تحريم الخمر
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى:
فصل:
وكل شراب مسكر يحرم مطلقا، إلا لدفع لقمة غص بها مع خوف تلف، ويقدم عليه بول. فإذا شربه أو احتقن به مسلم مكلف مختارا عالما أن كثيره يسكر حد حر ثمانين و قنّ نصفها. ويثبت بإقراره مرة كقذف أو شهادة عدلين. وحرم عصير ونحوه إذا غلى أو أتى عليه ثلاثة أيام .
السلام عليكم ورحمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين -نبينا محمد- وعلى آله وصحبه أجمعين.
من جملة الحدود حد الخمر، أي: حد شرب المسكر. الخمر: هي كل ما أسكر. الإسكار: هو إزالة العقل. الذي إذا شربه فإنه يزول معرفته، ويهذي في كلامه، ولا يعرف ما يقول، ويتصرف تصرفا سيئا -حَرُمَ هذا؛ لأنه يزيل العقل، ويلحق الذي يتعاطاه بالمجانين، أو أقل حالة من البهائم.
كانت الخمر مشهور شربها عند العرب قبل الإسلام، بل قد يفتخرون بها، كما في قول حسان في جاهليته:
ونشـربها فتتركنـا ملوكا *** وأسدا لا ينهنهنا اللقاءات
فلما جاء الإسلام، لم تحرم دفعة واحدة؛ لأنهم منهمكون فيها، بل حرمت على مراتب، حرمت على مرات، شيئا فشيئا. فأول ما نزل فيها، قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَ﴾(1) قال العلماء -أو بعضهم-: إن هذه الآية هي التي حرمت بها الخمر؛ لأنه ذكر أن فيها إثم كبير، وإثمها أكبر من نفعها، فيدل على أنها محرمة.
والله تعالى قد حرم الإثم في قوله تعالى في سورة الأعراف -وهي مكية-: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ﴾(2) فتكون هذه الآية دالة على تحريمها، ولكن لم يحرمها الناس لهذه الآية، حيث ذكر أن فيها منافع للناس، منافع للناس إما بالتجارة فيها، وإما بالتلذذ بشربها. ولما نزلت تاب كثير وتركوها.
قُدِّر بعد ذلك أن قوما شربوها من الصحابة، وحصل منهم قتال، حتى ضرب بعضهم صاحبه بلحي جمل وشجه، وصلى بعضهم وقرأ في الصلاة: قل يا أيها الكافرون، أعبد ما تعبدون، أنتم تعبدون ما أعبد. خلط في قراءته، عند ذلك نزلت آية في سورة النساء ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾(3) نهاهم أن يصلوا في حالة السكر؛ وذلك لما يترتب على الصلاة -في حالة السكر- من الهذي والكلام السيء، فتاب ناس وتركوها تركا كليا.
وبقي آخرون يشربونها، في الأوقات الطويلة بعد الفجر، يصحون قبل أن يدخل وقت الظهر، بعد العشاء، يصحون قبل دخول وقت الفجر. ولما عرفوا آثارها السيئة، نزل تحريمها بعد ذلك بالآيات التي في سورة المائدة، وأخذوا تحريمها من الآيات من عشرة أوجه:
الوجـه الأول: أن الله قرنها بالأصنام ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ﴾(4) التي هي الأصنام.
الوجـه الثاني: "رجس" والرجس: هو النجس.
الوجـه الثالث: "من عمل الشيطان" والشيطان لا يدعو إلا إلى الحرام، وإلى الأثام.
الوجـه الرابع: "فاجتنبوه" والاجتناب: هو الابتعاد، أبلغ من "اتركوه".
الوجـه الخامس: "لعلكم تفلحون" أي: يتوقف فلاحكم على تركها.
الوجـه السادس: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ﴾(5) العداوة بينكم يوقعها الشيطان؛ بسبب هذا الخمر.
الوجـه السابع: "البغضاء" العداوة والبغضاء في الخمر والميسر.
الوجـه الثامن: "ويصدكم عن ذكر الله" أي: أن مجالسها مجالس باطل، تصد عن ذكر الله.
الوجـه التاسع: قوله "وعن الصلاة" أي: أنها تشغل عن الصلاة.
الوجـه العاشر: "فهل أنتم منتهون" فقالوا: انتهينا انتهينا. فحرمت الخمر بهذه الآيات.
(1) سورة البقرة: 219 (2) سورة الأعراف: 33 (3) سورة النساء: 43 (4) سورة المائدة: 90 (5) سورة المائدة: 91 |