ولقد كان مالك يكره المجيء إلى بيت المقدس خيفة أن يتخذ ذلك سنة، وكان يكره مجيء قبور الشهداء، ويكره مجيء قباء خوفا من ذلك، وقد جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم الرغبة في ذلك، ولكن لما خاف العلماء عاقبة ذلك تركوه. .
يفهم هذا أيضا ضمن الواقع إللي كان يتكلم عنه، ما في أحد يقول الآن إن مالك يقول: مجيء قباء بدعة، مجيء قباء من حيث هو سنة، كما قال: وقد جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرغبة ذلك، لكن مالك عاين ما لم نعاين نحن الآن.
أمامه واقع هو يتكلم عنه، مثل الحسن البصري لما سُئل عمن يجتمعون، أمامه واقع يتكلم عنه، السلف أمامهم واقع في القصاص يتكلمون عنه، لابد أن يفهم هذا، وينظر يشابهه أو العلل التي ذكروها، فإن وجدت العلل مثل إماتة العلم، ومثل الصرف عن الوحي، ومثل الكذب، يكون الحكم واحد.
فهنا يقول: إنه يكره مجيء قباء خوفا من أن يتخذ سنة، رأى الناس مندفعين فأراد أن يكفهم كما قلنا: أبو بكر وعمر تركوا الأضحية، وقد جاءت فيها الأحاديث خشية أن يتخذها الناس يظنون أنها واجبة.
فهذه سياسة شرعية، هذه كلها سياسة شرعية يسوسون بها الناس، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام إيش يقول لعائشة؟
يقول: « لولا أن قومك حديثوا عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم »1 هو يتمنى ذلك، يرى أن هذا هو، عليه الصلاة والسلام علم أن هذا الأكمل، والأفضل، لكن منعه من ذلك الواقع اللي أمامه، إن الناس ما تمكن منهم هذا الشيء.
فالعالم يسوس الناس بهذا، قد يترك السنة حتى لا يعتقد أنها واجبة؛ فمالك كما قال: خيفة أن يتخذ سنة.
أما إذا كان ما اتخذ سنة مثل الآن ما في أحد يداوم على الذهاب إلى قباء، أو يعتقد إنه واجب، أو يتخذ على هيئة معينة، يرجع الحكم إلى أنها سنة. نعم.
1 : البخاري : الحج (1586) , ومسلم : الحج (1333) , والترمذي : الحج (875) , والنسائي : مناسك الحج (2902) , وأحمد (6/179).
|