حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ عن أَيُّوبَ قالَ: دَخَلَ على مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ يَوماً رَجُلٌ فقالَ: يا أبا بَكْرٍ! أَقْرَأُ عليكَ آيةً مِنْ كِتَابِ الله لا أَزيدُ على أن أَقْرَأَها ثُمَّ أَخْرُجُ؟ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ في أُذُنَيْهِ ثُمَّ قالَ: أُحَرِّجُ عليكَ إنْ كُنْتُ مُسلماً لَمَا خَرَجْتَ مِنْ بيتي. قالَ: فقالَ: يا أبا بكرٍ! إِنِّي لا أَزِيدُ على أن أقرأ ثُمَّ أخرج. قالَ: فَقالَ بِإزَارِهِ يَشُدُّه عليه وَتَهيّأَ للقيام، فأقبلنا على الرَّجُلِ فَقُلْنَا: قَدْ حَرَّجَ عليكَ إلاّ خَرَجْتَ، أَفَيَحِلُّ لَكَ أن تُخْرِجَ رَجُلاً مِنْ بَيْتِهِ؟ قالَ: فَخَرَجَ، فَقُلْنَا: يا أبا بكر! ما عليكَ لو قَرَأَ آيَةً ثُمَّ خَرَجَ؟! قالَ: إنِّي والله لو ظَنَنْتُ أنَّ قلبي يَثْبُتُ على ما هو عليه ما بَالَيْتُ أن يَقْرَأَ، ولكنِّي خِفْتُ أن يُلْقِيَ في قلبي شيئاً أَجْهَدُ أن أُخْرِجَهُ من قلبي فلا أستطيع.
الله المستعان، إذا كان هذا ابن سيرين، هذا ابن سيرين يقول: لو أني أظن أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ علي القرآن، ولكني أخاف أن يلقي في قلبي شيئا أجهد أن أخرجه من قلبي فلا أستطيع.
انظروا غاية التوكل على الله والانطراح بين يديه، والدخول في عصمته، ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾1 والإجراء على النفس، وعدم الإعجاب بالعلم. يقول: أنا أخشى أخاف أن هذه الآية تحرفني، وإنما أمكث تحت عصمة الله، فهذا جاءه هذا الرجل في بيته، وهو عمرو بن عبيد، لأنه هو الِّي كان في البصرة وهو المشهور، فأخذ يريد الجدل حتى قال: يا أبا بكر اسمع مني آية من القرآن، القرآن آية فقط، آية واحدة، فوضع إصبعيه في أذنيه وقال: ولا آية، فلما كثر الرجل الجدال قام ابن سيرين وهو في بيته وأخذ يشد إزاره، يتهيأ للخروج، فقلنا للرجل: استح يا أخي، تخرج رجل من بيته! شيخ كبير تطلعه من بيته، استح، فخرج.
فلما خرج قلنا: يا أبا بكر ما منعك أن تسمع آية، آية من كتاب الله؟ فقال: إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ ولكني أخاف أن أزيغ، فالوقاية خير من العلاج، السلام لا يعدله شيء، المسألة ليست مال أو نفس المسألة دين، ولذلك نقلوا عن رجل من أبناء الأنصار أنه ذهب من المدينة للعراق، وجالس أهل القدر، وسمعهم يعترضون على الله، لماذا الله يقدر كذا ويحكم كذا ولماذا ولماذا؟ نسأل الله العافية والسلامة، ثم علقت الشبهة بقلبه.
فلما رجع المدينة أخذوا ينكرون النصوص القاطعة، ويقولون: كان يبكي ويقول: إني والله إني أعلم أن الحق معكم، ولكن ماذا أفعل بما علق بقلبي؟ نسأل الله العافية والسلامة، ماذا أفعل بما علق بقلبي؟ أدخل الشيطان شبهة ثم أخذ ينشرها ويجري من ابن آدم مجرى الدم، أخذ ينشرها حتى تشبثت في قلبه، فالوقاية خير من العلاج.
قطع المادة من الأساس أحسن من وجود الشبة ثم تجهد أن تخرجها فلا تستطيع، ولذلك لو جاءك في بيتك مثل ابن سيرين ضع أصبعيك في أذنيك واخرج من بيتك، إن لله وإن إليه راجعون، إذا أحرجك في بيتك اخرج من بيتك، لكن لا تسمع منه شيئا إذا كان من أهل الجدال في آيات الله، نسأل الله العافية والسلامة، يا إخواني هذه سيرة السلف كلهم، وهذا القرآن وهذه السنة، إذا رأيتم الذين يجادلون في آيات الله ويتبعون ما تشابه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم، وليقل إنسان ما قال هذا طريقهم، ليقل: إن هذا ضيق، المفروض نتجادل، المفروض نبث الأفكار والمفروض أننا نتناقش حتى في أمر الدين، ليقل ما قال هذا طريق السلف " إن كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي " من أراد أن يمسك طريقهم فهو في الفرقة الناجية، ومن أراد أن يجالس ويسمع الأفكار ويسمع الأهواء ويسمع الآراء ثم يقع في زيغ فلا يلوم إلا نفسه، نسأل الله العافية والسلامة. نعم.
1 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:101
|