آداب الضيافة
بعد ذلك ذكر الضيافة، قال الله -تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾(1) أخبر الله -تعالى- بأن إبراهيم كان يكرم الضيف، كل من نزل به أكرمه، وجاء في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم: « من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته, قالوا: ما جائزته؟ قال: يومه وليلته, ثم قال, الضيافة ثلاثة أيام, ومن زاد على ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه »(2) .
قديما كان المسافرون يأتون على أرجلهم، وليس مع أحدهم متاع فيمر بقرية فينزل عند بعض المنازل. .. عند بعض أهل البيوت، وإذا نزل علَّق متاعه أو نعليه؛ صار لذلك ضيفا، صاحب المنزل يطعمه غداء وعشاء كعادة أهل البلد، يطعمه مما يأكل هو وأهله، هذا هو الإكرام « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه »(25) .
الضيافة في الأصل يوم وليلة, وإذا زاد فإنها ثلاثة أيام، فإن زاد على الثلاثة فله أن يعتذر منه ويقول: قد انتهت مدة الضيافة فانتقل عني، كذلك يقول: "لا يحل للضيف أن يثوي عند صاحب البيت حتى يحرجه" ويشق عليه بل يكون خفيفا، ولا يخجل صاحب البيت.
يلزم المسلمُ ضيافة المسلمِ المسافر ، أخصه بقوله: "في قرية لا مَصر" الضيافة تكون في القرى؛ وذلك لأنه إذا نزل في قرية قد لا يجد مكانا يأوي إليه فيحتاج إلى أن ينزل مقابل صاحب البيت ينيخ راحلته، فيعرف صاحب البيت أنه قد وافاه، فعليه أن يضيفه، يضيفه يعني: يكرمه كما في قوله -تعالى: ﴿اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا﴾(3) يعني: يكرموهما.
أما في المَصر -المدن الكبار- فلا يلزم ذلك؛ لأنه في إمكانه أن يجد المطاعم, وأن يجد الفنادق، يدخل في الفندق ويكرم نفسه، أو يدخل في المطعم ويأكل ما يسد حاجته، ولا يحتاج إلى أن يُضيَّف، إلا إذا كان له قريب أو صديق واستضافه فله أن يستضيفه وأن ينزل عنده، وما أشبهها يستحي أن ينزل أمام أهل قرية وينصب قدره ويوقد ناره، ويخبز والناس ينظرون يستحي من ذلك؛ فلأجل ذلك يضيف عند أحدهم فيضيفه يوما وليلة قدر كفايته، والسنة الأكثر ثلاثة أيام.
(1) سورة الذاريات: 24 (2) البخاري : الأدب (6135) , ومسلم : اللقطة (48) , والترمذي : البر والصلة (1967) , وأبو داود : الأطعمة (3748) , وابن ماجه : الأدب (3672) , وأحمد (6/385) , ومالك : الجامع (1728) , والدارمي : الأطعمة (2036). (3) سورة الكهف: 77 |