حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بنُ إسماعيلَ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بنُ وَهْبٍ قالَ: حَدَّثَنا حُمَيْدٌ الأَعْرَجُ قالَ: قَدِمَ غَيْلانُ مَكَّةَ فَجَاوَرَ بها، فأتى غيلانُ مُجاهداً وقالَ: يا أبا الحجاج! بَلَغني أَنَّك تنهى الناسَ عَنِّي وتَذْكُرني، بَلَغَكَ عَنِّي شيءٌ لا أقوله؟ إِنَّما أقولُ كذا، إِنَّما أَقُولُ كذا، فجاءَ بشيءٍ لا يُنْكِرُهُ.
فَلَمَّا قَامَ قالَ مُجَاهِدٌ: لا تُجالِسُوه فإِنَّهُ قَدَرِيٌّ. قالَ حُمَيْدٌ: فَإِنِّي يَوْماً في الطّوافِ فَلَحِقَني غَيْلانُ مِنْ خَلْفِي، فَجَبَذَ رِدَائِي، فَالتَفَتُّ فَقالَ: كيفَ يَقْرَأُ مُجَاهِدٌ حَرْفَ كذا وكذا؟ فأخبرتُهُ فمشى معي قالَ: فَبَصُرَ بي مُجَاهِدٌ معه، فَأَتَيْتُهُ فَجَعَلْتُ أُكَلِّمُه فلا يَرُدُّ عَلَيَّ، وأَسْأَلُه فلا يُجِيبُنِي. قالَ: فَغَدَوْتُ إليه فَوجَدْتُهُ على تلكَ الحالِ، فقلتُ: يا أبا الحَجَّاجِ! مَا لَكَ؟! أَبَلَغَكَ عَنِّي شَيْءٌ؟ أَحْدَثْتُ حَدَثاً؟ ما لي؟!
فقالَ: أَلَمْ أَرَكَ مع غَيْلان وقد نَهَيْتُكُم أن تُكَلِّمُوه أو تُجَالِسُوه؟ قالَ: قُلْتُ والله - يا أبا الحَجَّاجِ - ما ذَكَرْتُ قَولَكَ وما بَدَأْتَه، هو بَدَأَنِي. قالَ: فقالَ: والله يا حُمَيْدُ لولا أَنَّكَ عِنْدِي مُصَدَّقٌ ما نَظَرْتَ لِي في وَجْهٍ مُنْبَسِطٍ ما عِشْتُ.
نعم, هذا الأثر العظيم يدل على أن السلف هذا كله هذا الطريق، وكما سمعتم غيلان الدمشقي هو ممن نشر القدر والاعتراض على الله في القدر، ويقول: لماذا الله يفعل كذا؟ ولماذا الله يفعل كذا؟ نسأل الله العافية والسلامة، كأنه هو إلِّي أصبح الرب وينتقد الرب في أفعاله، ونشر هذا.
فلما جاء إلى مكة كان مجاهد بن جبر من أئمة السنة من تلاميذ بن عباس في مكة، فجاء غيلان إلى مجاهد، فقال: يا أبا الحجاج بلغك عني كذا وبلغك عني، وأنا ما أقول هذا الكلام، وإنما أقول كذا وأقول كذا، ومجاهد ساكت، فلما قام قال: يكذب لا تجالسوه فإنه قدري.
الفائدة الأولى: تكذيب المبتدعة وإن صرحوا بأنهم لا يقولون بهذا الشيء وتصديق أهل السنة ثقات عليهم، ......طريقة السلف، المبتدع كذب على الله افترى على الله كيف ما يفتري عليك؟ لو قال لك رجل من أهل السنة أو اثنين أو ثلاثة ثقات، لا يعرفون بالكذب: إن فلان في بلدنا ينشر هذه البدع، ثم جاءك المبتدع نفسه وقال: أنا ما أقول مكذوب علي، لا يقبل منه حتى ينتشر أنه ينكر هذه البدعة التي أخذت عليه، أنه ينكر هذه البدعة في المكان الذي يقال له فيه, ويصدقون أهل السنة عليه؛ لأن أهل السنة الثقات لا يكذبون، وهذا المبتدع كذب على الله, وهذا طريقته، وهذه يستغربها بعض الناس.
بعض الناس يقول: كيف أنتم الرجل الآن يقول: إني لست أنا كذا، تقول: هذا كذب على الله أعظم، افترى على الله، فهذا مجاهد يسكت وصدق كلامه، غيلان قتل على القدر، قتله الولاة على القدر يعني مات بعد هذا الكلام على القدر، يكذب هو لا يعوذ أن يكذب، فكان يقول: يا أبا الحجاج وأنا ما فعلته يكذبون علي، وهو ساكت، فلما قام قال: هو يكذب هو قدري لا تجالسوه.
الإمام أحمد نقل أن رجلا في خراسان يقول بهذه البدعة، بدعة معينة، وكتب إليه ثقات أهل السنة أن فلان يقول هذه البدعة، ثم جاء نفس الرجل وأخذ يطرق الباب.
يقول عبد الله بن أحمد: وكان أبي في الداخل وأنا في الدهليز، فقال: أنا فلان، قال الإمام أحمد: لا يدخل علي، فقال الرجل من خلف الباب: أخبر أبا عبد الله أني أنا لا أقول بهذا، وأنه يكذبون علي.
فقال عبد الله: يا أبت ها هو ذا بالباب ويقول: إني لا أقول. قال: يكذب فلان وفلان من أهل السنة أصدق عندي منه، وقد حدثوني أنه ينشر هذه البدعة في بلده، حتى يبينون أهل بلده أنه رجع عنها, أما هو يكذب، وفعلا رجع إلى بلده وهو باق على بدعته.
فنقول أن السنة ترفع العقول، لا يتلاعب المبتدعة بهم، انظر كيف يقول: يكذب حتى يتبين لنا أنه رجع عن القدر ...... ينشره، أما أن يأتيك يقول: أنا لا أقول بهذا, أنت افتريت على الله أعظم من هذا.
هذه الفائدة الأولى: أن المبتدعة يكذبون ويصرحون حتى ينشرون السنة في الأشياء التي أخذت عليهم نشرا عاما، ويصدق كلام أهل السنة ثقات عليهم؛ لأنه لا يستغرب منهم الكذب.
الثانية من الفوائد: طاعة العالم، أن طالب العلم يجب عليه أن يطيع العالم؛ لأن للعالم حق عليك أعظم من حق والدك، الطاعة إنما تكون لمن له عليك حق مثل الوالد والدك، مثل السلطان الذي أوجب الله طاعته عليكم بالقرآن، مثل العالم، فهنا غضب مجاهد على حميد بن الأعرج؛ لأنه لم يمتثل للأمر؛ لأنه قال: لا تجالسوه لماذا تكلمه في الطواف؟ واضح هذا.
ولذلك سمى الله النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة أبا للمؤمنين، قال تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾1 وفي قراءة أبي: ( وهو أب لهم وأزواجهم وأمهاتهم ) هو أب للمؤمنين؛ لأنه في مقام الأب بل أعظم من مقام الأب، إذا فعل الأب تسبب في حياتك الحسية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تسبب في حياتك الروحية الدينية.
وهكذا الوراث حقهم عليك أعظم من حق الأب؛ لأنهم تسببوا في حياتك، هذا يطاع، وكما في تفسير قول لوط: ﴿ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ﴾2 قال بعض السلف: لأن النبي أب لأمته في المعنى.
وأما الفائدة الثالثة: أما من ليس له عليك حق لا علم ولا أبوة ولا سلطان؛ فإنه لا تجب طاعته، لا تجب عليك طاعته، ومن أوجب على الناس الطاعة بغير حق فإنه محدث، يقال: لا بد أن تطيع فلان، أنتم مجموعة هذا زعيمكم، هذا رئيسكم، لا بد أن تطيعوه، من قال يجب أن نطيعه، هذه الجماعة تكونت داخل بلاد المسلمين لا يجب أن نطيع الأمير، من قال تطيع الأمير في السفر في حدود السفر، وإذا أنت في السفر أنت في الطاعة، فإذا الذي له حق الطاعة إلا في معصية، هو من له حق عليك شرعي، وأما الآخر العكس تطيعه إذا أمرك بطاعة الله هو وغيره، من قال صل تطيعه؛ لأنه أمرك بالطاعة، وأما الطاعة المطلقة فلا.
من أوجب على الناس إما ببيعة أو بغير بيعة أن يطيعوا غير من له حق فهذا غلط، فهنا غضب مجاهد على حميد؛ لأن مجاهد له على حميد حق التعليم، ومجاهد من أئمة السنة، فقال حميد، وانظروا كيف أنكر عليه، هذا من سياسة التعليم، أن الشخص يسوس طلابه بما يصلحهم، فأنكر عليه، لما رآه يكلمه في الطواف يقول حميد: أتيته أكلمه ما يرد، أكلمه ما يرد، فلما أخبرني قلت: والله هو بدأني أنا ما كلمته، فقال: لولا أنك عندي مصدق، انظر كيف أنه كان صادقا، ما نظرت إلي بوجه منبسط ما عشت. ما دمت حيا لم تنظر إلي بوجه منبسط، كيف تجالس القدري وأنا أنهاك عن ذلك.
هذا الذي يحيي السنن ويميت البدع ويذل أهلها نعم.
1 : سورة الأحزاب (سورة رقم: 33)؛ آية رقم:6 2 : سورة هود (سورة رقم: 11)؛ آية رقم:78
|