حَدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ قَالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ يَحيى قَالَ: حَدَّثَنا أَسَدُ بن مُوسى قَالَ: حَدَّثَنا إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ عَن بَحيرِ بنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بن مَعْدَانَ وأَبُي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله بن أبي مَرْيَمَ عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ عَنْ العِرْبَاضِ بن سَاريَةَ السُّلَميِّ قَالَ: وَعَظَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْدَ صَلاةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ منها العُيُونُ وَوَجِلَتْ منها القُلُوبُ، فَقالَ رَجُلٌ مِنْ أصحابِهِ: يا رَسُولَ الله! إنَّ هذه مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَا تَعْهَدُ إلينا؟ قالَ: « أُوْصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ والسَّمْعِ والطَّاعَةِ، وإنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيّاً، فإنَّهُ مَنْ يَعِشْ بَعْدِي يرى اختلافاً كثيراً، فإيَّاكُم ومُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإنَّها ضَلالَةٌ، ومَنْ أَدْرَكَتْهُ مِنْكُم فعليه بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ »1 .
نعم، هذا الحديث العظيم رواه أهل الشام عن العرباض بن سارية: إسماعيل بن عياش من أهل الشام، وبحير بن سعد وخالد بن معدان، وأيضا في الطرق الأخرى رواه الإمام أحمد، عن الوليد بن مسلم، عن رجل، عن الوليد بن مسلم، عن خالد بن معدان كلهم؛ لأن العرباض سكن عندهم في الشام، وخالد بن معدان يرويه عن رجلين: عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر، أنهما ذهبا إلى العرباض بن سارية رضي الله عنه وكان العرباض من البكائين الذين أنزل الله فيهم: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾2 .
كان رضي الله عنه من البكائين الذين تولوا حبا في الجهاد ومصاحبة النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن الفقر، ما يجد ما يحملهم عليه فذهبوا وأعينهم تفيض من الدمع منهم العرباض رضي الله عنه، فقالا له عبد الرحمن وحجر للعرباض: جئناك زائرين وعائدين ومقتبسين ثلاثا.
الإنسان قد ينوي بفعل الخير ينوي أشياء كثيرة، ينوي الصلة مثلا في نفس الزيارة، وينوي عيادة، وينوي زيارة، وينوي أمر بمعروف، وينوي نصيحة فقالوا: جئناك زائرين هذا أجر الزيارة، وعائدين هذا أجر العيادة، كان مريضا، ومقتبسين أجر طلب العلم، « من سلك طريقا يلتمس فيه علما »3 ؛ فجمع الله لهم ثلاثة أجور بالنية، بالنية، فأوصنا.
فقال العرباض: ما عندي إلا الوحي، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الغداة أي الفجر موعظة بلغية، هذا فيه فوائد.
الفائدة الأولى: أن الوعظ يكون بأشياء، منها أنه يكون بالأمر، الوعظ بأوامر الله، والدليل قول الله عز وجل: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ﴾4 يعني ما يؤمرون به، لأنه سيبين أن الوعظ عند المتأخرين ليس هو الذي عند الصحابة، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ، فالوعظ قد يكون بالأمر، وقد يكون الوعظ بالنهي، والدليل قول الله عز وجل: ﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا ﴾5 يعني ينهاكم، وقول الله لنوح: ﴿ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾6 يعني أنهاك أن تكون من الجاهلين.
وقد يكون الوعظ بالتخويف، الترغيب والترهيب كما قال قوم هود: ﴿ قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ﴾7 وكما في الحديث: « يتخولنا بالموعظة »8 المقصود به هذا.
وقد يكون الوعظ بتعليم السنن، وإقامة الحجج كما قال الله عز وجل لنبيه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ ﴾9 بين لهم السنن وأقم الحجج عليهم، وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا.
هذا كله وعظ؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يعظ الصحابة بالأوامر، ويعظهم بالنواهي، ويعظهم بتعليم السنن، ويعظهم بتعليم العلم، ويعظهم بالتخويف والترغيب والترهيب، ما كان يقتصر على شيء معين كما هو حال المتأخرين، المتأخرين ما يعرفون من الوعظ إلا فقط التخويف مثلا من النار، وهذا يكون جبن عندهم وضعف، لا يدري أن إذا علم الناس السنن وحذرهم من البدع الناس يواجهونه يحتاج صبر، لعله من الحلال والحرام يواجهونه، فيختار الطريق الأسهل إن ما عندي فقط إلا الذي لا يناقش فيه وهو التخويف والترهيب، هذه دروشة هذا هدم للدين، الوعظ يكون بالجميع.
أركان الإيمان ليست اليوم الآخر فقط، الإيمان بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله والقدر.
وأهل العلم يتأثرون بالقرآن كاملا، أهل العلم يتأثرون بأسماء الله وصفاته يمكن أكثر من عقابه، هذا مرتبة عالية، يبكي من أسماء الله وصفاته، ويتأثر ويخشع ويوجل أكثر من التخويف، كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام السبعة الذين يظلهم الله في ظله: « رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه »10 من خشية الله ورجائه، أما الاقتصار على أشياء فقط من الدين هذا قصص هذا دروشة ضعف، يجبن الإنسان أن يواجه الناس ويبين لهم السنن فيختار فقط أن يقص هكذا.
فلا يفهم من هذا الوعظ أن النبي صلى الله عليه وسلم فقط، كان يعظهم بكل شيء، هذا كله في القرآن هذه الآيات، هذا اصطلاحهم؛ وعظ: يعني أمر ونهى وعلم وخوف ورغب، الدين كله سواء.
مثل اللي يصلون في التراويح لا يخشعون القرآن، فإذا جاء الدعاء- خاصة إذا كان الدعاء بالتلحين ورفع الصوت والصياح والسجع- أخذوا يبكون، والقرآن ما يتأثروا به، هذا ضعف هذا ليس خشوع هذا، لو كان هناك خشوع في القلب، كان خشع من القرآن الذي لو أنزله الله على الجبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله.
فإذًا الوعظ يفهم هكذا من الدين كله، وأهل العلم يعظون بالدين كله، أما اللي يقول: مثلا كتب العلم كتب العقيدة جافة كلها نصوص، نبغَى أشياء، لا هذا ضلال مبين.
الوعظ يكون بالدين بتعليم السنن الدين كاملا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾11 خذوا الدين كاملا، لا تفرقوه، وأبلغ الوعظ العلم والأمر والنهي.
فيه من الفوائد الثانية قوله: « موعظة بليغة »12 ليس معنى بليغة أنه عليه الصلاة والسلام -وحاشاه- أن يتكلف التفاصح والتفيهق والسجع.
مثلما يفعل... الناس أيضا الآن، كما أنهم حرفوا الوعظ ومفهوم الوعظ، حرفوا أيضا مفهوم البلاغة، خطيب الجمعة أو القاص أو المحاضر تجده يتكلف البلاغة والتفاصح وجمع الكلام الوحشي والتفيهق، هذا كله مذموم في الشرع « إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها »13 يعني يتعمد التفاصح، وقال عليه الصلاة والسلام: « أبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون »14 هذا كله غير محمود هذا دليل نفاق، الإسلام يسر ما فيه تكلف لكن يختار أحسن الكلام يختار أحسن الحديث بدون تكلف.
النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في السنن وأحمد أنه أمر رجلا يقوم يعظ، ينظر كيف يعظهم، فأخذ يتكلم ويشقق فقال: اجلس اجلس، تغير وجهه عليه الصلاة والسلام، ............ فقال: الله ربنا والقرآن كتابنا وهذا نبينا، رضينا لأنفسنا ما رضي الله لنا ورضيه لنا رسوله، وسخطنا ما سخط الله لنا ورسوله، فأخذ وجه النبي عليه الصلاة والسلام يتهلل من هذا الكلام المختصر، وهذا معناه البلاغة ليس فيه تكلف.
الآن حتى في بعض خطب الجمعة يتعمد السجع يتعمد نقل الكلام الطويل العريض بدون وحي، هذا الجفاف صحيح، الكلام اللي ما فيه وحي جاف ناشف ما يصلح قلوب ولا. القلوب مثل الأرض ما يصلحها إلا المطر، والمطر هو الوحي. فالخطيب اللي تسمع منه خطبة طويلة ما فيها قال الله قال الرسول قال الصحابي ما هذه خطبة.
كذلك الثالثة قوله: ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، هذه طريقة الصحابة، إيمان قوي وثبات وطمأنينة وسكينة، غاية ما عندهم تذرف العيون والقلوب تخاف وتوجل من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ما كان عندهم صياح ولا كان عندهم تكلف ولا عندهم أشياء يظهرونها غير ما في قلوبهم -حاشاهم عن ذلك- كما جاء في الصحيحين من حديث أنس أنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط حتى قال: « لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا »15 قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين، يعني اللي غلبه البكاء يسمع الصوت ...... من شدة ما يحاول أن يغلب البكاء، والبكاء يغلبه، غطوا وجههم ولهم خنين رضي الله عنهم، هم أكمل الناس، أكمل الناس في مقامات الدين كلها وفي مقامات العلم رضي الله عنهم وأرضاهم، ما يعرفون التكلف ولا يعرفون التصنع ولا يعرفون شيء، عندهم الإيمان القوي، فهنا يقول: ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، والله عز وجل أثنى على المؤمنين قال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾16 .
وقوله، الفائدة التي بعدها: قوله، قول رجل من أصحابه: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، أو إن هذه وصية مودع، فيه فائدة عظيمة أن الصحابي ...... برسول الله صلى الله عليه وسلم وبكلامه وبإشارته، رأوا ما لم نرَ وعاينوا ما لم نعاين وعايشوا ما لم نعايش، حتى من نبض كلامه ومن إشارته فهموا أنها وصية مودع؛ فلذلك إذا أجمع الصحابة على شيء فخلافهم شر، إذا فهموا شيء فهو الفهم، ولا يأتي من بعدهم عشر من أعشار ما عندهم من العلم؛ لأنهم عرفوا التأويل ............ عجمة لا في الأفهام ولا في الألسنة، أفصح الناس وأطهر الناس قلوبا، وأوثق الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم يفهمون إشارته يفهمون كلامه، فهنا فقط ...... راوي الموعظة قالوا كأنها موعظة مودع وهي في الحقيقة كانت موعظة مودع، فأوصنا اعهد إلينا فقال عليه الصلاة والسلام، انظر الآن وصية المودع، وصية الذي سيرحل عن الدنيا بعد أيام قلائل، سيذكر أصول الدين سيذكر ما يهم الناس، ولذلك هذا الحديث عظيم ينشر في العامة والخاصة وينتقى ويشرح ويخطب به.
قال عليه الصلاة والسلام: أوصيكم بتقوى الله، هذا اللي يصلح دنياكم وأخراكم أوصيكم بتقوى الله. والتقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وتترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.
على نور، أما تفعل طاعة ليس عليها نور وحي هذه بدعة، لا بد أن تكون الطاعة عليها نور شيء ينورها، ما هو الذي ينور الطاعة؟
الوحي، الدليل، وأن يكون ... صالح.
ترجو ثواب الله وتترك المعصية على نور من الله تخاف عقاب الله، ثم قال: السمع والطاعة، يا سبحانه الله!
لماذا أتى بالسمع والطاعة وهو مودع؟
السمع والطاعة لولاة الأمور، لماذا أتى به هنا؛ لأنه يعلم عليه الصلاة والسلام بما علمه ربه أن هذا هو الذي يصلح دنياكم، هذا الذي يصلح دنياكم، إذا ما أطعتموه تسفك الدماء تحصل الفوضى يحصل الشر العظيم، فهو عليه الصلاة والسلام وهو مودع يقرن تقوى الله بالسمع والطاعة، كل من كان قلبه طاهر يحب الوحي ...... يتأمل يتفكر لماذا أتى بالسمع والطاعة هنا؟ لأن هذا فيه صلح الدنيا والآخرة وهذا يصلح الدنيا، إذا تغلب اسمع وأطع إلا أن ترى كفرا بواحا اسمع وأطع إذا كنت تريد الله والدار الآخرة لا تنازعهم في أمر دنياهم، وألا ننازع الأمر أهله ونقول الحق، لا نخاف في الله لومة لائم، نقول الحق بالطريق المرضي نجمع بين الأمرين كما في حديث عبادة: « بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا وأن نقول الحق حيثما كنا لا نخاف لومة لائم »17 الأئمة أناس ينازعون وإما أناس لا يقولون الحق ويخافون لومة اللائم، أما أهل الإيمان وسط لا ينازعون الأمر أهله، عندهم الآخرة أدنى أهل الجنة، وما فيهم دني من له مثل الدنيا عشر مرات، مثل ملك الدنيا عشر مرات، والدنيا يسيرة ما عندهم هذا الحرص على السلطة على الملك وإن ظهر باسم الدين.
وأيضا لا يداهنون يقول الحق يكاتب، يناصح، يدعو، قصده الحق، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة عرفة في المجمع الأعظم وقالها في منى قال: ثلاث، انتبهوا لهذا يا إخواني: « ثلاث لا يغل معهن قلب مسلم »18 هذه الثلاث هذه إذا كانت في قلبك ما فيه غل، وإذا كان ليست في قلبك فيه غل:
إخلاص العمل لله: إذا كان في قلبك إخلاص تريد الله والدار الآخرة ما يكون غل، الغل متى يأتي التحاسد متى يأتي البغي متى يأتي؟ إذا أردنا الدنيا، إذا أردنا الدنيا تحاسدنا وتباغضنا وتقاتلنا، أما لو فرضنا كلنا يريد الله والدار الآخرة فواسع يسع الجميع، لن يكون هناك غل إلا إذا ذهب الإخلاص، حتى بين الدعاة حتى بين العباد حتى بين المجاهدين لا يكون غل إلا إذا ذهب الإخلاص، إذا كان هناك إخلاص كلنا نريد الله على سنة رسول الله لا يكو ن غل، هذه تطرد الغل من القلب، إخلاص العمل لله.
والثانية قال: لزوم جماعة المسلمين، الذي ينحاز عن الجماعة بحزب أو بفرقة أو بتنظيم، أو يعتزل في غير وقت العزلة سيغل القلب عليهم، يسيء الظن بهم، أما إذا كان مع الجماعة يد الله مع الجماعة، دعوته تحيط من ورائه.
والثالثة: مناصحة من ولاه الله أمركم: هذه تطرد الغل، إذا ناصحته تطرد الغل من قلبك، لكن برئت ذمتك إن قبل منكم ما قبل برئت الذمة، من أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، فاحفظوها يا إخواني، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد وإن كان عبدا حبشيا، حتى لو كان ما تكرهون، حتى لو كان اللي عليكم ليست فيه صفات الإمامة، حتى لو كان ليس.. لكن تأمر فاسمع وأطع ما يصلح الناس إلى هذا.
يقول عمر ملخص هذا كله يقول: لا إيمان إلا بأمن، هل هذا مسلم عند العقلاء كلهم، كيف تذهب إلى مكة تذهب إلى المسجد كيف تقيم دينك، إلا بأمن، هذه المقدمة مسلمة، ولا أمن إلا بجماعة، هذه مسلمة مسلمة، كيف يكون أمن بدون جماعة، فوضى وأحزاب وقبائل، ولا جماعة إلا بإمام، هذا أيضا مقدمة مسلمة، كلها عند العقلاء يسلمون بها، كيف يكون جماعة ليس لهم رأس، ولا إمام إلا بسمع وطاعة، هذا أيضا مسلمة إذا كان إمام، ولا يسمع له ويطاع ما صار إماما. قال: فأصبحت السمع والطاعة من الإيمان.
أربع مقدمات ونتيجة: لا إيمان إلا بأمن، ولا أمن إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمام، ولا إمام إلا بسمع وطاعة، فيكون السمع والطاعة من الإيمان؛ لأنه يقود إلى الأمن كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾19 .
« وإن كان عبدا حبشيا »20 تعرفون كلام العلماء فيه: يعني العبد الحبشي لا يولى لكن هنا إما أن يتأمر كما في رواية أنه قال: « تأمر »21 يعني غلب، إذا غلب الإنسان واستوثق له الأمر خلاص يجب السمع والطاعة له ولو كان فاقد الشروط، لو كان ليس قرشيا لو كان ليس حرا يسمع له ويطاع.
والثانية، الرواية الثانية: « وإن أمر عليكم عبد »22 مع أنها ليست له لكن أمر عليك اسمع وأطع له، اسمع وأطع في المعروف إلا أن تؤمر بمعصية.
والثالثة: قالوا إن هذا على صفة المبالغة، الوجه الثالث: قال على صفة المبالغة يعني وإن كان عبدا مثل قول الله عز وجل: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ﴾23 ليس للرحمن ولد لكن قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين. هذا وجه ثالث، وهي مختلفة في القوة.
والرابعة: أنه عبد باعتبار ما كان، مثل زينب لما أنفت من زيد بن حارثة مع أنه حر، النبي صلى الله عليه وسلم ما أعتقه لكنه لحقه رق، الناس يأنفون مما لحقه رق أن يتولى عليهم باعتبار ما كان، لذا قال الله عز وجل: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾24 هتكون تعطي لليتيم ماله إلا إذا بلغ الرشد، إذا بلغ الرشد ما صار يتيما لهذا قال الله: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾24 مع أنه في الآية الأخرى يقول: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾25 باعتبار أنه كان يتيما.
قال: « فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا »26 الله المستعان، هذه من علامات النبوة، من يعش منكم فسيرى الاختلاف الكثير، سيرى الفرق والأحزاب وافتراق الناس والاختلاف عما كان الناس عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع السنة والجماعة سيرى اختلافا كثيرا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم واقع، وأخبر أن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ووقع، هذا من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم.
والاختلاف الكثير منذ أن مات عليه الصلاة والسلام عهد الشيخين بعده منذ أن قتل الناس عثمان وهم في اختلاف كثير.
طيب ما الحل ما العلاج؟ قال: « فإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة »27 هذا الحل إياكم ومحدثات الأمور، ما يهدم الدين مثل المحدثات، عليكم بسنتي عليكم بسنتي « إياكم ومحدثات الأمور »28 مع إن ما كان في عهده محدثات أمور ما كان في عهده بدعة ظاهرة يجتمع الناس عليها، وهذا من الأدلة ومن الفوائد ومنها ..........
النبي عليه الصلاة والسلام يرد الآن على المخالف اللي لم يأت وهم أهل البدع الظاهرين، فكيف إذا كان بين ظهرانيك ما ترد عليه ما تبين ضلاله للناس. قال: « ومن أدركته منكم فعليه بسنتي »29 من الفوائد أيضا أن الذي يزيل الاختلاف هو السنن تعليم السنن، هذا من الفوائد العظيمة، عليكم بسنتي أن تمثلها، وانشرها في الناس يزول الاختلاف.
والله لو بحثنا عن ألف طريق يزول به اختلافنا وأحزابنا وأهواؤنا وبغضاؤنا لا يوجد إلا اتباع السنة، لن يجمع هذا إلا اتباع السنن، كثير من الناس كل مخلص الآن يتأذى مما حصل لأهل الإسلام عموما وللشباب خصوصا والمنتسبين للخير من هذه الأحزاب وهذه الفرق وهذا التنافس بالألقاب وهذه القلوب المتفرقة، والله ما يجمعها إلا السنة كما قال عليه الصلاة والسلام، لن تجد حلا آخر، تعليم السنن والاجتماع عليها، توحيد الكلمة على كلمة التوحيد واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ما أطفأ الجدل وأطفأ الفرقة والفرق والتحزب والبغضاء مثل نشر السنن في الناس، كما قال ابن مسعود في أول الكتاب، كل بدعة كيد بها الإسلام، فالولي الحقيقي هو الذي يدرس السنن ويبثها في الناس هذا يطفئ ثائرة البدع.
« عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين »30 وفيها فائدة: قوله « الراشدين المهديين »31 الرشد ضده الغي، والهداية ضدها الضلالة، فهذا راشد ومهدي مهتد، والرشد معناه صلاح القصد، والهداية معناها صلاح العمل، وضد الراشدين المغضوب عليه وضد المهتدين الضالين أهل الهوى وأهل الجهل هؤلاء راشد مهتد كما وصف الله نبيه وقال: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾32 ما ضل ضدها الهداية وما غوى ضدها الرشد، فهو عليه الصلاة والسلام راشد مهتد، وخلفاؤه راشدون مهتدون، ومن ترك طريقهم الصراط المستقيم فهو إما غاو من المغضوب عليهم من أهل الهوى يعرف الحق ويتركه يدري إن هذه سنة وهذه بدعة وهذا حق وهذا باطل ويتركه هذا مثل اليهود غضب عليهم غاو، وإما ضال من الضالين جاهل يدعو بجهل ويجاهد بجهل ويتعبد بجهل ويعلم الناس بجهل ويخبط هكذا في الظلمات مثل النصارى.
ثم قال الفائدة الأخيرة قال: « عضدوا عليها بالنواجذ »33 يعني أولا أنتم تمسكوا سيأتي أمور تجرفكم كثيرا كما سيأتي الآن، والثانية لا تتساهلوا، لا تتساهل في أمر السنة والبدعة، كل شيء ممكن نتكلم فيه إلا موضوع التوحيد موضوع السنة موضوع الدين هذا ما فيه كلام، لا يكون أحدنا وحاشاكم لا يكون الإنسان مثل ما قال ابن المبارك:
الدين ما عنده مشكلة فيه يتنازل، الله عز وجل يقول لنبيه: ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾34 يتمنون إنك تلين بس تلين شوي وهم يلينون معك، كما قالوا: اعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة، ﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾35 « عضدوا عليها بالنواجذ »33 وإن خالفكم الناس لا تتساهلوا بأمر السنن ولّا يموت الدين هكذا.
هذه بعض الفوائد وهذا الحديث عظيم، وكتب السلف فيه كتابات عظيمة، وأنا أوصيكم بهذا الحديث ونشره في الناس فإنه يطفئ به البدع ويطفئ الفرقة والاختلاف الكثير الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا اقرءوا كلام ابن رجب عليه في جامع العلوم والحكمة. نعم.
1 : الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (42) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95). 2 : سورة التوبة (سورة رقم: 9)؛ آية رقم:92 3 : مسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) , والترمذي : العلم (2646) , وأحمد (2/252) , والدارمي : المقدمة (344). 4 : سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:66 5 : سورة النور (سورة رقم: 24)؛ آية رقم:17 6 : سورة هود (سورة رقم: 11)؛ آية رقم:46 7 : سورة الشعراء (سورة رقم: 26)؛ آية رقم:136 8 : البخاري : العلم (68) , ومسلم : صفة القيامة والجنة والنار (2821) , والترمذي : الأدب (2855) , وأحمد (1/377). 9 : سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:63 10 : البخاري : الأذان (660) , ومسلم : الزكاة (1031) , والترمذي : الزهد (2391) , والنسائي : آداب القضاة (5380) , وأحمد (2/439) , ومالك : الجامع (1777). 11 : سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:208 12 : الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (42) , والدارمي : المقدمة (95). 13 : الترمذي : الأدب (2853) , وأبو داود : الأدب (5005). 14 : الترمذي : البر والصلة (2018). 15 : الترمذي : الزهد (2312) , وابن ماجه : الزهد (4190) , وأحمد (5/173). 16 : سورة الأنفال (سورة رقم: 8)؛ آية رقم:2 17 : مسلم : الإمارة (1709) , والنسائي : البيعة (4151) , وابن ماجه : الجهاد (2866) , وأحمد (5/318) , ومالك : الجهاد (977). 18 : الترمذي : العلم (2658). 19 : سورة الأنعام (سورة رقم: 6)؛ آية رقم:82 20 : أبو داود : السنة (4607) , والدارمي : المقدمة (95). 21 : البخاري : الأحكام (7142) , وابن ماجه : الجهاد (2860) , وأحمد (3/114). 22 : مسلم : الحج (1298) , والترمذي : الجهاد (1706) , وابن ماجه : الجهاد (2861). 23 : سورة الزخرف (سورة رقم: 43)؛ آية رقم:81 24 : سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:2 25 : سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:6 26 : الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95). 27 : الترمذي : العلم (2676). 28 : الترمذي : العلم (2676) , والدارمي : المقدمة (95). 29 : الترمذي : العلم (2676) , والدارمي : المقدمة (95). 30 : الترمذي : العلم (2676) , وأبو داود : السنة (4607) , وابن ماجه : المقدمة (42) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95). 31 : الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95). 32 : سورة النجم (سورة رقم: 53)؛ آية رقم:1 - 2 33 : الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95). 34 : سورة القلم (سورة رقم: 68)؛ آية رقم:9 35 : سورة الكافرون (سورة رقم: 109)؛ آية رقم:2
|