الشروط في النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فصل
والشرط في النكاح نوعان:
صحيح: كشرط زيادة في مهرها، فإن لم يفِ بذلك فلها الفسخ.
وفاسد: يبطل العقد، وهو أربعة أشياء: نكاح الشغار، والمحلل، والمتعة، والمعلق على شرط غير مشيئة الله -تعالى-، وفاسد لا يبطله كشرط ألا مهر أو لا نفقة أو أن يقيم عندها أكثر من درتها أو أقل، وإن شرط نفي عيب لا يفسخ به النكاح فوجد بها فله الفسخ.
فصل: وعيب نكاح ثلاثة أنواع: نوع مختص بالرجل كجب وعنة، ونوع مختص بالمرأة كسد فرج ورتق، ونوع مشترك بينهما كجنون وجذام، فيفسخ بكل من ذلك، ولو حدث بعد دخول، لا بنحو عمي وطرش وقطع يد أو رجل إلا بشرط، ومن ثبتت عنته أجل سنة من حين ترفعه إلى الحاكم، فإن لم يطأ فيها فلها الفسخ، وخيار عيب على التراخي، لكن يسقط بما يدل على الرضا، لا في عنة إلا بقول، ولا فسخ إلا بحاكم، فإن فسخ قبل دخول فلا مهر، وبعده له المسمى يرجع به على مغر، ويقر الكفار على نكاح فاسد إن اعتقدوا صحته وإن أسلم الزوجان والمرأة تباح إذا أقِرَّ.
الفصل الذي بعده يبوبون عليه باب الشروط في النكاح، كما سبق أنهم قالوا: باب الشروط في البيع، الشروط في النكاح هي ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر، وهي قسمان:
شروط صحيحة، وشروط باطلة، وقد ورد الوفاء بالشروط، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج »(1) يعني: الشروط التي تشترطها المرأة، وتحل لك، عليك أن توفي بها.
فإذا شرطت أن لا يخرجها من بلدها فهذا شرط صحيح، إذا أراد إخراجها فلها الفسخ، هذا هو الصحيح، أو شرطت أن يسكنها في بيت مستقل وجب عليه؛ لأنه إذا أسكنها مع أهله ومع إخوته قد تتضرر، أو شرطت ألا يتزوج عليها إذا أراد أن يتزوج فلها الخيار.
في هذه الأزمنة -أيضا- تشترط أن لها راتبها إذا كانت موظفة، وتشترط أن يوصلها إلى المدرسة -مثلا- فلها شرطها، وتشترط أن يمكنها من العمل أو من الدراسة فلها شرطها، أو تشترط زيادة في المهر تقول: أريد زيادة على غيري يعني إذا كان المهر -مثلا- عشرة آلاف تشترط عشرين ألفا.
وكذلك -أيضا- إذا كان لها أولاد واشترطت أن يمكنها من تربيتهم، وكذلك إذا اشترطت الزيارة؛ أن تزور أهلها كل أسبوع، أو كل شهر أن يمكنها من زيارتهم، أو أن يزورها أهلها، وأشباه ذلك من الشروط التي لها فيها مصلحة، فإذا لم يفِ فلها طلب الفسخ، ولأهلها مطالبته، أن يقولوا: أنت التزمت بالشرط، وإذا كان الشرط -أيضا- محرما شرعا فاشترطوه فإن ذلك من باب التأكيد، فإذا شرطوا ألا يُرْكبها مع سائق أجنبي فلهم شرطهم، أو ألا يركبها مع من ليس بمحرم أو ليس بخلوة، أو شرط أن لا يخلوا بها أحد من أقاربه ولا أخوته أو ما أشبه ذلك.
نكمل غدا -إن شاء الله- والله أعلم.
السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
عرفنا أن هذا الباب باب الشروط والعيوب في النكاح، وأن الشروط هو: ما يلتزم به الزوج للزوجة، أو ما تلتزم به الزوجة لزوجها، ويكون محل الشروط صلب العقد، أي الشروط التي يلزم الوفاء بها، هي التي يشترطونها عند العقد، ويكتب ذلك في العقد فيكتب في العقد أنه: اشترط الولي على الزوج لزوجته أن يسكنها في بيت مستقل، أو اشترط ألا يسافر بها، أو اشترط ألا يتزوج عليها، تكثر الشروط التي يحتاج إلى كتابتها، والإشهاد عليها، فيكتبونها ويشهدون عليها عند العقد، وإذا خالف فيها فلها طلب الفسخ؛ لأنه حق لها.
معلوم -مثلا- أنه إذا أدخل عليها زوجة في بيتها فإنها تتضرر، فلها أن تطلب الفسخ، تقول: إما أن لا تدخل عليّ زوجة أو فارقني، كذلك -أيضا- إذا شرط أن لا يسافر بها فإن لها شرطها أن لا يخرجها من دارها أو من بلدها فإن هذا من الشروط التي لها فيه مصلحة.
وهكذا -أيضا- إذا شرط أن يزورها أهلها كل أسبوع، إذا اشترطوا عليه، أو كل شهر، أو كل سنة فلها شرطها، لها المطالبة به، وكذلك إذا شرطت زيادة في المهر، إذا كان مهر أخواتها -مثلا- عشرة آلاف فاشترطت عشرين ألفا فلها شرطها، وهكذا إذا شرطوا -أيضا- شرطا قد وجد له أصل في الشرع، ويكون ذلك من باب التأكيد، فإذا شرطوا ألا يُركبها مع أجنبي في السيارة أو لا يخلو بها أجنبي، هذا شرط أقره الشرع.
وكذلك إذا شرطوا أو شرط الزوج ألا يدخل عليها جهاز الدش ونحوه، ولو طلبت ذلك، أو منع أهلها أنك لا تدخل عليها ولو رضيت، وهكذا إذا شرطت وظيفتها أن تبقى فيها، أو شرطت إكمال الدراسة، أن تواصل حتى تكمل دراستها، أو شرطت إذا كانت موظفة أن لها راتبها، أو أن يوصلها إلى المدرسة، أو إلى محل عملها.
أما الشروط التي تحلل حراما فلا يجوز، فلو شرطت أن يمكنها من دخول السوق متى أرادت، أو أن تخرج من بيته متى شاءت فهذا شرط يخالف الشرع، أو شرطت -مثلا- أن يمكنها من نزع الحجاب، كما يكون ذلك في بعض البلاد، أو من حضور الحفلات التي فيها منكرات، أو النوادي أو الألعاب التي فيها منكر ونحوه، فإن هذا شرط يخالف مقتضى الشرع، فلا يجوز الوفاء به، ولو رضي بذلك عند العقد.
فإن في الحديث: « المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا »(2) إذا شرطت ألا يتزوج عليها بعض العلماء يقول: لا يصح؛ لأن هذا شرط يحرم حلالا، ولكن الجمهور على أنه صحيح، وما ذاك إلا لأن عليها ضرر من الضرة.
وعلى هذا فإذا أراد الزواج فإنه يخيرها، يقول: أنا أريد أن أتزوج فإما أن توافقي، وإما أن تطلبي الفراق، إذا رغب في ذلك، وكان هناك دوافع، لكن قد تقول: إن هذا ضرر علي، يعني الطلاق قد يكون ضرر عليها، سيما إذا أتت بولد واحد أو عدد، فإن ذلك يكون إساءة لسمعتها، وإذا طلقت فقد لا يرغبها الرجال، يقولون: إن هذه قد نشزت أو فارقها زوج فلا يرغبها غيره، فلذلك يرى بعض العلماء أن عليه الوفاء بهذا الوعد، بهذا الشرط، ألا يتزوج عليها ولو تضرر.
يرى بعض العلماء أن عليه الوفاء بهذا الوعد، بهذا الشرط، ألا يتزوج عليها ولو تضرر.
والصحيح أنه إذا احتاج إلى ذلك فإنه يخيرها بين أن تبقى معه مع الزوجة أو تفارقه، فيكون لها الخيار، فإذا لم يفِ بهذه الشروط أو ببعضها، فلها طلب الفسخ تذهب إلى الحاكم، وتطلب منه أن يفسخ النكاح، إذا جاءت بالشرط، قد شرط عليه كذا، وهذه صورة العقد أو هؤلاء الشهود الذين يشهدون، فأطالب إما أن يفي بما شرط عليه، وإما أن يخلي السبيل، ويكون هذا أوفق لها.
روي أن عمر -رضي الله عنه- لما رفع إليه رجل أنه تزوج امرأة، وأنها شرطت عليه ألا يسافر بها، فقال: « مقاطع الحقوق عند الشروط »(3) .
أي: أن الحقوق تقطعها الشروط، فالشرط أوثق وأولى بأن يوفى به، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:: « إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج »(4) فإذا كان هناك شروط في العقد لزم الوفاء بها، أما الشروط الفاسدة فإنها تبطل العقد، هناك شرط أو شروط تبطل العقد، وشروط تبطل والعقد صحيح.
الشروط التي تبطل عقد النكاح
أما الشروط التي تبطل العقد فهي أربعة:
نكاح الشغار
الأول:
نكاح الشغار، وصورته أن يقول: أزوج ابنك ابنتي بشرط أن تزوج ابني ابنتك، أو زوجني ابنتك بشرط أن أزوجك ابنتي، أو لا أزوج ابنك إلا إذا زوجت ابني هذا نكاح الشغار.
واختلف في سبب تسميته، كلمة الشغار مشتقة من الشغر الذي هو الفراغ، يقال: شغر البيت يعني: خلي، ولم يكن فيه ساكن، ومحل شاغر، ومركز شاغر أي: خالٍ، إذا قيل: إنه سمي من الفراغ، فإن كانوا في الجاهلية يخلونه من المهر، فيقول: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي ولا صداق، تكون هذه عوض هذه، يعني: بضع هذه هو مهر الأخرى، وبضع هذه هو مهر الأخرى، فلا يكون بينهما شيء من المهر، وهذا تفسير للشغار، مروي في حديث ابن عمر أنه فسر الشغار، أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ولا صداق بينهما، فرجح بعض المحققين أن تفسيره من كلام ابن عمر.
وقيل: إنه من كلام نافع، إن فعل هذا هل يكون حجة؟ وهل يستدل به على أن الشغار هو الذي لا يكون فيه مهر؟ ذهب إلى ذلك بعض العلماء كالأحناف فقالوا: الشغار صحيح، ولكن يفرض لكل منهما، إذا تم العقد، فإننا نقول: يا هذا أعط زوجتك مهرا، وأنت أيضا أعط زوجتك مهرا، مهر أمثالها، ويبقى النكاح على هذه صحيحا.
والقول الثاني: أنه باطل ولو سمى لها صداقا، ولو أعطيت صداقا بعد العقد أو قبله، وقالوا: إنه ورد في الحديث تفسيره: أن يقول: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، زوجني أختك بشرط أن أزوجك أختي، أو نحو ذلك، ويكون العلة فيه هو الاشتراط، لا أزوجك إلا إذا زوجتني، لا أزوج ابنتك إلا بشرط أن تزوج ابنتي، فيكون هذا مفسدا له؛ لماذا؟ لأنه لا بد غالبا أن يحصل إكراه لإحدى الزوجتين، فإنه قد يكره ابنته لمصلحته، فيلجئها على أن توافق؛ لأنه له مصلحة، سوف يتزوج، فيقول: يا بنيتي اقبلي،حتى يزوجوني، أو حتى يزوجوا ابني، فيكرهها، فيكون غالبا فيه إكراه إحدى الزوجتين أو إكراه كلتيهما، والإكراه لا يجوز.
قد تقدم أنه لا يجوز تزويج البكر إلا بإذنها، ولا الثيب إلا بأمرها، والحديث: « والبكر يستأذنها أبوها »(5) فإذا كان هناك عدم رضا ما صلحت الحال، ولا استقامت الأمور؛ فلذلك حرم هذا النكاح.
يقع في كثير من القرى ومن البوادي، يقع عندهم هذا ثم تحصل مفسدة، وأن أحدهما إذا نشزت امرأته، وذهبت إلى أهلها، وابنته صالحة مع زوجها جاء إلى ابنته، وأخذها قهرا، وقال: انشزي يا بنتي كما نشزت بنتهم، أو آخذ ابنتي قهرا، ولو كانت موافقة لزوجها، ولو كان بينهما أولاد، ولو كانت تحبه ويحبها، فيكرهها على أن يأخذها قهرا، فيكون في ذلك مفسدة، هذا هو العلة، أما إذا لم يكن هناك شرط، وكان هناك رضا من الطرفين وهناك دفع لكل واحدة منهما ما تستحقه.
ففي هذه الحال يظهر أنه لا بأس به، إذا قال: أهلا وسهلا أنا سوف أزوجك أو أزوج ابنك وابنتي موافقة، فأعطها مهرها الذي تستحق، فقال: مهرها كذا وكذا، وعندي أيضا ابنة إذا تريدها، فإنها توافق عليك أو على ابنك، ولا إسراف عليها، ولا ألزمها فهي راضية، ولكن لا بد أن تدفع لها مهرها، كل واحد مثلا يقول: أنا سوف أزوجك سواء زوجتني أم لا، وإذا زوجتني، فإني سوف أعطي ابنتك حقها، فمثل هذا لا بأس إذا حصل التراضي.
نكاح المحلل
الثاني: المحلل، وهو الذي يتزوج المرأة لأجل أن يحلها لزوجها الذي طلقها ثلاثا، كأنه مستأجر، وقد يشترط عليه، يقولون: تزوجها بشرط أنك متى وطئتها فإنها تطلق منك، أو يلزمك أن تطلقها، يقصدون بذلك إحلالها لزوجها، قد يكون الزوج الذي طلق هو الذي يتفق مع هذا الجديد، فيقول له: تزوج امرأتي فلانة، فإني قد طلقتها وحرمت علي بشرط أنك تبيت معها ليلة، ثم تفارقها حتى أراجعها بعدما تطلقها وتعتد.
قد تقدم في المحرمات أنها تحرم عليه مطلقته حتى تنكح زوجا آخر ويطأها، فإذا كان ذلك الذي تزوجها ما قصد إلا إحلالها أو استأجره أهلها أو زوجها حتى يحلها فإن هذا باطل.
الأحاديث فيه كثيرة، في لعنه، أورد ابن كثير عند تفسير الآية وهي قوله: ﴿ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾(6) أحاديث في لعن المحلل، والمحلل له، وفي بعضها تسمية هذا المحلل: التيس المستعار، التيس: هو ذكر المعز، يعني: كأن زوجها استعاره حتى يطأ زوجته، أو كأنه تيس يستعار حتى ينزو على المعز حتى تحمل، فهذا تسمية للتنفير.
أما إذا تزوجها برضا وباختيار، وما قصد بذلك إلا النكاح، ففي هذه الحال لو طلقها بعد ذلك باختياره حلت للأول، ثم قد يكون هذا من المرأة، كثيرا ما تندم المرأة، إذا طلقت ثلاثا، وتتمنى الرجوع إلى زوجها، والزوج لا يشعر بذلك منها، فتتزوج وإذا دخل بها الزوج، ووطئها نفرت منه، وافتدته أو خالعته، أو قالت: لا أريده ويكون قصدها بذلك أن تحل للأول، فهل يكون هذا تحليلا ؟.
لا يكون إذا كان الزوج الأول ما تدخل في هذا، والزوج الثاني ما له قصد، ولا قصد إحلالها، وإنما هي التي نفرت، وطلبت فراقه حتى تحل للأول، فمثل هذا الوعيد عليها هي، وأن زوجها لا وعيد عليه، ولا يلحقه هذا اللعن.
نكاح المتعة
الثالث: نكاح المتعة، وهو الذي تحدد فيه المدة، بأن يقول: تزوجتك مدة شهر، أو يقول وليها: زوجتكها مدة أسبوع، ويعطيها صداقا يسيرا كدرهم أو دراهم معدودة، ثم إذا مضت المدة التي حددوها حصل الفراق بينهما، فهذا النكاح ورد أنه أبيح في غزوة الفتح.
والصحيح أنه ما أبيح إلا فيها، ثم حرم فيها؛ وذلك لأنهم لما دخلوا مكة كانوا عشرة آلاف، وأكثرهم عزاب وأعراب ومسلمون جدد، فقد يشق عليهم طول العزبة، دخلوها يمكن في نصف رمضان أو في العشر الأواخر، ومكثوا ستة عشر أو سبعة عشر يوما، ففي تلك المدة مع عشرة أيام في الطريق خاف النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لكونهم حديث عهدهم بالإسلام، فأباح لهم نكاح المتعة، أن يتزوج الرجل المرأة على ثوب وعلى خمسة دراهم يمكث معها عشرة أيام، أو أسبوعا يستمتع بها، ثم يفارقها إذا انتهت المدة، ثم هي تعتد أو تستبرئ إن حملت، فإن حملها يكون منه، وإن لم تحمل لا تتزوج غيره إلا بعدما تحيض حيضة، تعرف براءة رحمها.
ولما مضت نحو عشرة أيام أو نحوها أعلن التحريم، أعلن أنه محرم، وبقي تحريمه أبدا، وما ذاك إلا أنه لا يسمى نكاحا شرعيا، وهذه المرأة لا تسمى زوجة، ولا يتوارثان ولا يحصل بهذا عشرة زوجية، فلذلك نهي عنه نهيا مؤبدا، وبقي كذلك إلا عند الرافضة، فإنهم يبالغون في أنه حلال، ويدعون أنه حلال في العهد النبوي، وأن الذي حرمه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فيعيبون عمر، ويطعنون فيه أنه الذي حرم الحلال، حرم هذا النكاح وكذبوا.
التحريم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، عمر إنما نهى عن المتعة في الحج، عن متعة الحج، فتوهموا أنه نهى عن متعة النكاح، نهى عن متعة الحج، يعني: عن التمتع بالحج إلى العمرة حتى لا يجمع الإنسان في سفر واحد بين حج وعمرة، بل يسافر للعمرة سفرا مستقلا، وقصده بذلك ألا يبقى البيت مهجورا؛ لأنهم إذا اعتمروا مع حجتهم بقي البيت طوال السنة لا يأتي إليه أحد، فنهى عنه مع أنه ليس نهيا صريحا، إنما نهي كراهة أو نهي يعني: من باب ما هو الأحسن، فلما رأوا في صحيح مسلم وفي غيره أنه نهى عن المتعة جعلوها متعة النكاح.
وقع في بعض الروايات في صحيح مسلم، وكذلك في مصنف عبد الرزاق ذكر أنه نهى عن متعة النساء، والصحيح أنها خطأ من الراوي، كذلك أيضا روي عن بعض الصحابة أنه كان يبيحه كابن عباس، ولكن الصحيح أن ابن عباس ما أباحه إلا للضرورة، قد أنكر عليه بعض الصحابة حتى علي -رضي الله عنه-.
كان ابن عباس يبيح -أيضا- أكل لحوم الحمر، الحمير المعروفة، ويقول: إنها حلال، فرد عليه علي في هاتين المسألتين في المتعة وفي الحمر.
الحديث الذي في الصحيح قال عن علي قال: « إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر »(7) جمع بينهما في حديث، وأتى بكلمة يوم خيبر ظرفا لتحريم الحمر، لا ظرفا للمسألتين، توهم بعض العلماء أن النهي عن نكاح المتعة كان في خيبر، والصحيح أنه ما أبيح إلا في غزوة الفتح، وحرم في تلك الغزوة .
وقد ناقش أدلة الرافضة كثيرا من أهل السنة، ولهم مؤلفات في ذلك، ولهم مبالغة في إباحتها، وما يزالون هكذا، ولا يعتبر بخلافهم؛ لأنهم ليسوا من أهل السنة.
النكاح المعلق
الرابع: المعلق على شرط غير مشيئة الله تعالى، إذا قال زوجتك بشرط رضا أخيها وأخوها غائب، هذا معلق على شرط، أو زوجتك بشرط بقائها إلى سنة أو نصف سنة، أو زوجتك بشرط نجاحها في هذا الاختبار هذا غيب ولا يدرى، لأجل ذلك يكون هذا باطلا، فإذا أرادوا عند تحقق الشرط أن يعقدوا لها عقدوا لها عقدا صحيحا بغير تعليق.
هناك شروط فاسدة لا تبطل العقد، بل يبطل الشرط، ويصح العقد، فإذا شرط ألا مهر لها فالعقد صحيح والشرط باطل، وتعطها مهر أمثالها، لقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ ﴾(8) إذا شرط أن لا نفقة لها أي: تزوجتها بشرط ألا تطالبني بنفقة، ولو خبزة أو رغيفا صح العقد، وبطل الشرط؛ لأنه يخالف مقتضى العقد، فالأصل أن الزوج عليه نفقة امرأته، لقول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾(9).
وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « اتقوا الله في النساء فإنكن أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف »(10) فالنفقة واجبة على الزوج لكن إذا ساعدته، إذا كان لها دخل ساعدته في نفقتها أو في نفقة الأولاد جاز ذلك، من الشروط الباطلة إذا شرط أن يقيم عندها أكثر من ضرتها أو أقل، إذا قالت: بشرط أن تقيم عندي أربعة أيام وعند ضرتي يوم أو ثلاثة أو يومين، فهذا شرط ينافي العدل؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾(11) فلا بد أن يعدل بينهما، وكذلك إذا شرط عليها ما لك إلا ليلة في الأسبوع، والبقية لضرتك أو نحو ذلك، فهذا الشرط باطل والعقد صحيح.
إذا شرط نفي عيب لا يفسخ به النكاح، فوجد بها فله الفسخ، مثلا: إذا شرط أن ليست أمية، فوجدت أمية لا تقرأ ولا تكتب، فهذا الشرط لا يبطل العقد، ولكن إذا كان قد شرط ذلك فله شرطه، فله طلب الفسخ ويرد عليه صداقه، وكذلك لو شرط أنها بيضاء، وبانت سوداء أو شرط أنها جملية، وبانت دميمة، فالعقد صحيح.
ولكن لما اختلف أو تخلف المطلوب فله الفسخ، وكذلك إذا شرط أنها سليمة وصحيحة من العيوب، فوجد بها مثلا نقص إصبع أو زيادته أو مثلا جروحا يسيرة في البدن، فإن هذا أيضا لا يبطل به العقد، لكن إذا قال: أنا شرطت السلامة، ووجدت فيها عيوبا أو عيبا فله الفسخ.
العيوب التي يفسخ بها النكاح
الفصل الذي بعده في العيوب في النكاح: العيب هو ما يكون نقصا في أحد الزوجين بحيث تنفر النفس من ذلك العيب، أو لا يحصل كمال الاستمتاع أو لا يحصل كمال الألفة أو ما أشبه ذلك، فإذا وجد هذا العيب، فإنه يكون سببا في الفراق، ذكر أن العيوب ثلاثة أنواع:
قسم يختص بالرجال، وقسم يختص بالنساء، وقسم يوجد في الرجال وفي النساء، فالذي يختص بالرجال: كجبٍّ وعُنّة.
الجَبّ: هو قطع الذكر، وهذا بلا شك عيب؛ لأنه لا يحصل به الاستمتاع، المجبوب لا يكون زوجا يحصل منه الإنجاب، ولا يحصل منه الاستمتاع كلا، يمكن إذا كان مقطوعا نصف ذكره أنه قد يحصل منه الاستمتاع أو الوطء، ولكن لا يكون استمتاعا كاملا، فلها طلب الفسخ.
وأما العنة: فهي عدم القدرة على الوطء، العنين هو الذي لا يحصل منه الانتشار الذي يتمكن معه من الوطء، فإن بعضا من الناس ليست عنده شهوة أو عنده شهوة ضعيفة بحيث أنه لا يحصل الانتشار والانتصاب، فلا يحصل منه قدرة على الوطء، فيكون هذا عيبا، فللمرأة طلب الفسخ إذا ظهر أنه عنين.
النوع الثاني: يختص بالنساء، ذكروا أن من النساء من يكون في الفرج سدّ يسمى الرتق والعفل، والرتق هو انضمام الفرج والتحامه وعدم التمكن من الاستمتاع، يقال: امرأة رتقاء أي: ملتصق فرجها بعضه ببعض، ومن الرتق قول الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ﴾(12) أي: كانت السماء ملتصقة بالأرض ﴿ ففتقناهما ﴾(12) .
وكذلك العفل: ورم يكون في الفرج يمنع كمال الاستمتاع ويشبهونه بالأدرة التي في الرجل، الآدر: هو الذي فيه فتق في أسفل بطنه تنحدر منه أمعاؤه حتى تجتمع في الأنثيين، هذا يسمى الأدرة، فيكون في النساء هذا الفتق فيكون أيضا عيبا، ولكنه أغلب ما يكون في الرجال، الآدر: هو الذي فيه هذا الفتق، ويكون أيضا عيبا، فالفتق قد يفسر بنوع آخر، وهو انفتاق ما بين مخرج الحيض ومخرج البول، فإذا كان منفتقا ما بينهما، فإن ذلك أيضا عيب؛ لأنها في هذه الحال لا تقدر على استمساك البول، ففي هذه الحال يكون هذا عيبا.
النوع الثالث: المشترك بينهما: كجنون وجذام وبرص، فإذا وجد في واحد منهما فللآخر طلب الفسخ؛ لأنه مما تنفر منه النفس.
الجنون: نقص في العقل أو فقد للعقل، جُنّ: أي: غطي على عقله، فإذا تبين أن المرأة مجنونة، فلا نكاح بينهما، يعني: له أن يطالب بالفسخ، أو الرجل تبين جنونه، يعني: أنه مجنون، كذلك الجذام: قروح تخرج في الأنف وفي الوجه، وتنتشر، وتكون لها رائحة منتنة، ويخشى أيضا انتقالها.
وفي الحديث: « فر من المجذوم فرارك من الأسد »(13) فالجذام من الأمراض الشديدة، ورد الاستعاذة منه في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « أعوذ بالله من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام »(14) .
البرص معروف، هذا البهق والبياض الذي يكون في بعض الناس، في جسده، في وجهه أو في أعضائه، فإن كان خفيا في بطن أو ظهر، قد لا يكون عيبا، وإلا فإن النفس تنفر من الشيء الذي يخالف خلقة الإنسان، فيكون عيبا، يفسخ بكل من ذلك إذا وجد مثل هذه العيوب.
أما بقية العيوب فلا توجب الفسخ، لكن إذا اشترط نفيها فله شرطه، إذا شرط ألا عيب فيها، ووجد به عور عوراء مثلا أو عمياء أو مشلولة إحدى اليدين أو عرجاء أو مثلا بها قرع، وهو الذي يتمزق منه شعر الرأس، الأقرع الذي يكون في رأسه هذه القروح التي تمزق الشعر ونحوه، أو قروح خفية وجروح، أو مرض خفيّ.
فالحاصل أنه إذا وجد عيب خفي، فإنه إذا كانوا قد كتموه له المطالبة بالفسخ إذا كان مما تنفر منه النفس، وله أن يرضى به.
يقول: لو حدث الجنون أو البرص بعد العقد بعد الزواج وبعد الدخول جاز له أن يطلب الفسخ، مع أن هذا ليس بسبب منها ولا من أهلها، حدث أنها جنت أو أصيبت بالجذام بعدما دخل بها، ولكن النفس تنفر من ذلك.
وهناك عيوب لا تكون ملزمة بالفسخ، ولكن إذا كان هناك شرط، فالمسلمون على شروطهم، فإذا لم يشترط نفي العيوب ووجدها عمياء أو عوراء أو وجدت زوجها مثلا ضعيف البصر يحتاج إلى من يقوده، وكذلك الطرش، وهو ثقل السمع، إذا وجد بأحد منهما طرش، فإن كان هناك شرط، فله شرطه وإلا فإنه لا يعد عيبا، وكذلك قطع اليد أو الرجل، سواء حادثا أو قديما، أو قطع أصبع فلا يكون هذا موجبا للفسخ إلا بشرط، إذا شرط ألا عيب فيها أصلا من الخلقة أو من الأخلاق، ثم وجدت مقطوعة إحدى اليدين أو مقطوعة أحد الأصابع؛ لهذا اختل العمل، فله طلب الفسخ؛ لأنه شرط نفي العيب.
ومن ثبتت عنَّته أجِّلَ سنة من حين ترفعه إلى الحاكم، يحدث هذا في كبر السن أنه يصاب بضعف الشهوة، ففي هذه الحال المرأة تريد زوجا يكون معه الاستمتاع بها، ففي هذه الحال إذا طلبت مرافعته إلى الحاكم، فإن الحاكم يؤجله سنة، وكذلك إذا ثبتت عنته، أنه لا ينتصب، ولا يحصل منه الوطء الذي يحصل منه الاستمتاع، فترافعا فالحاكم يؤجله سنة حتى تمر به الفصول الأربعة، يمر به فصل الربيع فقد يكون مثلا بسبب برودة، يمر به فصل الشتاء قد يكون بسبب حرارة، يمر به فصل الخريف وفصل الصيف، فإذا مرت به الفصول الأربعة، ولم يتبين أنه تغير، بل بقي على عنته ففي هذه الحال للحاكم الفسخ، إذا ثبتت عنته أجله الحاكم سنة من حين الترافع، فإن لم يطأ فيها فلها طلب الفسخ.
العيب يسبب الخيار إذا يتجدد، إذا وجد عيب كعمى وطرش أو صمم أو خرص أو عور أو شلل على التراخي، يعني: لو سكتت، ولم تطالب الفراق، وبعد سنة أو سنوات، ثم طلبت الفراق، فهل يحتج عليها، ويقول:: أنت قد مكثت عندي سنة أو سنتين راضية بالحال، فلماذا طلبت الفراق بعد ذلك؟ لها ذلك، لها أن تطلب الفراق، ولو بعد عشر سنين؛ لأنها يمكن أن تقول: أريد أن أتحمل أو أتصبر أو لعله يتغير، فخيار العيب على التراخي، لكن يسقط بما يدل على الرضا، إذا دل كلامها على الرضا أو كلامه على الرضا، إذا قال: رضيت بها، ولو خرساء فهذا دليل على رضاه، رضيت بها ولو عرجاء، أو قالت: رضيت به، ولو أعور، ولو كان أعمى أو حدث به ذلك العمى أو هذا المرض، فإذا أظهرت الرضا بطل الخيار، فلو طالبت بعد ذلك بالفسخ ليس لها؛ لأنها رضيت به، ومر به وقت استقر به الوضع على ذلك.
يقول: إلا في عنة فلا خيار إلا بالقول، العنين خياره لا يسقط إلا بالقول، صورة ذلك إذا قالت: رضيت به عنينا، رضيت أن يبقى معها ولو كان عنينا، فيسقط خيارها.
وأما الفسخ هو فسخ النكاح بمعنى أنها تطالب بالفسخ، ولا يفسخه إلا الحاكم، إذا ترافعا إلى الحاكم، وقالت: أريد فسخ النكاح بيننا، فإنه الذي يتولى فسخه، إذا فسخ قبل الدخول فلا مهر؛ لأن الصداق إنما كان بسبب العقد، وها هنا تبين أن العقد لا يصح، وأنه لا يقر على تلك الحال، فلا تستحق عليه لا مهر ولا نصف المهر، وأما إذا دخل بها، فإنها تستحق المهر بما استحل من فرجها، ولكن يرجع به على من غره، الذي غره، وأوهمه أنها سليمة سواء الأب أو الأخ أو الواسطة بينهما، يقول: أنت خدعتني ودخلتُ بها، ووجدت بها عيب كذا وكذا، وقد أخذت مني المهر كاملا، فأنت الذي خدعتني، يرجع به على من غره .
ذكر بعد ذلك نكاح الكفار أنهم يقرون على النكاح الفاسد الذي اعتقدوا صحته، يعني كنكاح بلا ولي، أن تزوج المرأة نفسها، كذلك أيضا إذا كان هناك نكاح بلا إيجاب ولا قبول. بل اجتمع رجل وامرأة في الجاهلية، وقال: زوجيني نفسك، فأخذ بيدها دون أن يكون هناك إيجاب أو قبول اعتقدوا صحته، صح ذلك، وإذا أسلم الزوجان والمرأة تباح أقرا على نكاحهما، إذا كانت تباح في تلك الحال وإلا فرق بينهما.
رووا أن فيروز الديلمي أسلم وعنده أختان فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفارق إحداهما، ولكن يعتزل الثانية حتى تستبرأ التي فارقها، وأسلم غيلان الثقفي وعنده عشر نسوة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: « اختر أربعا، وفارق سائرهن »(15) فإذا أسلموا يقرون على الذي يحله الشرع، والذي لا يحله يفارقونه، إذا أسلم المجوسي وعنده، وفي ذمته أحد محارمه أمر بفراقها ذلك؛ لأنه محرم، المجوس يستبيح أحدهم أن يتزوج بنته أو أخته أو أمه أو غيرهم، فإذا أسلموا أمروا بفراق من هي محرمة من المحارم.
(1) البخاري : الشروط (2721) , ومسلم : النكاح (1418) , والترمذي : النكاح (1127) , والنسائي : النكاح (3281) , وأبو داود : النكاح (2139) , وابن ماجه : النكاح (1954) , وأحمد (4/150) , والدارمي : النكاح (2203). (2) الترمذي : الأحكام (1352). (3) (4) البخاري : الشروط (2721) , ومسلم : النكاح (1418) , والترمذي : النكاح (1127) , والنسائي : النكاح (3281) , وأبو داود : النكاح (2139) , وابن ماجه : النكاح (1954) , وأحمد (4/150) , والدارمي : النكاح (2203). (5) مسلم : النكاح (1421) , والترمذي : النكاح (1108) , والنسائي : النكاح (3260) , وأبو داود : النكاح (2098) , وابن ماجه : النكاح (1870) , وأحمد (1/274) , ومالك : النكاح (1114) , والدارمي : النكاح (2190). (6) سورة البقرة: 230 (7) البخاري : الحيل (6961) , ومسلم : النكاح (1407) , والترمذي : النكاح (1121) , والنسائي : الصيد والذبائح (4334) , وابن ماجه : النكاح (1961) , وأحمد (1/79) , ومالك : النكاح (1151) , والدارمي : النكاح (2197). (8) سورة النساء: 4 (9) سورة البقرة: 233 (10) مسلم : الحج (1218) , وأبو داود : المناسك (1905) , وابن ماجه : المناسك (3074) , والدارمي : المناسك (1850). (11) سورة النساء: 3 (12) سورة الأنبياء: 30 (13) أحمد (2/443). (14) النسائي : الاستعاذة (5493) , وأبو داود : الصلاة (1554) , وأحمد (3/192). (15) الترمذي : النكاح (1128) , وابن ماجه : النكاح (1963) , وأحمد (2/83) , ومالك : الطلاق (1243). |