أحكام المرتد
تعريف المرتد وحكمه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
قال -رحمه الله تعالى-: فصل: والمرتد من كفر طوعا -ولو مميزا- بعد إسلامه، فمتى ادعى النبوة، أو سب الله أو رسوله، أو جحده أو صفةً من صفاته، أو كتابا أو رسولا أو ملكا، أو إحدى العبادات الخمس، أو حكما ظاهرا مجمعا عليه، كفر.
فيستتاب ثلاثة أيام، فإن لم يتب قتل، ولا تقبل ظاهرا ممن سب الله أو رسوله، أو تكررت ردته، ولا منافق وساحر. وتجب التوبة من كل ذنب، وهي: إقلاع وندم، وعزم ألا يعود، مع رد مظلمة لاستحلال، من نحو غيبة وقذف.
فصل: وكل طعام طاهر لا مضرة فيه، حلال، وأصله الحل. وحرم نجس، كدم وميتة. ومضرٍّ كسم، ومن حيوان برٍ ما يفترس بنابه، كأسد ونمر وفهد وثعلب وابن آوى لا ضبع. ومن طير ما يصيد بمخلب، كعقاب وصقر. وما يأكل الجِيَف، كنسر ورخم. وما تستخبثه العرب ذوي اليسار، كوطواط وقنفد ونيص. وما تولد من مأكول وغيره، كبغل. ويباح حيوان بحر كله، سوى ضفدع وتمساح وحية.
ومن اضطر أكل وجوبا من محرم -غير سم- ما يسد رمقه. ويلزم مسلم ضيافة مسلم مسافر، في قرية لا مصرٍ، يوم وليلة، قدر كفايته، وتسن ثلاثة أيام.
فصل: لا يباح حيوان يعيش في البر، غير جراد ونحوه، وشروطها أربعة: كون ذابح عاقلا مميزا، ولو كتابيا. والآلة: وهي كل محدد، غير سن وظفر. وقطع حلقوم ومري، وسن قطع الودجين، وما عجز عنه -كواقع في بئر ومتوحش ومتردٍ- يكفي جرحه حيث كان. فإن أعانه غيره ككون رأسه في الماء ونحوه، لم يحل. وقول: "بسم الله" عند تحريك يده، وتسقط سهوا لا جهلا.
وذكاة جنين خرج ميتا ونحوه، بذكاة أمه. وكرهت بآلة كالَّة، وحدّها بحضرة مذكٍ، وسلخ، وكسر عنق قبل زهوق، + لحم لبيع. وسن توجيهه إلى القبلة على شقه الأيسر، ورفق به، وتكبير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين -نبينا محمد- وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقي من كتاب الحدود باب "حكم المرتد" الذي في الفصل الأول. أما الفصل الثاني، فيتعلق بالأطعمة، ما يباح منها وما لا يباح. والفصل الثالث، يتعلق بالذكاة، كيفية ذكاة الحيوان الذي يذكى، وشروطه.
نقول: المرتد: هو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، إذا كفر طوعا واختيارا، بشرط أن يكون مميزا، وأن يكون سليما عاقلا. فإذا أُكره على الردة فإنه لا يحكم بردته، قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾(1) ذُكر أن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- عذبه الكفار عذابا شديدا، وحملوه وقالوا: لا نخلي سبيلك إلا إذا كفرت بمحمد، وسببت دينه. فاضطر إلى أن يسبه، حتى يتخلص من شرهم وأذاهم.
فجاء -بعد ما خلوا سبيله- باكيا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فعذره رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ونزلت هذه الآية ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ﴾(1) فعذر الله تعالى المكرَه، ورفع عنه الإثم، ثم قال بعد ذلك: ﴿وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ﴾(1) يعني: إذا تكلم بالكفر طوعا واختيارا، فعليه الغضب الشديد من الله تعالى.
أما إذا كان مجنونا، فإنه مرفوع عنه القلم، فلو تكلم بالكفر فلا يؤاخذ. وكذلك إذا كان طفلا لا يميز، كابن أربع أو خمس، أو نحو ذلك، لو تكلم بكلمة كفر فإنه لا يعاقب؛ لعدم تكليفه، فيكون بهذا الكلام مرتدا، قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾(2) يعني: إذا ارتد طائعا مختارا، ومات على كفره، حبط عمله.
وذكر الله أن الشرك يحبط العمل، في قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾(3) وفي قول الله تعالى، في سورة الأنعام: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(4) فالشرك والكفر والردة تحبط الأعمال، وتوجب لصاحبها الخلود في النار. وقد ورد حد المرتد في الحديث قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: « من بدل دينه فاقتلوه »(5) وحده القتل.
ذكر أن عليا بن أبي طالب -رضي الله عنه- ظهر في زمانه أناس، وغلو فيه، وقالوا له: أنت الرب، أنت الإله، ولما خرج سجدوا له. فاستتابهم فأصروا، ثم إنه حفر آخاديد، وألقاهم فيها وأحرقهم. ولما ذُكر ذلك لابن عباس قال: لو كنت أنا لم أحرقهم، ولقتلتهم؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: « من بدل دينه فاقتلوه »(6) بلغ ذلك عليا فقال: ويح ابن عباس. يعني: أن ابن عباس -رضي الله عنه- ما كان عند علم، ولكنْ عليٌّ حمله شدة الغضب على إحراقهم، لما أنهم اعتقدوا فيه، وقالوا: أنت إلهنا، كان ذلك كفرا.
(1) سورة النحل: 106 (2) سورة البقرة: 217 (3) سورة الزمر: 65 (4) سورة الأنعام: 88 (5) البخاري : استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6922) , والترمذي : الحدود (1458) , والنسائي : تحريم الدم (4059 ,4060 ,4061 ,4062 ,4064 ,4065) , وأبو داود : الحدود (4351) , وابن ماجه : الحدود (2535) , وأحمد (1/217 ,1/282 ,1/322). (6) |