"بابُ تَغييرِ البِدَع"ِ
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا إسْمَاعيلُ بنُ عَيَّاشٍ عن عَقِيلِ بنِ مُدْرِكٍ السُّلَمِيِّ عَنْ لُقْمَانَ عَنْ أبي إدْرِيس الخَوْلاني أنَّه كانَ يَقُولُ: لأَنْ أَسْمَعَ بِنَاحِيَةِ المَسْجِدِ بِنَارٍ تَحْتَرِقُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أن أَسْمَعَ فيه بِبِدْعَةٍ لَيْسَ لَهَا مُغَيِّر، وما أَحْدَثَتْ أُمَّةٌ في دِينها بِدْعةً إلاّ رَفَعَ الله عنهم بها سُنَّةً. .
نعم. هذا أيضا كلام حسن، يقول أبو إدريس الخولاني: لأن أرى ناحية من المسجد تحترق أهون علي أو أحب إلي من أن أرى فيه بدعة ليس لها مغير؛ لأن النار إذا احترقت في المسجد كل الناس عامتهم وكبارهم وصغارهم سيسعون في إطفائها بسرعة، ويطفئها الماء.
أما البدعة إذا كانت في المسجد من يطفئها إلا أهل العلم وقليل ما هم، تحتاج إلى مثل ابن مسعود يقف على الحلق التي كانت في المسجد، ويقول: إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة.
فهذا معنى كلامه أن النار أهون، النار الحقيقية أهون، الناس بسرعة بغرائزهم يتجهون للماء ويطفئونه على المسجد، لكن البدعة قد يستحسنها الناس، وتنتشر، ولا يوجد لها مغير، وهذا يهدم الدين، النار تهدم الخشب وتهدم الطين، لكن البدع تهدم الدين؛ يستمرئها الناس ثم لا يوجد لها مغير.
فهذا كلام حسن، وهذا يدل على تعظيم السلف في مسألة تغيير البدع، وأنها من أعظم الجهاد.
قال: وما أحدثت أمة في دينها بدعة إلا رفع الله عنها بها سنة. وهذا أمر مهم وسيأتينا آثار تؤكد هذا، وهو أن الإنسان لا يستطيع أن يفعل كل شيء، الإنسان لا بقوته ولا بوقته ولا بعمره لا يستطيع أن يستوعب السنن والبدع، يستحيل هذا، فإذا ابتدع بدعة، أو عمل ببدعة فليتأكد أنها على حساب غيرها من السنة.
وإذا أن أمة من الأمم استمرأت بدعة فلا تظن أنها بدعة بجانب سنة، لا. هي على حساب السنة، وهذا أمر عظيم، هذا الذي يحذر منه السلف. إذا أحدثوا عيدا -كما ذكر شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم- أن الناس لا يستطيعون أن يقوموا بحق الأعياد كلها المشروعة والممنوعة، فإذا أحدثوا أعيادا مبتدعة فإنهم سيضعفون عن الأعياد الشرعية، وهذا أمر لا بد منه.
العلم. لا يظن الشخص أنه يستطيع أن يقرأ كتب أهل الرأي والقياس والأهواء وكتب السنن، كتب الآثار، ويستوعب هذا، لا يستطيع؛ العمر قصير، فليعلم أن كل وقت يصرفه في كتب البشر غير ما يدل على الآثار أنه على حساب الآثار، كل وقت كل شهر كل ساعة كل دقيقة تأخذها في مجال العلم في غير الكتاب والسنة وما يعين عليها، اعرفوا أنه على حسابها، واضح هذا؟ هذا واضح. لا في العلم، ولا في التعبد.
العبادة إذا استفرغت جهدك في عبادة مبتدعة لا تظن إنك ستستطيع أن تستوعب العبادات المشروعة والممنوعة، وإنما الأشياء المبتدعة على حساب السنة، وعلى هذا قس. وهذا خطورة البدع؛ أنها تأكل من السنن تهدم السنن.
الآن- كما ذكر أهل العلم- خطب الجمعة مثلا اهتم بها الشرع اهتماما عظيما؛ أوصى أهل الإسلام أن يبكروا، وأن يغتسلوا، وأن يتطيبوا، وأن يقتربوا من الإمام، وأن يسكتوا، لا يقل لصاحبه أنصت، وأن يقرأ القرآن قبله، يعني بمعنى أنه يجهز الناس للخطيب. الشرع جهز الناس للخطيب، ولا يوجد هذا لا في المحاضرة ولا في غيرها، أن الناس يكونوا على هذه الصفة من التهيؤ النفسي والاغتسال، والتبكير والتطهر والتطيب حتى يأتي الخطيب ويذكر الله عز وجل ويعظهم: ﴿ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾1 وليس إلى شيء آخر.
فإذا الناس فُتح لهم أشياء غير الجمعة، ضعف الاهتمام بالخطبة، لا من الخطيب ولا من السامع؛ لأنه حصل ما يشغلهم، البارحة، وقبل البارحة، وقبله، حصل مثلا قصص، أو حصل أشياء تشغلهم عن الجمعة.
كذلك دروس العلم، لماذا ماتت دروس العلم؟ لأنه وجد ما يصرف عنها، وجد الناس قصصا أريح عليهم، وأسهل عليهم من دروس العلم، أما لو ما في إلا هذه السنن، وهذا العلم، ما حصل شيء ينازعه؛ فإنه يكون هو الأقوى، وهذا ملحظ السلف. وذكرناه مرارا؛ أنهم إنما حذروا من قصاص مخصوصين، كما قال أبو قلابة: ما أمات العلم إلا القصاص؛ بمعنى أنهم يصرفوا الناس عن الوحي، وعلى هذا قس.
وأنا أوصي طلاب العلم دائما أن يكون أكثر جهده مثل الصحابة؛ ماذا قال ربنا، وما معناه؟ وما تأويله على وجهه؟ ماذا قال رسولنا صلى الله عليه وسلم، وما معناه؟ ماذا قال الصحابة، وما معناه؟
وقال الآخر:
نعم.
1 : سورة الجمعة (سورة رقم: 62)؛ آية رقم:9
|