المحرمات في النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فصل: ويحرم أبدا أم وجدة وإن علت، وبنت وبنت ولد وإن سفلت، وأخت مطلقا، وبنتها وبنت ولدها وإن سفلت، وبنت كل أخ وبنتها، وبنت ولدها وإن سفلت، وعمة وخالة مطلقا.
ويحرم برضاع ما يحرم بنسب، ويحرم بعقد حلائل، وعمودي نسبه، وأمهات زوجته وإن علون، ولو بدخول ربيبة وبنتها وبنت ولدها وإن سفلت، وإلى أمد أخت معتدته، أو زوجته، وزانية حتى تتوب، وتنقضي عدتها، ومطلقته ثلاثا حتى يطأها زوج غيره بشرطه.
ومسلمة على كافر، وكافرة على مسلم، إلا حرة كتابية، وعلى حر مسلم أمة مسلمة، وما لم يخف عنت عزوبة، لحاجة متعة أو خدمة، ويعجز عن طول حرة، أو ثمن أمة، وعلى عبد سيدته، وعلى سيد أمته، وأمة ولده، وعلى حرة قن ولدها، ومن حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين، إلا أمة كتابية.
السلام عليكم ورحمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يبوب الفقهاء على الفصل الأول باب المحرمات في النكاح، ويذكرون -أيضا- بعده باب نكاح الكفار، وذلك لأنه لا بد أن نبحث ونعرف متى تحرم المرأة، ومتى لا تحرم.
المحرمات في النكاح قد ورد إجمالهن في القرآن، فذكر الله -تعالى- في القرآن سبعا من المحرمات بالنسب، وذكر -أيضا- اثنتين من المحرمات بالرضاع، وأربعا من المحرمات بالمصاهرة، وواحدة محرمة بكونها زوجة للغير، ثم إن العلماء فصلوا.
فأول المحرمات: الأم.
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾(1) كلمة الأم تصدق على الوالدة وتصدق على الجدة، فالجدة أم الأم تعتبر أما، وكذلك الجدة أم الأب فهي من الأمهات؛ لأنه إذا قيل: أمك وأم أمك، وأم أم أمك، وكذلك أم أبيك، وأم أبي أبيك صدق عليها أنها فيها كلمة أم.
ولا شك أن تحريمها لأجل الولادة، ولأنها التي ربت المولود، وأشفقت عليه في صغره، فتعتبر ذات تربية، وذات نعمة عليه، فلا جرم كانت أول المحرمات، أول ما بدئ بهن، فنكاحها الذي ينكح أمه يعتبر قد أتى أكبر المنكر، وأفحشه، وكذلك -أيضا- أم الأم وإن علت، وأم الأب وإن علت.
الثانية: ﴿ وبناتكم ﴾(1) جعل البنت بعد الأم، البنت -أيضا- خلقت من ماء الرجل، وهو الذي غالبا في صغره يحنو عليها، ويرفق بها، فهي خلقت من مائه، وخلقت منه، فلذلك يتأكد تحريمها، يدخل في كلمة ﴿ وبناتكم ﴾(1) الفروع، فبنته، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابنه، وبنت ابن ابنه، يعني التي هو جدها، سواء أبو الأم أو أبو الأب، وإن بعدت، يصدق عليها أنها بنت.
وبنته وبنت ولده، كلمة ولد يدخل فيه الذكور والإناث، فبنت البنت، البنت ولد يعني مولودة، فبنتها تحرم، وكذلك الابن ولد فبنته تحرم، وبنت ابن ابن، وبنت بنت ابن وإن بعدت.
الثالثة: قوله: ﴿ وأخواتكم ﴾(1) الأخت خلقت معه إما من ماء واحد، إذا كانت أختا لأبيه، أو اجتمعت وإياه أو ولدت وإياه في رحم واحد، فتكون أخته من الأم، فكلمة "مطلقا" ليدخل فيها الجميع، أخت من الأبوين، أخت من الأب، أخت من الأم كلهن يدخلن في كلمة ﴿ وأخواتكم ﴾(1) .
ذكر الله -تعالى- بعدهن العمة والخالة ﴿ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ ﴾(1) يدخل في كلمة عمتك أخت أبيك، وأخت جدك فهي عمة أبيك، أخت جدك عمة أبيك، وكذلك أخت جدك أبي الأم فهي عمة أمك، ﴿ وعماتكم ﴾(1) يعني: أخوات آبائكم، وأخوات أجدادكم آباء الآباء أو آباء الأجداد من جهة الأم، أو من جهة الأب، فأخت جدك أبي أمك تعتبر عمة أمك فتكون عمتك، وهكذا.
الخالة: هي أخت الأم، أخت الأم تسمى خالة، وكذلك خالة الأم، خالة الأم: أخت جدتك أم الأم، وخالة الأب، أخت جدتك خالة أبيك، خالة أبيك أخت جدك كأم أبيك، وهكذا قوله: "مطلقا" تدخل فيه الأخت من أي جهة، أخت أبيك من أبيه: خالتك، أخته من أبويه يعني عمتك، أخت أبيك من الأب عمتك، أخته من الأم عمتك، أخته من الأبوين عمتك.
كذلك أخت جدك أبي الأب عمة أبيك سواء كانت أخته من الأب أو من الأم أو من الأبوين، أخت جدك أبي الأم عمة أمك، سواء كانت أخته من الأب أو من الأم أو من الأبوين الجميع يصدق عليه أنها عمة.
وكذلك الخالة يعني الخالة أخت الأم، أختها من أمها، أو من أبيها أو شقيقة، يصدق عليها أنها خالتك، خالتك أخت أمك؛ لأنها وأمك من أب واحد، أو من أم واحدة، أو من أب وأم.
كذلك -أيضا- خالة أمك التي هي أخت جدتك من أب أو من أم، أو من أبوين الجميع تدخل في اسم العمة والخالة.
فذكر الله تعالى: ﴿ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ ﴾(1) ثم قال: ﴿ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ﴾(1) هؤلاء سبع من النسب، بنت أخيك، أخوك يعم الأخ من الأب أو من الأم أو من الأبوين، وهو الشقيق تحرم بنته عليك، أنت عمها ولو كنت أخا أبيها من الأم، فتحرم على عمها أخي أبيها من أحد الأبوين أو من الأبوين معا، كذلك بنتها وإن نزلت، يعني وكذلك بنت ولدها.
عندك -مثلا- هذه التي أنت عمها حرام عليك؛ لأنها بنت أخيك، بنتها تقول: أنت عم أمي، فأنت محرم لها، أو عم جدتي، أنت محرم لها، كذلك بنت ابنها تدعوك وتقول: يا عم أبي، أنت عم أبيها وإن بعدت، يعني بنت الأخ، وبنت بنت الأخ، وبنت بنت بنت الأخ، وبنت ابن الأخ، وبنت ابن ابن الأخ وبنت بنت ابن الأخ، كل من تدعوك عما لها أو عما لأحد أجدادها أو آبائها تدخل في بنت الأخ.
كذلك بنت الأخت أنت خالها، فهي تدعوك خالا، سواء كنت أخا لأمها من الأم أو من الأب أو من الأبوين، فهي تدعوك خالا لها، كذلك بنتها تقول لك: يا خال أمي، وكذلك بنت ابنها تقول لك: أنت خال أبي، أو خال أبي أبي، خال جدي.
الأخوة سواء كانت من الأبوين أو من أحدهما، فالأخت وبنتها وبنت بنتها وإن نزلت، وبنت ابنها، وبنت ابن ابنها، وبنت بنت ابنها، وهكذا كل من تفرع ممن تدعوك عما لها أو خالا أو عما لأمها أو لأبيها أو عما لجدها أو خالا لها أو خالا لجدها، ونحو ذلك، هؤلاء محرمات بالنسب، سبع.
يحرم برضاع ما يحرم بنسب هكذا جاء الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب »(2) أي: المحرمات من النسب يحرم مثلهن من الرضاع، فالأم التي أرضعتك تعتبر محرما لك، وبنتها تعتبر أختك من الرضاع، تقول: أرضعتك أمي، وبنت زوجها تعتبر -أيضا- أختك، تقول: أرضعتك زوجة أبي بلبن أبي فأنت أخي، ارتضعت من اللبن الذي سببه والدي، فهي تعتبر أختك.
لو قدر -مثلا- أن رجلا له أربع زوجات ثم أرضعتك إحداهن رضعتين، وأرضعتك الثانية رضعة، والثالثة رضعة، والرابعة رضعة اجتمع خمس رضعات، كل واحدة لست ابنا لها؛ لأن الرضاع المحرم خمسة، وهذه ما أرضعتك إلا واحدة أو اثنتين، ولكن زوجهن يعتبر أباك؛ لأنك رضعت من اللبن الذي هو بسببه خمس رضعات، فبناته أخواتك، ارتضعت من لبن أبينا خمس رضعات، بناته من هذه ومن هذه ومن هذه من كل زوجاته.
وبناته من غيرهن، أنت ابنه لأنك رضعت من زوجاته، زوجاته يحتجبن عنك إلا أنك ابن زوجهن، بناته لا يحتجبن؛ وذلك لأنك ارتضعت من لبن أبيهن.
فالحاصل أن الأم من الرضاعة هي التي أرضعت الطفل خمس رضعات في الحولين، الأخت من الرضاع هي بنت المرضعة، أو بنت زوجها الذي هو صاحب اللبن، فتدخل في قوله: ﴿ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾(1) بنتك من الرضاعة هي التي رضعت من زوجتك خمس رضعات فتحرم؛ لأنها رضعت من اللبن الذي أنت سببه، فتكون محرما لها، وكذلك بنت ابنك من الرضاعة، يعني هذا الذي رضع من زوجتك له بنت أنت جدها من الرضاع، تقول: أنت أبو أبي من الرضاع، وأنت تقول لها: أنتِ بنت ابني من الرضاع.
كذلك عمتك من الرضاع، وهي أخت أبيك من الرضاع، زوج المرأة التي أرضعتك له أخوات اعتبرهن عماتك أخوات أبيك من الرضاع، أمك التي أرضعتك لها أخوات اعتبرهن خالاتك من الرضاع، كل واحدة تقول: أرضعتك أختي، فأنت ابن أختي من الرضاع، والعمات كل واحدة تقول: رضعت من لبن أخي، فأنا عمتك أخت أبيك من الرضاع.
وكذلك بنت أخيك من الرضاع، يعني الذي رضعت من لبن أمه، أو من لبن أبيه تدعوك عما، أنت عمي من الرضاع، رضعت من لبن جدتي أم أبي فأنت أخو أبي تكون عمي، أو أنت أخو أمي فتكون خالي، فهي بنت أخيك من الرضاع، وبنت أختك من الرضاع، فتحرم الأم من الرضاع، والأخت من الرضاع والبنت من الرضاع وبنت الأخ من الرضاع، بنت الأخت من الرضاع، العمة من الرضاع، الخالة من الرضاع، يحرم سبع من الرضاع كما يحرم سبع من النسب.
ثم: المحرمات بالمصاهرة.
تعرفون أن القرابة بين الناس: إما قرابة نسب، وإما قرابة مصاهرة، في قول الله -تعالى-: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾(3) المصاهرة القرابة من النكاح، فأم الزوجة تحريمها بالمصاهرة، وبنت الزوجة تحريمها بالمصاهرة، وكذلك زوجة الابن وزوجة الأب تحريمهن بالمصاهرة، هؤلاء يحرمن بمجرد العقد، مجرد ما يحصل عقد النكاح، ولو لم يدخل بها، فإذا عقدت على امرأة -مجرد عقد قبل الدخول- حرمت عليك أمها وجدتها وإن علت.
وكذلك إذا عقد ابنك على امرأة، ولو لم يدخل بها حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها ابنك، ولو لم يدخل بها فتصبح محرما لك، ولو طلقها ابنك قبل الدخول، وإذا عقد أبوك على امرأة حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها أبوك، ولو لم يدخل بها، ولو طلقها قبل الدخول بها، فزوجة الابن محْرم بمجرد العقد، وزوجة الأب محرم بمجرد العقد.
ومثله ابن الابن، ابن ابنك زوجته -أيضا- محرم لك، وابن ابنتك زوجته محْرم لك، يعني ابن ابنتك حتى على الصحيح من الرضاع بنتك من الرضاع، يعني وابنك من الرضاع زوجته محرم لك، أبوك من الرضاع زوجته محرم لك.
كذلك -أيضا- عمودي النسب زوجة الجد محرم، ولو كان بعيدا، الجد أبو الأم، الجد أبو الأب، وكذلك زوجة ابن الابن وابن البنت وإن نزل.
هذا معنى "حلائل عمودي نسبه" لماذا سمي عمودين ؟
لأن الفروع كأنها عمود، يعني يتكئ بعضها على بعض، والأصول كأنها عمود يعتمد بعضها على بعض، فعمود النسب العليا أبوك وجدك وجد أبيك وجد جدك من الأب أو الأم، هذه عمود النسب العليا.
عمود النسب الفروع: ابنك وابن ابنك وابن ابن ابنك، وبنتك، وبنت ابنك، وبنت ابن ابن ابنك، وبنت بنت ابنك، وهكذا حلائلهم تحرم بمجرد العقد كما مثلنا، أم الزوجة أمهات زوجته وإن علون، يعني مجرد -يعني- العقد، إذا عقد على امرأة حرمت عليه أمها وجدتها أم أمها، وجدتها أم أبيها وإن علت.
هؤلاء أمهات الزوجات وإن علون، هؤلاء يحرمن بمجرد العقد، ولو طلق قبل الدخول، التي تحرم بالدخول ولا تحرم بالعقد هي الربيبة، لقوله تعالى: ﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾(1) وهي بنت الزوجة، متى تكون محرمة؟ إذا دخل بأمها، أما إذا تزوج، عقد على امرأة ثم طلقها ولها بنت حلت له البنت؛ لأنه ما دخل بأمها فمجرد العقد عليها لا يحرم بنتها، يحرم الأم ولا يحرم البنت.
يقول السلف: أطلقوا ما أطلقه الله، الله -تعالى- قال: ﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ﴾(1) وأطلق ثم قال: ﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾(1) فاشترط في الربيبة الدخول بأمها.
ثم كلمة: يعتقد بعض العلماء في قوله:"حلائل عمودي النسب " قال الله -تعالى-: ﴿ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾(1) فيرى بعضهم أن زوجة الابن من الرضاع إذا طلقها حلت لأبيه من الرضاع؛ لأن الله قال: ﴿ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾(1) فيجعلون الابن من الرضاع لا يدخل في هذه الآية.
والجمهور على أنه يدخل؛ وذلك لأن اللبن من الصلب، اللبن الذي ارتضع منه -ولو كان من لبن المرأة- لكنه أصله بسبب الزوج، الحمل الذي حصل وحصل بعده أن درت لبنا هو من الزوج، فيكون هذا الولد ارتضع من اللبن الذي صار بسببه والذي خلق من صلبه، فهذا هو الصحيح.
فعلى هذا ماذا يخرج بقوله: ﴿ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾(1) ؟ يخرج المتبنى.
كانوا في الجاهلية يأخذ أحدهم ولدا أجنبيا ويضمه، ويقول: هذا ابني بالتبني، ويسمى دعيا، ويسمون أدعياء؛ فلذلك قال الله -تعالى- في سورة الأحزاب: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ﴾(4) أدعياءكم: يعني الذين تدعونهم أبناء، وهم أجانب، وإنما ضممتموهم إليكم، فيكون قوله: ﴿ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾(1) ليخرج الدعيّ، فإن زوجته أجنبية.
ولأجل ذلك أحل الله زوجة زيد؛ الذي هو زيد بن حارثة، كان دعيا للنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعونه ابن محمد فقال الله -تعالى-: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾(5) أباح الله زوجته زينب في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ﴾(6) لماذا؟ ﴿ لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ﴾(6) لا يتحرج أحد أن يتزوج زوجة دعيه من بعده.
عرفنا أن الربيبة اشترط الله فيها ﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ﴾(1) ولكن أكثر العلماء على أن هذا شرط أغلبي، وأن كونها ربيبة تعريف لها، ليس ذلك مطردا، فالضابط أن نقول: بنت الزوجة حرام على زوجها، بنتها من غيره حرام عليه، سواء كانت تلك البنت في حجره أو ليس في حجره، وسواء كانت ولدت قبل أن يتزوجها، أو بعدما تزوجها وطلقها، بنتها محرم له، وهذا هو قول الجمهور، الغالب أنه إذا تزوج بنت ومع تلك البنت بنت، تزوج امرأة ومعها بنات، الغالب أنهن يتربين عنده، وينفق عليهن.
فبناء على الأغلب قال: ﴿ وربائبكم ﴾(1) وليس ضروريا أن يربيها بل لو ربتها أمها قبل أن يتزوجها، ولما تزوجها أخذها أبوها، لما تزوجت نعتبرها ربيبة؛ لأنها بنت زوجته، كذلك -أيضا- لا يشترط أن تكون في حجره، بل تزوجها ولها بنت فأخذ البنت أهلها، ولم تدخل في بيته إلا لزيارة نعتبرها ربيبة تحرم عليه فيكون محرما لها.
وكذلك بنات الزوجة بعد الزوج، إذا تزوجت امرأة ولها بنت قبلك، وجاءت منك بأولاد، وطلقتها وتزوجها زيد، وجاءت منه ببنات، فبناتها قبلك وبناتها بعدك حرام عليك، يعني الضابط أن بنت المرأة المدخول بها، سواء قبل الزوج أو بعده كلهن محارم لك، وبنت الربيبة حرام عليك، يعني تقول: أنت زوج جدتي أُمّ أمي، وكذلك بنت ابنها، تقول: أنت زوج جدتي أمّ أبي فتكون محرما لها، يعني بنات زوجتك من غيرك وبنات بنات زوجتك، وبنات أبناء زوجتك من غيرك كلهن محرمات عليك وإن سفلن.
هؤلاء المحرمات أبدا، قوله -في أول الباب-: يحرم أبدا، يعني محرمات مطلقا، أما المحرمات إلى أمد يعني محرمات تحريما مؤقتا يقول: أخت معتدته أو أخت زوجته، أخت زوجته التي في ذمته حرام عليه، إلى متى؟ حتى يطلق زوجته وتنتهي عدتها، أو تتوفى زوجته فتحل له أختها إذا طلقها، طلق امرأة فلا يتزوج أختها حتى تنتهي عدة المطلقة، سواء بوضع الحمل أو بثلاثة قروء، أو نحو ذلك، لماذا؟ لئلا يجتمع ماؤه في رحم أختين، حتى ولو كانت المطلقة بائنا، وهي المطلقة ثلاثا فلا يتزوج أختها حتى تبِين وتحل للأزواج زوجته، ما دامت محبوسة عليه فإنها تعتبر كأنها في عصمته.
تحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها قال الله -تعالى-: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾(7) ففي الآية تحريم نكاح الزانية، سيما إذا كانت مصرة على الزنا؛ وذلك لأنها فاجرة؛ ولأنها والحال هذه تستحق الحد الذي هو العقوبة المشروعة؛ ولئلا تدخل عليه أولادا من غيره، إذا زنت وحملت من غيره نسبت الأولاد الذين هم من الزنا إليه فيترتب على ذلك مفاسد، صححوا توبتها، ولكن بعدما تقام عليها الحدود، إذا زنت واعترفت وهي بكر وجلدت مائة جلدة وغربت، وظهرت منها التوبة والندم، وعرف بذلك أنها صادقة في توبتها، وانقضت عدتها من ذلك الحمل، أو من ذلك الزنا، ففي هذا الحال أن يتزوجها؛ لأنها أصبحت عفيفة.
قبل ذلك لا يجوز، قال الله -تعالى-: ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾(8) فإذا تابت أصبحت من الطيبات، وقبل ذلك تكون من الخبيثات ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ﴾(8) .
تحرم -أيضا- مطلقته ثلاثا، إذا طلقها ثلاث طلقات حرمت عليه، وتسمى بائنا بينونة كبرى، قال الله -تعالى-: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾(9) يعني: الطلاق الرجعي؛ لأنه قال: ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾(10) يعني: في الطلقتين، إذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها فله مراجعتها ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ﴾(10) ثم قال بعد ذلك: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا ﴾(11) يعني: الثالثة ﴿ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾(11) فلا تحل مطلقته إذا كان طلاقا ثلاثا -وهي البائنة- حتى تنكح زوجا غيره، وحتى يطأها ذلك الزوج بشرطه.
يعني: لا بد أن يطأ الوطء الصحيح، يعني في حديث فاطمة بنت أبي حبيش ذكرت أنها طلقها زوجها، وأنها تزوجت بعده، وأنها تريد أن ترجع إلى زوجها فقال -صلى الله عليه وسلم-: « لا ترجعي إليه حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته »(12) يعني: حتى يطأها الوطء الذي يوجب الحد، أو يوجب الغسل، أن يطأها في قُبُلها بنكاح صحيح مع الانتشار في قبلها، فلو وطأها في الدبر أو باشرها دون الفرج فإنها لا تحل لزوجها الأول حتى يطأها الثاني وطئا صحيحا.
حرمة الكافرة وحل الكتابية
تحرم المسلمة على الكافر، قال الله -تعالى-: ﴿ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ﴾(13) العبد المؤمن المملوك خير من الحر المشرك، فلا يحل، وإذا أسلمت تحته فرق بينهما، إن أسلم في العدة رجعت إليه، وإلا حرمت عليه.
"تحرم كافرة على مسلم إلا حرة كتابية" لقول الله -تعالى-: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ﴾(14) عصمتها يعني: ذمتها أي: إذا كان لكم زوجات كوافر -كافرات- فلا تمسكوا بعصمتهن، لما نزلت الآية طلق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- زوجتين له كانتا بمكة كافرات.
ويقول تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ ﴾(13) يعني: مملوكة خير من حرة مشركة، استثنوا حرة كتابية أباح الله -تعالى- نكاح الكتابية بقوله تعالى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾(15) فمثل هذه تحل بهذه الشروط:
الأول: أن تكون كتابية، يعني من أهل الكتاب، كاليهود والنصارى، ومعناه أنه إذا كانت وثنية فلا تحل، وإذا كانت مجوسية أو هندوسية أو بوذية أو قاديانية فإنها لا تحل .
ثانيا: لا بد أن تكون متمسكة بكتابها، فإذا كانوا يتسمون بأنهم يهود، ولكنهم لم يتمسكوا بما في كتابهم أو نصارى، ولم يعملوا بالإنجيل -العمل الواجب-، بل يخالفونه فليسوا كتابيين؛ وذلك لأن من شريعة الكتابيين في التوراة والإنجيل تحريم الزنا، وأما الموجودون الآن فإنهم لا يحرمون الزنا، الموجودون بكثرة الذين يتسمون بأنهم نصارى أو بأنهم يهود، يذكر لنا الذين يسافرون هناك في فرنسا، وفي بريطانيا وفي أمريكا أن المرأة لا تتورع من الزنا، وأن الزنا عندهم أسهل شيء، ولا يغار أحد على ابنته، ولا على موليته، ففي هذه الحال هل تكون كتابية أصلا؟ ما تكون حقيقة.
واشترط أن تكون محصنة أما إذا كانت غير عفيفة، المحصنة هي: المتعففة، فإذا لم تكن عفيفة فلا تحل.
كثير من الذين يسافرون إلى البلاد الخارجية هناك يقول: أتزوجها لأنها كتابية، ولا يشترط أن تكون عفيفة، ولا يشترط أن تكون متمسكة بكتابها، فتكون مرتدة، ما تكون كتابية حقيقية، فنقول: نكاحها حرام، الله -تعالى- ما أباح إلا نكاح نساء أهل الكتاب، يعني الذين من أهل الكتاب حقا، وأباح كونهن محصنات، لقوله: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾(15) محصنات يعني: عفيفات، فإذا لم تكن محصنة لا تحل لك أن تتزوجها، وإذا لم تكن من أهل الكتاب المتمسكين بكتابهم لا يحل أن تتزوجها.
واشترطوا أن تكون حرة، فإذا كانت أمة كتابية فلا تحل لمسلم.
"يحرم على الحر المسلم نكاح الأمة المسلمة، إلا إذا خاف العنت، عنت العذوبة واحتاج إلى نكاحها لحاجة متعة أو خدمة وعجز عن طول حرة أو ثمن أمة" قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾(16) يعني: من المملوكات، فاشترط ألا يستطيع طولا، يعني الطول هو: المهر، فإذا كان لا يقدر على مهر الحرة، ولا على ثمن أمة يستمتع بها إذا وجد الإماء، ثم قال في آخر الآية: ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ﴾(16) يعني: خشي الزنا، عنت العزوبة، يعني خاف من المشقة، وأن تحمله الشهوة على فعل الفاحشة، فلذلك قال: ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ﴾(16) أي خاف العنت، عنت العزوبة، وكانت حاجته إلى الاستمتاع لكسر حدة شهوته والخدمة -أيضا-، حلت له الأمة.
ثم قال تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾(16) ؛ وذلك لأنه إذا تزوجها صار أولاده عبيدا لسيدها؛ لأن الأولاد يتبعون أمهم، فيتحسر إذا رأى أولاده مملوكين، يباعون ويشترون؛ فلذلك الصبر خير.
حرمة زواج الحرة من عبدها
"يحرم على العبد سيدته، وعلى السيد أمته":
العبد ليس كفئا أن يتزوج سيدته، ولو كان في ملكها؛ لأنها أرفع منه، السيد يطأ أمته بملك اليمين، فليس بحاجة إلى أن يتزوجها، وكذلك أمة ولده لا يحل له أن يتزوجها إلا إذا لم يكن الابن قد وطئها وخرجت من ملكية ولده، ورد في فضل ما إذا أعتق الأمة ثم تزوجها في الحديث المشهور « ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين. .. »(17) ذكر منهم: « السيد الذي علم أمته ثم أعتقها ثم تزوجها »(18) . "يحرم على الحرة قن ولدها":
يعني مملوك ولدها، الحرة لا يحل لها أن تتزوج عبدها، ولا عبد ولدها؛ لأنها أرفع منه. ثم يقول: "ومن حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين، إلا أمة كتابية".
إذا حرم وطؤها بالعقد، يعني -مثلا- حرم وطء أخت الزوجة بالعقد، فكذلك أختها بملك اليمين، لو كان لزوجتك أخت مملوكة واشتريتها فلا تطأها بملك اليمين، لئلا تدخل في قوله: ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ﴾(1) وكذلك عمة زوجتك، وخالة زوجتك، وما أشبه ذلك.
المؤلف هنا ما ذكر المحرمات بالجمع، المذكورات إلا قوله: "أخت معتدته، وأخت زوجته". والصحيح -أيضا- أن عمة زوجته، وخالتها وبنت أخيها، وبنت أختها محرمات عليه حتى يفارق زوجته.
(1) سورة النساء: 23 (2) البخاري : الشهادات (2645) , ومسلم : الرضاع (1447) , والنسائي : النكاح (3306) , وابن ماجه : النكاح (1938) , وأحمد (1/339). (3) سورة الفرقان: 54 (4) سورة الأحزاب: 4 (5) سورة الأحزاب: 40 (6) سورة الأحزاب: 37 (7) سورة النور: 3 (8) سورة النور: 26 (9) سورة البقرة: 229 (10) سورة البقرة: 228 (11) سورة البقرة: 230 (12) البخاري : الطلاق (5260) , ومسلم : النكاح (1433) , والترمذي : النكاح (1118) , والنسائي : النكاح (3283) , وابن ماجه : النكاح (1932) , وأحمد (6/226) , والدارمي : الطلاق (2267). (13) سورة البقرة: 221 (14) سورة الممتحنة: 10 (15) سورة المائدة: 5 (16) سورة النساء: 25 (17) البخاري : الجهاد والسير (3011) , ومسلم : الإيمان (154) , والترمذي : النكاح (1116) , والنسائي : النكاح (3344) , وأحمد (4/405) , والدارمي : النكاح (2244). (18) البخاري : النكاح (5083) , ومسلم : الإيمان (154) , والترمذي : النكاح (1116) , والنسائي : النكاح (3344) , وأبو داود : النكاح (2053) , وابن ماجه : النكاح (1956) , وأحمد (4/414) , والدارمي : النكاح (2244). |