حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا رُدَيْح بنُ عَطِيَّةَ، عَنْ يَحيى بنِ أبي عمرو السَّيْبَانِيِّ قالَ: كانَ يُقالُ: يَأبى الله لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ تَوْبَةً، وما يَنْتَقِلُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ إلاّ إلى شَرٍّ منها.
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ خَالِدٍ عن بَقِيَّة قالَ: حَدَّثَني رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، عن عَمْرِو بنِ قَيْسٍ، عَنِ الأَصْبَغِ بنِ نُباتَةَ، عن عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ قالَ: ما كانَ رَجُلٌ على رأيٍ مِنَ البدعةِ فَتَركَهُ إلاّ إلى ما هو شَرٌّ منه.
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا ضَمْرَةُ، عَنِ ابنِ شَوْذَبَ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ القَاسِمِ وهو يَقُولُ: ما كانَ عَبْدٌ على هوىً فَتَركَهُ إلاّ إلى ما هو شَرٌّ مِنْهُ.
قالَ: فَذَكَرْتُ هذا الحديثَ لبعضِ أصحابنا فقالَ: تَصْدِيقُه في حديثٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: « يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَرْجِعُونَ إليه حتى يَرْجِعَ السَّهْمُ إلى فَوْقِهِ »1 .
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا مُؤَمَّل بنُ إسْمَاعيلَ، عن حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ قالَ: كانَ رَجُلٌ يرى رأيًا فَرَجَعَ عنه، فأتيتُ مُحَمّدًا فَرِحًا بذلك أُخْبِرُهُ، فَقُلْتُ: أَشَعَرْتَ أنَّ فُلانًا تَرَكَ رَأْيَهُ الَّذي كانَ يرى؟ فقالَ: انظروا إلى مَنْ يَتَحَوَّل، إنَّ آخِرَ الحديثِ أَشَدُّ عَلَيْهِم مِنْ أَوَّلِهِ: « يَمْرُقُونَ مِنَ الإسلامِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فيه »2 .
حَدَّثَنا أَسَدٌ قالَ: حَدَّثَنا بَقِيَّةُ بنُ الوليدِ، عَنْ صَفْوانَ بنِ عَمْروٍ، عَنْ سُليمِ بنِ عامرٍ الخَبَائِريِّ، عن رَجُلٍ مِنْ أصحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ يقولُ: إنَّ أَشَدُّ النَّاسِ عِبَادَةً مَفْتُونٌ. يعني صاحِبَ بِدْعَةٍ.
نعم، هذه كلمة شديدة لكن لها فهم عند السلف، يكون أشد الناس عبادة مفتونا، بمعنى أن يكون عنده عبادة بدون علم، لا تصل إلى قلبه، فيكون مفتونا، كما كان الخوارج هم أشد الناس عبادة، ولكنهم مفتونون، نسأل الله العافية والسلام، كما قال: " يعني صاحب بدعة " كما قال عليه الصلاة والسلام: « تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم ... »3 لكن مفتون، وكما في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، في الصحيحين، ثم أتى إلى عابد، انظروا كيف إذا افترق العلم والعبادة تحصل فتنة " أتى إلى عابد وقال: أنا قتلت تسعة وتسعين نفسا، وأريد الآن التوبة، أريد الرجوع إلى ربي، فهل لي توبة، فانظروا الفتنة في العابد، قال: ليس لك توبة، ليس لك توبة خلاص، أغلق عليك نهائيا - نسأل الله العافية من الفتنة - فقال: الرجل ما دام ليس لي توبة أكمل بك العدد، فكمل به المائة، ثم ذهب إلى عالم فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة، انظروا الفرق " ومن يحول بينك وبين التوبة " والقصة معروفة لديكم.
فإذن إذا وصف لك رجل قيل: إنه متزهد ومتخشع ومشهور، ولا يعرف بعلم أو باتباع السنن أو باتباع العلماء، فاعرف أنه مظنة فتنة؛ ولذلك انظروا إلى علمائنا الذين أدركناهم فضلا عمن نعرف آثارهم، ما تجدوا عند هذا التكلف، كلكم أدركتم علماء السنة مثل الشيخ عبد العزيز رحمه الله، والشيخ محمد تجد حتى في عبادته ليس عليه هذا التكلف الزائد، وإنما على سجيته، الصحابة قبل ذلك لا يعرف عنهم هذا التكلف الزائد، وإنما كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « القصد القصد تبلغوا، لن يشاد الدين أحد إلا غلبه الدين، إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، واعلموا أنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وعليكم بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا »4 وهذه نفائس من النبي - صلى الله عليه وسلم - أمور عظيمة، هدي، نور، هذا معنى كلامه أشد الناس عبادة مفتون، بمعنى عنده تعبد وتزهد، وليس عنده علم فيفتن، كما قلنا يكون عنده العبادة ما وصلت إلى قلبه، حتى تثمر فيه الخشوع والطمأنينة، وإنما صار عنده إدلال على الله بالعمل، وصار عنده عجب، وصار عنده احتقار للناس، وربما قاتلهم كما فعلت الخوارج.
ولهذا لو تقرءوا في سير عباد أهل المدينة، تجد أنهم أقرب للهدي النبوي من عباد العراق، حتى في الصدر الأول، اقرأ سيرة سالم بن عبد الله بن عمر، والقاسم محمد بن أبي بكر، وسعيد بن المسيب، وأمثالهم، واقرأ في عباد العراق تجدوا أولئك دخلوهم نسكا أعجميا، سموا سلف النسك الأعجمي، بمعنى أمر زائد عن الحد، وعلى كل حال كل من أقبل على شيء واشتد طلبه له فهو مفتون فيه، لكن بعض الفتنة محمودة، مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « جعلت قرة عيني في الصلاة »5 بعض الناس يفتح له في الصلاة، ويحبها ويقبل عليها، هذا محمود إذا كان في حدود السنة، أو في العلم، بعض الناس يفتن في العلم، في الجهاد، في أمور كثيرة، إذا كان في حدود السنة محمود هذا.
لكنه فتنة في الحقيقة، يعني فتح له، بمعنى أما المذموم هنا هو كما قالوا: أن يكون هناك تعبد بدون علم؛ نعم.
1 : البخاري : المناقب (3610) , ومسلم : الزكاة (1064) , والنسائي : الزكاة (2578) , وأبو داود : السنة (4764) , وأحمد (3/4). 2 : البخاري : التوحيد (7562) , ومسلم : الزكاة (1064) , والنسائي : الزكاة (2578) , وأبو داود : السنة (4764) , وأحمد (3/4). 3 : البخاري : فضائل القرآن (5058) , ومسلم : الزكاة (1064) , وأحمد (3/33). 4 : 5 : النسائي : عشرة النساء (3939) , وأحمد (3/285).
|