهة، البنوة وبنوهم، والأبوة وآبائهم، والأخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، والولاء.
ثم ترتيبهم في الإرث على هذا، ترتيبهم في التعصيب.
فمن المعلوم إذا كان عندنا أبناء، عند الميت أبناء وآباء وإخوة وأعمام وموالي، فالعصبة للأبناء الأقرب فالأقرب، للابن فإن عدم فابن الابن، فإن لم يكن عندنا أبناء، ولا أبناء أبناء، فالتعصيب للأب، ثم لأب الأب، وهكذا.
فإن عُدِموا -عدم الأبناء والآباء- فالتعصيب للأخوة، الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، وهكذا وإن نزلوا.
فإن عُدِمَ الأخوة وبنوهم فالتعصيب للأعمام؛ العم الشقيق ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب، وهكذا.
ثم أعمام الأب ثم أعمام الجد، ثم بنوهم وبنوا بنيهم وإن نزلوا، فيصير التعصيب لأولى رجل ذكر فإن تعددت الجهات قدمنا القريب، فابن الابن لا يرث مع الابن؛ لأن الابن أقرب، لا يعصب معه، وابن ابن ابن ما يرث مع ابن ابن.
وكذلك ابن الأخ ما يرث مع الأخ، وابن ابن الأخ ما يرث مع ابن الأخ، التقديم للأقرب.
كذلك إذا كان عندنا أخوة أشقاء وأخوة من الأب، فالإرث للأشقاء، التعصيب للأشقاء؛ لأنهم يدلون بقرابة.
وكذلك العم الشقيق يقدم على العم لأب.
يقول الناظم:
والأخ والعــــــم لأم وأب *** أولى من المدلي بشطر النسب
شطر النسب: يعني الذي ما أدلى إلا بالأب أخ من الأب، أو عم من أب يقدم عليه عم من أب وأم.
والأخ والعــــــم لأم وأب ***أولى من المدلي بشطر النسب
ذكر بعد ذلك أصول المسائل، والمراد حساب المسائل، عَبَّروا هناك ببعض الحساب، فقالوا: للمسألة أصل ومصح، فأصل المسألة: تحصيل أقل عدد يخرج منه فرضها أو فروضها بلا كسر.
ومصح المسألة: تحصيل أقل عدد تنقسم منه المسألة بلا كسر.
فأصول المسائل -يعني التصحيح والتعصيب، تأصيل معرفة أصل المسألة، والتصحيح: معرفة مصح المسألة.
فذكر أن أصول المسائل سبعة: أربعة لا تعول، وهي ما فيه فرض أو فرضان من نوع.
يقول: "فنصفان من اثنين". مثال نصفان: زوج وأخت، أليس الزوج له النصف فرضا؟ والأخت لها النصف فرضا؟ فمسألة من اثنين، هذا نصف واثنان، أو نصف والبقية، نصف والبقية من اثنين، لو كان عندك زوج وعم من اثنين، فتقول: للزوج النصف، وللعم، لا تقل: للعم النصف، قل: له البقية؛ لأنه ليس فرضا.
" من اثنين، وثلثان أو ثلث والبقية". ثلثان والبقية من ثلاثة، إذا كان عندك بنتان وعم، أليس البنتان لهم الثلثان فرضا؟ لا تقل: وللعم الثلث، قل: وللعم الباقي.
هذا معنى قوله: "وثلثان والبقية". أو ثلثان وثلث، إذا كان عندك -مثلا- أختان شقيقتان وأختان لأم، أليس الأختان الشقيقتان لهما الثلثان؟ والأختان لأم لهما الثلث؟ فتقول من ثلاثة، للأختين الشقيقتين الثلثان، وللأختين لأب الثلث، ولا تقل الباقي؛ لأنه فرض.
فإذا كان في المسألة ثلثان وثلث فهي من ثلاثة، فإن كان فيها ثلثان وباقي فهي من ثلاثة، فإذا كان فيها ثلث وباقي -مثلا- كأم وأخ، أليس الأم لها الثلث؟ ما يحجبها الأخ الواحد، فللأم الثلث، ولا تقل للأخ الثلثان، قل: وللأخ الباقي.
هذا معنى ثلثان أو ثلث والبقية، من كم؟ من ثلاثة، يعني: مخرج الثلث من ثلاثة، إذا قلت: من اثنين، الاثنين ما فيهما ثلث، ولا فيهما ثلثان، فيكن في الأربعة، الأربعة ما فيها ثلث ولا ثلثان، فتكون ثلاثة.
"وربع والبقية" ربع، والبقية من كم؟ من أربعة، إذا كان عندك زوجة وأخ، أليس الزوجة لها الربع؟ والباقي للأخ، ولا تقل له ثلاثة أرباع، قل: له الباقي، مخرج الربع من أربعة، الثلاثة ما فيها ربع، فتقول: من أربعة.
وكذلك إذا كان مع الربع نصف، إذا كان عندك بنت وزوج وأخ، أليس الزوج له الربع؟ والبنت لها النصف؟ فتقول من أربعة، للزوج الربع؛ واحد من أربعة، وللبنت النصف؛ اثنين من أربعة، والباقي للأخ، لا تقل للأخ الربع، قل: له الباقي؛ لأنه ليس فرضا تمشيا مع قوله في الحديث: « وما بقي فلأولى رجل ذكر »(4) .
هذه يعني ربع، والباقي أو ربع مع النصف، من كم؟ من أربعة، نصفان من كم؟ من اثنين، نصف والبقية، من كم؟ من اثنين، ثلثان والبقية من ثلاثة، ثلث والبقية من ثلاثة، ثلثان وثلث من ثلاثة.
ثمن والبقية من ثمانية، ثمن ونصف والبقية من ثمانية.
إذا كان عندك ابن وزوجه، أليس الزوجة لها الثمن؟ فتقول للزوجة الثمن، ولا تقل للابن سبعة أثمان، قل: له الباقي.
فإذا كان عندك زوجه وبنت وعم، أليس الزوجة لها الثمن؛ واحد من ثمانية؟ والبنت لها النصف؛ أربعة من ثمانية؟ العم لا تقل له ثلاثة أثمان، قل: له الباقي.
فهذه أربعة أصول، أصل اثنين، وأصل ثلاثة، وأصل أربعة، وأصل ثمانية، فأصل اثنين يكون عادلا ويكون ناقصا ولا يعول؛ عادلا: يعني سهامه بقدر فروضه، يعني: سهمان؛ زوج وأخت، هذا أصل اثنين، زوج وعم هذا يسمى ناقص؛ لأن فيه باقي، بقي بعد النصف تعصيب، هذا الناقص.
أما الثلثان فإنه يكون عادلا ويكون ناقصا؛ فعادلا إذا كان عندك أختان شقيقتان وأختان لأم، عادل.
وأما إذا كان أم وعم فهو ناقص، للأم الثلث والباقي للعم.
وكذلك بنتان وأخ، ناقص، البنتان لهما الثلثان والأخ له الثلث تعصيبا، وأما أصل ثمانية وأصل أربعة فلا يكون إلا ناقصا، لا يكون عادلا، ولا يكون عائلا، الناقص هو الذي يبقى فيه شيء لصاحب الفرض، لا يمكن أن تستغرق الفروض التركة، إذا كان أصل أربعة فيه فرضان، ربع ونصف وباقي، أصل ثمانية فيه ثمن ونصف وباقي، فلا يكون عادلا.
عرفنا العادل هو الذي سهامه بقدر فروضه، كثلث وثلثين، ونصف ونصف.
والناقص هو الذي سهامه أقل من فروضه، كنصف وربع وباقي، أو ثمن ونصف وباقي.
وأما الثلاثة فإنها تعول، ثلاثة تعول، وهي ما فرضها نوعان فأكثر، فنصف مع ثلثين، أو مع ثلث أو سدس من ستة، إذا أردت أن تعرف أصلهم، فلنؤجل الباقي إلى غد إن شاء الله.
(1) سورة النساء: 11 2 : سورة النساء: 176 3 : البخاري : الفرائض (6736) , والترمذي : الفرائض (2093) , وأبو داود : الفرائض (2890) , وابن ماجه : الفرائض (2721) , وأحمد (1/440) , والدارمي : الفرائض (2889). 4 : البخاري : الفرائض (6737) , ومسلم : الفرائض (1615) , والترمذي : الفرائض (2098) , وأبو داود : الفرائض (2898) , وابن ماجه : الفرائض (2740) , وأحمد (1/325). |